[د. رجاء بنحيدا]

إن ما شهده قطاع غزة من عدوان إسرائيلي همجيّ على مدى قرابة العام وأربعة أشهر يعد فصلا دامياً في تاريخ الصراع الفلسطينيّ الإسرائيليّ، ولا شكّ أنّ توقّف آلة القتل الإسرائيلية يُعتبر بحدّ ذاته إنجازا عظيما يُفرح قلوب كلّ من ناصر الحق الفلسطيني. لكنّ هل يمكن توصيف ما جرى بـ "الانتصار" أم الأمر يحتاج إلى وقفة تقييمية شاملة مع ترقب وحذر شديدين .
صحيح أنّ المقاومة الفلسطينية صمدت صموداً أسطورياً شامخا في وجه آلة الحرب الإسرائيلية، وكبّدت الاحتلال خسائر فادحة على المستويات العسكرية والأمنية والاقتصادية والسياسية، وأجبرته في نهاية المطاف على القبول بوقف إطلاق النار، وفي هذا تحقيق لانتصار على الظلم وتوقيف نزيف الدماء والمعاناة الشديدة لكن هل يمكن اعتباره أيضا انتصارا سياسيا كاملا ؟!؟
أمّا بالنسبة للثقة بنوايا نتنياهو، فإنّ تاريخه السياسيّ الحافل بالنكث بالعهود والمراوغة والتطرف يُشير إلى أنّه لا يُمكن الوثوق به على الإطلاق. فمن الوارد جدا أن يعود إلى التصعيد العسكريّ في غزة في أيّ لحظة تسنح له الظروف، خاصّةً أنّه يواجه ضغوطاً داخلية كبيرة من أطراف يمينية متطرفة في حكومته تُطالبه باستمرار الحرب حتى تحقيق ما يُسمّونه "النصر الكامل"..وبالنظر إلى الوضع في الضفة الغربية، فإنّ المخاوف من انتقال شرارة الصراع إليها هي مخاوف مشروعة وقائمة. فالضفة تعاني أصلا من تصاعد وتيرة العنف الإسرائيليّ من اقتحامات واعتقالات وهدم منازل واعتداءات المستوطنين، وقد يستغلّ الاحتلال أيّ تطورات في غزّة لتصعيد عدوانه في الضفة أيضاً، بل إنّ هناك تخوف حقيقي من قيام الاحتلال بتنفيذ مخططات تهجير للفلسطينيين في الضفة على غرار ما كان يهدف إليه في غزّة..،
إن الوضع يتطلب رص الصفوف وتوحيد الجهود لمواجهة التحديات القائمة..
لكن هل يمكن التغلب على الانقسامات الداخلية والخلافات السياسية، وتوحيد الصفوف في مواجهة التحديات الراهنة، أم أن هذه الانقسامات ستظل عائقاً أمام تحقيق أي تقدم؟