التطور التاريخي للسياحة في فلسطين
[align=justify]التطور التاريخي للسياحة في فلسطين
تعتبر فلسطين من البلدان النامية ذات التاريخ السياحي العريق، فصناعة السياحة فيها مغرقة في القدم، حتى يمكن القول أنها المنطقة السياحية الأولى في التاريخ التي جذبت السياح والحجاج والزائرين منذ أقدم العصور حتى يومنا الحالي. ففلسطين تتميز بأهميتها السياحية، نظراً لموقعها الجغرافي المتميز، ومكانتها الروحية المقدسة، لدى جميع الطوائف الدينية، وذلك رغم التقلبات السياسية الخطيرة التي تعرضت لها خلال العقود الماضية، وما تمخض عنها من اعتداءات بشرية استعمارية كان هدفها السيطرة على هذه البقعة من العالم بهدف التحكم في عقدة المواصلات وجسور الاتصالات، متوسلة لذلك شتى الادعاءات ومنها الدين أحيانا تجنياً عليه، ومجافاة للحقيقة إلا أن الجميع ارتد من حيث أتى، وبقي العرب أهل الأرض، أرض فلسطين مهبط الرسالات.
ولم تتوقف الحركة السياحية إلى فلسطين على مدار التاريخ، رغم التقلبات والظروف الصعبة التي كانت تمر بها البلاد جراء غزو خارجي، أو اعتداء غاشم لئيم، فالحجاج كانوا يجدون وجهتهم إلى الأماكن المقدسة دون عناء، فكانوا يجدون من أهلها كل الترحاب، مما أغرى الكثيرين منهم بالاستقرار في البلاد.
الزيارة إلى فلسطين حتى منتصف القرن التاسع عشر
فلسطين بلد ذو تقاليد سياحية مغرقة في القدم، حتى ليمكننا القول أن السياحة ولدت فيها، لأن أقدم شكل للسياحة في التاريخ، وهو الحج، بدأ هنا، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإن فلسطين مهوى أفئدة مؤمني العالم من أتباع الديانات السماوية الثلاث: الإسلام والمسيحية واليهودية، وهي فوق ذلك مهد الحضارة البشرية ذاتها. وربما كانت الصناعة السياحية الفلسطينية هي القطاع الاقتصادي الوحيد الذي استطاع أن يصمد في وجه الاضطرابات الشديدة التي شهدتها البلاد في القرن العشرين، ولكن التشويه الذي تعاني منه هذه الصناعة اليوم هو النتيجة الطبيعية لهذا الوضع. (2) فقد كانت فلسطين منذ قرون طويلة محجة للزوار المسيحيين والمسلمين من مختلف بقاع المعمورة، ومع تطور وسائل النقل والاتصال، بدأت فلسطين تشهد بصورة مبكرة حركة سياحية نشطة من مختلف الأصقاع، تنشد استجلاء البهاء الروحي لفلسطين، ومهبط الديانات، والاستجمام بمناخها الدافئ، وشواطئها الرملية، وتنوع تضاريسها.
ولقد كانت فلسطين عامة، محط أنظار الزوار والحجاج والمستشرقين منذ العصور القديمة، حيث تناولها هؤلاء بالدراسة والوصف، ومن هؤلاء السياح والزوار "سنوحي"، حيث ورد الحديث عن زيارة سنوحي إلى فلسطين في أوراق البردى المصرية، والتي تعود إِلى 1966 ق.م. (3) وقدم سنوحي وصفاً كاملاً عن أوضاع البلاد آنذاك، حيث وصفها بأنها البلد التي تفيض لبناً وعسلاً. (4) ومن هؤلاء أيضاً "سترابو" الذي اهتم بالملامح الجغرافية، وأعجب إعجابا كبيراً بالبحر الميت فقضى وقتاً طويلاً إلى جواره، ولاحظ كثافته، وأنه يمنع المرء من أن يغطس، ويبقى إلى حدود الخصر، وقد لاحظ الينابيع الساخنة وتحدث عن المرويات المتعلقة "بسدوم".(5)
وتوالت زيارات الزائرين والحجاج والزوار والمستشرقين من مختلف الأصقاع الذين كانوا يفدون لزيارة الأرض المقدسة، ويكفي أن ندلل على ازدهار ظاهرة الحج إلى القدس بأن نقرأ في المصادر الأوروبية المعاصرة، "أنه أصبح ظاهرة جماعية يخرج فيها آلاف المسيحيين من غرب أوروبا"، ونشير في هذا الصدد إلى ما ذكره رودلف جلابر "Rudolph Glaber" وهو أحد الرحالة الأوروبيين الذين زاروا القدس في العقد السابع من القرن الحادي عشر حين قال: "إن جموعاً لا تحصى كانت تأتي من جميع أنحاء الدنيا إلى القدس، من قبل لم يكن من الممكن أن يصدق أحد أن هذا المكان سيجذب هذا التجمع المدهش من الناس. (6)
