رد: قاضي المدينة : المقامة البغلية للأستاذ حسن الحاجبي في ميزان النقد
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
أول ما يلفت النظر في هذه المقامة كما في المقامات الأخرى هي تلك العبارتان اللتان تفتتحان النص لتدخل القارئ المشاهد (عبر الخيال) إلى ذلك الجو الفسيح من الحكي و السرد الممتع . فـ"يحكى يا سيدي" و "حدثنا ...." ، و " العهدة على الراوي" ، تضفي على النص تلك الحميمية القائمة بين الراوي و بين المتلقي وكأننا في حلقات "الحكواتي" التي كانت تملأ الساحات من بغداد إلى مراكش ، حيث يستمع إلى الأزلية و العنترية و أبي زيد الهلالي وغيرها من الأساطير الممتعة ..
لكن المقامة و إن كانت لها نفس المتعة و نفس الحميمية ، فإنها تنفرد بكونها تحوي جانبا أدبيا يتميز بذاك السجع الذي يعطيها وزنا و كأننا أمام نظم نثري . وقد يتبادر إلى الذهن أن المقامة بالسهولة بمكان بحيث يكفي وضع كلمات هنا و هناك على شكل تراتبي حصب قافيتها لنحصل على مقامة ، كما يحصل مع أي مبتدئ في مجال الشعر حيث يتم البحث عن الكلمات التي سوف تشكل القافية ثم ينتهي الأمر إلى كتابة نص لا وزن له .
قرأت مقامة الأخ حسن .. و أود في البداية أن أشد على يديه مهنئا لأنه اختار هذه المغامرة أولا ، ثم لأنه باختياره لهذا النوع الأدبي أعطى إشارة خفية لربما تكون تحمل عتابا على إهمال هذا الصنف .. أعود فأقول إنها مغامرة لأن المقامة كما قلت تتطلب مستوى أدبيا و إلماما كافيا بهذا النوع .. و أعتقد أن أخي حسن قد وفق إلى حد بعيد في إضفاء جو المقامة و نكهتها الخاصة على نصه ..وأستطيع القول إني وجدت نفسي أعود إلى تلك الأجواء التي كانت تأخذني إليها المقامات لأصول و أجول في أسواق البصرة و بغداد و الموصل ..
أعود من جديد إلى أهمية المقامة لأذكر بإحساسي أني أمام مسرحية ، و أعتقد أن المقامة تقوم مقام المسرحية بتقديمها و نقدها لكل ما يعتلج في المجتمع من تناقضات و ما يطبع العلاقات الإنسانية من نزوات .
أملي أن تكون هذه المقامة بمثابة الشرارة الأولى كي نرى ميلاد نصوص مقاماتية أخرى تثري الساحة الأدبية بهدا الصنف الأدبي الرائع .
تبقى الإشارة أخيرا إلى أنني وجدت الفقرة الأخيرة من النص تحتاج ربما لترقيم مضبوط حتى يتم تحديد المتحدث بكل دقة .. فمثلا أتساءل هل عبارة "فلله الأمر في ما يأتي وما مضى ....." هي من نطق الراوي أو المتقاضي ..
أشكرك أخي حسن و أؤكد لك أنني استمتعت كثيرا بهدا النص .
بكل المودة و التقدير
|