والد الزميل (ياسين عرعار)
دعا المجاهد صالح عرعار عضو تنظيم الثورة التحريرية بمنطقة سوق أهراس في لقائه مع جريدة الحوار إلى ضرورة ربط حلقة وصل بين جيل الثورة والجيل الجديد، وقال أن الثوار آنذاك أسسوا لهذه الاستمرارية بين الجيلين من خلال نقل تفاصيل كفاحهم من أجل تحرير هذا الوطن، كما أكد عمي صالح أن اعتذار فرنسا الاستعمارية لن يغير شيئا من الجرائم التي اقترفتها في حق هذا الشعب.
بعد خمسين سنة من الاستقلال، هل تعتقد أن اعتذار فرنسا كاف لمحو سجلها الإجرامي بالجزائر؟
كنت شاهدا على جرائم الاستعمار بصفتي مجاهد من أشبال الثورة، عانيت ويلات الاستعمار الفرنسي الشرس و شاهدت والدي الشهيد رمضان عرعار حين قبض عليه و أعدم أمام أفراد الأسرة في ليلة 23 نوفمبر 1956 ، أتذكر جديا حينما أوقف الطلبة عن الدراسة و حولت المدرسة إلى معسكرا لتعذيب الثوار وكل أفراد الشعب الجزائري الذين تعاونوا أو تعاطفوا مع الثورة ، لقد سلبوا منه كل حقوقه و ممتلكاته على مستوى القطر الجزائري و أراضيه، أتذكر قرية ساقية سيدي يوسف و أحداثها المؤلمة حيث قصفوها بحوالي 25 طائرة مقنبلة، أتذكر تلك الأحداث جيدا حيث اختلط الدم الجزائري بالتونسي، كنت لحظتها قد خرجت أبحث عن أختي (محبوبة) و كان ذلك بجانب حمام (سي السعيد خليفة ) أتذكر كيف تهدمت بيوت الجزائريين المقيمين في ساقية سيدي يوسف على بكرة أبيها، وأتذكر إلى غاية اليوم تلك الجروح البليغة التي أصبت بها جراء القصف المتواصل الذي تعرضت له المنطقة لا أظن أن أبناء الجزائر سينسون جرائم المستعمر الفرنسي، الذي ألحق بنا كل أنواع التعذيب الوحشي و أبشع الجرائم ألوانا و أشكالا، تاريخنا ليس صفحة مضت وستطوى لأنه صفحة خالدة ببطولات هذا الشعب الأبي الذي ضحى بالنفس و النفيس في سبيل إعلاء الراية الوطنية.
كيف يمكن إحداث التواصل بين جيل الثورة و الأجيال الجديدة ؟
كل الشعب الجزائري عانى من ظلم الاستعمار و الاستبداد، والقهر والحرمان، حينما اندلعت الثورة التحريرية كانت بمثابة بزوغ فجر الحرية و كان حلم كل جزائري أن تضحى الجزائر حرة ، تماما كما كان حلم كل مجاهد أن تستقل الجزائر و تسترجع سيادتها المسلوبة ،أما المجاهدين الذين بقوا على قيد الحياة فبات من واجبهم أن ينقلوا حقائق كل الأحداث إلى جيل المستقبل ، وكم كانت الفرحة عارمة من الشرق إلى الغرب الجزائري و من الشمال إلى الجنوب ما بين تاريخ توقيف القتال 19 مارس1962 و تاريخ 5 جويلية 1962 حين خرج الاستعمار صاغرا. و مع ذلك بقيت سموم المستعمر الفرنسي الذي عمل على خلط أوراق الجزائريين فيما بينهم ، و لكنه ترك بذور الفتنة مما جعل رسالة المجاهد في توصيل الحقائق الثورية إلى الجيل الجديد صعبة للغاية، خاصة و أن الجزائر عرفت انقسامات داخلية بين القادة و الزعماء خلال 1963-1964ثم تلتها أحداث هجوم المغرب على الغرب الجزائري ، و كل هذه الأحداث السياسية عطلت في تلك اللحظة مهمة المجاهد الجزائري في توصيل رسالته إلى الجيل الجديد, و مع ذلك تم إيصال الكثير عن طريق المدرسة و الصحافة و الثقافة و الإعلام و المسجد رغم كل الظروف الصعبة بعد الاستقلال، إلا أن قادة الثورة تفطنوا لمكائد الاستعمار و عملوا على تخطيط سليم لإنجاح ثورة البناء و التشييد و بناء جيل يقود المؤسسات الجزائرية و يسيرها فكان من الجيل الجديد المهندس و الطبيب و المحامي و العامل و غيرهم ممن أسرعوا إلى مد يد البناء و التشييد بكل إخلاص.
