رد: أوراق نســــــــــــــوية
ـ
الضرية الثانية:
لم أكُن سعيد بما فيه الكفاية.. لألتحِف غيم العِطر الشارد في سماء مدينتنا..ولم تكن أناملي على قدرٍ مِن الرشاقة.. لأنقُل إليكم سِحر الطبيعةِ حولي.. لكنني تعلمت فن رصف الحروف.. وزركشتها .. وتهجئة حركاتها
بِكُلّ صِدقٍ.. ونقاءٍ..أنا ياإخوتي: مِن زمن هذه الحرب الملعونة.. لي إخوة ستة.. ومِن الأخوات أربع..ووالدُنا.. توفيّ قبل ميلادي.. كُنتُ جنيناً أتهيأ للحضور إلى هذه الدنيا.. وحصل أن وافت المنيةُ والدي..لدى إطلاقي الصرخة الأولى، احتجاجاً على قدومي لهذه الدُنيا!!
بينما أُمي كانت تستعد لأن تحتضني.. شعرت بِثِقلٍ كبيرٍ أطبق على صدرِها.. وشعرتْ بأنها لن ترى والدي ثانيةً!!
بيروت 1982
كان والدي في زيارةٍ إلى العاصمة اللبنانية بيروت.. صيف 1982
وكانت والدتي في غُرفة الولادة .. وكانت قوات العدو الإسرائيلي تتأهب لاقتحامها,. حين أعلن القدر حضوري إلى لهذه الحياة..و كان والدي قد لقيّ مِصرعه بقذيفةٍ اسرائيلية.. وكنتُ قد أعلنت إنسانيتي..
واكتسبت اسماً.. ولقباً.. ورقماً وطنياً..
شيع رفاقُ والدي جُثمانه إلى مثواه الأخير في مدينة بيروت،، وفي مدينتنا أقام له الأهل والأقارب جِنازةً رمزية.. وأدوا صلاة الغائب.. وبعد شهر مِن ميلادي.. أعلم أحُدهم والدتي بنبأ وفاةِ والدي.. ليُصبِح أخي الكبير ولي أمر الجميع.. وتنزوي والدتي في ملابس الحِداد ثلاثون عاماً.. أتممتُ خِلالها دِراستي الثانوية .. لألتحِق بعدها بالكُلية الجوية.. فأُتوج نسراً بتفوق بعد أربعة أعوامٍ.. صار اسمي الضابِط الطيارُ يوسف..
وصار أخي الكبير.. فخوراً بأخيه.. الذي تولى أمره مُنذُ ميلاده..
حلب.. ربيع 2015
كانت السماءُ عاصِفةً حين أتتنا الأوامر باقتحام ممرات داعش.. وإطباق الحِصار عليها جوياً.. كُنت مرتبكاً بادئ الأمر.. وكانت يدايّ لاتقويان على توجيه ضربة قوية.. لقد بدت لي مدينتي جميلةً للغاية.. لم ألحظ مدى جمالِها و دِقة هندستها المعمارية مِن قبل.. لقد رأيتهم بعيني يُدمرون أحد معالمها التاريخية .. كانوا بشرُ لا يُشبهون البشرية.. وكانت خطواتهم تبعثُ بين الأرصفة العتيقة كُل ما تشمئِزُ مِنه النفوس.. غُرباءٌ.. متنوعوا الجنسيات.. اختاروا مدينتي .. لتدميرها.. واختارني القدر لحِمايتها...
بدون تفكيرٍ وجهتُ ضربتي الأولى.. فأصابت الهدف.. أما الضربةُ الثانية.. شعرت بأن قلبي قد سقط مِني.. أصابت قذيفةٌ غرفتنا فنالت مِن عينيّ أُمي.. بينما كان نظرها موجهاً نحو السماء.. تتضرع إلى الله .. أن يحمي مدينتنا.. ويحمي أبناءها.. لم أكن في وداعها.. مُهمتي لم تنته بعد.. كُنت أوجه الضربات.. بشيْ من غضب.. كُنت في كُل ضربة أثأر لروحٍ أطاحوا بأمانها.. ودنسوا وجودها.. انتهت ذخيرتي.. بانتهاء مُهمتي.. لأعود .. وشارعِنا قد اكتسى ملامِح الحِداد.. لم يكن رحيل والدتي مُفاجئاً.. فقد كان قلبي دائِمُ الاتصال بها.. شعرتُ بضرباته تضطرِبُ.. حينما كُنت أُحلق في السماءِ.. لأثأر لها.. ولِمئات الأبرياء..
هُناك عالياً أثناء الضربة الثانية..
|