تصادف اليوم الذكرى العاشرة لوفاة والدتي السيدة بهية الرافعي
13 كانون الثاني / يناير 2015 - 13 كانون الثاني / يناير 2025
كان يومها الثلج جبالاً والبرد والرياح العاتية ظالمة .. واليوم الثلج جبالاً ..
عشر سنوات وحبيبتي الأولى ومليكة قلبي وروحي وعمري ..صديقة حياتي ورفيقة دربي، لم تزل تحت ركام جبال الثلج الظالم في هذه التربة الغريبة ..!
تلك السيدة العظيمة التي كانت الأم الحنون وكان قدرها أن تملأ مكان الأب الذي شاء القدر أن يتركنا أختي وأنا صغاراً ..
كانت الأم وكانت الأب وكانت الصديقة والرفيقة وكانت المجاهدة التي ترملت في أواخر العشرينات من عمرها، لتكرس حياتها لنا ومن أجلنا..
كانت تعمل بلا كلل لنعيش مثل لداتنا.. كانت الخبيرة الغذائية التي تحرص على صحتنا الجسدية والخبيرة النفسية التي تحرص على صحتنا النفسية.. وكانت المرشدة التي تعلمنا الدين والقيم والوطنية والشرف وكرم الأخلاق واليد وتحري لقمة الحلال.. الكرامة وعزة النفس والإباء..
كانت الخياطة التي تسهر لتخيط لنا أجمل الملابس وكانت المدرّسة التي تتابع تدريسنا ، وكانت الصديقة التي تحرص ألا تترك حواجز بيننا وبينها..
كانت فلسطين ولبنان والعروبة الصادقة التي لا تعترف بتلك الحدود الوهمية التي زرعها الاستعمار.. كانت عاشقة لعروبتها صادقة فيها لأبعد الحدود..
كانت بصدق تجسد بانتمائها مشاعر من الشام لبغدان ومن نجدٍ إلى يمن إلى مصر فتطوانِ ..
كانت لغتها العربية سليمة لدرجة أنها تلتقط أذنها بسرعة فائقة أي نشاز مهما كان بسيطاً وكان خطها العربي لوحات فنية من الجمال والرقي والعشق للغة الضاد رغم تمكنها القوي من اللغة الفرنسية وتدريسها..
عربية حتى في شكلها.. عيناها السوداوان الواسعتان بجمالهما النادر .. في طول وانتصاب قامتها.. في غمازات خديها ..
كانت مؤمنة صادقة ، إيمان رحب جميل عميق في روحها ونفسها الموحدة.. وكانت تعلمنا دائماً أن الدين المعاملة والتواضع وحلو لمعشر..
راقية في طبعها .. محبة متسامحة .. رفيعٌ ذوقها وثاقبة نظرتها ...
عشر سنوات مرّت بلا نظرة من عينين كانتا أرحب من كل مساحات العالم حناناً ومحبة..
بلا لمسة من يديها الطريتان كالحرير، اللتان كانتا تحكيان في لمسة ألف لغة .. من يديها تعلمت كيف يمكن لليد أن تحكي وتروي ظمأي مهما اشتدّ ..
كان يكفيني أن تبتسم .. أن تضحك .. لتضحك الدنيا بأسرها
ما زلت وسأبقى حتى آخر أنفاس الحياة بي ظمأ لوجودها .. لطفولتي فوق حجرها .. لصوتها العذب أسترجعه وهي تغني لي:
بنتي أمورة أحلى من الصورة يا ربي احميها ، صنها وخليها ... لما تناديني وتقول لي ماما قلبي يجاوبها انت يا روح ماما .. يا اخواتي بحبها دي حبيبة أمها..
تعود الصور ويعود صوتها الحبيب فأصغر وأصغر لسنوات طفولتي الأولى
لأنها هي الحبيب الأول ولأنها هي الدنيا .. الدنيا أم
وصدق من قال: (( بعد الأم احفر وطُم ))
اللهم ارحم أمي رحمة واسعة واجزها خير الجزاء على تضحياتها اللامحدودة التي وحدك يا رب القادر على أن تجزيها عنا
بالفردوس الأعلى من الجنة ..
أمي التي كانت تبكي من خشيتك وتشهد أنك لا إله إلا أنت الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم ويولد ولم يكن له كفوا أحد
اللهم ارحم أمهاتنا واجمعنا بهن في جنات النعيم
https://www.youtube.com/watch?v=jutpUlGcOQc