تداعيات الفساد أسبابه ومحاولة علاجه
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لم يكن هذا المقال جديداً على القارئ الكريم , فقد سبقني إلية عشرات من الباحثين والمختصين في علم الاجتماع وعلم النفس وعلم تفسير القرآن . إلا أن لكل كاتب أفكاره وتطلعاته وتجاربه. وسأحاول الاعتماد على ذاكرتي وتجاربي وملاحظاتي لإشباع هذا الموضوع من حيث نظريته وتطبيق هذه النظرية حول تداعيات الفساد المؤثرة على البيئة العربية وعلى المستنقع العربي العام الذي يسبح به حيتان فاسدة بزعانف وحراشف قد زاد عددها عن المألوف , وزاد خطرها على المجتمعات , وتراكمت سلبياتها إلى درجة يمكن القول فيها بأن مجتمعنا العربي قد مرّ عبر قرونه بمؤثرات جانبية عميقة التأثير لخلق الفساد من كافة جوانبه الاجتماعية والإدارية والسياسية , وأدمنت الشعوب على سلوكيات خطيرة كان سبب وجودها للدفاع عن نفسها لتنتهج الفساد وهو أقصر الطرق لنيل المكاسب السريعة , وهو واحد من الفساد العام لعدم وجود العدل والإنصاف في كافة الدوائر الحكومية العربية ,
وبداية نريد أن نلخص كلمة الفساد لنبحث عنها في قاموس اللغة الذي يقول فيه :
وبما أن الفساد نقيض الصلاح , فلا تنهض أمة من الأمم وقد تفشى في مجتمعها عناصر الفساد , من قتل وهلاك وظلم وحرب واختلاس وكذب ونفاق ومحسوبيات ورشوة واحتيال , مهما بلغت من قوة وارتقت في حضارتها , يقول الله عزوجل وهو أصدق القائلين (( وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون , ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون ))
فلو تناولنا فساد الرشوة وما يتبعها من اختلاس وتزوير المستندات لكسب المال الوفير بلا حق شرعي لقلنا : إن لهذا السلوك اسباباً خلقتها الأنظمة لفتح باب الفساد لها ولغيرها , فإن سرق الغني تركوه , وإن سرق الفقير عاقبوه
والغني هنا هو صاحب السلطة والمدير والرئيس ومن يلتف حولهم في مستنقع الحيتان التي تأكل كل شيء تجده فوق سطح البحر وإلى غاية أعماق أعماقه . هؤلاء الحيتان الذين لا يعرفون الشبع ’ هم رأس الفساد في الآرض , وبهم يدور الخراب والضعف والذل وما يجره من فقر ومرض وجهل في المجتمع دون أن يدركوا أن الدائرة ستدور عليهم إن آجلاً وإن عاجلاً .
ونتيجة لإفراغ خزينة الدولة وعجزها عن القيام بدورها المجتمعي , وكثرة ديون الدولة , فلا بد من إعلان فرض رفع الضرائب على الشعب الكادح , والذي لا يكفيه راتبه الشهري لأكثر من أسبوع ليعود إلى توقيع الشيكات من غير رصيد ليحافظ على ماء وجهه إن جاءه ضيف فيكرمه . أو إن طلبت الجامعة قسطاً فيسددها , وبالتالي يصل إلى السجن ويخرج منه ثم يعود إليه , فيتعلم سلوكيات شاذه ومنها الكذب والنفاق والاحتيال والعمل المخل للحياء وشرب الخمر وتناول حبوب المخدرات , فيستهتر بعمله ويعصي مديره ويكثر تغيبه عن العمل وتقل انتماءاته للوطن , فتنعدم الثقة بينه وبين الآخرين إلى أن يصبح الفساد بعينه إدماناً لا مفر منه في الحياة المملوءة بالقهر والظلم والمحسوبية ,وغيرها .
وهذا الانحراف الوظيفي أو السلوكي أو المالي أو الديني له أخطر الأوضاع والذي به يسهل على القوي اختراق جبهة الضعيف فيستسلم لأوامر سيده الغني والمتسلط والمستعمر البغيض في السلب والنهب ليزيد الطين بلة .
فلا طائل من السعي في الإصلاح إلا بقطع زعانف الحيتان , ثم وضع استراتيجية بعيدة المدى لإتاحة الفرصة لتطوير المجتمع فكرياً وثقافياً وعلمياً وسياسياً , وتصنيعياً بالاعتماد على النفس لإخراج المجتمع من ظلمات الفساد , إلى نور الحرية والعدالة , وتطهير المجتمع بكل المنظفات المتاحة وغسل عقولهم على المبادئ والقيم والأخلاق كما أمر الله سبحانه , وبهذا فلا نجد إلا طريق الصواب نحو العدل في الدولة التي هي رأس الحل لمشكلة الفساد والتي تفرضه على كافة المؤسسات التعليمية والإقتصاية والمدنية , ولكن في مثل هذه الظروف الراهنة , فلا أعتقد أن الفساد سينهزم أمام الإصلاح , بل هو يزداد بازدياد فقدان الحاجة إلى الأمن والأمان والسلام , بين كافة أفراد المجتمع ولكافة منابته وأصوله , دون النظر إلى الفرد وعشيرته وسلطته وعنفوان تأثيره على الحيتان صاحبة النفوذ وصاحبة الأفواه المفتوحة ليل نهار .
ونستطيع القول بعد ذلك : بأن الأيديولوجية ( العقيدة الفكرية ) في مجتمعنا العربي لا يحكمها قانون ثابت للعقاب والثواب ,ولأن في لب الفكر المجتمعي العربي أفكاراً متداخلة مملوءة بالمغالطات والأكاذيب والنفاق والمراوغة والاحتيال , كما هي مملوءة بالفقر والجهل والمرض من ناحية , ومن ناحية أخرى مملوءة بالمعتقدات الباطلة التي تقدم المصلحة الشخصية عن المصلحة العامة ,
وكل هذا ينعكس على المصالح الأخلاقية والدينية والاقتصادية والسياسية .
وختاماً قمنا بتقديم جانب من موضوع الفساد , وعرضنا بعض الأسباب , والشواهد . ولكن ما هو الحل ؟ نريد حلاً للقضاء هلى هذه الظاهرة المؤلمة التي أودت بالشعوب إلى الهلاك , وأعتقد أن الحل لا يكون إلا من رأس الهرم في الدولة , ولكن مع الظروف الراهنة فهي في غاية الصعوبة والتعقيد , لأن الدولة هي المسؤولة بالدرجة الأولى على ضبط حركة الفساد , ولكن الحاكم نفسه سيتلقى تعليمات من الدول الكبرى, يصفونها بالديمقراطية الغربية والحرية الفردية التي تعيق الخلاص من الفساد , لأن الدول المستعمرة والقوية بظلمها تتجسس حتى على مناهجنا المدرسية , وتفرض تعديلها بما يناسب العقلية الغربية لمزيد من التأخر الفكري والمزيد من الحريات التي لا تتناسب مع المبادئ الدينية , لذلك ننتظر إرادة الله ليقدم لنا حكومات عربية مخلصة لدينها وشعبها لتنهض مع ركب حضارة عربية إسلامية معتدلة وعادلة , وما على الله ببعيد .
ولو تمسكتا بالقيم والمبادئ التي نشرها المسلمون الأوائل , لأصبحنا من أقوى الأمم على ظهر البسيطة ,ولكنا خير أمة أخرجت للناس .
غالب أحمد الغول في يوم السبت الموافق 16/آب/