[align=justify]
ديوان نور الأدب من النكبة إلى العودة - الجزء الحادي عشر- خطيئة إضاعة فلسطين والتفريط بها
الأخ الغالي الشاعر الأستاذ محمد الصالح شرفية الجزائري
شـاعرات الديوان والشعراء الأفاضل
تحياتي وعميق تقديري..
بعد مراجعة مرحلة النكبة وضياع الوطن وما تسبب به، وجدت ضرورة التوقف عند هذا الجزء الذي هو بغاية الأهمية راجية أن نتوسع به قدر الإمكان -لأهميته والعبرة منه – وسأضيف أدناه ما يكفي من أبيات حتى تتمكنوا من التوسع في هذا الجزء .
المجموعة الحادية عشر : من النكبة إلى النكسة
خطيئة إضاعة فلسطين والتفريط بها
الخطيئة
الجزء الأول : خطيئة تشريد الشعب وضياع الوطن
انتهت الحرب واحتلّ اليهود الصهاينة الجزء الأكبر من فلسطين وخرج الشعب المنكوب قسراً من أرضه ومدنه وقراه وأملاكه خالي الوفاض ؛ وإلى العراء والخيام البالية مشرداً مشتتاً إلى الجزء المتبقي من فلسطين والبلاد المجاورة؛ هائمين على وجهوهم محملين بجراحهم تجلدهم نكبتهم متجرعين كؤوس الغدروالظلم والهوان واللوعة والحزن حتى الثمالة.. وغدر ذوي القربى أشدّ!!..
من أبرز ما مظاهر الشعر الفلسطيني بعيد النكبة والتشرد ؛ إدراك أسباب سقوط فلسطين وانكشاف الخطيئة وعواملها التي كانت سبباً في نكبتهم وتشردهم عن طنهم!..
وفي هذا السياق يبدأ الشاعر محمود عبد الحميد الأفغاني قصيده قائلا:
موطنــي ... يا جَنَّةَ الـدنـيـا ، ألا
نـقــمـة الله ، على مَن ضيَّعك
فمن شارك في المؤامرة البريطانية الغربية وتواطأ في صنع هذه الخطيئة التي أضاعت فلسطين وشردت شعبها؟!..
هل هو الزمن أم الزمان رمزٌ ؟؟!..
وطني .. عـصـفت رياح الغدر .. فاصـمد يا وطن
وطني .. لقد خان الزمان ، وخان.. أذناب الزمن
.. وطني .. فـؤادي ، قد بَـكــــى
ممّا تـنـــزّى مِـن جــــــــــراح
لــكــن .. لغـــيــرك مـا شـــكا
مـن غـدر أكـبــاش الـنـطــاح
يواصل الشاعر حديثه عن الغادرين المجرمين الذين عللوا الشعب بالوعود الكاذبة وكانوا السبب في ضياع فلسطين وتشريد شعبها ويكمل شاكياً للعيد:
يـا عـيـد .. أمســت ديـاري نهب مغـتـصـب
لــولا (( الأخـوة )) مـا عـاثــت أيـــــاديـــــه
الخطيئة التي يحمّل جلّ الشعراء وزرها لحكّام الدول العربية ، التي طالبت الثوار الفلسطينيين إلقاء السلاح وترك مسؤولية تحرير فلسطين لهم ، بحجة منع حدوث الفوضى أثناء الحرب ؛ ويعبر عن هذا الشاعر "محمود سليم الحوت" في ديوانه : (( ملاحم عربية!)) ويوجه الشاعر "محمد العدناني " اللوم والتعنيف للزعماء العرب محملاً إياهم وزر الفاجعة في ديوانه: (( العدنانيات)) في حين يرى الشاعر أبو سلمى أن الفلسطينيين لو بقوا وحدهم في الحرب بعيداً عن تدخل الزعماء العرب ، لما وقعت الهزيمة ، لأن هؤلاء الذين أتوا بحجة مشاركتهم كانوا السبب المباشر للأذى والنكبة والفاجعة :
لـيـتكـم في ملاعـب الـحرب كـنـتـم
في فلسـطيـين ، وحدكم ، في الســـاحِ
لـو حمـلـتـم عـبء الـقـضـيـة أنـتـم
وكـفــرتـم بعــصـبـــة الأشــــــبـــاحِ
لجلوتـم عرائـــس المجد فـوق الأفق
بـين الســــنى وخــفــق الوشــــــاحِ
ودروب العـلا أضائت وقـد ســـرتم
وراء الظـبـي وخلـف الـرمـــــــاحِ
أو دفـنـتـم هنـــــاك علـى تــــراب
طهـــرتــه الدمــاء قـبـل البـــــراح
ثم يوجه خطابه إلى أهل البلاد النازحين المهجرين معاتباً لماذا لم يختاروا الموت فوق ثرى أرضهم بدل تركها للأعداء وتصديق وعود زعماء العرب المتواطئين:
أيّهــا النّـازحــون ! .. مــاذا لقــيـــتم
غـــيــر دنيـــا الآلام والأتــــــراح
وحــملتـم ذلّ السّــــؤال ثقــيــــــلاً
بعـــد تـــاريــخ ثورة وكـــفــــــاح
قـل لمن يدّعي المروءة أقــصـــر
وامـســـح اليــوم دمـعـة التمســـاح
