|
اهداءات نور الأدب |
|
14 / 07 / 2009, 50 : 09 AM
|
رقم المشاركة : [1]
|
أديب وناقد - باحث متخصص في السياسة والأدب الإسرائيليين- قاص وأديب وناقد -أستاذ مادة اللغة العبرية - عضو الهيئة الإدارية في نور الأدب
|
الانتـفاضــــة فــي أدب الــوطــن الـمـحـتـل - محمد توفيق الصواف
[align=justify]
الانتـفاضــــة فــي أدب الــوطــن الـمـحـتـل - محمد توفيق الصواف
« قراءة في القصة القصيرة » - من منشورات اتحاد الكتاب العرب - 1997
مقدمة بقلم الشاعر الفلسطيني طلعت سقيرق كان مفترضاً أن يصدر هذا الكتاب، على ما أذكر في العام 1990، أي قبل صدور كتابي (الشعر الفلسطيني المقاوم في جيله الثاني) بثلاث سنوات... أتذكر هذا بوضوح،لأن كتابي (الانتفاضة في شعر الوطن المحتل) ما زال ينتظر الصدور عن دار الجليل بدمشق؛ وكأنما كتب على هذين الكتابين أن ينتظرا الصدور، وأن يطول الانتظار...
وكنت في زمن مضى، قد اتفقت والصديق الباحث محمد توفيق الصواف على تناول الانتفاضة وأثرها في أدب الوطن المحتل، فأخذت جانب الشعر، وأخذ هو جانب القصة.. وبعد أن أنهى كلّ منا كتابه، كان علينا أن نبحث في أمر صدور هذا وذاك... وها هو كتاب الباحث الصديق محمد توفيق الصواف يرى النور بعد أن طال وطال الانتظار.
ما أوردته سابقاً، أوردته عن قصد، لأنبه القارئ بصورة جلية واضحة، إلى أن المصادر التي توفرت للكتاب، لم تكن كافية، أو بالوفرة التي يمكن أن نلحظها بعد مرور كل هذه السنوات.. إذ كانت الكتابات في ذلك الحين، ومن الوطن المحتل تحديداً، لا تصل إلينا إلا بشق الأنفس، وكنت، والباحث الصواف، نقوم بنسخ المادة يدوياً أو تصويرها، ثم تصنيفها ودراستها وهكذا... وكم كان الأمر صعباً وشاقاً..
الآن، وبعد مرور كل هذه السنوات، يضع الباحث محمد توفيق الصواف، بين يدي كتابه لأقول كلمتي، لأقرأ.. فماذا كان عليّ أن أقول؟؟؟
من هنا أبدأ...
قبل الدخول في الحديث عن الكتاب وقراءتي له، لا بد من القول: إن الصديق والأخ الباحث محمد توفيق الصواف، لا يدخل مجال الكتابة والبحث، في كتابه هذا، دون استناد على تجربة طويلة، امتدت على مدار سنوات من الكتابة والبحث في الصحف والمجلات.. إلى جانب امتلاكه لأدوات الكتابة في القصة والشعر بشكل متميز.. فهو شاعر وقاص، إلى جانب كونه ناقداً آذار النقد الأدبي، إضافة إلى خبرته الطويلة في الدراسة والبحث السياسيين...
هذه الإشارة وإن كانت لا تقول إلا القليل عن إبداعات الصواف المتعددة، فإنها تسعى إلى وضع القارئ أمام ضرورة فهم آلية البحث التي سيلحظ أنها لا يمكن أن تكون آلية باحث يدخل عالم البحث والنقد للمرة الأولى، بل هي آلية باحث خبر وعرف وجرب وكتب الكثير ليصل إلى هذا المستوى...
وأعود إلى الكتاب رغم هذا الإصرار الغريب على الاستطراد والتنقل...
عندما بدأت قراءة المخطوط -وأسجل هنا ملاحظتي بكل الوعي والانتباه -كنت أقرأ برتابة وكسل.. إذ بعد كل هذه السنوات من التعامل مع مادة وإبداعات الوطن المحتل، وصلت إلى قناعة فيها الكثير من الغرور وهي أنني أصبحت أعرف كل شيء عن هذه الإبداعات وما يكتب عنها.. فماذا سأجد عند الصديق الصواف من جديد!!، خاصة حين تكون الدراسة عن موضوعة الانتفاضة وهي الموضوعة التي تعاملت معها، ومع انعكاسها في أدب الداخل بشكل لافت أصبح يعرفه الجميع، ولأن الغرور مرض، فقد تملكني الظن بأنني لن أقرأ جديداً في الدراسة التي بين يديّ!!
أعترف بأنه كان عليّ بعد صفحات قليلة من القراءة أن أركز كلّ انتباهي وأنا أقرأ؛ فما يطرحه الباحث الصواف مثير ومدهش حقاً، إذ انه يكسر رتابة التناول ليقول موضوعته بتوافق غريب مع المادة المتناولة، إلى حدّ يجعل القارئ يشعر وكأنه أمام أبطال القصص من جهة، وأنه أمام عالم جديد يكتشفه للمرة الأولى من جهة ثانية. فتأخذه الرغبة في المتابعة والمعايشة، وتلمس كل حركة.
في هذا المسار، وهو مسار يبقى مختزناً الكثير من احتمالية الإدهاش والإمتاع والإفادة، تنتقل قصة الانتفاضة من حركية السير على الورق، لتضعك مباشرة في المعترك وسخونته. ولا تستغرب، إن وصلت في بعض الحالات إلى الشعور بأنك ترمي حجراً من حجارة فلسطين على جنود الاحتلال. كل ذلك طبعاً جراء أسلوبية متميزة يطرح بها محمد توفيق الصواف خطوطه وألوانه. فالفرشاة التي يرسم بها تعرف كيف تتواصل كل التواصل مع حركة أصابعه وأفكاره. وأشهد أنه صاحب أسلوب بارع. قادر على الوصول والتواصل والدخول إلى أعمق الأعماق.
قد لا يعرف كثيرون أن الصديق الباحث محمد توفيق الصواف كان قد انصرف سنوات، إلى دراسة اللغة العبرية حتى أتقنها، وكان في ذلك الحين بصدد دراسة الروايتين الفلسطينية والإسرائيلية، للنظر في صورة الشخصية الروائية مع واقعها في هذه وتلك. وقد مضى طويلاً في هذا البحث، وما زال من دارسي الأدب العبري المتميزين، كما تبين دراساته التي نشرها في العديد من المجلات المتخصصة، ولا سيما مجلة الأرض للدراسات الفلسطينية..
أورد هذه الإشارة للوصول إلى القول: إن الباحث، في دراسته للانتفاضة في القصة العربية في الوطن المحتل، يعرف حق المعرفة، الأرض التي يقف عليها، ويعي كل حركة من حركات شخصياتها، لأن بطل قصته التي يدرسها، وهو بطل عربي فلسطيني، يواجه شخصية احتلالية واضحة الملامح لدارس عرف لغة هذه الشخصية، ودخل في كل منحنياتها، فكان خبيراً بكل ما تتطلبه الخبرة، متميزاً عن سواه بمعرفة الشخصية الاحتلالية من داخلها لا من خلال وصف خارجي تنقله لغة أخرى عن أخرى.
وفي سياق الحديث عن هذا الكتاب أيضاً علينا أن ننتبه إلى ناحية بالغة الأهمية، وأن ندقق كثيراً فيها خوفاً من خطر الانزلاق إلى التوهم بأن ما تقوله هذه القصة أو تلك، يمكن أن يوحي بعكس المقصود... وأورد في هذا المجال ملاحظتي حول قصة (الحاجز) لنبيل عودة.. إذ قد يتساءل البعض: لماذا يقوم هذا الطبيب الفلسطيني بإنقاذ عدوه الجريح؟
والسؤال له ما يبرره... إذ أن هذا القاتل، وبعد إنقاذه سيقتل المزيد من شعبنا العربي الفلسطيني... وهو ما حدث في القصة فعلاً... لنصل إلى النقطة المفصل في هذه القصة، حيث تقول إن الفلسطيني لا يستطيع إلا أن يكون إنساناً، في حياته وتصرفاته ومشاعره وأفكاره، وإن شخصية الصهيوني لا تخرج في كل الحالات عن كونها شخصية قاتل...
