![]() |
الطوفان - رواية تبحث عن مؤلف
تحية طيبة وبعد..
في هذا الملف سنعمل على كتابة روائية لطوفان الأقصى سنبدأ الرواية قريباً بإذن الله وننتظر مشاركاتكم في كتابة الرواية |
رد: الطوفان - رواية تبحث عن مؤلف
على بركة الله .. صديقتي
|
رد: الطوفان - رواية تبحث عن مؤلف
في انتظارك أديبتنا العزيزة
|
رد: الطوفان - رواية تبحث عن مؤلف
آسفة للتأخر بالرد والبدء بسبب ظروف استثنائية
على بركة الله نبدأ على فكرة: الموقع مستهدف |
رد: الطوفان - رواية تبحث عن مؤلف
طوفان الأقصى الطوفان الفصل الأول في محبسه المظلم المكتظ ؛ كانت تعاوده الذكريات ، منذ أن كان يحبو فوق الأرض الإسمنتية ليتعلق بثوب أمه ، وتمتد يدها الخشنة المحمرة المتعبة إليه لترفعه وتحمله.. ذكريات الطفولة تدور الأرض فيه ويدور به شريط الذكريات - لماذا؟! يسأله جاره في الزنزانة • لا أحد في العالم يسأل " لماذا؟ " كما يسألها الفلسطيني يا عزيزي - أنا لم أقصد ما ذهبتَ إليه ، أقصد... يبتسم له ويتركه يشرح قصده وفحوى سؤاله، ويعود هو لشريط ذكرياته * كان المخيم الذي وُلد فيه فقيراً متهالكاً ومكتظاً بالناس .. برجالٍ تبكي وأطفالٍ تلهو وتضحك.. تلهو بكرة جراب وتضحك حتى لا تبك من شظفٍ وحرمان..- ما تبكي يَمّى يا زكريا.. عنا بيوت حلوة وكبيرة وبيارات ، بس أولاد الكلب الإنكليز جابولنا من البحر مجرمين ولصوص سرقوها منّا والده يكمل • الرجال ما بيبكوا .. الرجال بيحرروا البيت وبيطردوا اللصوص يسأل شقيقه زكريا : ((هالقيت ليه أنتَ وعمي أبو محمد وعمي أبو فاروق بتبكوا يابا؟ نحنا منبكي لأنه ما عم نلاقي بندقية نمشي فيها على درب التحرير ونطرد اللصوص يقفز شقيقه الأصغر محمد على ظهر والده وهو يقول: - ما تبكي يابا أنا بصنع لك بنقدية يضحك الأب ويأخذ ابنه إلى صدره يضمه بحنان وثقة * كان هو ورفاقه في الزقاق الضيّق يلعبون " مقاومون ولصوص" وكانوا جميعاً يريدون أن يكونوا في فريق المقاومين ، ويرفضون أن يكونوا في فريق اللصوص الصهاينة ، فاتفقوا أن تكون العقوبة لمن لا يجيد دور المقاوم أن يوضع في فريق الأعداء ... وكان المقاومون دائماً ينتصرون على فريق اللصوص الصهاينة.. - فريق المقاومة دايما هو اللي بينتصر يابا ، بتعرف ليه؟ • لأن المقاومين يا يحيى أصحاب الحق والأرض والإيمان بنصر الله إن أخلصوا.. - بس نكبر رح نتسلح ونحارب وننتصر عليهم ونرجّع فلسطين يابا * في يوم ربما كان في السابعة من عمره، أخذه والده معه في زيارة إلى صديق ، ثم حمله فوق كتفيه واقترب من السياج وأشار له • هْناك يا يحيى في " مجدل عسقلان" بيتنا وبياراتنا وكل أجدادك دفنوا هْناك.. كانوا كل ما يولد ولد يزرعوا غرسة شجرة باسمه.. متجذرين في الأرض آلاف السنين .. في يوم أسود جاب الإنكليز مجرمين لصوص جمعوهم من كل بلاد الغرب ، ودربوهم وسلحوهم ونحن كان ممنوع علينا يكون عنا فشكة بندقية.. فاتوا علينا ذبحوا وقتلوا وعلقوا الناس عالأشجار - دمنا كان سارح سواقي على الطرقات – كانوا يدخلوا البيت يقتلوا أصحابه ويرموهم ويسكنوه .. مجازر وجراح ودموع يابا .. قاومنا بكل ما نقدر عليه بس قيادات العرب خذلونا وما حد سلحنا..! * أخذ نفساً عميقاً ومسح بكلتا يديه دموعاً حارقة أخذت طريقها على صفحتي وجهه.. نعم .. الرجال يبكون ، لكنهم يخفون دموعهم قدر المستطاع... * أعاهدك يا أبي أن نستعد للعدو ونحرر أرضنا الطاهرة ، ونلتزم بقول الله سبحانه في كتابه الكريم: بسم الله الرحمن الرحيم وأعِدُّوا لهم مَّا استطعتُم مِن قوَّةٍ ومِن رباط الخيل تُرهبُونَ بهِ عَدُوَّ الله وعَدُوّكم وَاخِرينَ من دونهم لا تَعلمونهمً الله يعلمهم وما تُنفقوا مِن شيءٍ في سبيلِ الله يُوَفَّ إليكم وأَنتُم لا تُظلمون صدق الله العظيم أعاهدك يابا* في مخيمه وببين الأزقة كان يرى الكثير من الأحداث...اقتحام جنود الاحتلال.. تنكيل وتخريب .. اعتقال واغتيال .. |
رد: الطوفان - رواية تبحث عن مؤلف
كانت تعود به الذاكرة لمحكيات جده عن المقاومة في ثورة 1936 ضد الانكليز ومخططاتهم؛ عن البطل عز الدين القسام وكل الأبطال وكيف كانت الأسلحة شحيحة والتكتل لصد عدوان العصابات الصهيونية التي يسلحها الإنكليز بغاية الصعوبة.. لكن الإرادة رغم كل ما جرى منذ بداية فصول المؤامرة ، كانت ولم تزل قوية ولدتها الضرورة الملحة، فأن تهجّر قسرا من بيتك إلى مخيم العراء بكل ما تحمل الكلمة من معنى، وأن تستبدل سريرك الناعم الدافئ برمل البحر المتلاطمة أمواجه شتاء في سمفونية الزمهرير القارس المتناغمة مع برودة الرمل الناخرة للعظام لا تولد فيك إلا مقاوما، فأنت على كل حال تغتالك الظروف القاسية ببطء، والأجدر أن تسارع للانضمام للمقاومة لتنال في أسوإ حال شرف الشهادة والارتقاء إلى السماء بعز وإباء.
تلك كانت فكرة كل شاب من شباب فلسطين، وهي فكرة فرضت نفسهابطبيعة الحال بين شباب المخيم.. شرد يحيى مليا في فكرة المقاومة التي انتشرت في المخيم كما تنتشر النار في الهشيم، بعد انسحاب لجيش المصري وكيف شدت عضدها بسواعد المتطوعين ومباركة الأمهات والنساء الأبيات؛ حتى أنه كان عيبا أن يخلو بيت في المخيم من مناضل. وما أكثر شرود يحيى في محبسه المظلم المكتظ ومنه.. |
رد: الطوفان - رواية تبحث عن مؤلف
على بركة الله موفقون إن شاء الله ..
|
رد: الطوفان - رواية تبحث عن مؤلف
كان يحيى لا يتجاوز العاشرة من عمره عندما بدأت الأحداث تتوالى في مخيمه ، كان يلعب مع أصدقائه كرة القدم في أحد الأزقة الضيقة، والضحكات تتطاير في الهواء، وكأن العالم كله قد توقف عند تلك اللحظة فجأة، سمع صوت هدير عجلات مدرعة تقترب بسرعة، تلاه صراخ الأطفال بالجنود وهم يقفون أمام المدرعة بكل جسارة.
