رد: قاضي المدينة : المقامة البغلية للأستاذ حسن الحاجبي في ميزان النقد
[align=justify]
الغالية أ.نصيرة تختوخ
الغالي أ.حسن الحاجبي
تحياتي
لا أدري لماذا حين قرأت مقامة الأديب حسن الحاجبي تذكرت فورا ، ربما للتقارب بجزء من الموضوع ما جاء في أحد كتب تراثنا ، حيث جاء في كتاب " المستطرف في كل فن مستظرف " للأبشيهي / الجزء الأول – ص 102- أنّ رجلا " قصد الحج فاستودع إنسانا مالا فلما عاد طلبه منه فجحده المستودع فأخبر بذلك القاضي إياسا فقال أعـِلمَ بأنك جئتني؟؟قال :لا ..قال فعد إليّ بعد يومين .. ، ثم إن القاضي إياسا بعث إلى ذلك الرجل فأحضره ، ثم قال له : اعلمْ انه قد تحصلتْ عندي أموال كثيرة لأيتام وغيرهم وودائع للناس وإني مسافر سفرا بعيدا وأريد أن أودعها عندك لما بلغني من دينك وتحصين منزلك ..فقال : حبا وكرامة ، قال فاذهبْ وهيئ موضعا للمال وقوما يحملونه ، فذهب الرجل، وجاء صاحب الوديعة ، فقال له القاضي إياس امضِ إلى صاحبك وقل له ادفع إليّ مالي وإلا شكوتك للقاضي إياس ، فلما جاء وقال له ذلك دفع إليه ماله واعتذر إليه فأخذه وأتى إلى القاضي إياس واخبره ..ثم بعد ذلك أتى الرجل ومعه الحمالون لطلب الأموال التي ذكرها له القاضي ، فقال له لقاضي بعد أن أخذ الرجل ماله منه بدا لي ترك السفر امضِ لشأنك لا أكثر الله في الناس مثلك "...
طبعا هناك انقلاب تام عند الأديب الحاجبي الذي إن اطلع فاستفاد من التراث ، فقد أجاد وغير بالتأكيد مسار القصة لتناسب العصر ، حيث المقامة بنت العصر ، أو أنّ الأمر مجرد توارد للخواطر ليس إلا ..وفي كلا الحالتين، تبقى لمقامة الحاجبي خاصية التفرد في كلّ مسارها ، إن كان باختيار الشخصيات ، أو بالتحويل إلى المقامة ، أو في بناء السجع بناء محكما يدلّ على موهبة متميزة لا تنكر بأي حال ، كون هذا السجع لا يسرق أذن القارئ حتى تلاحق النغم وتنسى المعنى .. وقد ساهم مثل هذا الأمر كثيرا في انصراف الأدباء عن كتابة المقامة ، لأنهم كانوا أميل للنغم وأكثر انجذابا له من الموضوع / المحمول أو المعنى / الهدف .. وهناك تغيير أدخله الأديب الحاجبي في جعل الراوي مجهولا ، لا كما تعودنا في المقامة ، حيث تصبح شخصية الراوي أساسية " عيسى بن هشام عند بديع الزمان " وهي الشخصية التي تتكرر في كل مقامة ..هنا انتقلنا إلى صيغة " يحكى يا سيدي والعهدة على الراوي " لنكون أمام مسارين متغيرين ، الأول استعمال " يحكى " كما أسلفت ، والثاني الإحالة على الاحتمالية التي لا تأكيد فيها " والعهدة على الراوي " ..
يمكن أن يشار هنا إلى خاصية تتوفر في المقامة هي قصر الجمل ، لكن الأديب الحاجبي كما نلحظ ، أجاد في الاختصار ، حتى تحولت بعض الجمل إلى كلمتين أو ثلاث كلمات مع تأدية المعنى وإصابة الهدف والوصول إلى الغرض .. والطرفة والظرف باديان مع أول المطلع ومستمران حتى النهاية .. كما أنّ روح العصر طاغية وإن كنا أمام صورة الإيهام " يحكى يا سيدي " و" العهدة على الراوي " فشخصية القاضي شخصية معاصرة بكل أطرها ..وبالحديث عن الشخصيات ، نلحظ أن الأديب أدخل أكثر من شخصيتين في المقامة كما كان متبعا في أكثر المقامات ، مما يجعل الحركة اشدّ وبما يدخل فن القص أكثر في مجال المقامة .. وباعتقادي أن فن المقامة قابل لمثل هذا التطوير ما دام الكاتب قادرا على إقناع القارئ وإعطائه المغزى والمتعة والفائدة دون تكلف أو شطط .. وهذا يحسب للأديب الحاجبي دون شك ..
طبعا المتقاضيان صاحب حق وسارق ، لكن القاضي المرتشي ، يهمه من يدفع أكثر ، ومن يعطي ويجزل العطاء ..لذلك انقلبت الحال وصار صاحب الحق محتالا ، والمحتال صاحب حق .. فكم من إسقاطات يمكن أن تنعكس على الكثير مما في عصرنا حين نقرأ مقامة الحاجبي .. وانظر إلى هذه النهاية الموفقة رغم ما تحمل من تناقضات " فهم القاضي الإشارة,و قال اختصر في العبارة,, مرآتك داستها حوافر البغال,و ما أراكغير كاذب دجال,ليبق الحال على ما هو عليه,و ليأخذ كل ما تحت يديه,هيا ارحلا عنبابي,قبل أن افقد صوابي,فلله الأمر فيما يأتي و ما مضى , و جزى الله مولانا القاضيبما قضى ".. وأكثرها مثارا للعجب أن القاضي ، يدعو لنفسه بالخير لأنه قضى بمثل هذا " وجزى الله مولانا القاضي بما قضى "..
يشار إلى أنّ هذا الفن ، الذي قلّ أو ندر ، ينجح فيه كاتبنا ، مما يعني أنّ عصرنا يمكن أن يشهد نجاح هذا الفن على يديه ، ويدي سواه ممن يحسن مثل هذا الفن ..
شكرا لكما
[/align]
|