ومن هذه النقطة ينبثق الجواب على السؤال: لماذا يقوم هذا الطبيب الفلسطيني بإنقاذ عدوه الجريح؟؟ يأتي الجواب ليقول: صحيح إنه عدوك في كل الأحوال، ومهما كانت الظروف، وإنسانيته ملغاة... ولكن إنسانيتك أنت أيها الفلسطيني، إنسانيتك يجب أن تبقى كما هي.. لأنها إنسانية أصيلة وراسخة لا توهنها وحشية الآخرين ولا تمنع تدفق خيرها عن أحد، حتى عن عدوها، في لحظة ضعفه؛ ولكن حين يعود ؛ إلى وحشيته قوياً قادراً على الأذى، عليك أيها الفلسطيني الطيب أن تعود لتتعامل مع هذا العدو كقاتل.. وهذا ما حدث في القصة فعلاً، فقد قام الطبيب الفلسطيني بقتل الوحش الصهيوني الذي كان جريحاً أنقذه بالأمس.. قتله بعد أن قتل هذا الوحش حين تعافى زوجة الطبيب الذي أنقذه، وربما غيرها من أبناء الشعب الفلسطيني أيضاً...!!!
إذن، نبيل عودة يدين قيام طبيبه، بطل القصة، بإنقاذ عدوه.. كذلك يفعل الباحث محمد توفيق الصواف، مؤكداً، مثل القاص عودة، أن اللقاء بين هذين الضدين هو لقاء صراع إلى أن يلغي أحدهما الآخر، فالشخصية في (الحاجز) مدانة، وفعل الإنقاذ مدان أيضاً؛ وهذا ما تقوله القصة ويقوله الباحث، وعلينا أن نعي ذلك ونفهمه. إذ أن هناك كثيراً من الأدب المقاوم يطرح شخصيات عربية فلسطينية سلبية أو محايدة، ليصل بها فيما بعد، إلى حقيقة تقول إن المحايدة مرفوضة. فالعدو عدو، ولن يترك الشخصية المحايدة تعيش بسلام. ولو كان المجال يسمح لأوردت الكثير من النماذج، ولكن أردت فقط التنبيه والتحذير من الانجرار إلى هذا التوهم أو ذاك...
ثمة نقطة أخرى مثيرة عليّ أن أشير إليها في سياق هذه المقدمة، وهي أن المادة القصصية التي اعتمدها الباحث في كتابه أقل من قليلة، والمفترض أن يقوم الكتاب على مادة غزيرة متعددة الجوانب والامتدادات؛ ولكن، وهنا بيت القصيد، فقد كانت القصص أقل من قليلة. ولا أبالغ حين أقول إنها في مجموعها ثلاث عشرة قصة لا غير. ولك أن تدهش حقاً حين ترى إلى الباحث وهو يكتب مئة وعشر صفحات بخط يده، تضم الصفحة الواحدة منها(360) كلمة على وجه التقريب، وليس أمامه إلا هذا العدد القليل من القصص.
وكأني بالباحث يصرّ على بناء مدهش يعبر فيه عن إعجابه بموضوعة الانتفاضة/ الثورة التي كانت رائعة كبيرة في كل شيء. وحسب رأيه، فإن ندرة الإبداعات، لا تعني ضرورة الصمت، بل على العكس تماماً، تدفعه دفعاً إلى خوض غمار تجربة خطيرة، تريد أن تقول الانتفاضة، وتدخل في عمق مسارها الساخن.
النص هنا أميل إلى التشكيل الإبداعي، ما دامت القصص أقل من القليل.. الباحث يبني نصاً إبداعياً يمتح من النصوص المتاحة، ومن الواقع، ليخرج بصورة مدهشة.. إنه يضعك أمام عالم لا نهائي من الشخصيات التي تتحرك وتملأ الصفحات غلياناً، رغم قلة القصص التي عالجها...
كما قدمت من قبل، فالباحث كان قد انتهى من تأليف كتابه هذا، على ما أذكر، عام 1990، أي أن المادة كانت على تماس مع حرارة الحدث. وهذا ما يظهر في الكثير من مسارات الكتاب.
ولك أن تقرأ ما كتب محمد توفيق الصواف تحت عنوان "بطل الأرض المحتلة ينهض منها ليحررها "لترى إلى بروز الشاعر وإصراره على الإدلاء بدلوه، شاء الباحث أم أبى. فالشاعر معجب أيما إعجاب ببطل الانتفاضة، ومن حقه أن يقول كلمته، وهو ما كان، لنصل إلى قراءة قصيدة ماتعة في تواصلها مع بطل الانتفاضة، وتلاوة نشيدها الخصب الثر...
أعترف أنني معجب بالكتاب، ولي أن أترك للقارئ متعة التواصل مع هذا الدفق الجميل في التواصل مع الانتفاضة الرائعة.
ولصديقي العزيز محمد توفيق الصواف كل الشكر، فقد أضاف إلى ما تعلمته الكثير وأمتعني بدراسة متميزة حقاً.
دمشق في3/11/1996
طلعت محمود سقيرق
[/align]
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|
|
|
|
14 / 07 / 2009, 52 : 09 AM
|
رقم المشاركة : [2]
|
أديب وناقد - باحث متخصص في السياسة والأدب الإسرائيليين- قاص وأديب وناقد -أستاذ مادة اللغة العبرية - عضو الهيئة الإدارية في نور الأدب
|
رد: الانتـفاضــــة فــي أدب الــوطــن الـمـحـتـل - محمد توفيق الصواف
[align=justify]
مقدمة المؤلف
(1)
كان من المفترض أن يظهر هذا الكتاب إلى النور منذ عام 1990، ولكن لأسباب كثيرة لم يظهر في ذلك الحين. وبعد مرور نحو سبع سنين على تأليفه، تضاءل حجم الاهتمام بالانتفاضة الفلسطينية خلالها، ظننت أن إمكانية نشر كتاب عن أدب الانتفاضة قد تلاشت تماماً، لكن الأخوة الأدباء والنقاد الذين أتيح لهم الإطلاع على مخطوطه شجعوني كثيراً على بذل الجهد، ما أمكن لنشره، إذ رأوا فيه ما يستحق أن يقرأ، وإني لأرجو أن يكونواً مصيبين في رؤيتهم هذه...
(2)
على الرغم من التراجع النسبي الذي طرأ، مؤخراً، على حجم الاهتمام بالانتفاضة الفلسطينية، كحدث، بعدما ظلت، ولفترة طويلة عقب انطلاقتها، في مركز الاهتمام على مختلف الصعد والمستويات: عربياً وإسرائيلياً ودولياً، فإن هذا البحث الذي سيحاول إلقاء حزمة ضوء على بعض مظاهر تأثير الانتفاضة، في الساحة الأدبية، داخل الوطن الفلسطيني المحتل، تحديداً، يكتسب أهميته، وربما ضرورته، من عدة نواح:
1- بين الكثير من الدراسات والأبحاث التي ألفت حول الانتفاضة، وتناولت تأثيراتها في مختلف جوانب الحياة بالنسبة لكلا الفلسطينين والإسرائيليين على السواء، لم يتعرض سوى قليلين من مؤلفي تلك الدراسات إلى تأثير الانتفاضة في النتاج الأدبي العربي بشكل عام، والفلسطيني بشكل خاص، هذا ناهيك عن غياب، قد يكون كاملاً، لدراسة تأثيرها في النتاج الاسرائيلي المتزامن، تأليفاً وصدوراً، مع أحداثها.
2- ومن منطلق القناعة بأن تأثير هذه الثورة العظيمة في مجال الأدب وعلى الصعيدين الفلسطيني والإسرائيلي ليس أقل قوة ولا أقل أهمية من تأثيراتها في المجالات السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية أوالعسكرية... إلخ، تولدت فكرة هذا البحث الذي يطمح إلى سدّ فراغ، ولو صغير جداً، في بنية المادة البحثية التي صدرت عن الانتفاضة، حتى الآن...
3- وثمة ما يدفع إلى الاعتقاد بأن هذا البحث، وفي هذا الوقت بالذات، يكتسب المزيد من الأهمية لإمكانية النظر إليه كمذكر بضرورة الاستمرار في إبداء الاهتمام بالانتفاضة التي ما زالت، رغم كل المعيقات والعقبات ومحاولات التهميش والتعتيم، حدثاً بارزاً له حضوره المستمر الذي يؤكد مع كل يوم يزاد فيه بعمره، أنه الصرخة العربية الأصيلة التي تأبى أن تتلاشى، والتي تستحيل على كل محاولات إسكاتها، بوصفها العنوان الأكثر بروزاً وتذكيراً بالحق والكرامة العربيين..