بسرعة البرق ، ألقى يحيى الكرة من يده ، وقف كشجرة الزيتون التي تمتدّ جذورها عميقاً في الأرض ، رأى جنود الاحتلال الإسرائيلي يقتحمون المخيم، أسلحتهم مشرعة، وجوههم تعكس وحشية لا توصف بدأ الجنود بتخريب ممتلكات الأهالي، وحطموا النوافذ والأبواب، وعبثوا بأثاث البيوت. "يا الله، إيش بيصير؟!" صرخ يحيى وهو يرى الدمار الذي لحق بمخيمه. |
رد: الطوفان - رواية تبحث عن مؤلف
وكانت الصرخة من أهالي المخيم صرخات لا تهاب المحتلّ الجبان ؛ صرخات مدوية ودمار على مرأى العيون الساهمة .. وصرخة خرساء دفينة من ألم في القلوب التي لا تنكسر.
ترجل عساكر العدو من جيب تعقب المدرعة، اقتحموا البيوت اعتقلوا شبابا في مقتبل العمر، صفدوا أيديهم بسلاسل يصعب معها الهروب،أرادوا أن يدسوهم كالخراف في ناقلة الجنود لكن هيهات، فهامات الشباب لم تنحن، وعند مغادرتهم المخيم توالت طلقات بنادقهم في الهواء لترعب الأهالي ، اختفوا وراء المخيم كفص ملح داب لم ير لهم أثر. خرج الأهالي، كثر ضجيج السؤال عن المختطفين. تشابكت الأجساد مهرولة يمنة ويسرة كل يسأل عن قريب أو جار أو عزيز ممن سلب من المخيم، بوصلتهم شموخ عال لا يهاب العدو،؛ مبحوح عند درجة لا تعرف الانهيار، والتضرع إلى الله يصعد من فوهات قلوب جريحة لكنها مؤمنة ثابتة. - يا الله سلبوا مني كبدي. تبكي ثريا المنطفئ لون وجهها كمدا - مين في الأولاد يا خالة ؛ أحمد ولا محمود؟ تسأل أم يحيى - الثنتين يا عليا، من محراب عيوني اقتلعوهما، ما أشوف النور بدونهما؟ بس يا بنيتي الاثنين فدا تراب فلسطين |
رد: ر الطوفان - رواية تبحث عن مؤلف
حلّ الظلام على المخيم، حاملا معه موجة جديدة من الوجع والحزن .. تجمّع الأهالي حول نارٍ متوقدة، يحدقون في اللهب وكأنهم يبحثون عن إجابات في لواعجه،كانت وجوههم شاحبة، وعيونهم تحمل بريق الحزن والغضب.
بدأت النساء يتبادلن القصص عن المفقودين، كل واحدة تحمل في قلبها ألمًا كبيراً وثباتا لا يوصف، كانت ثريا تجلس بصمت، تضع يدها على قلبها، تحاول أن تهدئ دقاته المتسارعة، كانت تفكر في ابنها الأكبر محمود، الذي كان يحلم بأن يصبح طبيباً، ليعالج جرحى شعبه. أما أم يحيى، فكانت تحاول أن تبقى قوية من أجل يحيى،كانت تخبره قصصاً عن الشجاعة والصمود، تحاول أن تغرس فيه روح المقاومة. كانت تعلم أن ابنها سيكبر وهو يحمل هموم وطنه، وأن عليه أن يكون قويا مقاوما. |
رد: الطوفان - رواية تبحث عن مؤلف
لا يخاف ظلم الغادر، وكان ذاك ديدن كل الأمهات؛ لا تتوانى عن غرس بذور البسالة في الأفئدة وحملها لواء المقاومة ؛ لأنهن يعلمن حق اليقين أن العدو سرطان عنكبوتي لا يهدأ حتى يحقق خططه المسطرة في وعد بلفور؛ تثبيت قدمه القذرة في فلسيطن ثم مد أرجله الخبيثة فيما سماه الشريط الأخضر، فكان لزاما شحذ الطفولة بالمواقف الشجاعة؛ ومنها حكاية الشباب الذين كانوا يتسامرون ليلا بمعزل عن المخيم؛ ولم يكن سمرهم تحت ضوء القمر الساطع كسمر هاني البال؛ وقد شط بهم المآل إلى أسوإ حال؛ إنما كانوا يندسون في مخبئ عن العيون المراقبة لتدارس أفكار مواجهة العدو بصمت عن الآذان الملتقفة للأخبار.
وضعوا خطة أولية وقسم كبيرهم المهام بينهم: - حامد عليك بتجميع شظايا الحديد المتناثر من صنع الأبواب والنوافد من دكان العم حميد. - حسنا سأقترح عليه تنظيف الدكان في العطلة الأسبوعية. - عمر، عليك بجمع علب المعلبات الحديدية من مختلف الأحجام. - إذن سأقصد مجمع النفايات. - باسل، تدبر أمر البارود وليكن بكمية كافية لتنفيذ الخطة. - فهمت قصدك، لكن الأمر يتطلب وقتا كبيرا. كانت كل المهام ميسرة إلا مهمة باسل كانت صعبة تتطلب جهدا ووقتا وسواعد آمنة في حالة انعدام البارود جاهزا؛ فكان عليه صنعه بدراية ودقة وقد خبر جده العملية آمامه لصنع بارود الصيد، فكانت أول خطوة في مهمته التسلل خلف السياج للوصول إلى الكهوف والغيران التي لا ترى مطرا ولا ريحا فإنها تنبث أسنانا من الملح وفي عملية طويلة بطيئة معقدة يجهز البارود. تفرق جمع الشباب، وعاد كل إلى مسكنه في المخيم. وعند تقدم ملموس في المهام؛ كان كل منهم يمر على مربض الفرس في الخطة مكان معين؛ يترك علامة متفق عليها مسبقا بمستوى التدبير لكل مهمة إلى أن اكتمل التجهيز، وشرعوا خبئا في صنع القنابل بحشو العلب الحديدية بالشظايا الحديدية والبارود والرماد هذا الأخير الذي يزيده دفعة قوية حتى استوت القنابل، وتوزعت عليهم في قسمة ضيزى حسب الموقع والزمان والهدف المنشود إصابته.. |
رد: الطوفان - رواية تبحث عن مؤلف
أخيراً، حانت اللحظة التي طال انتظارها.. تجمع الشباب في مكانهم المتفق عليه، حاملين معهم قنابلهم محكمة الصنع. نظروا إلى بعضهم البعض، وقرأوا في عيون بعضهم العزم والإصرار، كان كل منهم يدرك تماماً خطورة المهمة التي سيقومون بها، ولكنهم كانوا مستعدين للتضحية بكل شيء من أجل وطنهم.
قال حامد بصوتٍ هادئ: "أتذكرون اليوم الذي اقتحموا بيوتنا وسرقوا أحلامنا؟ اليوم سنرد لهم الصاع صاعين." أومأ الجميع برأسهم موافقين. ثم بدأوا بتنفيذ خطتهم بدقة متناهية، تسللوا إلى مواقعهم المحددة، ووضعوا القنابل في الأماكن التي ستسبب أكبر ضرر للاحتلال. في لحظة من اللحظات، سمع دوي انفجارات عنيفة هزت المخيم،ارتفعت أعمدة الدخان الأسود إلى السماء، وسمع صوت صراخ الجنود.،كان الشباب يراقبون من بعيد، ويشعرون بالفخر والإنجاز. |
رد: الطوفان - رواية تبحث عن مؤلف
لم تمر هذه الواقعة بسلام على المخيم فقد جرفت معها تداعيات على الواجهتين؛ حيث أفزعت العدو من جراء الخسائر البشرية وأوجعت قلوب أمهات القتلى والأيام تتقلب دول "يوم لك ويوم عليك"؛ والكأس الذي شربت منه أولائكن فاض وجعا بالأفئدة في المخيم، وعلى قدر الفزع المروع هناك على قدر الفرح من تحقيق المبتغى هنا ، على قدر الحذر والحيطة من ردة الفعل المضادة..
|
رد: الطوفان - رواية تبحث عن مؤلف
استمر سيل الذكريات ، لم يعكره أصوات رفاقه الذي تعود عليه .. لكن صرير باب الزنزانة المفاجئ قطع حبل ذكرياته، تلاه ارتطام جسدٍ بالأرض.. جسد مكوّم يئن..
