رد: الركن الهادىء
خوف
لم ألتقط أنفاسي بعد ولم أحصل على لحظة استقرار حتى كانت تطرق الباب عليّ وبيدها طبق من الحلوى " صنع يدها " على حد قولها .. فاجئتني بالزيارة بل أربكتني جدا َ .. لا تتكلم العربية وهي أصلا ليست عربية ولا تدين ديانة أنا أعرفها أو أفهمها أو حتى أسمع بها من قبل ..
شعرت بعدم ارتياح لها من أول نظرة .. بل شعرت بنوع من القلق .. شعرت بها تتسلل إلى حياتي فتربكها وأنا لا أحب من يقتحم حياتي بهذا الشكل ..
دعتني لزيارتها في منزلها وذلك بعد يومين من الآن .. للتعرف على جميع سكان الحي ّ .. لم أعدها بذلك .. لكني داخليا ً كنت أرفض هذه الدعوة السريعة .. وعندما غادرتني شعرت بكراهية مطلقة لها ومنذ النظرة الأولى ..
مضى يومان وأنا أفكر كيف أتنصل من زيارتها ولكني ولله الحمد حصلت على مخرج ولم أذهب .. ومع ذلك بقيت في حالة من القلق أن تعاود هي زيارتها وأن تحمل لي مزيدا ً من الأطباق التي سيكون مصيرها سلة النفايات مباشرة ..
بعد فترة طويلة طرقت عليّ الباب مرة أخرى لتسأل عني وتعاتبني على عدم الحضور .. طبعا ً قدمت لها مبررات واهية جدا ً تظاهرت هي بأنها صدقتها ثم قلت لها بصريح العبارات أنا لست ممن يقومون بهذه الزيارات الصباحية .. أنا مشغولة جدا ً ولا أجد الوقت أبدا ً لمثل هذه الزيارات .. كنت أخشى أنها من الصنف الذي لا يقتنع ولا ييأس من المحاولة .. لكنها اقتنعت .. ويأست مني ..
بعد فترة من الزمن .. مرضت أنا .. وعلمت هي بمرضي ولكن كان لا بد من رد الزيارة لها وأخذ طبق من الحلوى " صنع بيتي " لأنها ترفض تناول أية أطعمة جاهزة من السوق ..
ذهبت لزيارتها كمن يُجر لحبال المشنقة .. جلست معها متوجسة .. خائفة .. كنا نفتح أحاديثا ً عديدة .. بدأت تكلمني عن نفسها وعن بلادها وعن عادتها وتقاليدها وعن ديانتها .. بدأت أشعر أنها حرة في اعتناق الديانة التي تريد .. هي ديانتها وهي حرة بهذا وعليّ أنا تقبل هذا الشيء طالما أنها لا تتعارض مع ديانتي ولا تؤذيني ..
بعد فترة طال بيّ المرض والجلوس وحدي .. سألت عنها فقالوا مشغولة جدا ً .. بدأت أعيد حساباتي وأعيد النظر بما هو حولي وبمن هم حولي .. هي إنسانة طيبة .. اجتماعية .. تريد أن تتفاعل مع الجميع .. ربما أنا خفت منها زيادة عن اللزوم .. ربما أنا بالغت في خوفي ..
كانت تتصل بيّ هاتفيا ً بكل مناسبة لتهنئني وأنا حينما حاولتالإتصال بها مرة واحدة لأهنئها بمناسبة عندها لم ينجح الإتصال بها .. ثم تركت الموضوع ..
اتصلت بيّ في الأمس تدعونني لزيارتها من أجل الوداع .. تريد أن تعود لوطنها .. شعرت بالحزن .. قلت لها أنني بدأت أعتاد عليها وإنني بصدد دعوتها للنادي الذي أرتاده كي نمضي أوقاتا ً جميلة معا ً .. قالت لي .. أنها سترحل وأن عليّ أن أكون في حفلة الوداع في الغد .. وألا أختلق الحجج والأعذار الواهية وأنها تعلم أنني لم أذهب إليها في المرة السابقة لأنها من جنسية غير عربية وديانتها غريبة عليّ بعض الشيء وأنني فعلا ً لم أتقبل هذا الشيء أو تخوفت منه ..
جن جنوني وأنكرت وحاولت أن أوضح لها ولكنني وجدت نفسي أقول لها الصدق .. قلت لها .. كنت غريبة وخائفة جدا ً .. ببساطة شديدة أنا خفت منك ومن التعامل معك لكنني أدركت الخطأ لاحقا ً وحاولت أن أصحح هذا الخطأ لكن الوقت لم يسعفني ..
ربما تفهمت خوفي .. ربما عذرتني .. لكنّي أنا لم أسامح نفسي ولم أسامح هذا الخوف الذي يستأسد عليّ دائما ويقف كالسد في وجه كل خطوة أخطوها ..
متى أتحرر منك يا خوف .. متى ؟
|