![]() |
ودخلت في الخمسين .
ودخلت في الخمسين ...
شئت أم أبيت دخلت في الخمسين .. أحببت الخمسين أم لم أحببها .. رغبت فيها أم لم أرغب .. انتظرتها أم لم انتظر .. كل هذا لا يهم .. المهم أنني دخلت في الخمسين ووسط حالة من الذهول .. أنا في الخمسين كتلة من الذهول تمشي على قدمين .. تتلفت بذعر نحو الشمال ونحو اليمين . لم أحبَّ الخمسين كما أحببت عقود عمري كلها .. هيَّ من أجبرتني على ذلك .. ففي كل عام .. في مثل هذا اليوم الجميل .. يوم مولدي .. أحدّثُ نفسي بحديث العيد .. وأقول لها وأعيد وأزيد .. قبل ألف دهر وُلدت في مثل هذا اليوم العتيد .. وكان جميلاً .. جميلاً .. أجمل بكثير من صباح العيد . أما اليوم فحين عادتني ذاكرتي .. حرفت بيَّ عن مسارها .. لم تقف عند الألف دهر ساعة مولدي .. بل رمتني إلى السنوات العجاف .. فتحت لي كوة بالجدار تطل على داحس والغبراء .. وقالت لي وهي تشدُّني من طرف أذني الشمال .. هنا ولدت يا ميساء .. بين هؤلاء الأقوام .. الذين كانوا يتنازعون على فرس شقية .. مارست شقاوتها بفطرة البراءة .. فاشتعلت عبس وذبيان بذات الفطرة وذات البراءة .. حتى لا تنسي نفسك أكثر .. وتظنين كعادتك أنك هبطت علينا على ذيل نجمة .. أو على جناحي سحابة خريفية .. أو ولدتك حبات المطر على غصن شجرة الميلاد .. استغربت منها .. ومن ردة فعلها العنيفة .. ومن تعنيفها لي في يوم عظيم كيوم مولدي .. وصرخت في وجهها .. داحس والغبراء انتهت بعد الأربعين .. والفرس ولت هاربة بعد أن أودت بابن الورد .. وابن شداد .. وآخرين .. وقومي اليوم لا يتنازعون على فرس ولت هاربة .. قومي اليوم يتنازعون على الهواء .. كيف يشيدون من حوله قلاعاً وحصون .. وكيف يبنون أسواراً في وجه الهواء ويسحبون منه الأكسجين . تنكرت لذاكرتي وتنكرت لي .. ودبَّ بيننا الخصام . لعن الله الوحدة ومن أيقظها .. ذاكرتي كانت تؤنسني في وحدتي .. لكنها أصبحت عنيفة .. ولا تحمل إليَّ إلا صوراً للخراب وتماثيلَ الدمار .. وحين أقول لها أنا ظمأى تعرض إليَّ أنهاراً تجري من الدماء .. دماء أطفال .. دماء نساء .. دماء شيوخ .. ودماء الأرض التي أنجبتنا .. وأرضعتنا .. وسهرت علينا دون أن يغمض لها جفن .. أو يتثائب منها رمش .. كيف لا أكره ذاكرتي .. ولا أتنكر لها .. وهي أصبحت كقومي .. ذاكرة وحشية .. لا تتكلم إلا في العنف .. وعن العنف .. وكيف تصبح عنيفاً منذ لحظة الميلاد .. الوحدة قاتلة .. لم تعد أكف أمي الطاهرة معي لتطبطب على ظهري بحنان وتقول لي مبارك عليك دخولك الخمسين .. ولم تعد يدُ أبي الدافئة معي لتمسح على رأسي فتُسقط عنه كل الهموم .. وتعدني بالعودة إلى ملاعب الطفولة .. وفقأ أعين المحتلين .. ما عاد في ذاكرتي من يحلم بالعودة .. ويرسمها في أفقه .. ويتذكر معي خارطة تلك الطريق .. وما عادت قهوة الصباح تأتيني أبخرتها من بين يديك الطاهرة يا أمي فأحتج عليها كعادتي حين أسوق عليك الدلال وأقول .. " سكرها كثير " . اليوم لم يبقَ لي إلا هذه الذاكرة العنيفة التي لا تحمل إلا صور الحرائق وهي تلتهم الشجر والبشر والطير والحجر .. لم تعد تهديني ياسمينة منك .. تحمل رائحة قلبك .. ربما لم يبقَ في حدائق قلبك ياسمينة واحدة لم تقصف أو تعرى أو تحرق أو تقطع أوصالها أو تقذف بالصواريخ .. لذلك تأتيني اليوم .. في يوم مولدي .. فارغاً من الياسمين .. ممتلئاً بالهم والحزن ووجع السنين .. الوحدة قاتلة لعن الله من جعلني فريسة لها في هذا اليوم العظيم .. يا قلبُ .. يا كلَّ الوطن .. يا كلَّ الياسمين وحبات المطر .. يا فاكهة الحروف وعناقيد الكلمات وحديث السمر .. إن بقيَّ في قلبك ياسمينة واحدة نجت من جشع التتار .. وسلمت من براثن الجاهلية .. فغنِ لها كي تكبر بسلام .. وصلِّ بكل جوارحك كي يحفظ الله طريقها إليَّ .. فما أقسى أن أدخل الخمسين مع ذاكرة لا يفوح منها أريجك وعبق الياسمين .. ما أقسى أن أدخل الخمسين ولا تكون أنتَ في انتظاري .. وقلب أمي .. ويد أبي .. وذاكرة تفوح من حاراتها السبع طهارة الياسمين . |
رد: ودخلت في الخمسين .