تحلقوا جميعاً حول الجسد المنتهك.. ماذا فعلوا بك يا حسن؟ .. الله ينتقم منهم .. صرخ أحد الرفاق ..! كان حسن متورم الوجه جريحاً جراء ما تعرض له من تعذيب وبينما كان الجميع منشغل بمساعدة حسن ونقله إلى فراشه وتضميد جراحه بما تيسر لهم في الزنزانة ، كان يحيى يبحث عن شخص لم يرتح له منذ رآه..! بالاستماع لما رواه حسن بصعوبة عن استجوابه وتعذيبه، تذكر تقرب أيمن من حسن منذ دخل الزنزانة ..! مرّت الأيام ولم يعد أيمن إلى الزنزانة.. ومات حسن بعد أقل من أسبوعين جراء ما تعرض له من تعذيب أثناء الاستجواب مع تقدم عمره ..! كانوا في المعتقل يسمون الجواسيس عصافيراً، ولم يكن من ادعى أنّ اسمه أيمن سوى أحدهم... هؤلاء العصافير إما صهاينة من المستعربين ( من اليهود السفارديم الذين يشبهون أي فلسطيني ويتحدثون العربية بطلاقة وباللهجة الفلسطينية ) أو خونة جواسيس من بني جلدتهم سقطوا في مستنقع الخيانة والتجسس. تعرف إلى العصافير وقذارتهم وما يتسببون به منذ كان طفلاً، كان عددهم قليل جداً لأنهم شواذ القاعدة من أصحاب النفوس الضعيفة .. وكانوا بالنسبة له العدو الأول والعشب السام الذي يجب اقتلاعه من الأرض الطاهرة. رحمك الله يا حسن.. كم من جاسوس تسبب باعتقال وقتل الكثير من الأبطال ؟!.. العصافير..! وعادت به الذكريات حيث كان، إلى الطفولة والمخيم .. كان حامد ورفاقه من خيرة الأبطال ، لكن عصفوراً رخيصاً ، تجسس عليهم وقام بنقل الأخبار للعدو وقبض الثمن ، حفنة قذرة من أوراق الشيكل..! في الصباح الباكر وبعد صلاة الفجر ببرهة قصيرة استيقظ الجميع على أصوات مكبرات صوت العدو تعلن فرض منع التجول على المخيم ، وقاموا بالتخريب والترويع والتفتيش واعتقال الشباب ..! بعد أيام فوجئ أهل المخيم بخبر مروع.. أبا حازم قتل ابنه ..! اقتحم جيش الاحتلال المخيم وقام بالقبض على العم أبي حازم .. كان يصرخ بصوت صلب جريح: ((أيها الناس لقد طهرت فلذة كبدي وقرّة عيني من رجسه بدماءه .. طهرته من خيانته بعد أن عثرت على المال القذر في متاعه)) |
رد: الطوفان - رواية تبحث عن مؤلف
لفحت نسمات الصباح البارد وجوه النائمين، مكشفة عن مشهد مأساوي. بدت الشمس، وهي تشرق من خلف التلال، حزينة تراقب عيوناً دامعة وأرواحاً مكلومة من الصدمة ، صمت القبور يخيم على النفوس المكلومة، تتخلله شهقة هنا وزفرة هناك، ليبدو المخيم سفينة تائهة في بحر من الحزن، تحركها أمواج الأسى.
خيانة حازم، كالصاعقة، ضربت المخيم وكشفت عن وجه الاحتلال القبيح وعمق الجرح الذي أصاب الكل ، شعر الشباب بغضبٍ شديد هو بركان خامد قد يثور في أي لحظة ، مدركين أن العدو لا يتردد في استغلال أضعفهم وأحبتهم لتحقيق أهدافه. أبا حازم، جبل المحامل في الوفاء للوطن، وأم حازم، حزن الزوجة ولوعة الأمومة..! في مقهى المخيم السري، حيث الأضواء خافتة والأصوات همسا، اجتمع الشباب، كلٌ يحمل في قلبه حكاية وجرحاً نازفاً، يتبادلون النظرات بلغة واحدة: لغة الألم والأمل،يتحدثون عن حازم، خيانته، والمستقبل المجهول "لقد خاننا أحدهم، لكننا لن نخون أنفسنا"، قال حامد بصوتٍ حزين "سنثبت للعالم أننا أقوى من أي خيانة، وأكثر إصراراً على الحرية" كانت كلماته شرارة أشعلت النار في القلوب. شعروا بقوة جمعتهم وقوة هدفهم، ورأوا في حادثة حازم دافعاً قوياً للمقاومة، وكأنهم يقولون: "إذا استطاعوا قتل أحلامنا، فلن يستطيعوا قتل روح المقاومة فينا" في تلك اللحظات، تحول الحزن إلى غضب، والخوف إلى تحدٍ… |
رد: الطوفان - رواية تبحث عن مؤلف
شحنة مندفعة من إصرار توهج في صف المقاومة، أفكار جديدة طرحت للمناقشة، تكتيكا أخر سينفد في أوانه، والتريت مطلوب في هذه الظروف، تفرق الشباب والعيون تبوح بدفقة الشجاعة؛ ضياء القلوب المسكونة بحب الوطن، مر أحدهم ببيت أم حازم سمع أنينا منبعثا من جراح الألم؛ بفقد ابن خانه الضعف وترك بصمة عار على جبين لن يقوى على مقابلة أهل المخيم، وأسى على زوج سجن مفجوعا من صنيع ابنه وإن طهر عرضه بقتله. استأذن للدخول عليها.
- تفضل ابني أجابته بنبرة مذبوحة. كانت ملامحها غارقة في غصة الحزن الضاربة في الأعماق، دموع مهروقة في أخاديد رسمها تكتل الألم على جدار القلب. - هوني عليك يا خالة، ما وقع مقدرا في علم الغيب، ليكن إيمانك بالله قويا، زوجك مصيره كباقي السجناء، أما ولدك فالعدو استغل بعض الشباب؛ ربما خوفهم من التهديد الذي قد يودي بأُسَرهم بأسرها جعلهم يضعفون. قال عمر، وقد خلق أعذارا للواقعة المخزية ليهون عليها المصاب المزدوج، ووعدها بالاعتناء بها، وأن حضورها بين نساء المخيم لن يسبب لها أي إحراج ما دام العار مغسولا. فاجأته بردها: * الله لا يرده.. ببكي علينا ما عليه.. يا خسارة الحليب اللي رضعه قبّل رأسها المطأطأ في انحناء مسدود المجال، ولثم شفتيه بيديها الغارفتين من بياض الجبال في فصل شتاء قارس، خرج وقد أسدل الليل ستاره على المخيم كما أسدل الحزن والخزي ثقله على قلب أم حازم. |
رد: الطوفان - رواية تبحث عن مؤلف
استكان جسده المتعب إلى برودة الحجر، وعيناه تتجولان في ظلمات الزنزانة، وكأنها تبحثان عن شرارة أمل في هذا الظلام الدامس. كانت الذكريات تتدفق كسيول عارمة، تحملّه إلى أيام طفولته البريئة، حيث كانت الحياة مجرد لعبة بسيطة. تذكر كلمات جده الحكيم وهو يهمس له: "سنعود إلى ديارنا يا بني، إلى أرضنا التي سرقوها منا". كانت كلماته بمثابة نسمة هواء عبير تجدد في نفسه الأمل، وتقوي عزيمته على الصمود.
تمرّ الليالي كالساعات، كل يوم نسخة طبق الأصل عن سابقه، يجلس في صفوف متراصة، يأكل من أوانٍ قذرة، وينام على فراش من القش، كان زميله، عصمت، يهمس له في الظلام: "أتذكر عندما كنا نلعب في حقول القمح؟ كنا نعتقد أن السماء هي حدودنا". وعندما سأله عن أحلامه، أجاب بصوت خافت: "أحلم أن أرى وجه أمي مرة أخرى، وأن أشرب من ماء بئرنا". كلما سمع كلامه، ازداد يقينه بأن الأمل الذي زرعه جده في نفسه يكبر وينمو في داخله. |
رد: الطوفان - رواية تبحث عن مؤلف
هو الأدرى بمعنى هذا الحلم؛ فمفهوم الأم لا يقتصر على أمه البيولوجية التي اشتاق إليها، وإنما أيضا هي أرض فلسطين الطاهرة التي انتزعت من أهلها غصبا، فحلمه الكبير هو أن يراها محررة شبرا شبرا كما كانت في سابق عهدها قبل أن يدنسها العدو، والبئر آبار؛ هي نعم استولى عليها العدو الغاشم؛ وهو حلم أصحاب الأرض قاطبة؛ وحلم المقاوم يختلف عن حلم من لا يحمل سلاحا أي كان هذا السلاح، وهذا هو الأمل المنشود.