كذلك الشاعر محمد القيسي يعنف الشعب الفلسطيني لترك أرضه تحت وطء المجازر والاستجابة للزعماء العرب، بدل الصمود حتى آخر قطرة دم والموت فوق ثراها ؛ بينما الشاعر " هاشم علي رشيد " يرى أن عوامل الخيانة ومتاجرة المتآمرين على القضية المستفيدين من نكبة الشعب الفلسطيني لتحصين عروشهم ، هم الذين يتحملون وحدهم وزر خطيئة الشعب الذي تهجر عن أرضه ودياره ؛ وفي هذا يشير الشاعر " عصام حمّاد" بأصابع الاتهام إلى أعداء الحياة والتاريخ والحقيقة والسلام ، ذلك الثالوث المتمثل في الصهيونية والاستعمار الغربي والتخلف العربي ، أولئك اللذين تعاونوا على تشريد الشعب وضياع البلاد ووقوع الكارثة
يكتب الشاعر عصام حمّاد:
ثالوث أعداء الحياة والتاريـخ والسّــــلام
الـسُّـــــــلُّ والطاعــــــون والجـــــــــذام
الصّيرفيُّ الذي يبيع نجم داوود ببضعة
مـن الـلــحـــــــوم والعظـــــــــــــــــام
وســـادن الزاويـــــة الأعـــمـــى الذي
يـمقـت من يمدُّ طــرفه إلـى الأمـــام
***
المجموعة الحادية عشر
الجزء الثاني
لا يسعني في هذا الجزء وقبل أن أبدأ الإشارة مجدداً للمثل القائل: (( ما أشبه اليوم بالأمس ))
راجية أن تسمحوا لي بهذا الرأي الشخصي القصير:
النكبة ليست نكبة فلسطين وحدها كما خبرنا ولم نزل / هي نكبة أمّتنا بأسرها، بدأت بتقسيم الوطن وانسحاب استعمار صوري واستقلال مزيف ، فرض فيه حكّاماً لا يحفظون الوطن ويفرطون بترابه وكرامته ولا يهمهم في هذا السياق سوى عروشهم ومدخراتهم وما تحت أقدامهم وشعب يسوقونه كقطيع الغنم ؛ كل منهم أخذ قطعة من الوطن ظاناً أنه دفع الثمن ونجا من سوء المصير، ونكبتنا بجهلهم حتى بمصائرهم مع الاستعمار القادم حتماً من حماة عروشهم ( كما طنوا لجهلهم يوم فرطوا) وبمسار التاريخ وأثمانه وفق المثل القائل: (( أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض)) ..!
كل من دخل الحكم وحاول تغيير هذا النهج الخانع المذل ، تآمروا عليه مع الاستعمار - وها هم يحصدون ما زرعوا – لكن للأسف والأسى ، الثمن تدفعه الأمّة غالياً وشعوبنا ومصير بقاءنا ومستقبل أجيالنا .
المجموعة الحادية عشر
الجزء الثاني : وضوح تآمر الزعماء العرب وجهلهم ومسؤوليتهم
الخطيئة ومقترفوها واضحة للعيان ، فالسلطان العثماني غير العربي "عبد الحميد " رفض بيع فلسطين والتنازل عن شبر منها وهم قايضوا بها عروشهم وقطع من البلاد يحكمونها ، وحين تظهر الخطيئة واضحة فاقعة ويُعرف مقترفوها يبرز تساؤل الشاعر الفلسطيني المنتمي للعروبة ، مريراً يقطر لوعة وكأنه يشك بكل هذا الواقع المزري لأمة كانت منارة للحضارة والرقي والتاريخ والعلوم .. ليصل العربي فيها إلى هذا الحد المزري من الضعف والهوان والجهل والانحلال والتفكك ..!
ومع الشاعر "واصف الصليبي" نكاد نسمع الصياح الملتاع المرير على واقع مرعب:
أمــة نســـجها انحـلال وضعـــف وســـداهــا تــفـــرق واحتـــــراب
خيَّــم الجهـل في ربـاها فتــــاهت
شـملتها الفوضى وشـاع الخــراب
لســتَ تدري هل أنفـــس تـــراها
أم نـعــاج هـزيــلــة أم ذبـــــــاب
وضـجيــج منهـــا يخال انبعــاث
ثم تصغــي فيعـتـريــك العجـــاب
خــمـدت روحـها وضــاع هداها
عــــذب الـذل عــنـدها والــعـــذاب
يجد الشاعر " اسكندر الخوري " لا مناص في سؤالهم عن الإسلام والخلفاء قائلا:
أعــواصـم الأعــراب هل هذا الـــذي
يـرضـى بـه الخـلفـــاء والإســـــــلام
أنا لا أســـائـل هـيـئــة الأمم الـتـــــي
توحـي الذي يوحـي به "الحــاخـــام"
لا من يجـيـب عن الســؤال مطمئـناً
طال الســـكـوت بنـا وعـــزّ كـــلام
وتفضلوا بقبول فائق آيات تقديري واحترامي
ومع الشاعر الأفغاني أعيد القول بحرقة ومرارة:
موطنــي ... يا جَنَّةَ الـدنـيـا ، ألا
نـقــمـة الله ، على مَن ضيَّعك
ونقمة الله على من فرّط وتسبب في زرع هذه الغدة السرطانية في رئة أمتنا .. من ضيع العراق وسورية وسيضيع مصر وليبيا إلخ..
ولا حول ولا قوة إلا بالله
[/align]