فصحيح أن هناك العديد من الأحداث الهامة على الساحتين العربية والدولية، قد جذبت قدراً كبيراً من أضواء الاهتمام بالانتفاضة، وكادت تحيلها إلى مجرد حدث روتيني لا يستأهل المبالاة بمجرياته ونتائجه ومستقبله، إلا أن استمرارية هذا الحدث، على الرغم من تضاؤل الاهتمام به، تدفع إلى ضرورة إعادة النظر بمدى أهميته، وإلى ضرورة عدم إهماله في زحمة الاهتمام بمستجدات الأحداث المزامنة له...
(3)
يقود الاستقراء الموضوعي لمجريات الانتفاضة الفلسطينية التي انطلقت أواخر العام 1989، وما نجم عن تصاعدها وتطوراتها من نتائج، في مختلف المجالات، وعلى مختلف الصعد والمستويات: عربياً وإسرائيليا ودولياً، إلى افتراض الصحة في توصيفها بأنها تعد، في المسار التاريخي للصراع العربي/ الصهيوني، حدثاً ذا خصوصية مميزة... ولعل من أهم جوانب هذه الخصوصية، وأكثرها بروزاً، هو استمرارية هذه الثورة، بزخم متصاعد، على الرغم من كثرة التحديات التي واجهتها، وضخامتها وعنفها، وعلى الرغم من الثمن الباهظ جداً الذي كلفته مواجهة هذه التحديات، وما تزال..
وقد كان لا بد لمجمل المتغيرات التي أحدثتها استمرارية الانتفاضة، أن تترك تأثيراً واضحاً في معظم صفحة النتاج الأدبي المتزامن، إيداعاً وصدرواً، مع حدث الانتفاضة.. ذلك أن الأدب من نوع الفعاليات الإنسانية الأسرع تأثراً بالمعطى الحدثي، والأكثر استجابة وقابلية للتفاعل مع المتغير الذي ينجم عنه... وربما، لهذه الخصيصة المميزة لطبيعة الأدب عُدّ،ومنذ أقدم العصور، مرآة الأمة التي تنتجه، والذاكرة الجمالية لأحداث تاريخها ولإرهاصات هذه الأحداث مقترنة بتطلعات أبناء الأمة وطموحاتهم، في آن واحد...
بتعبير آخر، عُدّ أدب الأمم، ومايزال، تاريخها المكتوب بأسلوب فني، ومن وجهة نظر جمالية ترصد متغيرات الراهن، وتسجلها، وتتنبأ باحتمالات المستقبل، على نحو فيه من الصدق والمتعة والغنى أكثر مما هو موجود في كتب التأريخ المتخصصة...
من هذه الزاوية المحددة في الرؤية، لجدلية العلاقة التفاعلية بين المعطى الحدثي والإبداع الأدبي، يمكن القول: إن الانتفاضة بسيرورتها الحديثة، وبجملة المتغيرات الي تضمنتها نتائجها الحاصلة حتى الآن، كانت محرضاً قوياً على الإبداع، في المجال الأدبي، وعاملاً فعالاً ومؤثراً، في تحديد نوعية مضامين هذا الإبداع، وفي الأسلوب الفني لإخراجه، أيضاً...
ويقود استقراء الخارطة الجغرافية للنتاج الأدبي العربي المزامن لحدث الانتفاضة، إلى الاستنتاج بأن أكثر المواقع تأثراً بهذا الحدث ونتائجه هو مسرحه المكاني، أي داخل فلسطين المحتلة... وهذا بدهي، لعدة عوامل، من أبرزها: أن الأدباء الفلسطينيين هناك لا يعانون مجريات الانتفاضة عبر نشرات الأخبار وتعليقات الصحافة، بل يعيشونها واقعاً حياً وممارسة يومية، ينغمسون فيها، ويشارك بعضهم في صنع حركيتها، عبر ممارسة النضال والتحدي، وعبر الإصرار على استمرارية هذا التحدي، على الرغم من احتمالات التعرض للاعتقال والسجن والإقامة الجبرية وتكسير العظام، وحتى احتمال التعرض لمواجهة الموت.
وهذا يعني أن ما كتبوه عنها لم يكن ترفاً إبداعياً أو مجرد تعبير عن التزامهم بقضايا وطنهم وشعبهم فحسب؛ بل كان، إضافة لمحاولتهم تأكيد هذا الالتزام، تعبيراً عن معاناة مباشرة، وعن تجربة حياتية صعبة يخوضونها صباح مساء، وهم يجسدون التزامهم ممارسة، على أرض الواقع قبل أن يجسدوه منطلقاً ورؤية، في نسيج إبداعاتهم الأدبية ومضمونها...
(4)
وضمن هذه البقعة الجغرافية الملتهبة بالحدث المتفجر، ووسط دوامة الفعل ورد الفعل اليومية، ليس كالشعر فنّ قادر على رسم صورة الانفعال الآني، وعلى التوتر بأنات الوجع وامتدادات الصراخ وترجيعاتها، وليس كمثله قدرة على نقل رؤيا القادم المأمول في ذروة الإحساس بالنزيف وآلام الجراح.. وإلى حدّ ما، يمتلك البناء الفني للقصة القصيرة بعض قدرة البناء الفني للقصيدة الشعرية، على التفاعل مع الحدث الآني، والنبض بتوتراته العنيفة.. وهذا يعني أن كلا هذين النوعين الأدبيين قادر- مع ملاحظة أن الشعر أكثر قدرة- على إيصال الشحنة الانفعالية الآنية بالحدث، من ذات المبدع إلى القارئ، وهي ما تزال محتفظة بعد، بقدر كبير من حرارتها... وهذه القدرة، تعد بين أبرز ما يفسر إمكانية مواكبة القصة القصيرة لسيرورة الأحداث وتطوراتها، بخلاف الرواية التي لا تتاح لها مثل هذه الإمكانية إلا نادراً.
وبالطبع لا تعني النظرة السابقة لفن القصة القصيرة على افتراض صوابيتها -طغيان انفعالية الشعر ونبرته الحماسية العالية، والمباشرة غالباً، على ماصدر من قصص قصيرة، داخل الوطن المحتل، في زمن الانتفاضة. ذلك أن القصة القصيرة -في معظم نماذجها- بقدر ما تقترب من الشعر في قدرته على التفاعل السريع مع الحدث الآني، بقدر ما تقترب، وفي ذات الوقت، من فن الرواية، في امتلاك بعض قدرته على تعميق الحدث ومحاولة تحليل عدد من دوافعه وأهدافه ونتائجه بشيء من البرود الموضوعي.. وهذا ما يجعل القصة القصيرة- إذا صح التصور- فناً وسطاً بين انفعالية الشعر، بحرارة تعبيره العاطفي المتوتر وبين عمق الرواية، بأسلوب معالجتها الموضوعي الهادئ.
(5)
وبعد، قد يكون من الضروري الإشارة ولو بلمحة سريعة إلى الدافع الذي حدا بالباحث للقيام بهذه الدراسة؛ وإلى مصدر مادتها، والنهج الذي اتبعه في بحث هذه المادة؛ وأخيراً إلى أقسام الدراسة.
بالنسبة للدافع، يمكن القول: إن اختيار قصص الانتفاضة -إذا جاز الاصطلاح- موضوعاً للدراسة كان بالدرجة الأولى- وليد الرغبة في المساهمة بإلقاء بعض الضوء على ما أحدثته استمرارية فعاليات الانتفاضة من تأثيرات، في حقل صغير من مساحة الإنتاج الأدبي، داخل فلسطين المحتلة، هو حقل القصة القصيرة... وذلك انطلاقاً من الاعتقاد بأن تأثير هذه الثورة في مجالي الأدب والثقافة، على الصعيدين الفلسطيني والإسرائيلي، لم يكن أقل قوة وأهمية من تأثيراتها في المجالات الحياتية الأخرى...
ونظراً لعدم تمكن الباحث من الحصول على جميع ما نشر من قصص قصيرة في فلسطين المحتلة، زمن الانتفاضة، بسبب عدم توفر الغالبية العظمى من مصادرها بين يديه، في فترة إعداده لهذه الدراسة، أي بسبب عدم توفر معظم الصحف والمجلات التي نشرت فيها تلك القصص، فقد اضطر بالتالي إلى بناء دراسته على ما توفر له منها، منشوراً في مصدر واحد فقط، هو صحيفة الاتحاد اليومية التي تصدر في حيفا العربية المحتلة.. ذلك أن هذه الصحيفة هي الوحيدة التي وجدها الباحث، بين يديه، تهتم بنشر نماذج من الشعر والقصة القصيرة الفلسطينية، بين جملة ما يرد إلى مؤسسة الأرض للدراسات الفلسطينية بدمشق من صحف عربية، تصدر في فلسطين المحتلة...