سافر يحيى بخياله في ردهات الزمن الدفين بين أحضان أمه تشده بقوة وهو يرغب في الانفلات منها للعب مع أقرانه، تسلل من أدرعها وهو يغالبها بنظارته الاستعطافية لتحريره من خوفها، تجمع وأصدقاءه فوق أكمة قريبة يجمعون أزهارها بحركات بهلوانية مثيرة ضحكات بريئة ما فتئت تبلغ الآفاق حتى حبس أنفاسها رعب دب في قلوب الصغار؛ فروا مسرعين إلى مساكنهم مخبرين الأهالي بقدوم العدو. طوق الجنود المخيم للاستيلاء على قسم منه لتوسعة المستوطنة الصهيونية التي قاموا ببناءها، انتزعوا أهالي الأرض التي حددوها لهدم مساكنها من ديارهم غصبا؛ ومن لم ينفد أمر الإخلاء مات صريعا ببنادقهم. وجوه واجمة عيون كالجمر ونفوس مخنوقة أرادوا لها مغادرة المخيم إلى اللاوجهة، إلى أين مجدداً أيها اللصوص؟!.. سكان المخيم أصلاً هُجِّروا من مدنهم وقراهم وبيوتهم عام 1948 وقف الأهالي بوجه الجرافات وجنود العدو صفاً واحداً متحدياً ، ولم يتزحزحوا من أماكنهم حتى انسحب العدو مندحراً بجنوده وجرافاته. ولكن انسحاب العدو كان غالي الثمن.. على الأبواب سالت دماء واستشهد أحبة..! تسمر يحيى مكانه، جحضت عيناه حين رأى جثة صديقه مروان مرميا على عتبة بيته وفي يده باقة الزهور التي كان ينوي أن يقدمها لأمه هدية..! كبر يحيى فجأة .. بدأ يتشكل في أعماق ذاته بركان ..! آه من الظلم .. آه يا مروان.. سأثأر لك يوماً بإذن الله |
رد: الطوفان - رواية تبحث عن مؤلف
في غمرة الوجع ووجه مروان المدمى معلقاً في سماء ذاكرته كالقمر في كبد السماء، استرجع ذكريات ابتسم لها حين كان مع أطفال الحي يزورون الحاجة ببيتها، وهي تستقبلهم برحابة صدر، تقدم لهم الحلوى، وهي تقول:
"هذه حلوى النصر". أخبره ياسين مرة أنها تملك أسرارا كثيرة، فبيتها فيه غرفة سرية.. لم ينم ليلتها، وهو يفكر بأسرار الحاجة، كما يلقبها أطفال الحي، وجل شبابه، ويتساءل ماذا يمكن أن يكون بالغرفة السرية. في صباح اليوم التالي، سأل أمه: * هل تعرفين أن للحاجة أسرارا؟ _ قصدك ست ميسون؟ إنها تملك حكايات فلسطين كلها، اعتقلها المحتل مرتين، وفي كل مرة تعود أقوى من السابق، ست ميسون لا يقهرها المحتل، تقف أمام جندي العدو بثقة وتحد، لقد فقدت خمسة من أبنائها، والسادس أسير منذ سبع سنين، أما السابع فلا أحد يعلم أين هو، يقول البعض إنه مات، وآخرون يقولون إنه لم يشبه أمه وإخوانه في شيء وغادر الوطن بعيدا عن الحرب، والمستمر، والاحتلال.. حين تذكر كلمات أمه ابتسم، فقد صار يعلم الآن أن ابنها السابع واحد من المقاومين بالضفة، وهي التي كانت تأخذ له البنادق والبارود خفية، كأنها عجوز ذاهبة لغرض يخصها، فلا يشك بها الجنود الإسرائليون.. ست ميسون حكت له كيف دمرت إسرائيل قرى ومدنا، وكيف احتلت أخرى.. كان دائما يقول لنفسه إنه سيسترجع من المحتل أرض الوطن ويستردها، فأرض فلسطين لفلسطين |
رد: الطوفان - رواية تبحث عن مؤلف
في دهاليز بيت أثري، حيث تتشابك خيوط الزمن وتنسج حكايات الماضي، كان يحيى يتجول كظلٍ هائم بين الأركان،عيناه تتفحصان كل زاوية وكأنها تبحث عن قطعة مفقودة من اللغز، وفي أحد الأركان المظلمة، اكتشفها: ورقة صفراء متآكلة الحواف، حروفها باهتة كأنها تهمس سرّا لا يُفصح عنه إلا للمستحقين.
انطلق يحيى في رحلة استكشاف شيقة، متنقلا بين صفحات الكتب المتراكمة على الرفوف، كان يستمع بشغف إلى حكايات الحاجة، تلك المرأة العجوز التي تحمل في قلبها كنوزا من الحكمة والتاريخ، مع كل قصةٍ، كان يكتشف جانبا جديدًا من شخصيتها القوية، وشعوره بالرهبة والإعجاب بها يزداد. لم تكن الغرفة السرية مجرد مكانٍ للاختباء، بل كانت معبدا للمقاومة، قلعةً تحرس أسرارا لا تُكشف إلا للأوفياءجدرانها كانت شاهدةً على اجتماعات سرية، ومخططاتٍ عسكرية، وأحلامٍ كبيرة. في ليلة قمرية، جمعت الحاجة يحيى إلى جانبها، ورأت في عينيه الشوق إلى المعرفة، سألها بصوتٍ مرتجف عن سر الورقة، فابتسمت له ابتسامة حانية، وقالت: "يا بني، هذه الورقة هي خريطة إلى عالم آخر، عالمٍ مليء بالأمل والتحدي…ولكن عليك أن تكون مستعدا للمخاطر التي قد تواجهك". تلك الكلمات لامست أعماق روحه، وحركت في داخله مشاعر متضاربة من الخوف والإثارة… شعر يحيى وكأن دماء الأجداد تجري في عروقه، وأن روح الثورة قد استيقظت فيه ، كان يشعر بالقوة تتدفق في جسده، والإصرار يتأجج في قلبه.. أخيرا ..وجد هدفه وطريقه ، طريق النضال والمقاومة في سبيل تحرير وطنه! |
رد: الطوفان - رواية تبحث عن مؤلف
منذ استشهد مروان ورأى دمه ينساب فوق باقة الزهور يكللها بدماءه النقية ؛ ويواجه تحرش المستوطنين بدناءتهم وإجرامهم بأهل المخيم لم يعد يحيى يحفل باللعب واللهو..!
أخذه الدم الطازج والجرح الغائر بعيداً عن ملاعب الطفولة ... بات يرافق جده لصلاة الصبح في مسجد المخيم الصغير يومياً ، ويجلس إلى شيخ الجامع طويلاً يسمع تجويد وترتيل القرآن الكريم ، ويصغي ملياً للسيرة النبوية العطرة وحياة الصحابة وأخلاقهم وصبرهم واحتمالهم وجهادهم... يحب كثيراً زيارة الحاجة، والجلوس إليها والإصغاء لها ، ويفرح لما تعطيه من كتيبات تناسب عمره يقرأها وتناقشه فيها وتجيب عن أسئلته عدونا مجرم شرس يدعمه الغرب الاستعماري بكل ما يملك من سلاح وعتاد ومال اعرف عدوك جيداً يا يحيى وتعلم كل شيءٍ عنه أرض الوطن المغتصبة لا ترتوي سوى بالدماء الزكية إياك أن تنسى لن أنسى يا حاجة .. أعدك |
رد: الطوفان - رواية تبحث عن مؤلف
[color= كانت الحاجة هي المرأة الثانية التي علمته ما معنى الأرض، ما معنى الوطن، وكان قد أخذ على عاتقه حماية الوطن الأم، مثلما يحب دائما حماية أمه، فهي أمانه، وهكذا، تعلم أن الوطن حضن وأمان.. لم ينس يحيى الحاجة التي يحس بها أما ثانية في غياب أبنائها المقاومين. كلمات الحاجة كان يحبها كثيرا ويحاول دائما أن يذهب إليها ليسمع حكاياتها ونصائحها، ووصاياها. وفي يوم دخل بيته فوجد الحاجة مع أمه تبارك لها المولود الجديد، وتقول " إنه واحد من الذين سيدافعون عن هذه الأرض، ويحمون هذا الوطن، سيطردون المحتل قريبا، إنه محمد" والتفتت إلى يحيى عندما انتبهت لوجوده، وهو يقترب مبتسما ليرى شبيهه الصغير كما سمع الحاضرين يقولون، فتقول له "هكذا كنت أنت، ومثلك سيصير محمد، ولكن أنت عليك أن تصبح صلاح الدين عصرك، عليك أن تطرد المحتل، قاوم يا بني، وعلم أخاك مقاومة العدو ".
