[align=justify]
الجزء الثالث من المجموعة العاشرة :
حلّت الهزيمة وتشرّد الشعب الفلسطيني!..
كارثة النكبة وضياع فلسطين إلى حين يأذن الله سبحانه بعودة البلاد إلى أهلها...
أستهل الجزء الثالث بالوقوف مع شاعر حيفا المُلهَم "حسن البحيري " والذي كان لي يوماً شرف التعرف إليه وزيارته في دمشق بصحبة ابن عمتي الشاعر طلعت سقيرق (رحمهما الله) وكان بالنسبة لي لقاء في غاية الأهمية ، وفيه حدثني عن شعراء عائلتي في مدينة حيفا، وخصوصاً عمي الشاعر بدر الدين الخطيب - والذي – سمّاه لي الأستاذ البحيري- أستاذ شعراء حيفا ( لكن للأسف ليس لديّ نماذج من أشعارهم ، وهذا من بعض فصول النكبة والتشرد والشتات).
يقول البحيري:
أما فيكُمْ ملوكَ العُرْبِ ذو هَدْيٍ ولا مُرْشَدْ
يخِفُّ لِنُصرةِ الإسلامِ لمّا صاحَ واستَنجدْ
وَدَوَّى غوثها لملهوف يحمله الصَّدى الأَسْودْ
وأنتمْ في ظلالِ اليُمن غُصنُ مُناكمو وَرَّدْ
تُعزُّونَ الأَسى بالقولِ لا أَجدى ولا أنجدْ
فلو أبصرتمو "صهيونَ" لما هَبَّ واستَأسدْ
وصَالَ على كريِم العِرْضِ صولةَ غاشمٍ أنكدْ
وهكذا..أخرج الصهاينة والمخططون في الغرب حثالات من أعتى المجرمين اليهود من السجون الأوروبية وأرسلوهم إلى فلسطين لتشكيل عصابات صهيونية مثل: "شتيرن" و "الهاغانا" وغيرهما ليقوموا بمجازرهم الوحشية ضد الشعب الفلسطيني المسالم الآمن في دياره، وذلك حتى يتمكنوا من طرده من وطن أجداده لآلاف السنين ومنذ بداية استقرار المجموعات البشرية ، ويزورون لهذا الغرض التاريخ والواقع في أحط وأقذر مؤامرة عرفتها البشرية، ولا ننسى الدور الرسمي العربي الذي تواطأ قسم كبير منه نزولاً عند أوامر ولاة نعمتهم اللذين نصبوهم على كراسي الحكم وتزاوجاً مع الفساد ( كما لم يزل!)، فكان الكذب واجتماعات التسويف والتخدير والخداع وإفشال الجهاد والإضرار بالثوار !.. ناهيك عن التآمر على المجاهدين وصفقات الأسلحة الفاسدة التي كانت تنفجر بحاملها ، ولا ننسى أدوار قذرة لأثرياء لعلّ أشهرهم والأشدّ تأثيراً في حينه ، عائلة " سُرْسُق " اللبنانية وهم فرنسيو الأصل من بقايا الحقبة الصليبية ، كانوا يملكون أراضي شاسعة في فلسطين (منها مرج ابن عامر) وعقارات قاموا ببيعها لما سمي بـ " الوكالة اليهودية" ....
مجازر ومذابح تقشعر لهولها الأبدان وتطهير عرقي ، والنتيجة تهجير قسري وتشريد الشعب الفلسطيني إلى الجزء المتبقي من فلسطين والأقطار المجاورة هائمين دون أن يتمكنوا حتى من أخذ شيئاً من متاعهم وأموالهم وأملاكهم ليرثها الغزاة الصهاينة ويحتلون بيوتهم وأراضيهم ومراكز أعمالهم وينهبون أموالهم بينما يتحول الفلسطينيون الكرام إلى مشردين لاجئين منفيين في خيام لا تقي الحر والبرد بلا مال ولا زاد!.. محملين بجراحهم وآلامهم متجرعين كؤوس الهوان في نكبة وطن وشعب كامل تآمر عليه العالم بأسره...
حال الشعب الفلسطيني حال شعرائه..دماء قلوبهم تنزف أهوالاً وجراحهم كابوس مرعب تجعل القصيدة بعض نزيف وطن مغتصب وشعب ذبيح! ..