ولإدراك الباحث مدى ما يعتور مصادر دراسته من نقص فقد حرص، في البحث والتقييم على تجنب إطلاق الأحكام التعميمية، كما تجنب تأكيد الكثير من هذه الأحكام أو إعطاءها صفة الشمولية..... هذا من جهة؛ ومن جهة أخرى ألزم نفسه بعدم الخروج عن مضمون ما توفر له من القصص، على الرغم مما تثيره طبيعة البحث وموضوعه من إغراءات التوسع والاستطراد إلى ما لم تأت تلك القصص على ذكره من موضوعات وقضايا تتعلق بالانتفاضة...
أما المنهج الذي تمت به دراسة القصص ومعالجتها، فيمكن توصيفه بأنه منهج يراوح بين عرض الخطوط الرئيسة لمضون القصة وسيرورة الأحداث فيها، وبين محاولة تحليل هذا المضون، وتحليل أبعاد الشخصيات، تحليلاً يستند بالدرجة الأولى على مقارنة المعطى القصصي بمصدره الأصل، أي بالمعطى الحدثي الحقيقي، علىأرض الواقع...
وبالنسبة لأبرز مشتملات هذه الدراسة فيمكن القول: إنها تنقسم في هيكلها العام إلى مقدمة وثلاثة فصول وخاتمة.
يمكن توصيف الفصل الأول بأنه محاولة لقراءة ما طرحه مؤلفو القصص القصيرة، الداخلة في هذه الدراسة، كأسباب أدى تراكمها على مدى عشرين سنة من الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزة، إلى انطلاقة الانتفاضة...
أما الفصل الثاني: فهو محاولة أيضاً لاستجلاء أبرز ما تصوره مؤلفو تلك القصص من مبادئ وأهداف لهذه الثورة يمكن لمجموعها أن يشكل ما يجوز تسميته بـ (رسالة الانتفاضة).
وأما الفصل الثالث والأخير فلا يعدو كونه إضاءة متواضعة لأبرز ملامح بطل الانتفاضة، طفلاً وشاباً وامرأة وشعباً، كما تبدو على صفحة منجزاته والمتغيرات التي أدت إليها نتائج استمرارية ثورته منذ انطلاقتها.
ثم تأتي الخاتمة لتلقي ضوءاً سريعاً على فنية القصص المدروسة، ومدى ما أصابه مؤلفوها من نجاح، في تعاملهم مع موضوع الانتفاضة، وفي قدرة ما كتبوه على التأثير في قارئهم.
(6)
وأخيراً، لا يسع الباحث سوى التقدم بالشكر الجزيل إلى مؤسسة الأرض للدراسات الفلسطينية بدمشق، ممثلة بإدراتها التي أتاحت له إمكانية الاطلاع على أعداد صحيفة (الاتحاد)، المصدر الوحيد للقصص التي بحثها، راجياً لهذه المؤسسة دوام التطور والتقدم والعطاء...
(7)
وفي الختام، أرجو أن أكون قد قدمت بعملي هذا كتاباً للمكتبة العربية، وأبقيت ذكرى متواضعة لثورة عظيمة، وأرسلت تحية حب وتقدير وامتنان لكل يد ألقت حجراً على جندي احتلال من أجل أن يبزغ فجر عزّ عربي جديد على أرض عربية حرّة؛ والله من وراء القصد، إليه أهبُ عملي هذا، ومنه أرجو القبول والثناء..
دمشق في 1990
محمد توفيق الصواف
[/align]
|
|
|
|
14 / 07 / 2009, 55 : 09 AM
|
رقم المشاركة : [3]
|
أديب وناقد - باحث متخصص في السياسة والأدب الإسرائيليين- قاص وأديب وناقد -أستاذ مادة اللغة العبرية - عضو الهيئة الإدارية في نور الأدب
|
أولاً : الانتفاضة بين عفوية انطلاقتها وحتمية حدودها
عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ][align=justify] عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ](1)عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ](2)عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ](4)عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ](3)عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ](4)عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ] عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ] [/align]
|
|
|
|
14 / 07 / 2009, 03 : 10 AM
|
رقم المشاركة : [4]
|
أديب وناقد - باحث متخصص في السياسة والأدب الإسرائيليين- قاص وأديب وناقد -أستاذ مادة اللغة العبرية - عضو الهيئة الإدارية في نور الأدب
|
ثانياً: التمييز العنصري الصهيوني... وتمظهراته الفاشية والطبقية
[align=justify]
ثانياً: التمييز العنصري الصهيوني... وتمظهراته الفاشية والطبقية
عرض مؤلفو قصص الانتفاضة، في الوطن المحتل، لموضوع التمييز العنصري الصهيوني، بوصفه المادة الخام الرئيسة التي تدخل في تركيب معظم دوافع سياسة الإرهاب الإسرائيلية، وما تخطط له هذه السياسة، وما تنتهجه من ممارسات الاضطهاد والقمع، ضد العرب في فلسطين المحتلة، على المستويين: القومي والطبقي... وربما لهذا، قلما نجدهم يعرضون لهذا الموضوع، كموضوع مستقل، أو يتخذونه محوراً وحيداً، يديرون حوله مادة مضمونهم القصصي.. ذلك أن التمييز العنصري الصهيوني، ضد أبناء شعبهم، قد استقر في وعيهم وتفكيرهم، بمختلف تمظهراته وصيغه وألوانه، كطابع نوعي مميز، تتسم به جميع ممارسات الإرهاب الإسرائيلي وأساليبه.. هذه الممارسات التي عدوها، في قصصهم، أسباباً وعوامل، غير مباشرة، أدى تراكمها إلى تأجيج دوافع الرفض العربي لاستمرار الاحتلال، وإلى صنع حتمية الانتفاضة.
وفي الواقع، يقود استقراء ما أمكن الحصول عليه من قصص الانتفاضة؛ إلى رؤية ظلال التمييز العنصري وتأثيراته الدوافعية، تخيم على كل ما ذكره مؤلفو تلك القصص وساقوه كأسباب صنعت حتمية حدوث الانتفاضة.. فهذا التمييز كان أساس الدافع إلى اضطهاد الفلسطينيين قومياً وطبقياً.. كان وراء اعتقال حرياتهم وزجهم في السجون ظلماً، ووراء التفكير والتخطيط الدائم لاقتلاعهم من أراضيهم المحتلة، والعمل على ترحيلهم وابعادهم، جماعياً وفردياً.. كما كان وراء ممارسة أعمال القتل الوحشية ضدهم، جماعات وأفراداً أيضاً.. هذا، فضلاً عن كون ذلك التمييز وراء استغلالهم طبقياً، ووراء حرمانهم من أبسط حقوقهم الإنسانية، كحق تقرير المصير، والعيش بكرامة واطمئنان، والتعبير عن آرائهم وما يعتقدون بحرية، وحصولهم على ما لا غنى عنه للإنسان من خدمات تعليمية وصحية.. وغيرها..
فقط، قصة واحدة، بين المتوفر من قصص الانتفاضة، تناول مؤلفها التمييز العنصري الصهيوني بشكل مباشر، واتخذ منه محوراً رئيساً أدار حوله جل المادة المضمونية لقصته، محاولاً، عبر إضاءة بعض تمظهرات هذا التمييز، على صعيد الممارسة، بيان تأثيرها السببي في تأجيج كوامن ثورة التمييز.. وهذه القصة هي: طبق الحلوى)عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ] للقاص الفلسطيني مصطفى مرار.
ففي هذه القصة، حاول مراراً، في بدايتها، رصد تموجات نبرة الاستعلاء الفاشي، في تلافيف تركيبة النفسية الصهيونية العنصرية للاسرائيليين، مستوطنين وقادة، من خلال رجل القضاء العسكري روني) وزجته باتيا).. ولكن ترجيع هذه النبرة لا يستمر، حتى نهاية القصة، صدى لعزف منفرد على وتر الاحتجاج الفلسطيني ضد تمظهرات التمييز العنصري الصهيوني الفاشية، فقط، بل يمتد إلى تمظهراته الطبقية، أيضاً..
