[ميساء البشيتي]

يا محمود .. الكرمل يحترق
انهض يا شاعر .. الكرمل يحترق ..
انهض يا محمود من قبرك .. هذا ليس وقت الموت .. هذه الكرمل التي ركضتَ في روابيها وتركت أنفاسك معلقة في سحبها ووقع خطاك ملتصق على شوارعها .. هذه الكرمل تحترق وتحترق معها آخر أنفاسك التي لا زالت رابضة هناك .. هذه الكرمل تحترق وتحترق معها لمسة أمي وقهوة أمي ورائحة الصباح المنبعث من هناك قبل أن تكسوه سحب الدخان فيصبح أسود كأيامنا التي تنتظر على قارعة العمر ولا ينتظرها إلا العدم ..
اليوم رأيت العدم ..
اليوم عرفت شكل العدم ..
اليوم رأيت العدم يأكل الكرمل قضمة قضمة ..ونحن على قارعة العمر ننتظر أن تُدَق أجراس العودة وتفتح الأم ذراعيها لإستقبالنا .. الوطن يتآكل يا محمود في غيابك .. الوطن يحترق يا محمود في غيابك ..
وهذه اسرائيل القزم التي كانت تستعرض عضلاتها على أطفال غزة تقف مهمشة مهشمة أمام حريق الكرمل .. وتستغيث وتولول وتنوح .. هذه اسرائيل الأسطورة التي لا تقهر لا تستطيع إطفاء الكرمل .. لا تستطيع إطفاء كرملنا من اللهيب ..
ويعيد المذيع على أسماعنا ويزيد من نشرات الأخبار ويقول " قرى اسرائيلية تحترق " ونسي أو تناسى أن هذه القرى قريتك يا محمود الفلسطيني يا ابن الكرمل الفلسطيني .. يقول " القرى والبلدات الإسرائيلية " ونسي أن الكرمل لا يمكنه أن يكون إلا فلسطينياً ..
انهض يا محمود وألق نظرة الوداع على غابات الكرمل التي كانت تسكن فيها آخر نظراتك .. غادرتها مودعاً ذات يوم وأخشى أنها اليوم تغادرنا مودعة ..
من يكمل دفتر الأحلام بعد أن مات الشاعر ومات دفتر الأشعار ؟
من يكمل دفتر الأحلام ودفاتر العودة .. أم تراها ستموت الأحلام وتموت العودة كما مات الشاعر ودموعه معلقة على جفن الكرمل ؟
انهض يا شاعر وارسل أنفاسك تحيي لنا أشجار الكرمل وذكريات الرجال والأجداد والمحاربين القدامى وبصمات السلاح .. انهض يا شاعر قبل أن تأكل النيران كل شيء ولا يبقى للتاريخ سوى الرماد .. انهض يا شاعر .. أو فانتظرنا بقربك .. ما جدواها الحياة بلا الكرمل .. ما جدواها الحياة ؟