كانت وصية الحاجة حلقة فضية لا تغادر مسمع يحيى، فقد كان دائما يسترق الخطوات ليذهب إلى محمد، وهو نائم أو وهو يلاعب يديه والصغيرتين، فيمسكهما يحيى، ويقول له" بهذين اليدين سنحارب العدو.. احمل حجرا.. احمل سلاحنا.. قاوم قاوم.. واطرد الأعداء من أرضنا أنت سندي.. أنت أخي" وأحيانا يجلس إلى أخيه في خفية من الكبار، يأخذ المصحف الشريف، ويقرأ على مسامعه آيات بينات من الذكر الحكيم، كان يحب دائما أن يقرأ قول الله تعالى: {(23) اذْهَبْ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ (24) قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (25) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (26) وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي (27) يَفْقَهُوا قَوْلِي (28) وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي (29) هَارُونَ أَخِي (30) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (31) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (32) كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا (33) وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا (34) إِنَّكَ كُنتَ بِنَا بَصِيرًا (35) قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَىٰ} /(سورة طه)، ثم يلتفت نحو القبلة ويقول "يا رب أنا عبدك.. أنا الصغير الذي أرجوك وأقول لك يا ربي أنا يحيى اجعل لي وزيرا من أهلي محمدا أخي كي نسبحك كثيرا ونذكرك كثيرا إنك كنت بنا بصيرا.. يا ربي أعنا على العدو وانصرنا" color] |
رد: الطوفان - رواية تبحث عن مؤلف
الفصل الثاني الفتوة حين ولد شقيقه الأصغر محمد ، كان قد تجاوز الثانية عشر من عمره ، وشقيقه زكريا تجاوز العاشرة كان وشقيقه زكريا يدرسان في مدرسة مخيم خانيونس التابعة للأنروا ( وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين التابعة للأمم المتحدة). مدارس الأنروا امتازت بمستوى جيد في التعليم وعالي في اللغة الإنكليزية ، مع باقة من الأساتذة المتمكنين في كل منها، وكان يحيى وزميله اسماعيل يعشقان اللغة العربية، وقد تميز اسماعيل بقراءة القرآن والتجويد بأداءٍ جميل وصوت عذب. بعد عصر كل يوم خميس، كان يحيى يذهب لزيارة الحاجة بناء على رغبتها واتفاقها مع والدته، وعندها كان يلتقي بباقة من رفاقه، وبعد ولادة شقيقه محمد بات زكريا غالباً ما يرافقه. سألها يحيى يوماً : (( هل لليهود حقا تاريخياً في فلسطين ، وهل هم أبناء عمومتنا؟؟)) أجابت: (( المحتل يا يحيى دائماً ما ينسج أساطيره ليبرر احتلاله ، لكن الأساطير والأكاذيب تسقط دائماً أمام الواقع والحقيقة)) * اليهودية ديانة لا جنساً بشرياً ، وهؤلاء كما شاهدتهم مراراً من أعراق شتّى، لا يشبهون حتى بعضهم البعض، فكيف يكونون أبناء عمومتنا؟! |
رد: الطوفان - رواية تبحث عن مؤلف
أحس يحيى بضيق في صدره كأنه يحمل صخرة ثقيلة.
سؤاله كان يرن في أذنه، وكأنه صرخة باحثة عن إجابة.. نظرات الحاجة إليه كانت كأنما تنظر إلى أعماق روحه، وكأنها تحمل في عينيها حكايات أجيال. "يعني هم مش قرايبنا؟" سأل بصوت خافت، وكأنه يخشى أن تكون الإجابة مؤلمة. ابتسمت الحاجة ابتسامة حانية، وكأنها تقول له: "لا تخف يا حبيبي، سأخبرك الحقيقة." ثم بدأت تتحدث بصوت هادئ، وكلماتها كأنها سهام تصيب أهدافها بدقة: "القرابة يا بني ليست بالدم وحده، بل بالقيم والمبادئ. هؤلاء الذين تعتقد أنهم قرايبنا، هم من احتلوا أرضنا، وقتلوا أبرياءنا، فكيف يكونون قرايبنا؟" توقفت للحظة وكأنها تترك الكلمات تتردد في الأجواء، ثم تابعت: "سأروي لك قصة يهود سيدنا موسى، الذين عاشوا معنا على أرضنا ردهة من الزمن، وهؤلاء من الساميين مثلنا ، لكنهم لم يكونوا أسلاف من احتلوا فلسطين من الأوروبيين الذين تهودوا في زمن لاحق ولا صلة تجمعهم بيهود موسى . هرلاء اليهود الأوائل عصوا سيدنا موسى وصنعوا عجلاً ذهبيا عبدوه من دون الله، وغضب الله عليهم وتاهوا في صحراء سيناء أربعون سنة، وحين دخلوا غلى فلسطين تكبروا على أهل البلاد وادعوا أن لهم الحق في كل شيء وافتروا على الأنبياء وحاربوهم وأكلوا الربا . هذا المسلك السام كاد أن يدمر كل شيء." جاء نبوخذ نصَّر وقام بسبيهم إلى بابل، وهم ومن تهودوا لاحقا من العرب والمشرق يعرفون باسم اليهود " السفارديم " أما يهود الغرب الذي بدأ تهودهم في القرن السادس عشر وعرفوا باسم " الأشكناز " حين تعرضوا للاضطهاد في ألمانيا النازية ، فكروا بإنشاء وطن قومي وكان على لائحتهم ثلاث دول ، إلى أن التقى مشروع أغنيائهم بالصهيونية المسيحية الغربية التي انضموا إليها بعد أن اختارت لهم أرض فلسطين ، وجاءت بهم بريطانيا لهم يحملون معهم أحقادهم ، ويزعمون أن الله وعدهم بهذه الأرض، وأنهم سيعودون ليستولوا عليها ، هذه الأكاذيب كانت كالشرار الذي أشعل الحروب والصراعات. "مع مرور الزمن، ظهرت حركات سياسية تدعم الفكرة واستغلوا معاناة اليهود في أوروبا، وبدأوا بالهجرة إلى فلسطين بأعداد كبيرة وانضم فيما بعد إليهم يهود المشرق." توقف يحيى عن التنفس للحظة، وكأنه يشاهد فيلماً مرعباً. لم يكن يتخيل أن التاريخ يمكن أن يكون بهذه القسوة والظلم. "هذا الهجوم على أهلنا، هذا الاحتلال لأرضنا، لم يكن وليد الصدفة، بل كان نتيجة لتاريخ طويل من الأكاذيب والمؤامرات. وهم يحاولون الآن أن يبرروا كل هذا بحقوق تاريخية وهمية، ولكن الحقيقة هي كما ذكرتها لك " أحس يحيى بغضب يشتعل في داخله، وكأنه بركان على وشك الانفجار. لم يعد قادراً على تحمل هذه الأكاذيب وهذا الظلم . " وقد قرأت آيات في القرآن تذكر اليهود؟!" بنبرة استفهامية وصوت مرتجف فيه حيرة وتساؤل ردد يحيى هذه الجملة كانّه يبحث عن تفسير ومعنى. !! ابتسمت الحاجة ابتسامة حزينة، وقالت: "القرآن يذكرهم، ويذكر كيف كانوا يكذبون وينكرون نعم الله. القرآن يحكي لنا قصة نبي الله موسى وكيف قاد قومه من العبودية إلى الحرية، وكيف كفر به قومه. القرآن يعلمنا أن الحق لا يضيع، وأن الظالمين مهما طال بهم الزمن فإن عاقبتهم وخيمة." أحس يحيى براحة غريبة، وكأن شيئاً ما قد انطلق من قلبه، فهم أخيراً الحقيقة، وعرف أن الحق دائماً ينتصر، وأن الله مع الصابرين والمؤمنين… |
رد: الطوفان - رواية تبحث عن مؤلف
وصار يحيى فتى في لثالثة عشر متشبعا بكل قيم الوطنية والصمود في الدفاع عن الوطن ،الأرض التي لاتفارق كيانه،وبعد برهة من الزمن بدا له شعاع من السماء يرشده ويهديه إلى معنى التضحية حتى الارتقاء والوصول الى درجة الشهداء.
