البراهين على وجود النفس :
أولاً البرهان الطبيعي :
ويعتمد هذا البرهان على الحركة وعند ابن سينا إن الحركة ضربان :
-قسرية : ناتجة عن دفعة خارجية تصيب جسماص ما فتحركه..
-وغير قسرية :وهي التي يعنيها ابن سينا في برهانه وهذه الحركة الغير قسرية بدورها أنواع : فمنها مايحدث على مقتضى الطبيعة( أي حسب القوانين الطبيعية)كسقوط حجر من أعلى إلى أسفل.
ومنها مايحدث ضد مقتضى الطبيعة (وهنا البرهان ) كالإنسان الذي يمشي على وجه الأرض مع أن ثقل جسمه كان يدعوه إلى السكون أو كالطائر الذي يحلق في الجو بدل أن يسقط إلى مقره فوق سطح الأرض هذه الحركة المضادة للطبيعة ولقوانينها تستلزم محركاً خاصاً زائداً على عناصر الجسم المتحرك ألا وهي النفس..
ثانياً البرهان النفسي:
وهو يقوم على الأفعال الوجدانية والإدراك فالإنسان يمتاز عن الحيوان بإنه يتعجب ويضحك ويتضجر ويبكي , كما أنه من أهم خواصه الكلام واستعمال الرموز والإشارات وإدراك المعاني العامة المجردة واستخراج المجهول من المعلوم .
فهذه الأفعال والأحوال هي مما يختص به الإنسان وهي ليست راجعة للبدن بل هي قوى مستقلة كما قال ابن سينا:(( شيء أخر لك أن تسميه النفس وهذا هو الجوهر الذي يتصرف في أجزاء بدنك ثم بدنك فهذا الجوهر فيك واحد وهو أنت بالتحقيق))
ثالثا البرهان فكرة الأنا ووحدة الظواهر النفسية:
إن الذي يعنيه ابن سينا من النفس هو الأنا وفي ذلك يقول:((المراد بالنفس مايشير إليه كل أحد بقوله أنا)) ويلاحظ ابن سينا أن الإنسان إذا كان يتحدث عن شخصه أو يخاطب غيره فإنما يعني بذلك النفس لا الجسم فحين تقول أنا خرجت أو أنا نمت لا يخطر ببالك حركة رجليك ولا أغماض عينيك بل ترمي إلى حقيقتك وكل شخصيتك وقد صاغ ابن سينا هذه الملاحظة على الصورة الآتية:
((إن الإنسان إذا كان منهمكاً في أمر من الأمور فإنه يستحضر ذاته حتى إنه يقول فعلت كذا أو فعلت كذا وفي مثل هذه الحالة يكون غافلاً عن جميع أجزاء بدنه والمعلوم بالفعل (أي النفس) غير ماهو مفعول عن (أي الجسد) فذات الإنسان مغايرة للبدن))
ويلاحظ أن في الأحوال النفسية تناسقاً وانسجاماً يدل على وجود قوة مهيمنة عليها ومشرفة على نظامها.
برغم هذه الأحوال والظواهر النفسية وتباينها فإنها تدور حول مركز ثابت هو النفس.
رابعاً برهان الاستمرار:
وملخصه أن حاضراً يحمل في طياته ماضينا ويعد لمستقبلنا وحياتنا الروحية هذا الصباح ترتبط بحياتنا أمس دون أن يحدث النوم أي فراغ أو إنقطاع في سلسلتها بل وترتبط في حياتنا منذ أعوام مضت .
يقول ابن سينا:(( تأمل أيها العاقل في أنك اليوم في نفسك هو الذي كان موجوداً في جميع عمرك حتى إنك تتذكر كثيراً مما جرى من أحوالك فأنت إذاً ثابت مستمر لا شك في ذلك. وبدنك وأجزائه ليس ثابتاً مستمراً بل هو أبداً في التحلل والإنتقاص))
خامساً برهان الرجل الطائر أو المعلق في الفضاء:
وهو من البراهين الطريفة التي قدمها ابن سينا على وجود النفس ولعله أروع براهينه خيالاً وأعظمها ابتكاراً وملخصه كما يلي:
أفترض ابن سينا في هذا البرهان رجلاً معلقاً في الفضاء لا يحس بإحساسه الظاهر نتيجة اختلال توازنه وفقده السيطرة على بدنه وقد تسأل عن ما يحدث له في هذه الحالة فأجاب أنه على الرغم من ذلك يشعر بوجوده ولا يشك به أبداً فأستنتج أن النفس جوهر مستقل موجود.وعلى هذا فإثباته أنه موجود لم ينتج قط عن الحواس ولا عن طريق الجسم بأسره ولا بد من مصدر أخر مغاير للجسم تمام المغايرة وهو النفس..