[د. رجاء بنحيدا]

((سافِرْ عَلى مَتْنِ ٱلْكِتابَةِ وَٱنْفِ حاضِرَةَ ٱلْهَوامِشِ مِنْ طَريقِكَ صَوْبَ فَجْرِ حُضورِكَ ٱلْباقي بِمَتْنِ النَّصِّ لا جُمَلاً تَدورُ مَعَ الرَّحى...))1-

هكذا هو السفر صحبة الكلمة على متن النص الشعري ، سفر لا ينظمه قانون مسبق صارم ، بقدر ما يتم التفاعل بين المعنى المكشوف والخفي عبر مسطرتي القراءة والمساءلة..
والنص الذي بين أيدينا هو نص شعري في موسم كثرت فيه الثورات الخصبة ونشط فيه الجرح والغضب و الحب والثورة مما جعل القصيدة بذاتها ثورة مكتملة في موسم ..الأوجاع
هي قصيدة امتطت صهوة التصريح ، وابتعدت عن المواربة اللغوية واقتربت من الوعي اللغوي والجمالي ليُشعل بها الشاعر محمود مرعي حرائق الوجع ويوقد فتيل التمردوالصراخ بإجادة فنية وصياغة رؤيوية متمكنة ومدماك شعري رصين ..
فجاءت بنيات أساليبه تنهض في سياق إيقاعي مدهش وتوزيع تقفوي متماسك مشدود بدلالة
الكلمة والجملة والقصيدة ." في علاقة رمزية تحايثية وتشابكية ، يقوم فيها الصوت دالا على الصورة " 2--
هو صوت تنديد وتنكيل .. يصور سادة القوم..
أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَهْ" .. في كُلِّ قُطْرٍ ثاوِيَهْ
تَساقَطَتْ يا سادَتي .. وَأُمُّها في هاوِيَهْ
يُقالُ يَرْقُبونَ ما .. يُعيدُ رَأْسَ الزَّاوِيَهْ
تَشَتَّتوا كَيْ يَبْحَثوا .. عَنْ مُفْرَداتٍ كاوِيَهْ
تَليقُ بِالْـمَوْتِ الَّذي .. لَمْ يُبْقِ فينا باقِيَهْ
بعبارات حقيقية لا مجاز فيها .. وهي لا تنطق عن هوى .. بل تنطق عن مرارة واقعنا، ومرارة الذل الذي أصبح يقبع في كل ركن وزاوية ..

وبكلمات تنبعث منها معاني روح الصدق ، حين ترسم الواقع والمأساة العربية، وتكشف الواقع .. شعرا .
من ينكر..أن في كل قطر نكبة ومجزرة وأن الدماء قانية !! من ينكر.. المذابح التي تحدث والتي حدثت !؟ من ينكر.. أن في الشام هدم لا بناء .. ؟!
من يستطيع إنكار ونكران ،، هجرة أهل الشام طلبا للعافية ..؟!
وهام أهل الشام في الأرض رجاء العافيهْ
كان الردى منتظرا .. تلك الجموع الساريهْ
في دولة بشرقهم .. أو في البقاع النائيهْ
في البر أو في البحر أو .. على السحاب العاليهْ

إذ نلاحظ من مهد بداية قراءة القصيدة إلى لحد نهايتها ( وإن لم تنته )أن الشاعر يطرق الواقع على صفيح ساخن من الصراحة والوضوح .. من الجهر والمكاشفة ، فجاء المعنى شرارة خاطفة
من الإبداع ومن الصدق لتصل إلى أبعد مدى بلغة إنسانية شاعرية صادقة جداً ..
فكما يبدو أن القصيدة التي لا تريد أن تنتهي لن تنتهي مادام الشاعر لم يتصالح مع هذا الواقع المأساوي ومادامت القصيدة تنضج على نار مأساوية هائجة ..

1- .. موضوع أنصتوا قليلا للغة .. بقلم الشاعر محمود مرعي (( منتديات فرسان الثقافة ))
2-أحمد بلحاج آيه وارهام - أنساق التوازن الصوتي في شعر محمود درويش دار وليلي .. ط1-مراكش 2010- ص40[]