حفرت هذه العبارة بدم طاهر يسيل في مخيلة يحيى ،ونقلها الى باقي فتية المخيم الذي يعيش فيه ، ومع ذلك كله يحمل كل واحد منهم مشروع النصر ،وهم الأمة وما آلت اليه .غير مبالين بأهلهم وذويهم وبأمن أمتهم الاستراتيجي..! كانت أمنية الفتية بأن يسيروا حين يكبرون بخطى ثابتة ويلوحون بأيديهم :الله اكبر الله أكبر......وكانوا يستشعرون قيمة هذا التكبير الذي يثقون بالله سبحانه أن يأتيهم به إن أخلصوا النية على درب التحرير ،الذي ينهي في يوم مشروع الصهيونية الاستعماري ويحرر فلسطين ....... |
رد: الطوفان - رواية تبحث عن مؤلف
يحيى ، يا بني " همست الجدة بصوتٍ مملوء بالحزن والأمل ، وفي عينيها تأمل لعمق الزمن، "أرضنا، فلسطين، ليست مجرد قطعة أرض على الخريطة، بل هي حضن الأم الذي يحملنا ويحمينا،هي شجرة العائلة المتجذرة في أعماق التاريخ، وشاهدة على آلاف السنين من الحضارات المتعاقبة التي نحن أساسها. وجذورها،، من نسيج هذه الأرض نبتنا، هي لنا ونحن لها ..
توقفتْ للحظات ، عيناها تحدقان عاليا وهي تستعيد الحكايات المتوارثة عبر الأجيال "لقد سعت الحركة الصهيونية، المُدفوعة بالمعاداة السامية الأوروبية والرغبة في وطن قومي يهودي، إلى إقامة دولة لليهود في فلسطين ، استخدموا النصوص الدينية المزورة والأساطير للي عنق التاريخ في تبرير إغتصابهم، متجاهلين حقوق ومآسي الشعب الفلسطيني الحر الصامد الأبيّ ." أسرع ذهن يحيى ، فكر في كتب التاريخ وبعض النسخ المحرّفة للأحداث التي رسمت صورة مختلفة تمامًا "لكن .." سأل، "أليس لهم حق في وطن؟" "بالطبع ، هم من شعوب شتّى لهم أوطان أتوا منها وعليهم العودة إليها بدل احتلال وطننا"، أجابت، "مشروعهم وطن يغتصبونه على حساب شعب هذا الوطن، والفلسطينيون، الذين عاشوا على هذه الأرض آلاف السنين، لا حق لأحد سواهم بهذه الأرض .. هذه الأرض جذرنا، أرضنا .. ونحن أغراسها ، أبناؤها " |
رد: الطوفان - رواية تبحث عن مؤلف
قبل أن يلتحق يحيى بالثانوية كان قد حفظ ما تيسر من القرآن الكريم، والحديث، وكذا الشعر. كان يحب سماع الخطب، فقد أثاره ذات مرة تجمع ثلة من الشباب، ثم سيرهم جميعا نحو مكان واحد، وقد عزم على أن يتابعهم، لمعرفة سر تجمهرهم، وإلى أين هم متجهون، ولم يكن قصدهم إلا المسجد، لقد سعد كثيرا لأنه طالما تمنى أن يجد الفرصة التي تسمح له بأن يكون قريبا من هذا الشيخ الذي يكاد يحفظ بعض خطبه، وهاهو الآن يجلس مع الشباب القادمين للتعلم على يديه، يسأله الشيخ عن اسمه فيجيبه وقد امتزج لديه الحياء بالفرح والثقة بالنفس، وهي أمور لا تخفى عن هذا الشيخ الجليل، الذي سأله بعد ذلك كيف وصل إلى المسجد، وما الهدف من وجوده لسماع الخطبة، وسؤال يدفع لسؤال آخر، ويحيى يعبر بعفوية وصدق، معبرا عن إعجابه بالشيخ قبل لقاء المسجد هذا، ثم كان درس الشيخ وخطبته، وخرج يحيى بنهاية الحصة كأسعد فتى على أرض تستحق الحياة.
حين عاد إلى البيت وجد الحاجة هناك تطمئن أمه، مؤكدة أنها لا يجب أن تخشى شيئا على يحيى لأنه رجل، ومع ذلك حين رأته أمه عاتبته على تأخره، لكنها سريعا ما هدأت وفرحت عندما علمت أن ابنها كان حاضرا بدرس للشيخ أحمد سعدة، وقد قالت إنها توافق على تأخر ابنها، مادام يحضر حلقات الشيخ أحمد سعدة، الذي حضر بعد حين معه أخويه زكرياء ومحمد. لقد أخبرته أمه أن الشيخ أحمد سعدة هو نفسه أحمد ياسين... |
رد: الطوفان - رواية تبحث عن مؤلف
يجلس الوالدان يحتسيان الشاي بعد تناول طعام العشاء ويتحلق الأولاد حولهما
يسأل الوالد: كيف حال الأولاد معك يا أم يحيى؟ تجيب الوالدة : الله يرضى عليهم ، شاطرين بدروسهم ومهذبين ، لكن زكريا كثير الغلبة، لا يتوقف عن الأسئلة ، ولا يترك أحداً لا يسأله ، حتى جارنا العجوز الحاج مراد ، يجلس بجانبه في الزقاق ، ويظل يسأله ويسمع له حتى يتعب الرجل ويدخل منزله يبتسم الوالد ويقول لها: • تتضح شخصية الإنسان في سن الفتوة، زكريا مهتم بالتاريخ، ويود أن يعرف من الناس كل ما جرى لهم مع الصهاينة والمجازر التي ارتكبت في مدنهم وقراهم ، ويكاد لا يفارق أستاذ التاريخ ، في طريق العودة من المدرسة ، ثم يأت ويسجل كل شيء في كراسته - يحيى لا يسأل • يحيى يسمع ويقرأ وكراسته في رأسه فهو متوقد الذكاء - الله اكبر ، قول ما شاء الله يا زلمَة ، عين المحب صيابة يضحك الوالد • في آخر الشهر تنته المدرسة، وسأسجلهما في النشاط الصيفي في " المجمع الإسلامي ، سيجد يحيى كثير من الكتب في مكتبتها ويسعد برفقة زميله اسماعيل، ويجد زكريا كل ما يبحث عنه من معلومات ، عندهم أيضاً نشاطات رياضية ومحاضرات ودورات تأهيل لمساعدة الأهالي إلخ.. - ما شاء الله ، تبارك الرحمن.. مستوصفاتهم والله ممتازَة وعندهم أطباء وممرضين ويساعدون الفقراء والأرامل والأيتام من المساعدات التي تصلهم ، الله يعطيه الصحة والعافية الشيخ أحمد ياسين على كل الخير اللي بيعمله هو والدكتور عبد العزيز الرنتيسي • اللهم آمين، جزاهما الله وكل من يتعاون معهما ويتبرع للمركز بكل خير يبتسم يحيى وهو يتذكر.. يا الله ما أجمل تلك الأيام في المجمع، وكم صقلت شخصيته وأفادته |
رد: الطوفان - رواية تبحث عن مؤلف
يحيى أحب جدا صديقه اسماعيل، وتعلق بالشيخ أحمد ياسين، كان يجد فيهما رائحة عسقلان التي طالما تمنى زيارتها، عسقلان التي كان يسمع والده يتحدث عنها بحيرة، فتدمع عينا أمه.
