((( قراءة سيميائية في عنوان قصيدة " سَنَابِكُ النُّور"))) / عبدالحافظ بخيت متولي
((( سنابك النور )))
فَيَا أَيُّهَا اللَّيْلُ الَّذِي زَارَ مُهْجَتِي =حَلَلْتَ كَرِيـمًا أَيُّهَا اللَّيْلُ فَانْزِلِ
سَكَنْتَ بِغَوْرٍ ظَلَّ يَنْتَجِعُ الْمُنَى =وَيَهْدِي شِرَاعًا فِيكَ يَالَيْلُ أَقْبِلِ
لِأَحْضُنَ أَوْجَاعِي وَأَكْتُمَ غُصَّتِي =بِصَدْرٍ مِنَ الْأَنَّاتِ وَالْـهَمِّ مُثْقَلِ
وَتَاهَ شِرَاعِي فِي غِمَارِ كَآبَتِي =لِتَقْذِفَنِي الْآهَاتُ فِي كُلِّ مَـجْهَلِ
فُتِنْتُ مِنَ الْآلَامِ حَتَّى تَـخَالُنِي =رُؤَى الْـهَمِّ وَالْأَوْجَاعِ أَتْعَسَ مَنْزِلِ
وَطَوَّفْتُ حَتَّى تَشْرِئِبَّ كَآبَتِي =إِلَى أُفْقِهَا الْـجُونِيِّ فِي نُورِ مَأْمَلِي
تُبَعْثِرُنِي الْأَحْزَانُ فِي كُلِّ وِجْهَةٍ =وَتَرْمِي رُؤَايَ الشَّارِدَاتِ بـِمَقْتَلِ
وَفَوْقَ شِفَاهِي نَبْرَةٌ قَدْ تَوَهَّجَتْ =وَخَلْفِي خُطَايَ الشَّاحِبَاتِ وَهيْكَلِي
تَفَجَّرَ هَـمِّي مِنْ شَظَايَاهُ مُزِّقَتْ =جِرَاحٌ تَلَظَّتْ فِي دِمَائِي بـِمَعْزَلِ
وَقَادَ شِرَاعُ التَّعْسِ رِحْلَةَ حَيْرَتِي = فَأَوَّاهُ مِنْ هَمٍّ تَبَرَّجَ مُرْسَلِ
****
أُصَافِحُ كَفَّ الرِّيحِ فِي ظِلِّ غَيْمَةٍ =مِنَ التَّعْسِ حُبْلَى تَسْتَقِرُّ بِأَدْمُعِي
تَشُقُّ خَبَايَاهَا الْكَئِيبَةَ أَبْرُقٌ =مِنَ السُّوءِ يُلْقِيهَا الشُّعُورُ بِـمِسْمَعِي
يُرَدِّدُ حُزْنِي نَغْمَةً قَدْ تَلَوَّنَتْ =شُحُوبًا سَقَتْهُ النَّائِحَاتُ بِأَضْلُعِي
وَلَفَّ ضَبَابٌ خَاشِعٌ فِي هَيَاكِلِي =رُؤَايَ الَّتِي تَنْثَالُ فِي هَمِّ مَضْجَعِي
وَخَلْفِي تَرَاتِيلٌ مِنَ الْـحُزْنِ أَشْرَقَتْ =سُكُونًا بِقَلْبِي يَاتَرَاتِيلُ جَـمِّعِي
شَتَاتِي لِسِيزِيفَ الَّذِي مَلَّ صَبْرَهُ =وَصَخْرَتُهُ الْبَلْوَى تُغَازِلُ مَوْضِعِي
وَحُلْمٍ كَئِيبٍ قَدْ تَدَاخَلَ سَرْدُهُ =وَأَغْوَارُهُ الثَّكْلَى سَتَحْضُنُ مَصْرَعِي
وَتَـمْضِي رُؤَايَ الْعَازِفَاتُ شُرُودَهَا =فَيَا هَذِهِ الْأَرْجَاءُ بِالْـحُزْنِ رَجِّعِي
وَمُرِّي صَدَايَ فِي دِمَائِي وَرَدِّدِي =نَشِيدًا يُغَذِّيهِ الشُّعُورُ لِتُشْرِعِي
غَدًا جَاءَ تـَهْدِيكِ الرِّيَاحُ وَشَارِدٌ=مِنَ النُّورِ فِي سِحْرِ الرَّحِيلِ لِتَسْمَعِي