وبتعبير أكثر تفصيلاً، انطلق مراراً من قناعته العميقة بأن تلك التمظهرات، بلونيها الفاشي والطبقي، ما هي إلا نتاج أيديولوجية واحدة ومتكاملة؛ وأن هذين اللونين، لدى النظر إليهما علىضوء معاناة الإنسان الفلسطيني لهما، يبدوان وجهين لجوهر تلك الأيديولوجية التي ترسم نهج سياسة المحتل الإسرائيلي، تجاه ذلك الإنسان... وبالتالي، لا يمكن الفصل بين هذين الوجهين، لا على صعيد النظرية ولا على صعيد التطبيق، إلا بتحطيم ذلك الجوهر المعشق بينهما أولاً.. أي بمنع الايديولوجية الصهيونية من الاستمرار في تجسيد منطلقاتها وأهدافها العنصرية، عبر سياسة الحصار والاضطهاد التي ينتهجها المحتل الإسرائيلي، مطوقاً بممارساتها اليومية الباهظة مختلف مجالات حياة الفلسطيني، الثقافية والسياسية والاقتصادية والنفسية... وغيرها..
وبالفعل، ينجح مرار في إيصال شيفرة قناعته هذه إلى قارئه، على الرغم من أنه بثها في مضمون قصته، بشكل غير مباشر.. ذلك أنه عمد إلى عرض صورة الممارسات العنصرية، على المستوى الفاشي، متداخلة بصورتها، على المستوى الطبقي، تداخلاً عنصرياً وثيقاً، كي يقدم لقارئه، من تداخلهما، طبقاً من الحلوى الشديدة المرارة، آملاً أن ينبه تذوقها وعي ذلك القارئ، وأن يحرك كوامن الثورة في نفسه، على استمرارية تلك الممارسات، أياً كان الثمن الذي ستكلفه ثورته عليها..
تبدأ القصة باستعراض انتقائي لبعض وقائع "حفلة صاخبة في قاعة المحاضرات الكبرى، في مبنى البلدية؛ أقيمت لتكريم الإرهابيين القدماء وأبناء عائلاتهم.عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ] وبدهي، في جو حفلة، كل حضورها من الإرهابيين، أن تسيطر أحاديث الاستعلاء العنصري، وما يمازجها، عادة، من مزايدات التباهي والتبجح، كل بما اقترفت يداه من جرائم.. وبالفعل و"من خلال كؤوس الراح"عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ] يتبادل أولئك الإرهابيون" كل ما حوشوا من الأحاديث والذكريات عن الحروب، والانتصارات، والتوسع، و"الحدود الآمنة"، و"الشطحيم"*، وعن التقتيل والتشريد وعن الصراصير، وعن "عماليق"** العصر الذين تجب إبادتهم، والتخلص منهم، ومن ذكرهم، إلى الأبدعفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]
ومن خلال التقديم بهذه الأحاديث المفعمة بنبرة الاستعلاء العنصري، يحاول مصطفى مرار الدخول إلى صلب الموضوع الذي اختاره محوراً رئيساً ووحيداً لمضمون قصته.. فنراه يبدأ بعرض بعض ملامح صورة العربي الفلسطيني كما تراه عينا عدوه الإسرائيلي، من خلال عدسات التركيبة العنصرية لنفسية هذا العدو المريضة..
ومن الملفت للانتباه، أن مرار، وقبل شروعه بعرض ما شوهته النظرة العنصرية لبطل قصته الإسرائيلي روني) من ملامح الإنسان الفلسطيني، يحاول إطلاق هذه النظرة من إسار محدوديتها الفردية، ليجعلها نظرة ذات طابع شمولي عام، يمارسها معظم الإسرائيليين، من مدنيين وعسكريينن على حدٍّ سواء...
وربما لكي ينجح مرار في محاولته هذه، وليدخل نتيجتها في قناعة قارئه، نراه يختار من بين نماذج الشخصيات التي يكوّن مجموعها قوام التجمع الاستيطاني الصهيوني، في فلسطين المحتلة، شخصية عسكرية ذات وزن ونفوذ، في المؤسسة الإسرائيلية الحاكمة، لتقوم بعرض ما شوهه الحقد العنصري من ملامح الإنسان الفلسطيني .. فـ روني)، صاحب هذه الشخصية، هو أحد أولئك الإرهابيين الصهاينة القدامى الذين تمّ تكريمهم) في تلك الحفلة التي حضرها برفقة زوجته باتيا) كما ورد في بداية القصة.. وهو، إضافة إلى هذه الصفة المميزة، لم يتقاعد بعد عن ممارسة ساديته العنصرية ضد العرب، بل ما زال على تماس يومي مباشر معهم، بحكم المنصب القضائي الكبير الذي يشغله، بوصفه شاهداً رئيساً)، في إحدى المحاكم العسكرية الإسرائيلية المبثوثه في الأراضي المحتلة.. وبالتالي ما زال لقراره وزن كبير في تحديد نوعية الأحكام التي تصدرها تلك المحاكم، على العرب هناك...
وعلى هذا، تعد شخصية روني) ببعديها السابقين، رمزاً واضح الدلالة على القيادة الإسرائيلية التي اختارته ليجسد سياستها في أحكامه الجائرة التي يصدرها على من يقع في قبضته من العرب. وبالتالي، يمكن القول: إن ما جرى على لسانه، في سياق القصة، من توصيفات عنصرية للعرب، لا يعبر عن موقفه الشخصي منهم فحسب، بل يعبر عن موقف قيادته الحاكمة ككل.. وهذا، إذ صح التوهم، ما أراد مرار الايحاء به لقارئ قصته، بشكل غير مباشر...
وكما وفق مرار في بناء الشخصية الرئيسة، في قصته، وفق أيضاً في اختيار المناسبة الحدثية التي هيأها لصاحب هذه الشخصية، كي يعبر عن نظرته العنصرية ضد الفلسطينيين.. فعقب خروج روني) وزجته باتيا) من حفلة تكريم) الإرهابيين، راحت باتيا) تكيل الثناء لزوجها ورفاقه ممن حضروا تلك الحفلة، وتبدي إعجابها الشديد بما دار بينهم من أحاديث، وخصوصاً حديثهم //عن النية في التخلص من بقايا العماليق الجدد//عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ] أي العرب الفلسطينيين، مما جعل روني) ينتفخ كبراً وغروراً، حتى كاد يفقع،عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ] وهو يؤكد لها: ولسوف نفعل يا "باتيا". نحن أقوياء، والأحزاب في قبضتنا.عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ] وهنا، وفي ذروة انتفاخه بالغرور، فاجأته زوجته المعجبة، برغبتها في مصاحبته إلى الأراضي العربية المحتلة، لتمتع عينيها برؤيته وهو يجول ويصول، في المحكمة هناك، ويمارس اضطهاده للعرب في الأحكام الجائرة التي يساهم في استصدارها بحقهم.. "فخذني، معك، غداً إلى المحكمة.. خذني إلى الـ"شطحيم*"...عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]
وكمن لدغته عقرب، أو أصيب، فجأة، بصعقة تيار كهربائي، ارتعدت فرائص.. "روني"عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ] إثر سماعه رغبة زوجته.. وهنا، تدخل مرار، في الوقت المناسب، لينجح نجاحاً مدهشاً، في نقل قارئه من السياق العام للحدث القصصي إلى عالم لا وعي روني)، ليضيء، من خلال تعليل سبب الاضطراب المفاجئ الذي اعترى هذا الشخص، في تلك اللحظة، حقيقة ما يحاول تمويهه وإخفاءه بوهم تظاهره الدعائي بـ السوبرمانية) المزيفة أمام زوجته...
لقد رصد مرار لحظة تداعي ذلك الوهم، بكل ماتموج به صورته، من مظاهر الغرور والخيلاء الكاذبة، ليرى القارئ، بوضوح، كم هو كبير حجم تلك المفارقة بين المظهر السوبرماني) الزائف الذي تزعمه الدعاية الصهيونية لشخصية العسكري الإسرائيلي، وبين حقيقة هذه الشخصية، في الواقع، تلك الحقيقة التي تبدو، من خلالها، شخصية ضعيفة، هلامية وهشة، إلى حد بعيد، ترتعد فرائص صاحبها، وتتبخر مزاعم قوته) الخرافية/ فجأة، ودفعة واحدة، لمجرد مرور صورة ممارسات البطولة الحقيقية لعدوه الفلسطيني، في خاطره.. ناهيك عما يمكن أن يصاب به، إذا ما التقى هذا العدو وجهاً لوجه..
