رد: الشعر الفلسطيني المقاوم في جيله الثاني (دراسة )
[align=justify]
الفصل الثاني
الرسم بألوان الطبيعة
عندما تقترب هذه الصورة أو تلك من العين والمشاعر، لتشكل لوحة في غاية الحضور، أين يقف الشاعر منها، وكيف يتعامل معها؟؟.. وهل يستطيع الشاعر – بعيداً عن الالتصاق الحاد بمعنى الصورة القائم على عقد مقارنة بين طرفين – أن يكون رساماً يجيد استعمال الألوان بمهارة حين يريد أن يرسم صورة ما؟؟ وفي الجمع بين الحالتين، الصورة التي يوجدها الواقع والصورة التي يوجدها الشاعر، كيف يكون حضور الصورة / اللوحة في القصيدة؟؟..
ننتقل إلى خصوصية موضوعنا من خلال معايشة الواقع المقاوم في الوطن المحتل، حيث يعيش الشاعر حالة يمكن أن تسمى"حالة غليان كل شيء".. وهنا تنتفي الصورة التي يمكن أن تكون صورة عادية بسيطة تتكرر في كل زمان، كما تبتعد الألوان التي يمكن أن توجد على حالها المعروفة في كل حيز أو مكان. فالخصوصية التي تأتي نتاج فقدان الحرية، فقدان الشعور بالأمان. الخصوصية التي تأتي جراء تحول كبير في الحياة اليومية من خلال انتقالها إلى حياة يومية تتصف بالحركة وتنبض بالمقاومة. كل هذا يعني أول ما يعني، حضور صورة فلسطينية خاصة بألوانها وخطوطها، بامتدادها وطابعها..
إن قراءة مقطعطيا شمس"من قصيدة الشاعر عمر محاميد "أغنيات الأرض الخصبة بالأبطال"والقائل:"هناك من بعيد تأتي رياح العيد / أراها قادمة ثم أبكي من فرح / أعطني يا شمس فجراً باسماً / أودعيني أمسح الدموع عن عيون طفلنا الجميل / أودعيني أراقص الأشجارَ والمطرْ / وأنحني لنوركِ الذي انتشرْ / لكِ حفلةُ العرسِ وأسبابُ الفرحْ / لكِ النور الذي نوّرتهِ / وحفنة المطر.." إن هذه القراءة تضعنا أمام لوحة تزخر بالألوان والخطوط. وطبيعي أن مثل هذه الصورة، لا تلجأ إلى أي حالة من حالات الابتعاد عن الواقع والأرض والخصوصية..
إن اللون المحرك أو"الأساس"في هذه اللوحة، يأتي من خلال هذه الرؤيا التي تضعنا مباشرة أمام"رياح العيد"وهو اللون الذي ينفتح على كل الألوان الزاهية الجميلة في بقية اللوحة. وعلينا أن ننتبه إلى حركة الريشة في استعمال هذا اللون. هناك إصرار"جميل"على التدرج والسير خطوة خطوة في التناول منه ليكون فيما بعد لوناً متكاملاً، أو قابلاً للتكامل.
رياح العيد تأتي، ولكنها في البداية ما تزال بعيدة. هنا نلحظ أن الريشة تشكل ملمح هذا اللون الزاهي الجميل، وتبدأ تتلمس حرارته. ثم تنتقل لتقربه بصورة ساخنة تكون فيها الخطوات واضحة"أراها قادمة"وهذا ما يجعل الشاعر يبكي، وكأنه يتطابق تماماً مع هذا اللون ويرى إلى جماليته ودفئه وروعته، وكأنه يعيش حالة النصر دون هذه الفسحة التي ترتسم في الخيال، كأنه يلتصق تماماً بفعل التحرير، العودة، معانقة الأهل..
هذا اللون"الشمس"والذي يحرك كل آلية الأمل والتفاؤل، كل آلية الفرح والتنفس بعمق، يقرب كل الألوان الأخرى، ويجعلها شديدة الخصب والجمال، فتكون الريشة سريعة في رسم ملامح"مسح الدموع".. "مراقصة الأشجار".. و"الانحناء للنور" ثم التطابق مع "حفلة العرس وأسباب الفرح" لتكون الحركة في توافق تام مع خصب الألوان، ومع أفق مفتوح على الفجر القادم.
في هذا المثال نقترب – كما نلحظ – من شكل الصورة / اللوحة كما تتبدى في الشعر الفلسطيني المقاوم في جيله الثاني. وهو ما يضعنا أمام مدخل مناسب يمكننا من خلاله فهم التوجه نحو هذه الصورة والآلية التي ستتوافق مع حركتها.. إذ علينا الابتعاد قدر المستطاع عن دراسة "الصورة"بالمعنى أو الشكل المعروفين، لأن الصورة هنا صورة واقع مقاوم قبل أي شيء آخر، وهي على هذا ذات حركة خاصة وبناء خاص. وحين نلامس الحركة في الخط أو درجة الظهور والكثافة في اللون، فإنما نلامس في الوقت ذاته حركة الواقع وامتداداته.
[/align]
|