أحرفي ... خائنة !
أيتها الحروف .. لا تخونيني .. قد كنت طوع بناني رهن إشارتي .. كنت آمرك أن تنحني له فتنحني بكل وقار ... آمرك أن ترقصي له فتتمايلي بغنج ودلال .
الآن أريدك أن تكفي عن كل هذا .. أن تكفي عن ذكر اسمه على مسمعي .. عن ترديده كسيمفونية الربيع في ليالي الشتاء الباردة .. فلماذا لا تستجيبي ؟
أعلم أني وإياك أمضينا عمرا ً في حبه .. غافلنا الزمن وغرقنا في حبه .. تجاهلنا سنوات العمر الهاربة إليه.. ولكن هذا يكفي .. ويجب أن تكفي الآن عن حبه !
يجب أن يصبح الآن ذكرى ! مجرد ذكرى .. تغلفها علب النسيان .. لا أريده املآ يحيا بين ضلوعي .. لا أريده الماضي والحاضر والمستقبل .. لا أريده الآن .. لا أريده.
أيتها الأحرف الخائنة لماذا كلما حاولت جمعك أو تفريقك .. كلما حاولت رسمك أو تصفيفك .. كلما حاولت حتى بعثرتك .. لا تكتبي إلا اسمه ؟ لا تنطقي إلا اسمه .. أما زلت تحبينه ؟ أما زلت تنتظرينه وتطلبين وده ؟
لا تخونيني أيتها الحروف .. لا تخني أيها المداد .. لا تخونيني أيتها الأنفاس .. لا تذبحيني أيتها الحيرة .
يقتلني السؤال .. لماذا ؟ لماذا كلما حاولت أن أجهض حبه .. أراه يبعث من جديد ! يبعث أكثر قوة وعنفا ً .. أكثر صدقا ًوطهارة .. أكثر نبلا ًوشهامة .. أكثر دفئا ً وحرارة .. حبا ًيسكنني .. يسكن أنفاسي .. يسري بدمي .. يمدني بالحياة .. حباً حقيقيا ً يتملكني .. وليس مجرد طيف يأتيني بالمنام .. ولا زائر يؤنس وحدة المساء .. حبا ً ينثر الفرح في دربي .. يعبّد الطريق إلى قلبي ويرصفها بالأمل .
حبا ً لا يفارق ليلي ولا يخشى نهاري .. لا يهاب تقلبات الدهر وتقلباتي .. حبا ً لا يثنيه برق الشتاء ورعده .. لا تحرقه خيوط الشمس الملتهبة .. ولا تعصف به أعتى الرياح .. حبا ً صامدا ً كنخلة امتدت جذورها لالآف السنين .. شامخا ً كجبل تذوب بين أقدامه أمواج البحر وتنكسر على أضلاعه أعاصير المدى وزلازل الأيام .
الآن هو ليس لي .. لم يعد لي .. أخذته مني الأيام .. سلبته من بين أناملي الأقدار .. ويجب أن يرحل .. يجب أن يرحل .. وهو لن يرحل الآن .. لن يرحل .. وأنا أتعبتني الأيام .. ضجرتُ من صبري .. ضجرتُ من انتظاري .. من قلبي .. من مدادي .. من ضعفي .. من أحرفي .. من خيبة الأمل !
آه يا أحرفي .. هل آوي إلى كهف فأغيب فيه مئات السنين وأعود في زمن هو ليس فيه .. وأنا لست منه .. وأنت أيتها الأحرف الخائنة لست لي .. لست مني .. زمن أنسى فيه من أنا .. أنسى فيه اسمي .. الذي كان اسمي ؟
ولكنني أخشى .. أخشى أن تخوننني ذاكرتي أيضا ً فلا تتذكر سوى اسمه .. أخشى أن اسمه لا تطويه السنين وأنه يبعث من الكهوف ! أعينينني يا حروفي .. أعينينني أيتها الأحرف الخائنة .. أعينينني على عدم ذكر اسمه .. أعينينني على وئده !
أعينينني على وئده ... أعينينني أيتها الأحرف الخائنة.