رد: الطوفان - رواية تبحث عن مؤلف
أغمض يحيى عينيه، عائداً إلى ذاكرته مرة أخرى… تذكر تلك المحاضرة
التي ألهمت روحه، محاضرة عن الثورة العربية الكبرى في فلسطين عام 1936، والتي رسمت لوحة حية عن تلك الحقبة الصعبة، عن صمود الشعب الفلسطيني في وجه الانتداب البريطاني والهجمات الصهيونية المتكررة بقيادة عصابات الهاجاناه.
لا تزال ذكريات تلك المحاضرة تدفئ روحه.. بدأ يفكر في تلك الأسئلة التي طرحها على نفسه، ويشعر أن هناك أسئلة أخرى تتطلب إجابات."ما الذي جعل الثورة العربية الكبرى تندلع في عام 1936 بالتحديد؟" تساءل يحيى"هل كانت هناك عوامل محددة أدت إلى تفجير هذه الشرارة؟" تذكر أن المحاضر تحدث عن السياسات الانتدابية الظالمة، وعن الهجمات الصهيونية المتكررة على القرى الفلسطينية، وعن تزايد الوعي الوطني لدى الشعب الفلسطيني، وعن دور شخصيات مثل عز الدين القسام في إشعال فتيل الثورة…
"ما هي الدروس التي يمكن أن نستفيد منها اليوم من تجربة الثورة العربية الكبرى؟" سأل نفسه مرة أخرى "أعتقد أن أهم درس هو ضرورة الوحدة الوطنية"، أجاب بصوتٍ هادئ "فالشعب الفلسطيني قوي عندما يكون متحدًا، وضعيف عندما يكون منقسمًا"تذكر أيضًا أهمية المقاومة الشعبية، وأن النضال ليس حكرا على فئة معينة، بل هو واجب على الجميع.
"هل يمكن مقارنة الثورة العربية الكبرى بالثورات العربية الحديثة؟" تساءل يحيى"هناك تشابهات عديدة، فكلا الثورتين كانتا ثورات شعبية ضد الظلم والاستبداد، وكلا الثورتين واجهتا قمعًا شديدًا، ولكن هناك أيضًا اختلافات، فالتحديات التي تواجهنا اليوم مختلفة، والتكنولوجيا المتاحة لنا تختلف،علينا أن نستفيد من تجارب الماضي، ولكن علينا أيضًا أن نبتكر ونطور إستراتيجيات جديدة لمواجهة التحديات الحالية".
"ما الذي تعلمته من تلك المحاضرة عن الثورة العربية الكبرى؟" يسأل نفسه مرة أخرى، ليجيب بصوتٍ داخلي قوي: "لقد تعلمت أن الثورات لا تنجح بالصدفة، بل تحتاج إلى تخطيط وتنظيم ودعم شعبي واسع... تعلمت أن الوحدة الوطنية هي مفتاح النصر، وأن التفرقة هي سلاح العدو الأول... تعلمت أيضًا أن النضال المسلح قد يكون ضرورياً في بعض الأحيان، ولكن النضال المستمر والمقاومة الشعبية لا يقلان أهمية".
يتذكر يحيى كيف كان يستمع إلى قصص الشهداء الذين سقطوا في تلك الثورة، وكيف كان يتمنى لو كان بينهم، يشعر بالأسف لأن جيله لم يحظ بفرصة المشاركة في تلك الثورة، ولكنه يدرك في الوقت نفسه أنه يحمل على عاتقه مسؤولية مواصلة النضال.
"هل كان يمكن للثورة أن تحقق أهدافها لو استمرت؟" يسأل نفسه، ثم يجيب: "ربما، ولكن الظروف الدولية كانت معقدة، والتدخل الأجنبي كان قوياً… ومع ذلك، فإن الثورة العربية الكبرى كانت نقطة تحول في تاريخ فلسطين، وأثبتت للعالم أن الشعب الفلسطيني لن يستسلم أبداً".
يتساءل يحيى أيضًا عن الدروس التي يمكن أن يستفيد منها جيله من تجربة الثورة العربية الكبرى. يجيب: "علينا أن نتعلم من أخطاء الماضي، وأن نبني على إنجازات الثورات السابقة، علينا أن نوحد صفوفنا، وأن نعمل معًا لتحقيق هدفنا المشترك وهو تحرير فلسطين".
يشعر يحيى بأن هذه الذكريات تمنحه الأمل والقوة لمواجهة المستقبل… إنه يدرك أن الطريق إلى الحرية طويل وشاق، ولكن إيمانه بالعدالة وبحق شعبه في الحرية يدفعه إلى المضي قدما.
"سأخرج من هذا السجن، وسأعمل بكل ما أملك من قوة لإكمال مسيرة الشهداء"، هكذا يقول يحيى لنفسه وهو يغمض عينيه …
|