[align=justify]يا قلبُ .. يا كلَّ الوطن .. يا كلَّ الياسمين وحبات المطر .. يا فاكهة الحروف وعناقيد الكلمات وحديث السمر .. إن بقيَّ في قلبك ياسمينة واحدة نجت من جشع التتار .. وسلمت من براثن الجاهلية .. فغنِ لها كي تكبر بسلام .. وصلِّ بكل جوارحك كي يحفظ الله طريقها إليَّ .. فما أقسى أن أدخل الخمسين مع ذاكرة لا يفوح منها أريجك وعبق الياسمين .. ما أقسى أن أدخل الخمسين ولا تكون أنتَ في انتظاري .. وقلب أمي .. ويد أبي .. وذاكرة تفوح من حاراتها السبع طهارة الياسمين .
أصارحك يا ميساء أنني اقتبست هذا المقطع الأخير من خاطرتك دون أي مبرر وبدون وعي مني . ربما لأتي لم أجد في النص بكامله ما يقتبس .. فهو وحدة متكاملة تتعانق جملها في انسياب جميل وإيقاع سلس يأخذ بلب القارئ الذي لا بد وان يعايش هذا الإيقاع ويتفاعل مع فورة الانفعال حين تقوى ويخفت مع خفوتها .. اقتباسي هذا ربما جاء لأنه يحمل بوادر الأمل بعد شحنة من القنوط واليأس الذي طبع الخاطرة .. وبذلك كانت كفجر يبزغ في الأفق بعد ليل طال عتمته . مبدعة ما شاء الله .. دمت متألقة ولك ورودي .[/align] :nic93::nic93: |
رد: ودخلت في الخمسين .
وتبقين الصبية المدللة دائماً، وتبقين في العين: الرهيفة كحد السيف، الأبية كضوء القمر، تغزلين أجمل الكلام، لأنه من أصل طيب، فرعه في السماء مع النجوم وشدو البلابل، وجذره في الأرض راسخ رسوخ الجبال..فإن ذهب الراحلون، بقي طيب حضورهم، وإلفة بهجتهم وتواصل مسيرتهم معك ومع نور عين قلبك أولادك سلَّمهم الله ! وبقى قلمك، يصرخ ويبكي ويضحك من القلب ويألم ويشكو، فيجيد بإتقان وحرفية عالية أرقى مشاعر البوح.
الخمسون، صاغت(ميساء) ،وبالخمسين عرفنا (ميساء) تمشي بميس وكبرياء وخفر وبهجة حضور. وكل عام أنت بخير، أنت والعائلة الكريمة. جدو المحب منذر. |
رد: ودخلت في الخمسين .
ألف ألف مبروووك...أنتِ الآن في حديقتنا الجميلة..حديقة الخمسينيين (ابتسامة)..خاطرة لامستِ الشغاف!!! شكرا لك أيتها الطالبة المدللة في حجرة درس أستاذنا منذر...مودتي..
|
رد: ودخلت في الخمسين .
على ما يبدو االذين لم يبلغوا الخمسين يقرأوون فقط
إنها ليست عدوى يا رفاق ردوا ولا تخشوا شيئاً .. إنها تقدم بسيط في العمرالجميل .. إنها الخمسين منتصف العمر تقريباً سأعود إليكم يا رفاقي لنتجاذب أطراف الحديث والرد عليكم بما يليق وإليكم هذه الهدية أتمنى أن تروق لكم http://www.youtube.com/watch?v=elZ6uH-VPSs |
رد: ودخلت في الخمسين .
فما أقسى أن أدخل الخمسين مع ذاكرة لا يفوح منها أريجك وعبق الياسمين .. ليست الخمسين هي القاسية فقط ، بل و حتى ربيع العشرينيات قاسٍ أيضاً ، فما كان قبل خمسين عام ، يختلف عما نعيشه نحن في هذه الخمسين عام ... فلتهنئي بعمرك سيدتي ، وأطال الله عمرك وأسعدك .... ودي ووردي |
رد: ودخلت في الخمسين .
أهلا بك عزيزتي ميساء في ضيافة الخمسين ، أتمنى أن تنعمين فيه بالصحة والعافية وتسعدين بأحفادك وعودتك إلى بلدك الحبيب وهو آمن، أملي أن تطوني بخير أنت وكافة أسرتك ، قلبي معك في هذه الظروف العصيبة ، الله يعيننا جميعا على بلعها واستيعابها . دعواتي معك ومع كل السوريين.
|
رد: ودخلت في الخمسين .
بارك الله في عمرك ورزقك طاعته سن الخمسين هو سن الحكمة لشخص خاض معترك الحياة لينتج لغيره خلاصة ما شاهده ليستفيد وها أنت أستاذتنا ميساء تمررين تجربتك الجميلة الزاخرة بالعطاء والتميز .
|
رد: ودخلت في الخمسين .
شئتِ أم أبيت يا ميساء لم أدخل في الخمسين مازال أمامي السنوات لأصل للخمسين فأنا في العشرينات من عمري هههههههههههه إلا أنني أحببت هذه الفترة من الخمسينات إنها فترة الشباب والنضوج فترة التحدي والإصرار كلماتك دائما تختصر الشعر والشعور وتعبر الينا وجه البحور رائعة أنت عصفورة الشجن لأن قلبك يحمل قلب بنت العشرين |
رد: ودخلت في الخمسين .
أختي أ. ميساء : يزداد المؤمن ألقاً و جمالاً مع تقدمه بالعمر ذلك لأن الجمال الحقيقي هو جمال الروح و الأدب و العلم , و لإن كان الشباب يزهو بجمال الجسد فإن الكهولة و ما بعدها لها ما يزينها , و الحياة لا تحلو بنوع دون الآخر فهما كجناحي الطير لابد له منهما كليهما إن أراد الطيران , بارك الله لك بعمرك كله . |
الساعة الآن 14 : 07 AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر
الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية