رد: ملف مخيم اليرموك ومأساة اللاجئين الفلسطينين .
مخيم اليرموك والسؤال الأخلاقي !
ما زال لاجئو مخيم اليرموك يموتون، ينزفون ويختنقون. ما زالت محنة اليرموك تطرق كل ضمير حي. ومع المحنة الصادمة تنثال ذاكرة كل أبناء المخيم وكل الذين عاشوا في المخيم أو حتى زاروا المخيم فتستحضر صور المخيم الجميلة والمشرقة ومآثره الملهمة. أسموه خزان الثورة لأن فدائييه وفدائياته ملؤوا قواعد الثورة ومراكزها في كل المراحل ولم يتوقف المخيم عن العطاء بسخاء قل نظيره. لم يتوان شبانه عن الاندفاع بالمئات عندما فتحوا حدود الجولان، تقدموا نحو فلسطين ووصل احدهم الى حيفا، لم يرهبهم الموت ولا غطرسة القوة الإسرائيلية. مقبرتا الشهداء الأولى والثانية تظل شاهدا على عطاء اليرموك بلا حدود من اجل حرية وتحرر الشعب الفلسطيني.
تستوقفني ذكرى جنازة القائد الشهيد ابو جهاد، حين خرج المخيم عن بكرة أبيه وتوحد مع السوريين (200 ألف فلسطيني واكثر من 100 ألف سوري) جاؤوا الى المخيم وهتفوا معا لحرية فلسطين أدمجها السوريون بحريتهم. ما زلت اذكر كيف ذاب كل مشارك في الجنازة وتوحد مع الآخرين في موجة بشرية ثورية ضخمة امتدت من أول المخيم حتى آخره، وكيف تناقلت الأكف الجثمان وحركته على شريط بشري وصولا إلى مقبرة الشهداء.
ما زلت اذكر دور المخيم في إغناء الهوية الوطنية عبر فرق الدبكة والفنون "العاشقون" و"الأرض" وغناء أبو عرب الذي كان يصدح في المخيم طولا وعرضا. وحفلات الفنان السوري الثوري الرائع سميح شقير الذي كانت أغانيه الثورية تجذب آلاف الشبان والصبايا، وملتقيات الشعر والثقافة التي كان يشارك فيها المفكر العراقي هادي العلوي، والناقد يوسف سامي اليوسف ابن المخيم الذي فتح مكتبته للأجيال الجديدة ورعا الإبداعات الشابة، وعشرات من الأدباء والمثقفين السوريين والعراقيين واللبنانيين والفلسطينيين.
ما اود قوله أن لهذا المخيم رمزية وطنية وثقافية تستحق ان ندافع عنها ونصونها ونحميها. كثيرون استجابوا لنداء اليرموك وكان في المقدمة ابناء اليرموك والذين عاشوا فيه وعرفوا قيمته الوطنية والمعنوية والثقافية. مئات المواقع الإلكترونية أطلقت الصرخات، ومدافعون أشاوس لم يتوقفوا للحظة واحدة عن تسليط الأضواء وجلب الاهتمام وحشد التضامن ونقد القصور والمقصرين.
أطفال نابلس لبوا نداء اليرموك بفعل رمزي انتصر للحياة. مجموعات شبابية هنا ومجموعات هناك دافعوا عن كرامة الفلسطيني في اليرموك، كثيرون بكوا عجزهم بشجاعة، كثيرون فجروا عواطفهم غضبا ولعنوا العالم الذي يرعى مصالح الكبار ولا يعير أي اهتمام لحقوق الإنسان الذي ينتمي للفقراء.
أسرى الحرية كانوا دائما يحملون المفاجآت السارة، ومن أجدر منهم في تحسس قيمة الحرية وأثر المعاناة والقهر على كرامة الناس؟ مئات من الأسرى قرروا تقديم كل واحد منهم مائة دينار لمخيم اليرموك. أصوات تنتصر لليرموك وللضحايا ولأبسط حقوق البشر في الحياة والخبز والماء، وأصوات تكرر خطاب الجلاد. تقايض حرية الشعبين بمعاداة لفظية للإمبريالية، ولم يرتق أصحاب هذه الأصوات الى مستوى الاختراع البدهي الذي يربط التحرر الوطني بتحرر البشر من القهر والمذلة. ولا الاختراع الذي يقول بأن المقاومة وسيلة لانتزاع الحرية ورفع الظلم والاستعباد. ولا الاختراع الذي أبطل أحقية نظام معاد للإمبريالية في فرض ديكتاتوريته على شعبه بالحديد والنار.