قضى يحيى وقتا ممتعة رفقة أخيه أصدقائه بالمجمع الإسلامي، تعلموا إسعاف المرضى، دخلوا بيوت عجزة وشيوخ ليس معهم من يعيلهم، فكانوا لهم كما كان عمر بن الخطاب وأبو بكر رضى الله عنهما للمرأة العجوز التي كانا يتفقدانها لمساعدتها يوميا. كانت مساعدة الناس متعتهم، فيسرق من حين لآخر ابتسامة من صدره الممتلئ غضبا وحقدا على المحتل، فيوميات البؤس بغزة ومخيماتها خلفت لديه قوة مثلما كما خلقت لديه رغبة ملحة في تغيير موازين غزة |
رد: الطوفان - رواية تبحث عن مؤلف
شريط الذكريات يأخذ يحيى ليحيا بالماضي، من الطفولة إلى هذه اللحظة التي تجعله يقبع بين أربعة جدران يعاني بعيدا عن أهله، ويفتقد الحرية كما يفتقدها وطنه، يعيش قهرا، وظلما وعذابا، شريط الذكريات يوازي شريط الآهات، فيقرر أن يكتب ويحكي بعض ما عاشه، وما يعيشه الفلسطيني بحروف جريحة تضمدها الكلمات، يرسم غزة بقلبه، لا ينسى شبرا من خريطة وطنه رغم أن الأنذال فرضوا رسما آخر للخريطة، يتذكر حيه وجيرانه، يشتاق إلى أصدقائه، ويحن إلى أمه، يفكر في حال الشيخ أحمد ياسين، وتدمع عينه حين تترقرق أمامه صورة الحاجة التي اعتاد زيارتها في طفولته، ولا يستطيع أن يختطف نفسه من هذه الذكريات، ولن يصغر أمام العدو الذي يطمح لقهره، لأجل ذلك يختلس لحظات ليختلي بالحروف حتى يكتب، وإن كان يروي رواية فلسطين دون أن يحدد نهاية، رواية لا يأس فيها، وإن ملأتها جراحات الوطن، ولأنه فكر في الكتابة، فقد صار عنده التأمل في الماضي أكبر، حيث تذكر الآن كيف كان ينتظر جديد ما سيقدمه ياسر عرفات، مستعيدا الشتات الفلسطيني، حيث غادر كثير ممن يعرفهم عن قرب غزة إلى خارجها، بل فلسطين إلى خارجها، كثيرا ما كانوا يذهبون إلى الدول العربية المجاورة، أو لدول الخليج بعد مضايقات واعتداءات الاحتلال الإسرائيلي لسكان المخيمات.
يقف يحيى قليلا، وقد اشتاق لأحبابه، الذين منعوا من زيارته، يغالب دموع الرجال في قهر، ويعود ليستمد قوته من الله الخالق القوي. |
رد: الطوفان - رواية تبحث عن مؤلف
زفرة عميقة حارة تكوي فؤاده ، وألمٌ شديدٌ يحفر رأسه ويمنعه من النوم في ظلام الزنزانة بينما الكل نيام
يقرأ ما تيسر من القرآن الكريم بهمس شفتيه وروح فؤاده ، ويسبّح الله كثيراً ويثني عليه ويرجوه الفرج ليس لنفسه بل لبلاده الجريحة المغتصبة وشعبه المظلوم . في مثل هذه الليالي يشعر وكأنه في قبر عميق الأغوار.. تضيق أنفاسه ويضغط بكفيه على صدغيه حيث يشتدّ الألم .. اللهم لا تمتني إلا شهيداً.. رجوتك سيّدي يستغفر الله مئة مرة وربما أكثر ويعود لشريط ذكرياته واضعاً يده اليسرى فوق قلبه المعذب.. يرتسم شريط الذكريات أمام ناظريه وكأنه شاشة سينمائية عملاقة .. يسترجع حتى الروائح التي يحبها ويشتاق لها.. يتخيل نفسه على شاطئ البحر يتمدد فوق الرمال وتغسل مياه البحر قدميه ويكاد يشمّ رائحة البحر.. بحر غزة الحبيب .. يتأوه مجدداً .. آه يا بحر غزة ويا رمل غزة كم أنا مشتاق .. يردد بهمس مطلع قصيدة أبو فراس الحمداني: أراكَ عصيَّ الدَّمْعِ شيمَتُكَ الصَّبْرُ = أما لِلْهَوى نَهْيٌ عليكَ ولا أمْرُ؟ بَلى، أنا مُشْتاقٌ وعنديَ لَوْعَةٌ = ولكنَّ مِثْلي لا يُذاعُ لهُ سِرُّ! إذا اللّيلُ أَضْواني بَسَطْتُ يَدَ الهوى = وأذْلَلْتُ دمْعاً من خَلائقِهِ الكِبْرُ تَكادُ تُضِيْءُ النارُ بين جَوانِحي = إذا هي أذْكَتْها الصَّبابَةُ والفِكْرُ تنساب الدموع حارقة تلسع وجهه .. يقلب صفحة البحر ورماله ويأخذه عبق الذكريات إلى المركز ورفاقه والأساتذة والمدربين .. يتذكر ما عرفه عن تأسس المركز عام 1973 ، وكيف بدأ يعمل على تقديم الخدمات الدعوية و التربوية و التعليمية و الثقافية و الرياضية و الاجتماعية و الطبية، معتمداً في ذلك على أهل الخير من الأفراد و الشركات و المؤسسات الخيرية و الاستثمارية في داخل الوطن و خارجه يتجول فيه بخياله وعين ذاكرته من المكتبة الضخمة إلى قاعة الندوات والمحاضرات ومركز قراءة وتحفيظ القرآن إلى المركز الرياضي والملعب.. كرة السلة التي أحبها كثيراً .. مركز النشاطات والمهارات ، وحتى رياض الأطفال يوم اصطحبوا شقيقه الأصغر محمد إليه لأول مرة العيادات الطبية والإسعافية والمجتمعية وتعلم مهارات مساعدة الناس وجوهر التكافل الاجتماعي .. حتى والدته شاركت في دروس ومهارات الخياطة والتطريز .. يبتسم حبا وهو يتذكر فرحتها بإنجازها لثوبها التراثي الفلسطيني بالتطريز المقدسي الجميل. كان هذا المركز عالم كامل بالنسبة له، فتح له ولصديقه إسماعيل وشقيقه زكريا آفاقاً واسعة للعلم والمعرفة والدين والرياضة في كل مجالاتها يتذكر محاضرة الثورة العربية الكبرى في فلسطين عام 1936 الأسئلة التي كان يوجهها هو وبقية الزملاء ويجدون جوابا وافياً لكل سؤال. |
رد: الطوفان - رواية تبحث عن مؤلف
أغمض يحيى عينيه، عائداً إلى ذاكرته مرة أخرى… تذكر تلك المحاضرة
التي ألهمت روحه، محاضرة عن الثورة العربية الكبرى في فلسطين عام 1936، والتي رسمت لوحة حية عن تلك الحقبة الصعبة، عن صمود الشعب الفلسطيني في وجه الانتداب البريطاني والهجمات الصهيونية المتكررة بقيادة عصابات الهاجاناه. لا تزال ذكريات تلك المحاضرة تدفئ روحه.. بدأ يفكر في تلك الأسئلة التي طرحها على نفسه، ويشعر أن هناك أسئلة أخرى تتطلب إجابات."