[align=justify]
بسم الله الرحمن الرحيم
أول ما يتبادر إلى الذهن ويبدو جليا عند قراءة هذا النص أنه مقال صحفي .. يبدأ أول ما يبدأ بوضع صورة قاتمة للكتابة بالعالم العربي و يصف بكل صدق ودقة حالة الكاتب العربي الواقع تحت سندان السلطة و مطرقة الواقع البئيس .. صفة المقال الصحفي هذا وهو يحمل انتقادا لاذعا للوضع الشاذ للكتابة بالعالم العربي دون أن ينسى توجيه نقد ذاتي ، يغطي على الأقل فقرتين من النص .. بينما يمكننا اعتبار الفقرة الثالثة بمثابة جسر يربط بين المقال و الخاطرة أي بمثابة إعلان رسمي عن بداية الخاطرة .. إذن فهو مزيج منهما ، بحيث أن الأنا الفردية المتسربة بين الكلمات تجعل نكهة المقال تندثر شيئا فشيئا لتفسح المجال أمام الخاطرة ابتداء من الفقرة الرابعة .. حيث يبدأ نوع من البوح بعيدا عن أسلوب الخطاب المتمكن من بداية النص . وصرنا نجد كلمات هي اقرب لصور شعرية منها إلى صور مادية محسوسة .. " أكتب على الرصيف والتراب وفوق الماء" .. إيقاع الخاطرة يتغير مع تغير نبرتها الخطابية .. فنجد تنوعا في بداية كل فقرة رغم تشابه المعنى .. لننظر إلى :
"أحاول الكتابة على أوراق من نار... فقرة 3 " و " أكتب على أوراق من نار.. فقرة 4 ".. ثم "على أوراق النار أكتب...فقرة 5 " قبل أن يختم الكاتب فقراته بـ"أوراق النار ترفض الانصياع للريح العاتية ..فقرة 6" .. وكأني بالكاتب تدرج في وصف هذه الكتابة التي صارت تحرق الأنامل إلى درجة حرق كل ما تجده في طريقها .. إذ حتى الريح العاتية لا تستطيع إخماد جذوتها الملتهبة .. وربما تمردت على الكاتب نفسه حين أراد كبح جماحها غير عابئة بنداءاته .. وهو في ندائه هذا يترجى قصائده التي حوت كل معاني التمرد .. يناديها .. يغازلها .. يستثير عواطفها ليبثها حبه كمن يكفر عن ذنب كان الصمت سمته .
والكاتب في وصف معاناته تارة بالأنا المنفردة و طورا بالأنا الجماعية لا يهمل إضفاء شاعرية على نصه وذلك بمخاطبة الحبيبة و أحيانا بالالتفات إلى قصائده ليبثها شكواه .. وقد نرى جنوحا خفيفا نحو الخطاب المباشر المنتقد للوضع داعيا إلى التمرد الأدبي وجعل الكتابة تمخر عباب التسلط : " دعونا نفتح أفواهنا دون الحاجة للجلوس عند طبيب الأسنان، ونصرخ في وجه الرياح العاتية" .. لكن سرعان ما تعود النبرة الأدبية لتحلق بنا بعيدا عن الأسلوب الخطابي .
المقال / الخاطرة صار على إيقاع واحد ، على الأقل من حيث لغة التمرد على الذات و على الوضع .. فالنار التي بدأ لهيبها يستعر منذ البداية بطريقة غير مباشرة ، امتدت ألسنة لهبها منذ الفقرة الثانية في آخر كلمة منها .."النيران" .. وكأن اختيار الجمع هنا جاء ليظهر لنا أن ما سيأتي من فقرات لن يكون سوى نار تلظى .. وهذا ما كان بالضبط .. حتى أن كلمة نار تكررت على إيقاع سريع ومكثف في الأخير قبل أن يصير كل شيء عبارة عن حريق .. ترى هل كان الحريق أهون الشرين .. النار و الطوفان ؟ .. ربما لأن الطوفان يحمل كل ما يمت إلى البشاعة بصلة .. صمت و قمع و ذلة و تسلط في مقابل النار التي تسري في هذا الهشيم وكأنها ستطهره من العفن .
أسلوب الخاطرة لا يحمل أي تعقيد .. بل يواكب الإيقاع بكل سلاسة رغم ما يعتري النص من حدة وثورة كانا يمكن أن يحيدا الخاطرة عن طابعها الأدبي .. لكن الكاتب حافظ على النسق العام للخاطرة فجاءت النهاية عفوية ومتناسقة مع سياق النص ..
هي بعض الأفكار التي راودتني و أنا ألتهم سطور الخاطرة فأحببت أن أدونها مهيبا بمن سيقرأ النص وهذا "النقد " المتواضع أن يثري الصفحة بآرائه ..
بكل الحب و المودة
[/align]