رد: تفعيل مفاهيم فن القصة القصيرة جدا
[align=justify]
الأفاضل الكرام
السلام مبتدأ
يبدو أنّ هناك ترددا ما في محاولة الدخول إلى البحث في فنية ق ق ج ، وهو أمر يدعو إلى الدهشة فعلا ، كون كاتب ق ق ج سيبقى غريبا عن هذا الفن إن لم يفهم الآلية أو تقنيات القص .. وأعترف أنّ دعوة الشاعر طلعت سقيرق لنوع من النقد التطبيقي التجريدي ، هنا شيء مربك لكنه غير مستحيل للاستفادة من كونه الناقد الوحيد الذي ينتهج النقد التطبيقي التجريدي ، والذي يعنى بأخذ النص كوحدة منفصلة قائمة بذاتها دون مقارنتها بأي نص سابق ولاحق .. إضافة لابتعاده عن إدخال النص قسرا في الأسس أو البنيات المفترضة .. فهو يعطي النص حقه من البحث ، وهو أمر في غاية الأهمية ، لأن أكثر النقاد التطبيقيين ، وقد نعمم ، ينظرون إلى النص كونه جزءا من منظومة ..قد يفيد هذه أحيانا لكنه يظلم النص في كثير من الأحيان .. فأن نناقش هنا يعني أن نستفيد من تجربة نقدية متفردة ..
سأستعير هنا قول الشاعر طلعت سقيرق " قد أجد أنّ التركيز والتكثيف والإيجاز والصور السريعة والإيحاء والإدهاش ، والاختيار الذكي الثر للمقدمة والنهاية ، من أهم صفات القصة القصيرة جداً . وظني أنّ الوصف يجب أن يكون مختصراً أشدّ الاختصار ، وأنّ الشخصيات يجب أن تحضر بكثافة وقوة ، وأنّ الحدث يجب أن يكون متحركا غنيا نابضاً على الأغلب . وفي كلّ الأحوال ، على القصة القصيرة جداً أن تترك أثراً ودهشة ومغزى ورعشة إعجاب .." لأضع إشارة أو مرتكزات للدخول في ما هو فني .. وأظن أن تطبيق هذه الأسس الفنية الأولى تنسجم تماما مع المعايير المطروحة في قصة " صياد وسمكة " للأديبة زاهية بنت البحر ، وهي قصة صافية منتقاة راقية بامتياز ..
نلاحظ أنّ الناقد سقيرق يتخفف من الثقل الكبير الذي يضيفه نقاد ق ق ج ويضع محددات بسيطة حيث " أنّ التركيز والتكثيف والإيجاز والصور السريعة والإيجاز والإدهاش ، والاختيار الذكي الثر للمقدمة والنهاية" فهناك التركيز ، ثم التكثيف ، ثم الإيحاء ومن بعد الصور السريعة والإيحاء والإدهاش ، والمقدمة المدهشة الجاذبة ، كذلك النهاية ..ويمكن أن نضيف ما أورده في مكان آخر باشتراط ألا يتجاوز عدد الكلمات ف ق ق ج المائتي كلمة ، وهو أمر لم يذكره سواه ، وقد أختلف معه في هذه الجزئية تحديدا كون التقييد شرط ثقيل ..
وأورد هنا ما ذكره د.أحمد جاسم الحسين في كتابه " القصة القصيرة جدا " عن الفني حيث رأى في عناصر ق ق ج " الانزياح ، المفارقة ، التناص ، الترميز ، الأنسنة ، السخرية ، البداية والقفلة " ورأى في التقنيات أو التكنيك أشياء منها خصوصية اللغة والاقتصاد ، وباعتقادي الشخصي أنّ ذلك لا يبتعد عن خاصية التكثيف والإيجاز .. والدكتور الجاسم لا يحدد تحديدا نهائيا في هذا .. ربما لأن كتابه هو الأول في دراسة فن ق ق ج وقد صدر في العام 1997 ..
ويرى د. يوسف حطيني في كتابه " القصة القصيرة جدا بين النظرية والتطبيق " أنّ المحددات ما زالت غير نهائية وهو أمر حقيقي وهام في كل فن .. ولا يبتعد د.حطيني كثيرا عما وضعه د. الحسين إلا في القليل ، لكن يطلق على الفني " نظرية القصة القصيرة جدا : العناصر والتقنيات والموضوعات " فيورد : الحكائية ، الوحدة " وحدة الحبكة والعقدة بشكل خاص " والتكثيف ، المفارقة ، فعلية الجملة ، وسوى ذلك مما ذكر سابقا .. والكتاب صدر في العام 2004 ..
قد نمضي طويلا في البحث ، لكن المحددات الفنية واضحة .. وبعيدا الآن عن قصة الأديبة زاهية بنت البحر لدراستها فنيا مستقبلا إن شاء الله .. اترك أمام القارئين هنا، ومن المنشور في نور الأدب أربعة نصوص ، نجح اثنان منها فنيا ، ووقع اثنان في مطب الخلخلة والبعد عن البناء الفني الجيد .. ورجائي أن ننتبه دائما غلى أنني أتعامل مع النص بعد نشره ، أي بعد أن صار ملكا للقارئ ، وليس مع صاحب النص ، وهو ما يجب أن نعيه دائما حتى لا نخلط بين الموضوعي والشخصيّ ..
أورد النصوص راجية أن يجد القارئ السبب الذي يجعل هذا النص مكتملا ، والنص الآخر غير مكتمل .. وليتنا فعلا نشارك فعليا في هذا الميدان العملي ، وأستأذن بإدخال النصوص التي سأذكرها في عملية البحث ، على هامش دراسة قصة الأديبة الشاعرة زاهية بنت البحر ..
أولا - نصان ناجحان متميزان فنيا وموضوعيا :
الغريــــــــب
تفرَّس في وجُوهِ المَارّةِ ذهابا وإيابا...
لم يعرف أحدًا ،و لم يعرفْهُ أحدٌ...
وفجأة تسمّرَ أمام بنايَةٍ شاهِقَةٍ...
رفع رأسَهُ عاليًا...
كان علَمُ بِلادِهِ يرفْرِفُ.
للكاتب : محمــد علــي الهانـي ( تونس(
-------
الرحمة
تحسس اليد بنعومة ..
قلّبها برفق وحنان..
خط فوقها قلبًا
وأشار لمساعديه :
- من هنا اقطعوها ....!!!
للكاتبة : ياسمين شملاوي
------
2- نصان اختلّ الحسّ الفني فيهما فلم يحققا نجاحا مقبولا :
السعادة
شوقي بن حاج
عندما دخل كان المطر ينزل ، قال لها ببراءته:
- جارنا اشترى حمارا...سمعته يقول أنا سعيد بك يا حماري.
وسألها بنفس البراءة: ما هي السعادة يا أمي ؟
انحنت عليه ، قبلته بين عينيه وقالت ، وقد أشرقت أهدابه : السعادة هي الحمار يا بني ..
للكاتب : شوقي بن حاج
------------
ارتداد
بينما هو جالس على شاطئ النهر ,أخذ يلقى الحصاة فى الماء فتتسع الدائرة, وكلما اتسعت ازداد توتره فيلقى بالحصى أكثر .. ظل يلقى ويلقى.. حين التفت إلى الخلف وجده قادما من بعيد فوضع يديه على وجهه حتى لا يراه..
وحين وضع يديه أخذ وجهه يكبر ويكبر , فبرزت عيناه واستطال أنفه وتمددت جمجمته فاتسع عقله وبدأت تطفو على السطح تلك الصفحات المنسية فى عمق الذاكرة ,رأى ساعة التقى به منذ زمن بعيد ..راى حالة الشوق التى كان يبثها له حين عودته من سفر قصير ..رأى تلك الليالى المقمرات التى قضاها معه محلقا حوله للعمل على راحته .. رأى كيف تلقى منه صفعات الغدر والألم , كان يشعر بالسعادة حين يصفعه على وجهه , لكنه حين طعنه فى شرفه قررأن يتركه وصوّب وجهه ناحية النهر وغادر , لم يكن يتصور أنه سوف يراه يوما هناك..
وحين استدار مرة أخرى لم يجده , فوضع يديه على وجهه أخذ وجهه ينكمش وينكمش وجمجمته تعود لوضعها الطبيعى والصفحات عادت تطوى في عقله بلا
للكاتب : عبد الحافظ بخيت متولي
--------------
طبعا كل رأي قابل للنقاش واحتمال الخطأ والصواب ..
مع عطر الود
فادية
[/align]
|