أديب وقاص وروائي يكتب القصة القصيرة والمقالة، يهتم بالأدب العالمي والترجمة- عضو هيئة الرابطة العالمية لأدباء نور الأدب وعضو لجنة التحكيم
غزّة ما بين المطهر والمذبح
تُقاد غزّة اليوم الى المطهر رغماً عن إرادتنا، ورغماً عن جميع ما يتلى ويُقْرأ في الكتب والصحف.
تُقادُ رَغماً عن القصائد والمقالات واللعنات المتردّدة على أفواه الملأ؟ تُقاد رَغماَ عن التضرّع والدعوات التي لا تنقطع.
غزّة عَدِمَت مشاهد الفرح وغطّت في نيران الحقد وانتقام احتلال يدقّ رأس الطفل ويقتلع الجنين من رحم أمّه ويقذف بالأماني والأوهام الى عرض البحر!.
غزّة تنكّرت للحضارة واعدمت الكهرباء وشاشات التلفزة تيتّمت وباتت لا ترسل وتشعّ سوى صمتٍ قاتل يبشّر بموتٍ محدّق عند عتبات الليل، يسمع صداه في جميع العواصم العربية.
لماذا كلّ هذه الأسئلة؟ .. فلتمت غزّة في أحضان الأحبّة قهراً وخنقاً. من يعشق غزّة فليغمض عينيه ويلتهم حفنة من رمال الشاطئ المخضّب بالدماء. من يعشق غزّة اليوم فليكتب سطراً، رسالة تعزية، برقية الى ملائكة الرحمن. ليرسم قلباً ينبض بما تبقّى من دماء دون زمرة أو هويّة.
اغلقت الأبواب والمعابر وصاحت شخوص تبحث عن ذاتها وعن أحبّتها العالقين ما بين حبل السرّة ورحم الوطن القابع في وسط المطهر. هل تدفع غزّة اليوم فاتورة الحياة بموتها البطيء؟ هل يبقى الوطن يسافر عبر الألم الى شواطئ لا تعرف طعم الرصاص والموت العابر؟ هناك في غزّة تركت شاشاً أبيض يتلفّع به الفنّان يرسم لوحته ثمّ يرتديه كفناً عند الفجر .. وآه يا غزّة.
يداي لا تطال خاصرتك .. كم بودّي اليوم مراقصتك رغم الهلال الخجل ورغم كسوف الشمس وآهٍ ياغزّة؟ أخجل من رجع الصدى، أخجل من صورتي في المرآة كلّما وقع في جوانبك قتيل أو شهيد أو طفل لم يدرك جنحته سوى أنّه وُلِدَ في رحمك في الّلا زمن والاّ مكان.
لو كنتِ جبلاً يا غزّة لصعدت الى قمّتك وزرعت فوق قمّتك شجرة زيتون وكرماً من العنب. والتين يحرق أطراف اللسان .. يذكّرني بإنسانيتي المكلومة يا غزّة الرحمن يا سماءً مثقوبة برجع الكذب يا حديقة الريحان يا غزّة يا كلّ المتناقضات والقوافي والعروض .. يا وجه حسناء وَسَمَتْهُ الخيانةُ وقلّمت أطافره شبق المعربدين في خليجك الصغير القابع عند نهايات المتوسّط.
تُقادُ غزّة اليوم الى المذبح لتدفع ضريبة الغرام الأحمق وتمضي نحو مصيرها دون شاهدٍ على زفافها. قطاعٌ اقتطع من أطراف الجنان فتكاثر في جنباته الشياطين الهاربة من سوط الربّ .. عذراً يا محكّ الشهداء المطمورين في أتربة النسيان. يبكي أبو الحنّاء ويهرب من غصن الى آخر قهراً، يبحث عن بعض القمح والأمان قبل أن تعالجه رصاصة طائشة في ليل غزّة المظلم ..
الليلة يولد أطفال على أضواء الشموع يصرخون حين يشعرون بدفق الهواء يملأ صدروهم ولا ينامون حتّى يكتمل القمر في غزّة في انتظار مذبحٍ غير مكتضٍ برجالٍ نسوا أسماءهم عند أبوابه.
تُقادُ غزّة اليوم الى المذبح، ثمّ ترتدي ملاءتها البيضاء في انتظار من يعمّدها لحظاتٍ قبل النهاية.
أديب وقاص وروائي يكتب القصة القصيرة والمقالة، يهتم بالأدب العالمي والترجمة- عضو هيئة الرابطة العالمية لأدباء نور الأدب وعضو لجنة التحكيم
رد: غزّة ما بين المطهر والمذبح
الغالية ميساء
ألف تحيّة عزيزتي على هذه الكلمات
أشكرك على بصماتك التي خطّها فؤادك النبيل. ولا أدري كيف نرتقي بغزّة ونبتعد بها عن الآلام التي يعاني القطاع منذ زمنٍ ليس بالقصير .. لنا الله وسيشهد التاريخ بأنّ غزّة أقوى من الحصار وقادرة على الخروج من هذا الامتحان العسير.
دمت مبدعة يا ميساء دائماً