السياحة في فترة الحروب الصليبية
وفي فترة الحروب الصليبية وفي عهد صلاح الدين ومن تلاه من أمراء المماليك تم الاهتمام بإحياء المواسم الشعبية، بهدف حشد قوى بشرية هائلة تكون جاهزة في فترات موسم الحج المسيحي إلى فلسطين، وبحيث تتوفر قوى محاربة ترافق قوات السلطان التي تتخوف من احتكاكات أثناء مواسم الحج.(7) وبما أن الزيارة في الموسم تأخذ طابع الزيارة الجماعية لأعداد كبيرة من الشعب، فإنها تعتبر صورة من صور السياحة الداخلية التي تتكرر كل سنة، وتتحول إلى تقليد شعبي دائم. (8) ومن أهم هذه المواسم، موسم النبي موسى في أريحا، والذي ينظر إليه البعض على أنه احتفال جماهيري، ورحلة سياحية، بحثاً عن المتعة، ولممارسة شتى صنوف الترفيه مثل الإقامة في البر والخلاء والمشاركة في الرقص وعروض الترفيه، وقد بلغ عدد الذين كانوا يشاركون في موسم النبي موسى في أريحا حوالي خمسة عشر ألف فلسطيني، كانوا يرتادون موسم النبي في الربيع على مدى ثمانية أيام. (9) وكانت الخانات ذات أهمية خاصة باعتبارها مؤسسة عمرانية واقتصادية، فقد كان النشاط الاقتصادي والتجاري يجري ويتمركز في منشآت خاصة، تبنى خصيصاً للقيام بوظائف التجارة والخزن، وإجراء عمليات البيع والشراء وصك العقود التجارية، وتداول المال وكذلك الاستقبال، وإيواء المسافرين والرحالة، وقوافل التجارة والحج، بعضها يبنى داخل المدن، والبعض الآخر في أطراف مراكز العمران أو على طرق المواصلات بين المقاطعات والممالك القديمة. ويطلق على هذه المنشآت تسميات مختلفة منها الخان Khan، القيسارية Kisariya، الفندق Funduq الوكالة Wakala، وهي منشآت ذات هيئة معمارية خاصة بها، لكنها تقوم بوظائف متشابهة، وبدرجات متفاوتة.(10) فالخانات كانت تقوم بدور الفندق إلى جانب المهام والأنشطة الأخرى، وإن كان ذلك بدرجات متفاوتة، مثل خان الأقباط، خان باب الخليل، وخان باب الزيت، وخان الظهر، وخان الأمير، وخان الفحم، وخان الشعراء، وغيرها من الخانات. لقد توقف الرحالة والمسافرون إلى الشرق والأراضي المقدسة عند الخانات العزيزة عليهم، لما توفره من الراحة والأمن. (11)
ان أهمية فلسطين الحضارية والدينية، وقدسية أماكنها، جعلها مراكز حضارية وعمرانية مأهولة بالسكان، يؤمها الحجاج والسياح القادمون من بلدان العالمين الإسلامي والمسيحي الأمر الذي ساهم في نشوء وتطور أسواقها وتنوع خيراتها. (12)
إلى ذلك، كان للأديرة ولازال دوراً مماثلاً للخانات إذ اعتبرت بمثابة مقار إقامة وبيوت للضيافة لاستقبال الحجاج والزائرين إلى الأرض المقدسة, وتقوم هذه الأماكن بتأمين المأكل وتوفير الهدوء لهؤلاء الحجاج.
كما ساهمت الزوايا والتكايا في توفير المبيت للزوار المسلمين، وكانت منتشرة بصورة كبيرة في مناطق مختلفة من الضفة الغربية، وتعد وسيلة من وسائل الإقامة، ولا تتقاضى هذه الأماكن أي نقود مقابل استقبالها للزوار والسائحين، ومن أهم هذه المزارات زاوية المئذنة الحمراء، والزاوية الأفغانية في القدس، والدرويشية في نابلس، وتكية سيدنا الخليل في الخليل.
الحركة السياحية منذ نهاية حرب القرم
وتطورت الحركة السياحية منذ نهاية حرب القرم، وهي حروب بين الدولة العثمانية وروسيا القيصرية، فكانت الاتحادات الطائفية التي أسست في العديد من البلدان الأوروبية تنظم أفواجاً للحجاج تتمتع بالرعاية الروحية، من مرسيليا منذ عام 1353م.
يتبع[/align]
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|