خرج الشعراء إلى الشتات والغربة ليكملوا مسيرتهم الشعرية التي تحمل جرح وطن وشعب متبنية قضية فرضها عليهم هول المأساة.. إنه زلزال النكبة وكارثة التشرد وأهوال جديدة في مسيرة الشعب الفلسطيني المعذب!..
من قصيدة للشاعر علي الأحمد من قرية الشجرة (الشهيرة) وهو جد الشاعر والمغني المعروف أبو عرب - وكان يلقب بشاعر الشجرة - يخاطب فيها الملوك والرؤساء العرب الذين بعثوا جيش الإنقاذ إلى فلسطين عام 1948 ليساعد أهلها على الصمود - وليس ليسلمها إلى اليهود - والقصيدة منقولة من ديوان بخط اليد أبان النكبة للشاعر الذي توفي في خمسينات القرن الماضي في مخيم العائدين في مدينة حمص السورية، وهي لا تخلو من بعض الكسور ربما بسبب تناقلها من شخص لآخر:
لله عانى حالـــفَ الأحزانــا= قد فارقَ الأوطانَ والخلاّنا
مع ألف ألف في العراء تشرّدوا= لم يملكوا تحت السماء مكانا
بعثوا أبو القاووق يحمي أرضنا= مع طغمةٍ ما ذاقت الإيمانا
مــا جاء يحتلّ البلاد لحفظها =بل كي يسلّمها إلى الهاغانا
بالفعْلِ سلّمها وولّى هارباً = من جيش إسرائيل ولىّ مهانا
يـا راكبَ الفوردالسريع بسيره= اذهب فديتك قاصداً عمّانا
قل للمليك ابن المليك معاتباً =ما تختشي مَن أنزل القرآنا
أتبيعُ مليــونَ النفوس ببلدةٍ= لتكونَ فيها حاكماً سلطانا
فلنرفعنّ إلى الإله قضيةً =ضدّ الذين تخبّطوا بدمانا
مصرٌ ونجدٌ والعراقُ وجلّقٌ= وابن الحسين ومَن رعوا لبنانا
قسماً لو أنّ المومسات مكانكم= لتركْنَ ماخورَ الفجور عيانا
ولبسنَ لبسَ الراهبات تقشّفاً= خجلاً من العار الذي أخزانا
علي الأحمد -الشجرة - فلسطين 1948
مهجراً مشرداً ذبيحاً يحمل على عاتقه أهوال وطن حبيب غُيِّبَ عنه قسراً ، وهول السبي الفلسطيني الذي ولّدته النكبة. يظهر ذلك هنا في قصائد الشاعر راشد حسين "الخيمة الصفراء وأزهار من جهنم" يقول:
في الخيام السود في الأغلال في ظل جهنم
سجنوا شعبي وأوصوه بألا يتكلم
هددوه بسياطه الجند بالموت المحتّم
أو بقطع اللقمة النتنة، إن يوماً تألم
ومضوا عنه وقالوا عش سعيداً في جهنم
لقد تحوَّل رمز «المخيم» إلى شاهد على قضية الشعب وإصرار أبنائه على استعادة حقهم في وطنهم مهما طالت السنون (1).وان كلمات الشاعر الفلسطيني عبد الكريم الكرمي “أبو سلمى" لتعبر على لهفة اللاجىءعلى العودة، وهو لا يتخيّل الحياة بعيداًعن فلسطينه
أنّ مفتاح البيت لايزال في أدراج القلوب وخزانات الصّدور
فلســطينُ الحبيبةُ.. كيفَ أحــيا بعيداً عنْ ســهولكِ والهضابِ؟!
تُناديني الســُّـــفوحُ مخضبات وفي الآفــاقِ آثارُ الخضــابِ
تُناديني الشـــــواطىءُ باكياتٍ وفي سـمعِ الزَّمانِ صدى انتحابِ
تُناديني الجداولُ شـــــارداتٍ تســــير ُ غريبة ً دونَ اغترابِ
تُنادينــي مدائــِنُكِ اليتــامى تُنـــــاديني قراكِ معَ القباب
المجموعة التالية :
من النكبة إلى النكسة
تفضلوا بقبول فائق آيات تقديري واحترامي
هدى نور الدين الخطيب
**
1- لهذا يتم اليوم تصفية المخيمات الفلسطينية تماماً وتشريد سكانها عنها!
[/align]