ما الذي جعل الثورة العربية الكبرى تندلع في عام 1936 بالتحديد؟" تساءل يحيى"هل كانت هناك عوامل محددة أدت إلى تفجير هذه الشرارة؟" تذكر أن المحاضر تحدث عن السياسات الانتدابية الظالمة، وعن الهجمات الصهيونية المتكررة على القرى الفلسطينية، وعن تزايد الوعي الوطني لدى الشعب الفلسطيني، وعن دور شخصيات مثل عز الدين القسام في إشعال فتيل الثورة… "ما هي الدروس التي يمكن أن نستفيد منها اليوم من تجربة الثورة العربية الكبرى؟" سأل نفسه مرة أخرى "أعتقد أن أهم درس هو ضرورة الوحدة الوطنية"، أجاب بصوتٍ هادئ "فالشعب الفلسطيني قوي عندما يكون متحدًا، وضعيف عندما يكون منقسمًا"تذكر أيضًا أهمية المقاومة الشعبية، وأن النضال ليس حكرا على فئة معينة، بل هو واجب على الجميع. "هل يمكن مقارنة الثورة العربية الكبرى بالثورات العربية الحديثة؟" تساءل يحيى"هناك تشابهات عديدة، فكلا الثورتين كانتا ثورات شعبية ضد الظلم والاستبداد، وكلا الثورتين واجهتا قمعًا شديدًا، ولكن هناك أيضًا اختلافات، فالتحديات التي تواجهنا اليوم مختلفة، والتكنولوجيا المتاحة لنا تختلف،علينا أن نستفيد من تجارب الماضي، ولكن علينا أيضًا أن نبتكر ونطور إستراتيجيات جديدة لمواجهة التحديات الحالية". "ما الذي تعلمته من تلك المحاضرة عن الثورة العربية الكبرى؟" يسأل نفسه مرة أخرى، ليجيب بصوتٍ داخلي قوي: "لقد تعلمت أن الثورات لا تنجح بالصدفة، بل تحتاج إلى تخطيط وتنظيم ودعم شعبي واسع... تعلمت أن الوحدة الوطنية هي مفتاح النصر، وأن التفرقة هي سلاح العدو الأول... تعلمت أيضًا أن النضال المسلح قد يكون ضرورياً في بعض الأحيان، ولكن النضال المستمر والمقاومة الشعبية لا يقلان أهمية". يتذكر يحيى كيف كان يستمع إلى قصص الشهداء الذين سقطوا في تلك الثورة، وكيف كان يتمنى لو كان بينهم، يشعر بالأسف لأن جيله لم يحظ بفرصة المشاركة في تلك الثورة، ولكنه يدرك في الوقت نفسه أنه يحمل على عاتقه مسؤولية مواصلة النضال. "هل كان يمكن للثورة أن تحقق أهدافها لو استمرت؟" يسأل نفسه، ثم يجيب: "ربما، ولكن الظروف الدولية كانت معقدة، والتدخل الأجنبي كان قوياً… ومع ذلك، فإن الثورة العربية الكبرى كانت نقطة تحول في تاريخ فلسطين، وأثبتت للعالم أن الشعب الفلسطيني لن يستسلم أبداً". يتساءل يحيى أيضًا عن الدروس التي يمكن أن يستفيد منها جيله من تجربة الثورة العربية الكبرى. يجيب: "علينا أن نتعلم من أخطاء الماضي، وأن نبني على إنجازات الثورات السابقة، علينا أن نوحد صفوفنا، وأن نعمل معًا لتحقيق هدفنا المشترك وهو تحرير فلسطين". يشعر يحيى بأن هذه الذكريات تمنحه الأمل والقوة لمواجهة المستقبل… إنه يدرك أن الطريق إلى الحرية طويل وشاق، ولكن إيمانه بالعدالة وبحق شعبه في الحرية يدفعه إلى المضي قدما. "سأخرج من هذا السجن، وسأعمل بكل ما أملك من قوة لإكمال مسيرة الشهداء"، هكذا يقول يحيى لنفسه وهو يغمض عينيه … |
رد: الطوفان - رواية تبحث عن مؤلف
لقد قاوم ضعف الحسرة كأسد بمعركة، ومع ذلك كادت تسيل دمعة حزينة على خده وهو يتذكر كل هذه الأحداث، ويتخيل أمه واقفة أمامه تقول له:
"ماذا هناك؟ أنت رجل والرجل لا يضعف، أنت فلسطيني، والفلسطيني لا ينكسر". ولولا وقوف ثلاثة من جنود الاحتلال أمامه فجأة، لطال حديث أمه إليه، لكن الرجل الفلسطيني الذي لا ينكسر، وقف أمامهم ندا، كأنه ليس ذاك الطيب الذي كان يجتمع بأحبابه قبل قليل في ذكرياته، نظر إليهم بحدة، كانت نظراتهم المتبادلة عميقة، وقد أحس الثلاثة بالخوف من عزيمته، وقوة شخصيته. كأنه يقول لهم: تبا لكم اقتلعتموني من ذكرياتي، ألا يكفيكم ما أنا فيه؟! .. انتظروا انتقامي.. آت مهما طال.. كان بصاق أحد الثلاثة على الأسد جبنا منه، فسريعا ما عاد بخطواته إلى الخلف وهو ينتظر ردة فعل الأسد التي لم تكن مباشرة حينها، إذ كان مشغول الفكر بأهله، بوطنه، بحل يخرجه من هذا المكان البئيس، صمت، ولم يحرك ساكنا حينها، فكل الحركات كانت بفكره و دمائه تغلي متقدة. خرج الأوغاد دون أن يصرحوا بما جاؤوا لأجله، وكان مجيئهم إليه قد خلق لديه هو تحديا أكبر وأقوى، ثم عاد إلى ركنه حيث كان يخال أمه تنتظره، ففكر في طريقة للهروب من السجن، وأثناء تفكيره شعر برائحة طيبة، أهي رائحة حقا أم إحساس؟! إنه ما يزال مع أمه وهي تصف له عسقلان ورائحة عسقلان، فردد بصوت خافت حديث الرسول صلى الله عليه وسلم" وإن أفضل رباطكم عسقلان". أمعقول أنه بسجن عسقلان الآن؟ ترى كيف حال أمه؟ وما أخبار أهله وأصدقائه؟ وكيف أنت يا غزة؟ لقد اشتاق إليك يحيى وإنه ليسعى في العودة إليك بأقرب وقت وبأية طريقة. قرر يحيى أن يجعل من الأسرى معه زملاء يخططون للمجد، والمجد ذكره أيضا بأمور كثيرة أخرى عادت به لمراحل فترته وشبابه من جديد |
رد: الطوفان - رواية تبحث عن مؤلف
|
رد: الطوفان - رواية تبحث عن مؤلف
قضى مدة صعبة بسجن المحتل، وهو يحاول أن يجد طريقة للهروب، في لحظة ابتسم، وليس من عادة رفاقه أن يروه كذلك، ولكنه هذه المرة قد ابتسم وأطال ابتسامته، ذلك أنه تذكر أيامه الأولى بالجامعة، حين أصبح عضوا بارزا بالكتلة الإسلامية _ الفرع الطلابي لجماعة الإخوان المسلمين... وجعلته ذكريات الجامعة، ومجلسه الحزين يفكر في تعلم اللغة العبرية ومعرفة مخططاتهم الأدبية الفكرية..
|
رد: الطوفان - رواية تبحث عن مؤلف
انفرد في صمت يخطط للمستقبل، كيف يهرب من هناك، وكيف يخلق الثورة الملتهبة في نفوس المعتقلين معه.. وكيف ينتقم من الأنذال المختلين المحتلين لأرضه.
تذكر دروس التاريخ والجغرافيا التي تلقاها بالمدارس، تذكر ذلك والألم يعتصر قلبه، وفجأة أيقظه من الذكريات أحد رفاقه قائلا: " أعرف أنك متعلم، وأريدك أن تعلمني دروس النحو، فإني عازم على شيء أريد تحقيقه، أخبرك به لاحقا" |
رد: الطوفان - رواية تبحث عن مؤلف
اقتباس:
"لدي خطة للهروب من هنا، لكني لا أجرؤ على ذلك وحدي، وأعرف من يقدر على ذلك أيضا، إذا أردت المساعدة، أرى في عينيك القدرة على ذلك، هل ننفذ؟ لكن.. احذر أن تهرب وحدك!" ابتسم السنوار؛ نظر في عيني الرجل، وقهقه، استغرب من ذلك رفيقه ذاك، فسألهعن عن سبب الضحك، وقد راوده الشك فيما إذا كانت ضحكة السنوار سخرية منه.. اقترب توفيق، وهمس لهما: " هل لي بأن أعرف فيما حديثكما، الشبهات تحيطكما، والأصابع تشير إليكما منذ دقائق، ما الخطب ؟ " نظر محمد إلى توفيق نظرة حادة قال له من خلالها ما تفهمه الصداقة التي بينهما، ثم تظاهر بالتفاجئ فقال: "هذا الأخ يفكر لنا في خطة للهروب، وإن كان بداية يريد تأجيل الفكرة حتى أعلمه بعض دروس النحو " فهم توفيق من خلال نظرة صديقه محمد وكلماته، أن محمدا يشك في أمر رفيق السجن ذاك، فقال: " الأكيد أننا قريبا سنخرج لكن خروجنا بإذن الله، فلا حيلة لنا مع المحتل" حينها قرر محمد وتوفيق توقيف العمل بحفر النفق مدة تريثا حتى ينظروا في أمر الرجل |
الساعة الآن 07 : 03 PM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر
الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية