وتبقى الجدة روحا نابضة في ذكرياتنا "د، نوال بكير
في أحد بيوت ( الملاح الجديد) في مدينتي مكناس العامرة، رأيت الجدة ( للاعيشة) بعيون رصينة ووجه منحوت كالصخر، وأيد مليئة بتجاعيد شاهدة على أعوام من الأطباق الشهية، وشعر مخضب بالحناء ملفوف بمنديل يتناسب بجاذبية مع قفطان مطرز (بالرباطي) وبعناية.
إنها السابعة صباحا، وخارج البيت، ظهرت الجدة ( للا عيشة ) مرة أخرى بجلبابها الفضفاض الرمادي ولثامها الوردي المطرز، وهي تستحث بائع الحليب ليعطيها لترا من الحليب كي تعد الإفطار للأطفال الأيتام وهم يستعدون للذهاب إلى مدرسة ' ابن خلدون الإبتدائية، 'ًفمديرها 'ًسي البوعزاوي صارم لا يرحم ..
كانت الجدة جالسة في أحد أركان البيت تدعو لنا في صلاتها .
لازلت أتذكر لمسات يدها وهي تربت على كتفي، وقطعة سكر تزرعها في فمي قبل قلبي زرعا وكأنها العصا السحرية التي ستجيب عن أسئلة الامتحان.
كان المنزل دافئا ،مليئا بالحياة ، كانت مائدة الشاي بالنعناع وكعب الغزال ، وصوت مليء بالثقة يروي حكايات الماضي البعيد..
رحمك الله جدتي ،ستظلين روحا نابضة في القلب بنصائحك الحنونة وضحكاتك الدافئة ولمساتك المطمئنة وعطرك الفواح، ورائحتك الزكية الممزوجة بعطر الورد والمسك والقهوة الصباحية.
رحمك الله تعالى جدتي وأسكنك فسيح جناته ، فقد كنت بحق أما في غياب الأم ،وحضنا دافئا ومكانا آمنا نهرب إليه من صخب الدنيا، وستستمر ذكراك دائما نورا في القلب أستنير به كلما اسودت الحياة.
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|