كادت الشاحنات الست المحملة بالغذاء والدواء تدخل المخيم لولا أنها تعرضت لقصف من الأسلحة الثقيلة من مواقع النظام بعد تجاوزها لحواجز النظام الأخيرة ما دفعها للتراجع، هذا ما صرح به مرافقون للشاحنات. غير أن د. أحمد مجدلاني رئيس اللجنة المكلفة إيجاد حل لمحنة مخيم اليرموك عزا عدم وصول المساعدات والمواد الإغاثية للمسلحين داخل المخيم. وحَمَّلَ الزميل حسن البطل في مقاله (أنصاف حقائق حول اليرموك) يوم الاثنين "الجهات والفصائل التي ترى في المخيم أرضا سورية محررة ومنصة وثوبا لتحرير دمشق وإسقاط النظام" المسؤولية في عرقلة إدخال المعونات. وهو الذي قال في فقرة سابقة من المقال " مخيم اليرموك ليس "غيتو" للاجئين بل مراكز جذب اقتصادية وسكنية وسياسية ومسلحة".
إن هذه الرواية التي قدمها د. مجدلاوي وأكدها البطل هي الرواية التي تروجها "القيادة العامة " ومصدرها النظام، هي الرواية التي لا تصمد أمام أي محاججة عقلية. دعونا نصدق رواية النظام القائلة : "بأن المخيم تحول إلى رهينة ودروع بشرية للمسلحين" في هذه الحالة ووفقا لتجارب مماثلة فإن المختطفين يقدمون قائمة بمطالبهم يأتي في مقدمتها تأمين الغذاء والدواء والوقود وإلا فإنهم سينالون من المختطفين. هذا يعني ان مصلحة المجموعات المسلحة داخل المخيم دخول التموين والدواء والوقود، والادعاء بأنها تمنع القوافل التموينية لا يدخل العقل.
ما حدث يوم الاثنين من إطلاق القذائف على الشاحنات الست يؤكد خطأ ما ذهب إليه البطل ومجدلاني والقيادة العامة والنظام.
هل يمكن ربط حل أزمة المخيم الإنسانية بحل سياسي جزئي في منطقة المخيم؟ الجواب لا. لان الحل السياسي للصراع لا يزال شائكا ومتعذرا بانتظار جنيف 2 المهدد بالفشل، ولما أخفقت المساعي الدولية والإقليمية في الوصول الى حل سياسي للصراع حتى الآن، ولما أخفق التوصل الى حلول سياسية مناطقية أيضا طوال سنوات الصراع، فهل يمكن للمساعي الفلسطينية النجاح في الوصول الى حل سياسي وتطبيقه في مخيم اليرموك؟ إن الاتفاق الذي صاغته المنظمة ووافقت عليه بعض أطراف الصراع هو حل سياسي وإنساني للأزمة، حل يقضي بحسم السيطرة على المخيم لمصلحة طرف وفي مواجهة آخر.
كان الوضع الأمثل عدم دخول المخيمات في الصراع والاحتفاظ بدور إنساني وإغاثي للمنكوبين، غير أن بعض المخيمات ومنها اليرموك زجت بالصراع وجرى استخدامها من قبل القيادة العامة والتنظيمات التابعة للنظام، وأصبحت العودة للمرحلة السابقة مرهونة بتراجع القيادة العامة وحلفائها عن موقف الانحياز للنظام، ومقابل ذلك خروج مجموعات المعارضة والثورة السورية من المخيم، وبحسب تعقيدات الصراع فإن هذا الحل السياسي غير ممكن لأنه يرتبط بحل اشمل، الحل الممكن والمطلوب هو الحل الإنساني الذي نجحت المنظمة في صنع مثيل له بتبادل المخطوفين الإيرانيين واللبنانيين والسوريين، والحل الإنساني يتمثل بإخراج المدنيين وبخاصة الأطفال والجرحى والمرضى والحوامل والمسنين من المخيم. وقد سبق وخرج 80% من سكان اليرموك وخرج المدنيون السوريون من المناطق الشبيهة (7 ملايين سوري داخل وخارج سورية) من الذي يمنع خروج الابرياء؟ علينا ان نحدد بدقة؟ من اجل إيجاد الحلول قبل فوات الأوان.
مهند عبد الحميد
|