لهذا، ارتعدت فرائص"روني" فهو تصور نفسه هناك وأن "محِّبيل"** قد خرج عليه، من زاوية أحد الأزقة.. فهو كان "هناك" بالأمس فعلاً وهو "نفد من تحت الخوصة. حيث طعن زميل له من "الهاغا"*** أمام عينيه، ولولا أنه "ذكي ورميح" فلربما لم يعد إلى "باتيا"..عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]
ولكن، ولأن زوجته؛ شأن غيرها من يهود إسرائيل المضللين بأوهام القوة) الخرافية التي يزعم قادتهم العسكريون امتلاكها، لم تدرك سبب التحول المفاجئ الذي طرأ على زوجها، وبالتالي؛ صعقها ما رأته "من تغير لونه" وهمود حركته"عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ] فسألته بعفوية نابعة من احساسها بتلك المفاجأة "ما بك يا حبيبي؟"عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]
وهنا، كان على "روني" أن يسارع جاهداً لاخفاء ما بدا عليه من علائم الذعر المفاجئ أمام زوجته، وبأي ثمن... وشأن كل مدّع يجد حقيقته البائسة التي جهد عمره للظهور بمظهر يناقضها، وقد صارت على وشك الانفضاح، عمد روني) إلى التهوين من شأن عدوه، إلى أقصى ما يستطيع، في محاولة لايهام زوجته بـ تفاهة) ما ترغب رؤيته، عسى أن تنجح هذه المحاولة في ثنيها عن رغبتها بمرافقته إلى الأراضي العربية المحتلة.. تلك المرافقة التي من المحتل أن يتعرض لخطر الانفضاح، خلالها، كل ما جهد لإخفائه من الحقائق عن زوجته التي ما تزال مخدرة بأوهام بطولته) الزائفة..
وفي حمى هذه المحاولة التي تسعى إلى الحيلولة دون انفضاح الحقيقة المخزية بتسميك طبقة الكذب فوقها، كان بدهياً أن تفيض مشاعر روني) الحقيقية تجاه العرب الفلسطينيين، كلمات حاقدة مستهزئة، تجري على لسانه، مضيئة تركيبة نفسيته العنصرية المريضة، ومبدية إياها، كأوضح ما تكون وذلك، من خلال الصورة المنفرة التي راح يرسمها لأولئك العرب أمام ناظري زوجته: "ولكن، ما لك أنت و"الشطحيم".؟ افتحي التلفزيون، أو فقومي بجولة في المدينة: وسوف ترينهم في ألف صورة، يكنسون الشوارع ويغسلون السيارات ويحفرون لأنابيب الصرف. أم تراك تريدي* أن تشمي رائحة عرقهم؟ إن هم إلا صراصير منتنة!"عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]
ولا شك أن تحليل جزئيات هذه الصورة وأبعادها، ينضي افتراض الخطأ في توصيفها، بأنها صورة نمطية sterortype)، يفصح تشكيلها ينفي، بوضوح، عن حقيقة الموقف الصهيوني العنصري، بشكل عام، تجاه الإنسان الفلسطيني.. هذا من جهة، ومن جهة أخرى، يضيء نسيج هذا التشكيل، مدى تداخل عقدة التفوق الفاشي "إن هم إلا صراصير منتنة"، بعقدة الاستعلاء الطبقي" يكنسون الشوراع ويغسلون السيارات.."، في بنية النفسية العنصرية للإسرائيلي، سياسياً كان أو عسكرياً، أو حتى مجرد مستوطن عادي..
ونلاحظ في نهاية القصة، أن مؤلفها ينجح في إيصال هذا التداخل بين العقدتين، إلى أقصاها.. وذلك/ أثناء تقديم روني) طبق الحلوى، الذي وعد به زوجته، إثر نجاحها في حمله على القبول باصطحابها معه إلى الأراضي العربية المحتلة.. ففي هذا الطبق -الذي وصفه شهياً، قبل تقديمه لها: "وإنه لطبق لم تذوقي مثله عمرك!"عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ] -يتمازج الفاشي بالطبقي تمازجاً تاماً، يصعب معه فصل أحدهما عن الآخر...
ذلك أن حلاوة) ما يحويه هذا الطبق، تتأتى عبر التسلية العنصرية الفظة والسمجة التي يتمتع بها الزوجان روني وباتيا)، أثناء وجودهما، في ما أسماه مؤلف القصة "عكاظ العبيد" الذي يقام كل صباح "على أطراف المدينة الحدودية المحتلة، وعلى بعد خمس دقائق من كفارسابا"عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ] ** ففي "عكاظ العبيد" ذاك، ثمة سوق يتجمع فيها العرب الذين سُدّت أبواب العمل في وجوههم، جراء سياسة الحصار الاقتصادي التي فرضتها سلطات الاحتلال الإسرائيلي، على مناطقهم، وحولتهم، بسببها، إلى عاطلين عن العمل، لاخيار لهم، من أجل تحصيل لقمة العيش، سوى تقديم عضلاتهم رخيصةعفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ] ، على أعتاب السادة اليهود) الذين يأنفون) من مزاولة ما يضطرون العرب إليه من أعمال، بل يأنفون) حتى من النظر إلى العاملينعفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ] في تلك الأعمال.. وبالطبع، لم يكن هدف روني) استئجار عضلات أيّ من العمال العرب، بل وهذا بيت القصيد، في القصة- كان يهدف إلى امتاع نفسه وزوجته بإطلاق العنان لنزواتهما العنصرية الحاقدة، ضد الإنسان الفلسطيني، ممثلاً بأولئك العمال... وذلك، من خلال التسلي الفظ باستغلال حاجة هذا الإنسان الماسة إلى العمل، أي عمل، يمكن أن يسكت بمردوده جوعه وجوع عياله.. فأثناء تلك التسلية اللاإنسانية، سيتاح لكليهما -كما هيأ لهما خيالهما العنصري- أن يتطلعا، بتلذذ مريض، إلى ما سطره الفقر على وجه هذا الإنسان، وفي عينيه وكلماته وحركاته، من ذل الحاجة إلى لقمة العيش، وأن يتشفيا به، وهو يرمي نفسه أمامهما، ويهدر كرامته) على أعتابهما، كي يحصل على تلك اللقمة...
وقبل أن يشرع الزوجان روني وباتيا) بممارسة هذه المتعة السادية، يشيرروني) إليها، وقد اقترب بسيارته من جمهرة العمال العرب الذين اقتعدوا طرفي الشارع، يأكلون، ثم يقول لها، مبتسماً "أولئك هم، يا "باتيا.. افتحي عينيك، وأذنيك، وسدي أنفك، وسيكون "طبق الحلوى" الذي وعدتك"عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ] .ثم -وبغرور مجنون العظمة يسوق سيارته حتى يحازي جمعهم... ثم يوقفها ليناديهم، موهماً إياهم بأنه يريد اصطحاب أحدهم ليؤدي له عملاً...
وهنا، يبرع مرار في نقل تلك الصورة المؤلمة والمثيرة معاً، والتي تحكي ما آل إليه حال الإنسان الفلسطيني، من وضع معيشي مزرٍ، ومن حالة إنسانية بائسة، في ظل الاحتلال الإسرائيلي الذي سرق أرض ذلك الإنسان، وحرمه من خيراتها جميعاً.. يقول مرار مصوراً: "القط، إذا يقفز مروعاً، لا ينثر ما بين يديه،لكنه يحمله، في فمه، ويبتعد. أما "العزاتي"* الذي يحلم بيوم، أو هو نصف يوم عمل، فحين هب لينطلق باتجاه سيارة الخواجا، فإنه قفز بيديه قبل قدميه "فتناثر كل ما ضمت "العقدة" فتات الخبز، أو حبات الزيتون" وقرون الفلفل... عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ] وما هي إلا لحظات، حتى كانت الأجساد تتدافع متزاحمة على جسم السيارة "لتقدم عضلاتها، رخيصة على أعتاب الخواجا".عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]
وكان هذا، هو ما سعى روني) إلى رؤيته... ولذلك، حين رآه يتحقق أمام ناظريه وناظري زوجته، أحس كلاهما، بقرب بلوغهما النشوة العنصرية، "ابتسم الخواجا روني راضياً، ودفع "كاتيا" بمرفقه، دفعاً هيناً، فابتسمت منتشية بما ترى...(21) ثم بلغت هذه النشوة ذروتها أخيراً، وهما يستمعان متلذذين إلى المناقصة التي أقامها أولئك العمال، فيما بينهم، على ثمن عمل كل منهم... وحين وصلت تلك المناقصة التعسة بعروضها المطروحة أمام مجنون العظمة العنصري روني) أسفل درك لها، شعر بأن عليه اسدال الستار على آخر فصل من فصول تسليته اللإنسانية. فداس على "البنزين" مخترقاً جمهرة الأجساد الجائعة التي سقط بعضها على الأرضعفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ] . وهو ينظر بتقزز إلى من يعتبر العبث بإنسانيتهم "مهمة... قومية"عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ] ...! أما زوجته فكانت" تستر أنفها خشية الرائحة و... العدوى!."عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]
وبعد، فمن الممكن القول: إن مرار قد نجح، وإلى حد كبير، في عرض موضوع التمييز العنصري الذي مارسته إسرائيل، وما تزال، ضد العرب الفلسطينيين، في الوطن المحتل، بوصفه واحداً من أهم الأسباب التي أدى تراكم نتائجها السلبية، على مدى أكثر من عشرين سنة، إلى صنع حتمية انطلاقة الانتفاضة...