****
حَنِينِي بِلَا شَكْوَى تُـحَاصِرُ صَمْتَهُ =مُسُوخٌ تَـجَلَّتْ فِي رَمَادِ مَصَائِبِي
تَقَاسِيمُ وَجْهِي قَدْ تُسَافِرُ خِفْيَةً =وَرَاءَ شُرُودِي رُغْمَ قَيْدِ رَغَائِبِي
وَوَشْـمِي عَلَى وَجْهِي أُسَافِرُ مُرْهَقًا =خِلَالَ حُدُودٍ مُثْقَلَاتِ الْـجَوَانِبِ
تَـجَاعِيدُ كَفِّي خَيْبَةٌ قَدْ أَعَرْتُـهَا =سَرَابًا يُـجَلِّي مَا جَنَتْهُ مَتَاعِبِي
وَيَرْسُمُ هَذَا الدَّهْرُ وَجْهًا حُدُودُهُ =حُطَامُ الْبَقَايَا فِي سَوَادِ الْعَوَاقِبِ
لِيَتْرُكَ سِرًّا مُثْقَلًا بِرُمُوزِهِ=وَشَكْلِي سُؤَالٌ فِي ضَمِيرِ غَيَاهِبِي
فَيَا لَكَ مِنْ وَجْهٍ يُرَابِطُ دُونَهُ =أَنِينُ السَّوَاقِي فِي الْتِهَابِ الْكَوَاكِبِ
أُعَانِقُ دَرْبِي وَالْـخُطَى كَمْ تَرَكْتُهَا =تُقِلُّ عِثَارِي بِالْـحَصَى الْـمُتَصَالِبِ
وَعُدْتُ أُوَاسِي لَـحْظَةً كَمْ أَلِفْتُهَا=تَئِنُّ وَتَشْكُو خَلْفَ هَـمْسِ الْـمَسَارِبِ
يُدَوِّي نَزِيفِي الْـمُرُّ يَشْكُو انْفِجَارُهُ =حَنَينًا يُوَاسِي فِي رُؤَايَ مَصَائِبِي
****
أُعَاتِبُ هَـمْسِي وَالرُّؤَى تَسْبِقُ الْـمُنَى =وَوَشْمُ دُمُوعِي فِي اغْتِرَابِ مَلَامِـحِي
تـَمُرُّ رُؤَايَ الشَّاحِبَاتُ وَحَوْلَـهَا=هُـمُومِي وَدَوَّتْ فِي فَرَاغِ جَوَانِـحِي
عَلَى سَاحِلِ الْأَحْزَانِ يَـمَّمْتُ وِجْهَتِي =وَوَجْهِي حُطَامٌ فِي مَرَايَا جَوَارِحِي
وَتُغْرِقُ قَلْبِي مَوْجَةٌ تَصْفَعُ الْـمُنَى =وَهَـمِّي طَوِيلٌ لَا أَرَاهُ مُبَارِحِي
وَيَصْطَكُّ قَلْبُ الْـمَوْجِ حَوْلِي وَحَالُهُ=تُشَابِهُ حَالِي فِي اضْطِرَابِ قَرَائِحِي
وَتَـمْتَدُّ آلَامِي إِذَا أَخْـمَدَ الدُّجَى =هُـمُومِي وَوَافَانِي بِأَعْنَفَ جَارِحِ
فَيَالَكَ مِنْ قَلْبٍ تُرَفْرِفُ حَوْلَهُ=مُسُوخٌ تُوَارِي فِي رُؤَايَ مَطَامِـحِي
فَعَانَقْتُ أَطْيَافَ الْـحَنِينِ وَسَافَرَتْ =ظُنُونِي عَلَى مَتْنٍ مِنَ الْـهَمِّ جَامِحِ
فَتَبًّا إِلَامَ الْـحُزْنُ يَعْبُرُ جُثَّتِي =إِلَى هُوَّةٍ تَقْتَاتُ فَيْضَ جَوَارِحِي
****
أُرَاوِدُ أَطْيَافَ الْأَسَى فِي اضْطِرَابـِهَا=وَأَقْفُو هُـمُومِي حَيْثُ أَسْـمـَى مَعَارِكِي
أُرَابِطُ فِي ضِيقٍ تَقَلَّصَ مُثْقَلًا =وَوَجْهِي سَرَابٌ مِنْ أَسًى مُتَهَالِكِ
ذَرَعْتُ دُرُوبِي حِينَ وَحَّدَهَا الْأَسَى =لِتُمْسِي غُمُوضًا فِي ثَنَايَا مَسَالِكِي
