طلب تكذيب الأخبار عن تعرض النصارى في الشام وجبل لبنان للظلم
MKT. UM. 463/1
Tarih: 13/N /1277 (Hicrî)
25 مارس 1861
من المعروضات التي قدمتها لمقامكم السامي حتى الآن في بيان أحوال بعض الأشخاص غير المسلمين من أهالي الشام وجبل لبنان علمت بالتفصيل كيف يعملون منذ وقت بعيد لترويج أفكار الأجانب ويقومون كل يوم بنوع جديد من الفتنة والفساد، مواصلين ليلهم بنهارهم لتعقيد الأمور وتشويش الأذهان. إن المقصد الأصلي لهؤلاء هو تمديد فترة إقامة العساكر الأجنبية ليواصلوا ترويج بعض أفكارهم وآمالهم. ، وبهذا يلقون القسم الأكبر من المسئولية على الدولة ومأموريها، والآن يشيرون إلى حملة عدائية موجهة ضد النصارى، وأن النصارى في خطر وأن المسلمين والدروز يعدون العدة لارتكاب مجازر ضد المسيحيين، ولم يبق في هذا المجال شيء إلا ويقولونه. ومن جملة مفاسد أصحاب الغرض الذين يخدمون مثل هذه الأفكار الأجنبية، ما أعده هؤلاء على لسان الأهالي النصارى في الشام وحاصبيا وراشيا ودير القمر والأماكن الأخرى من معروض باللغة العربية لتقديمه إلى امبراطور فرنسا، وقد تأكد لدينا أنه وقع عليه مائتان وثمانون شخصا، واستطعنا بوسيلة من الوسائل الحصول عليه وقدمناه مع ترجمته بالتركية للمنظور السامي. ويفهم من الاطلاع عليه بأن نصارى سورية لا يؤملون على ما سموه بأخذ ثار الحادثة المنقضية ولا يتوقعون تحقيق التعويضات والضمانات مستقبلا، فهم لجأوا إلى الأمبراطور بصورة خفية لتحصيل حقوقهم. بينما عملت السلطنة السنية منذ البداية كل ما يمكن عمله من معاقبة المتهمين إلى إصلاح أحوال المظلومين وأثبتت للعالم كله عدالتها الفعلية، وشهد أصحاب الأفكار السليمة بالعدل والرحمة السنية وبكل أنواع العون والمساعدة وأملهم في إعادة السعادة والبسمة إلى وجوه المنكوبين. فليس هناك أي شك والحالة هذه أن هذه الورقة من صنع وتنظيم أمثالهم من أصحاب الغرض والفساد. ويروى أن الكثيرين ممن وقعوا عليه لم يطلعوا على محتواه وظنوا بأنه يتضمن تقديم الشكر لأوربا على تقديمها العون في هذا المجال. على كل الأحوال نحمد الله تعالى لم يتعرض الأمن والاستقرار لأي خلل نتيجة لمثل هذه المحاولات من أولئك المفسدين الذين لا يتوقفون دقيقة واحدة في تشويش وتخديش أذهان الأهالي بنشر كل أنواع الأكاذيب والأراجيف. ومن جمله ما نشره هؤلاء أن إشاراتى للصليب رسمت على أبواب المنازل التي يسكنها النصارى في الشام، تمكنوا بها من تهريب عوائل إلى بيروت، كما علقوا على جدران الكنائس لافتات كتبوا عليها عبارات تخويف وتحريض كي يهربوا إلى هذه الجهة. ولما صارت مسألة إشارة الصليب في بداية الأحداث علامة تحريض وإفساد، فإنهم ما فتئوا يتهمون المسلمين بذلك، لكن الشكوك القوية كانت موجهة إليهم، وأخيرا رأى الأهالي المسلمون والمسيحيون واحدا من هؤلاء وهو يرسم صورة الصليب على باب منزل في حي يسكنه المسيحيون فقبضوا عليه وحبسوه. فهم يقومون بكثير من الأعمال من هذا النوع وغيره، حتى لم يجدوا أخيرا ما ينشروه من ترهات، فصاروا يتحدثون عن الجفر والرمل، وأنهم يرون وفق أحكامه أن الفساد سيتجدد بين المسلمين وغير المسلمين في بيروت، وسيحدث كذا وكذا ، وإلى ما هنالك من الترهات والكلام الفاسد من جهة، والسعي إلى كل ما من شأنه الإخلال بالأمن والاستقرار من جهة أخرى. فقبل أيام جرح رجل مسيحي ليلا بالقرب من المنازل التي يقيم فيها مأمورن ببيروت، وبدأ التحقيق على الفور وتبين أن الذي فعل ذلك من المسيحيين، فتم القبض عليه وأودع السجن. ففي كل دقيقة نشاهد فسادا من هذا النوع، وهناك شك قوي بأن للمأمورين الفرنسيين دور في نشر هذه الأراجيف لدعم أفكارهم وادعاءاتهم كي تمدد دولتهم فترة بقاء قوتها العسكرية، واقل ما يقال في ذلك أنهم راضون من ذلك ويسعون إليه. ويدعم وجود هذه الفكرة، أن رسالة وردت من الجنرال دوبوفور مرفقة برسالة تلقاها من القائد العسكري الموجود في بيت الدين الكولونيل داريكو تضمنت أخبارا وأكاذيب لا يمكن تحملها، كما أنها من المسائل التي قد تطرح على بساط البحث مستقبلا، والسكوت عليها غير جائز، ومن الضروري التحقيق في مثل الادعاءات وتكذيبها بصورة عملية، لذلك فقد أرسلنا سعادة الفريق إسماعيل باشا إلى جبل الدروز كي يتجول في قراها ويراها بنفسه، كما أرسلنا جوابا مطولا على رسالة الجنرال . وقد عاد الفريق المشار إليه أخيرا وأعد تقريرا أوضح فيه أن الكلام الذي أشيع لا أصل له جملة وتفصيلا ، وقد رفعنا صورة هذا التقرير مع صورة الجواب على رسالة الجنرال إلى مقامكم السامي للتفضل بالاطلاع عليهما. وعلينا أيضا بيان أنه لم يكن جائزا السكوت من جانب السلطنة السنية بعد أن ظهرت قصة هذا المعروض، لذلك فقد بادرنا إلى نشر فقرتين من هذه الورقة للتأكيد لدى الجميع على أن الحكومة السنية على علم بها وإبطال آثار الأراجيف الواردة فيها، في صحيفة حديقة الأخبار التي تطبع وتوزع في بيروت. ، وقد أرسلنا صورة عما نشر للتفضل بالمنظور السامي. إننا نبذل كل ما بوسعنا للحفاظ على الأمن والاستقرار في مواجهة محاولات الإفساد هذه، وإننا على ذلك بفضل التوفيق الإلهي لحضرة مولانا السلطان، آملين من المولى جلت قدرته أن تتحقق النتائج المتوخاة في مسألة الضمانات والتعويضات، كيلا يبقى لمن في الخارج والداخل أي شيء يقوله، كما نتمنى أن تتحقق مسألة الإفراج في أقرب وقت ممكن لقطع الطريق على الذين يحيكون المؤامرات في الخفاء، ويسعون إلى زيادة المشاكل، أرجو تفضل مقامكم السامي بالإطلاع، والأمر لحضرة من له الأمر.
12 رمضان سنة 1277 ( 24 مارس 1861) من بيروت محمد فؤاد
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|