ومن خلال عرضه التمظهرات الفاشية لهذا التمييز متداخلة مع تمظهراته الطبقية، وقدرته على توظيف هذا التداخل، توظيفاً فنياً موفقاً، في بنية الحدث القصصي، وفي حركية الشخصيات الرئيسة الفاعلة في هذا الحدث، والموجهة لمساره، نجح مرار، أيضاً، في إقناع قارئه بما عرضه، وفي تحريك الكثير من كوامن الثورة في نفسه، ضد استمرارية هذا التمييز، بسائر تمظهراته وممارساته.
(1) نشرت قصة طبق الحلوى)، في صحيفة الاتحاد) بعددها 200/44)، الصادر بتاريخ (8) كانون الثاني 1988، الصفحة (5) .
(2) من قصة طبق الحلوى) مصدر سبق ذكره..
(3) من قصة طبق الحلوى) مصدر سبق ذكره..
*- كلمة عبرية تعني في قاموس الاستعمار الإسرائيلي المناطق العربية المحتلة ) عام 1967.
**- الصراصير) والعماليق)، تعبيران فاشيان شائعان في الخطاب العنصري الصهيوني، لوصف العرب الفلسطينيين،
(4) المصدر رقم (6) .
(5) من قصة طبق الحلوى) مصدر سابق.
(6) من قصة طبق الحلوى) مصدر سابق.
(7) من قصة طبق الحلوى) مصدر سابق.
* - الشطحيم) كلمة عبرية تطلق على الأرضي العربية المحتلة عام 1967
(8) قصة طبق الحلوى)، مصدر سبق ذكره..
(9) قصة طبق الحلوى) مصدر سبق ذكره..
**- محِّبيل) كلمة عبرية تعني مخرب) ويطلقها الإسرائيليون على أي مناضل فلسطيني يسعى لتحرير أرضه، وخصوصاً على الفدائي الفلسطيني)..
***- الهاغا) اختزال عبري يعني الحرس المدني)
(10) قصة طبق الحلوى) مصدر سبق ذكره..
(11) قصة طبق الحلوى) مصدر سبق ذكره..
(12) قصة طبق الحلوى) مصدر سبق ذكره..
*) هكذا وردت في النص الأصلي، والصواب تريدين).
(13) قصة طبق الحلوى) ، مصدر سبق ذكره.
(14) قصة طبق الحلوى) ، مصدر سبق ذكره.
(15) قصة طبق الحلوى)، مصدر سبق ذكره.
** - كفارسابا) مدينة إسرائيلية تقع قرب تل أبيب، ويعود تاريخ إنشائها إلى عام 1903)، وقريباً منها سوق واسعة لليد العربية العاملة، وكثير من العمال العرب الذين يتجمعون بها يأتون من غزة.
(16) قصة طبق الحلوى) مصدر سبق ذكره.
(17) قصة طبق الحلوى)، مصدر سبق ذكره.
(18) قصة طبق الحلوى)، مصدر سبق ذكره.
* - العزّاتي: كلمة عبرية تطلق على المواطن العربي في قطاع غزة.
(19) قصة طبق الحلوى)، مصدر سبق ذكره.
(20) قصة طبق الحلوى)، مصدر سبق ذكره.
(21) قصة طبق الحلوى)، مصدر سبق ذكره.
(22) قصة طبق الحلوى)، مصدر سبق ذكره.
(23) قصة طبق الحلوى)، مصدر سبق ذكره.
(24) قصة طبق الحلوى)، مصدر سبق ذكره.
[/align]
|
|
|
|
14 / 07 / 2009, 06 : 10 AM
|
رقم المشاركة : [5]
|
أديب وناقد - باحث متخصص في السياسة والأدب الإسرائيليين- قاص وأديب وناقد -أستاذ مادة اللغة العبرية - عضو الهيئة الإدارية في نور الأدب
|
ثالثاً : الإبعاد والطرد... والتهديد بالترحيل الجماعي (الترانسفير)
[align=justify]
ثالثاً : الإبعاد والطرد... والتهديد بالترحيل الجماعي (الترانسفير)
بين أبرز ما عدّه مؤلفو القصة القصيرة، في الوطن المحتل، من أهم الأسباب التي زادت حجم رفض الفلسطينيين لاستمرارية وجود الاحتلال الإسرائيلي، فوق أراضيهم، والتي ساهم مجموعها في صنع حتمية انطلاقة الانتفاضة كتعبير عملي عن بلوغ رفض هذا الوجود حدّه الأقصى، اتساع نطاق عمليات الطرد والابعاد التي تمارسها السلطات الإسرائيلية، على المستويين الفردي والجماعي، بحق الفلسطينيين، في الأراضي العربية المحتلة.
ومن الملاحظ أن مؤلفي قصص الانتفاضة في الوطن المحتل، قد حاولوا الإيحاء لقارئهم بأن تزايد القلق الفلسطيني من اتساع نطاق عمليات الطرد والابعاد، ومساهمة هذا القلق في التعجيل بانطلاقة الانتفاضة، كان مبعثه، بالدرجة الأولى، تخوف الفلسطينيين من احتمال تطور هذه العمليات، في المستقبل، إلى محاولة إقدام إسرائيل على اقتراف جريمة ترحيلهم، بعيداً عن وطنهم، ترحيلاً جماعياً قسرياً..
ولعل مما زاد عوامل هذا التخوف، في نفوسهم، قوة، إمكانية صيرورة احتمال الترحيل الجماعي ممكناً... وذلك في أعقاب ارتفاع حرارة نبرة التهديد، بقرب تنفيذ هذه الجريمة، في تصريحات بعض المصابين بحمى الفاشية، من العنصريين الصهاينة، مستوطنين وقادة، على حد سواء... تلك التصريحات التي راحوا يهذون بها، داعين إلى ضرورة الإسراع في اقتلاع العرب الفلسطينيين من أراضيهم المحتلة، وافراغ هذه الأراضي منهم، بنفيهم خارجها، على نحو جماعي كحل وحيد) للخلاص من وجودهم، وما يثيره استمرار هذا الوجود من مشكلات أبرزها، اصرارهم على رفض الاحتلال ومقاومتهم له...
وقبل الشروع في إضاءة الكيفية التي طرح موضوع الترحيل الجماعي، من خلالها، في قصص الوطن المحتل القصيرة، الصادرة زمن الانتفاضة، ربما من المفيد الاشارة إلى أن هذا الموضوع الذي درجت الأدبيات السياسية، على استخدام لفظ مصطلحه الانكليزي ترانسفيرTrans-fer)، للدلالة عليه، قد تم طرحه، في تلك القصص، بوصفه واحداً من أكثر تمظهرات النزعة الفاشية، تطرفاً، في الفكر والسياسة الصهيونيين... وهو طرح صحيح إلى حد بعيد... لأسباب من أهمها:
أن الدعوة إلى الترانسفير تنبثق مباشرة، من الأرضية العنصرية للأيديولوجية الصهيونية التي تزعم نقاء) اليهود عرقياً، على الرغم من اختلاف أجناسهم، وتعدد ألوانهم ولغاتهم وانتماءاتهم الحضارية .. هذا من جهة ومن جهة أخرى تنبثق هذه الدعوة، أيضاً، من الطبيعة الخاصة للمشروع الصهيوني الاستعماري، بوصفه مشروعاً إستيطانياً إحلالياً، هدفه الأساس هو إحلال شراذم اليهود وتجذيرهم، في الأرض العربية الفلسطينية، مكان سكانها الأصليين من العرب...