هل تحقق ما حلمت به كمجاهد في جزائر الاستقلال؟
كل الشعب الجزائري كان يحلم فقط بخروج الاستعمار صاغرا إبان الثورة ولم يتجاوز حلمنا رؤية راية الاستقلال ترتفع عاليا، و فعلا تحقق الحلم ليكبر و يرسخ أكثر في ذاكرة العالم و الشعوب و تحولت الجزائر إلى مضرب مثل في البطولة و الكفاح و التضحية و تواصل أيضا الحلم الكبير في بناء الجزائر بعد الاستقلال و تشييدها كدولة لها سيادتها و رايتها و حدودها و أبناؤها و تاريخها البطولي العظيم، كان حلمي بعد الاستقلال كحلم أي جزائري ، أن يسود السلم و الأمن و العدل و المساواة و أن ننعم بالرفاهية التي سلبها منا الاستعمار و فعلا تحقق ذلك . و لكن مع مرور الزمن ظهر أعداء جدد من داخل الوطن، فانتشرت بعض الأمراض كالمحسوبية و الاستهزاء بالوطنية و استصغار عظمة الثورة التحريرية الكبرى التي قدم فيها الجزائريون أكثر من مليون و نصف مليون شهيد .
كنت ضمن الوفد الجزائري الذي ذهب إلى ليبيا ، ماذا فعلتم آنذاك لتفعيل صوت الثورة الجزائرية عبر العالم؟
بعد القصف الذي تعرضت له ساقية سيدي يوسف الحدودية من الناحية الشرقية للجزائر والذي كان ذات 8 فيفري سنة 1958 و راح ضحيته العديد من الضحايا من الجانبين الجزائري والتونسي عمل مسئولو الثورة على جمع الشباب الجزائري و التكفل بهم في مراكز بعيدا عن العدو ، و كان ذلك في خريف 1958 ، فكنت ضمن الفوج الذي تم اختياره تحت قيادة الضابط ( بوجمعة عوادي ) حيث تم نقل كل الأفواج إلى ليبيا للتعليم و التكوين و مواصلة الدراسة ، فاستقر بنا المطاف في مدينة ( طرابلس ) بدولة ( ليبيا ) نزلنا في مزرعة ( معمر الطلياني ) خارج مدينة طرابلس بمسافة 6 كيلومتر، ثم دخلنا العاصمة طرابلس و أقمنا في مركز بها و درسنا في مدرسة ( باب بن غشير ) حيث توزعنا على أفواج الليبيين حسب المستويات الدراسية.
و كان من جملة الطلبة الليبيين أتذكر سوايعية السايح - و الرئيس معمر القذافي -.... و عدد كبير من الأصدقاء كما أتذكر من الطلبة الجزائريين بوثليجة بلقاسم المدعو كمال - و قربوع لخضر - و بوقرة علي - مسايرية لمين - هوام عبد الكريم - قنز أحمد - ... و غيرهم، و كنا نتحدث عن الجزائر و نعرف بها في أوساط الشعب الليبي و نعمل كشبه صحافيين, أما عن عودتنا إلى تراب الوطن فكان ذلك في أوت 1962 ، سهرت الحكومة الليبية تحت رعاية الملك ( إدريس السنوسي ) و ممثلي الوفد الجزائري الذي يترأسه ( أحمد بوده ) و الأديب المعروف ( محمد الصالح الصديق ) على تثقيف و تكوين الطلبة في بعض المهن كتهيئة للمهام بعد الاستقلال ..فمهم الصيدلي ( حمو محمد الصالح ) و الميكانيكي ( عشيري أحمد ) و المحامي ( بوثليجة بلقاسم المتواجد حاليا بولاية سوق أهراس ) و غيرهم ممن استلموا وظائف و مهام في الجزائر بعد الاستقلال.
و بعد عودتي إلى الوطن التقيت بأخواتي ( خديجة - رقية - أم الخير - محبوبة - ) اللواتي كن قد انخرطن في فوج الكشافة الإسلامية بتونس و ألقيت بأخي بلقاسم و أخي لخضر و كانت الفرحة كبيرة امتزجت فيها فرحة الاستقلال و فرحة العودة إلى الوطن الغالي
هل تنتظر أن تعترف فرنسا بجرائمها ؟
فرنسا لم ولن تعترف بجرائمها لأن الاعتراف سيدينها أمام العالم رغم توفر كل الأدلة ، و تبقى الحقيقة واضحة وضوح الشمس و فرنسا ستبقى مجرمة حرب سواء اعترفت أم لم تعترف بما فعلته بالشعب الجزائري العظيم، وأغتنم الفرصة أن نترحم على روح شهدائنا الأبرار، الذين روت دمائهم أرض الجزائر الحبيبة، ندائي للجيل الجديد الحفاظ على رسالة الشهيد، ودحض مكائد المتربصين بمستقبل الجزائر وشعبها.
(نصيرة سيد علي) يومية الحوار 2012/10/31