لم يتبقَ لك أثر
لم يتبق َ لك أثر
سكبت ما تبقى من المداد على الورق .. أفرغت ما اختبأ في جوفه .. ما علق في حنجرته ..
ما جف على لسانه واستعصى على النطق .
جئت أبحث عنك في المداد .. أفتش فيه .. علّني أعثر لك فيه على أثر ..
جئت أحاور المداد .. أستنطقه .. أستحلفه أن يرسمك لي في مرآة الصور .
كنت أراهن نفسي بأن هذا المداد المنسكب عنوة من مسامات روحي سوف يرسمك ..
سوف يرسم لي ملامح وجهك ..
سوف يكتبك .
كنت أراهن أن روحك ما زالت تسكن المداد وتسري في شرايينه .. كما أنت ..
ما زلت تسكن قلبي وتسري في شراييني .
كنت أراهن أن رحم هذا المداد سيلّدُ لي بعضا ً من صورك .. سينجب لي قمرا ً استدل بنوره على وجهتك ..
كنت أراهن أن هذا المداد مرة أخرى بعد قلبي سينجبك .
اندلق مني المداد وغرقت قصاصات الورق .. أخذت أشتم رائحة المداد علّها في طياتها تحملك ..
علّها تحمل بعضا ً من رائحتك ..
علّ بقايا من عبيرك علقت في ثناياها .. علقت قي ضفائرها .. علقت في هوامش الورق .
أخذت أتفحص ما أنجبه لي المداد .. خربشات انسكبت هنا .. خربشات اندلقت هناك ..
خربشات تشعبت وتمددت وتغلغلت في ظلال من الفوضى والعدم ..
هل هذه الخربشات أنت ؟
هل هذه الخربشات صورتك .. اسمك .. عنوان بيتك .. دليلي إلى قلبك ؟
أم أن هذا المداد قد تاه في البحث عنك كما تهت من قبله أنا ؟
لم أجد فك طلاسم الصور ..
لا أعرف تعويذة سحر تفسر لي اليوم ملامح وجهك الذائبة ..
تقرأ لي سطرا ً من أفكارك الشاردة ..
تشرح لي ما يصول ويجول في سماء أفقك وما يغيب ملوحا ً بذراعيه خلف الأفق .
لست بقارئة للفنجان ولا أبصّر في بقايا قهوتك ..
لا أفهم خطوط الكف إن كانت تزحف نحو اليمين .. نحو اليسار .. نحو قلبك ..
ولا أستطيع قراءة النجوم لا البعيدة منها ولا التي تعبث بظفائر القمر ..
ولن أعرف طالعك لليوم أو للغد .. أو حتى ماذا كان طالعك في مساء الأمس .
عيناي ليستا مجهرا ً فلكيا ً ترصدان ما خبأته لي أنت والنجوم ودفاتر القدر ..
سكبت مدادي .. ما تبقى من مدادي .. كي أرى صورتك بعد طول غياب ..
كي أتفحص ملامحك التي اشتاقها النظر ..
لكني لم أعثر لك في المداد على أثر .. لم يتبق َ لك بقعر الفنجان .. ولا في جوف المداد أي أثر .
لم يتبق َ لك أثر ..
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|