حَصَاهَا يُوَارِي حَسْرَتِي فِي اضْطِرَابِهِ=وَرُوحِي رُمُوزٌ طَلْسَمَتْهَا مَهَالِكِي
وَسَافَرْتُ فِي لَيْلَيْنِ لَيْلٌ أَلِفْتُهُ =وَلَيْلٌ مُقِيمٌ فِي سَـمَـاءِ مَدَارِكِي
تَـهَاوِيـمُ فِكْرِي يَسْتَقِرُّ شُرُودُهَا=وَرَاءَ قُلُوبٍ قَاسِيَاتٍ حَوَالِكِ
إِلَى الْمُنْتَهَى الْـجُونِيِّ يـَمـَّمْتُ وِجْهَتِي =رَكِبْتُ ظُنُونِي حَيْثُ أَعْتَى الْمَهَالِكِ
هُنَاكَ أَرَى الْإِنْسَانَ يُشْرِقُ طَاهِرًا=خِلَالَ غِمَارِي فِي أَسًى مُتَشَابِكِ
هُنَاكَ اسْتَوَى مِيلَادُ فَرْحَةِ قَلْبِهِ =تُشِعُّ خِلَالِي بَدَّدَتْ كُلَّ حَالِكِ
هُنَاكَ اسْتَوَى فَتْحٌ يَهُزُّ جَوَانـِحِي =يَشُقُّ ضَيَاعِي نُورُ وَقْعِ السَّنَابِكِ
عَادِل سُلْطَانِي ، بئر العاتر ، الخميس 23 جوان 1994
أظن أن هذا الشاعر يرواغنا كثيرا فى نصه لأنه يعي كيف يكون الخطاب الشعري ويملك زمام القصيدة فيسوسها ويعرف كيف يبني معمار النص ليأخذنا فى أتون توهجه الشعري نلقي بسفن التلقي على مرأى الجمال فيه ومنه
وتبدأ مرواغة الشاعر منذ العنوان المخادع "سنابك النور" وإذا كان العنوان مضيئا للنص والمتن كاشفا للعنوان فالقراءة الأولى هنا لا تمنحنا ذلك ولا تجعلنا نقف عليه بل نشعر بردة الفعل منذ أول بيت جاء محملا بالحزن والغربة ويظل هذا المعنى يتمدد عبر رحلة الخطاب النصي ونحن نلهث خلفه باحثين عن العنوان فى هذه الرحلة النصية الطويلة التى استعرض فيها حالات التغرب النفسي إلى حد الوجد الصوفي متخذا من الليل رمزا للغربة كما كان يفعل الرومانسيون القدامى لكنها غربة ليست هروبا بل غربة مواجهة كاشفة عن المعنى الإنساني الكوني والشفاف أيضا ، هذا المعنى الإنساني الذى انتصر له وجعله سنابك النور التي تشرق في الأرض لتحقق الانتصار الإنساني والوطني ، مازجا فى ذلك بين الذات والآخر أو بين الذات والوطن الذي سكنها فجاءت محملة به.
من هنا نجد أن العنوان جاء كلحظة التنوير في القصة كاشفا عن المعنى العميق للنص وهو انتصار الوطن بإنسانيته، وأن سنابك النور هو المعنى الإنساني الذى يربو على النور نفسه ، ومن خلال إيقاع موسيقي عمق المعنى الجمالي فى النص أيضا.
كم أنت رائع صديقي الأحب والأغلى.
* * *
بقلم الأستاذ الناقد عبد الحافظ بخيت متولي بتاريخ 15/08/2012
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|