وتأسيساً على هذا، فإن الدعوة إلى إفراغ فلسطين من سكانها العرب، ليست جديدة، وإنما هي قديمة قدم الفكرة الصهيونية نفسها... ولاأدل على ذلك، من كثرة الإشارات إليها، في معظم كلاسيكيات الأدبيات الصهيونية سواء في المرحلة الجنينية لتكون الصهيونية كفكرة، أو في المرحلة التي تلتها، أي في مرحلة تبلور تلك الفكرة كحركة سياسية، سعت لتهجير يهود العالم، إلى فلسطين، وتجميعهم فيها، عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ] تحت شعار "فلسطين أرض بلا شعب، يجب أن تعطى لشعب لا أرض له"، الذي صاغه الصهيوني يسرائيل زانغويل)..
فمن الواضح، أن الشق الأول من هذا الشعار -وهو الشق الأساس فيه- يتناقض مضمونه، تناقضاً صارخاً، مع جملة الحقائق الواقعية والتاريخية، لأرض فلسطين... وبالتالي، فإن طرحه كان يعني، ضمناً، إحداث تغيير جذري في هذه الحقائق، على المستوى الواقعي، بالدرجة الأولى... الأمر الذي يعني إفراغ تلك الأرض من سكانها الأصليين، بأي وسيلة وبأي ثمن... وذلك لتنسجم، واقعاً، مع مضمون ما يزعمه الشق الأول من الشعار الآنف... لأن تصييرها فارغة، يفتح أبواب الممكن أمام تحقيق شقه الثاني، من جهة، كما يوفر الغطاء الذرائعي الضروري لتسويغ ما يحتاجه تحقيقه من فعاليات وأنشطة، كالهجرة وإقامة المستوطنات وما شابه.
ومن المعروف أن محاولات الصهيونية لافراغ فلسطين من عربها، قد حققت أول تعبير عملي لها، في عمليات شراء الأراضي من بعض كبار الإقطاعيين في فلسطين، ثم في إجلاء العرب عمّا اشتري منها، لتوطين الهيود المهاجرين فيها مكانهم... وقد ظلت محاولات الإفراغ، ضمن هذا المجال الضيق والمحدود، حتى عام 1948، حين تم تحقيق تجربة الترانسفير الأولى والأوسع، بطرد ألوف الفلسطينيين خارج وطنهم، طرداً جماعياً، عبر ممارسة أكثر ألوان الإرهاب تطرفاً...
ويبدو أن تجربة 1948 تلك، قد ظل تكرارها يدغدغ شهوات القيادات الإسرائيلية المتعاقبة، بعد حرب حزيران عام 1967... وقد صاغ المسؤولون، في تلك القيادات ذرائع شتى لتسويغ تكرارها.. وكان من أبرز تلك الذرائع، ما زعموه من ضرورات الحفاظ على ما أسموه "نقاء الدولة اليهودية"... هذا "النقاء الواجب تحقيقه)، ضمن أي حدود يمكن أن تصل إليها المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، ذات الأطماع التوسعية اللامحدوده، في أي وقت، تبدو فيه الجغرافيا السياسية الرخوة للأرض العربية قابلة للتراجع أمام حركية تلك الأطماع، واندفاعاتها العسكرية العدوانية...
ولكن، وعلى الرغم من كل ما انتهجته القيادات الإسرائيلية، من سياسات الاضطهاد ضد الفلسطينيين في الأراضي العربية المحتلة عام 1967، وما قامت به من ممارسات القمع والإرهاب، لم تفلح في تكرار تجربة 1948... ذلك أن العرب، في الضفة الغربية وقطاع غزة، كانوا أنضج وعياً ممن سبقهم؛ ولهذا، ظلوا مصرّين على بقائهم في وطنهم لا يبارحونه، مهما كان ثمن استمرار بقائهم فيه باهظاً. الأمر الذي عطل تحقيق الحلم الإسرائيلي بتكرار ترانسفير 1948، دون أن يلغي الأمل بإمكانية تحقيقه مستقبلاً.. وهذا ما يفسر، إلى حد بعيد، استمرار الدعوات الترانسفيرية قوية، في أوساط القوى السياسية المختلفة، في إسرائيل تلك الدعوات التي يعلو صراخها ويعنف، كلما تصاعدت درجة الرفض الفلسطيني لاستمرارية الاحتلال الإسرائيلي، وكلما عبر هذا الرفض عن نفسه بأي شكل من أشكال النضال والمقاومة..
ولما كانت الانتفاضة الحالية، تعد أعلى الذرى التي انتهى إليها النضال الفلسطيني المعبر عن رفض الاحتلال الإسرائيلي وممارساته، كان بدهياً أن يعلو صراخ الترانسيفيريين الصهاينة، على مختلف مستوياتهم وانتماءاتهم، مؤكدين، عبر ذلك الصراخ الهستيري، أن الحل الأمثل والوحيد) للقضاء على الانتفاضة، قضاءً نهائياً مبرماً، هو ترحيل العرب الفلسطينيين من الضفة الغربية وغزة المحتلتين، بشكل جماعي، إلى أي مكان يرضى باستقبالهم..
وبعد، يمكننا أن نرى جزءاً لا بأس به مماسبق كله، في مرآة أكثر من نموذج قصصي، صدر داخل الوطن المحتل، في زمن الانتفاضة.. لكن أكثر هذه النماذج احتفالاً بموضوع الترانسفير، كان قصة قصيرة بعنوان وتكون لنا راية)عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ] للقاص الفلسطيني نبيه القاسم..
ففي هذه القصة، يشكل موضوع الترانسفير أحد محاورها الرئيسة، إن لم يكن محورها الأساس. أما الزاوية التي اختار نبيه القاسم الاطلال منها على هذا الموضوع، فهي تلك التي تكشف عن الدوافع العنصرية /العرقية الكامنة وراء اطلاق دعوات الترانسفير الإسرائيلية، وعن البعد الفاشي، تحديداً، لهذه الدعوات.. هذا البعد الذي يتمظهر، على أرض الواقع، بتلك السلسلة الطويلة، من الاهانات وممارسات الاذلال اليومية المرهقة التي يعانيها أبناء الشعب العربي الفلسطيني على أيدي سلطات الاحتلال الإسرائيلين والتي تعبر عن دوافعها العنصرية؛ بنظرات الاحتقار والاستعلاء، وبهذه المجموعة من الصفات التي يطلقها الإسرائيليون على العرب، والتي تتساوق، في دلالاتها، مع تلك النظرات، وما يصاحبها من ممارسات...
فالعرب -كما تبين القصة- ليسوا بشراً) في نظر المحتلين الاسرائيليين، بل ليسوا حتى مجرد حيوانات) وإنما هم أحط قدراً) بكثير.. إنهم تجمع كبير من جنس تلك الحشرة الكريهة، الصرصار)!!!... ولأن وجود الصراصير مزعج، في أي مكان يتكاثرون فيه ويتجمعون، فإن التخلص منهم لا يبدو مستحباً فقط، بل ضرورياً...، أياً كانت الوسيلة القادرة على تحقيقه كهدف... سواء كانت هذه الوسيلة إبادة جماعية شاملة، أو كانت بديلتها الأخف جرمية، من حيث الظاهر، أي الترحيل الجماعي...
ومع أن التعطش لاهدار الدم العربي، يجعل الإسرائيليين -كما يستشف من القصة، وكما يؤكد تاريخهم الحافل بالمجازر الجماعية ضد العرب- أكثر تحبيذاً لاتباع الوسيلة الأولى، لأنها أكثر إرواءً لساديتهم العنصرية، نراهم يضطرون، لأسباب دولية وأخرى محلية، إلى تجنب القيام بحملات إبادة جماعية، وإلى تركيز جهودهم، في مجال محاولة أخرى، هو مجال خلق الأجواء والمناخات الملائمة، لتسويغ احتمال أقدامهم على ترحيل عرب الضفة الغربية وغزة ترحيلاً جماعياً، في المستقبل..
ومن مأزق حيرة الإسرائيليين، في الخيار بين وسيلتين لتنفيذ جريمة عنصرية، هي اجتثاث شعب بأكمله، من أرض وطنه، ومحاولة إلقائه خارجها، ينطلق خيال بطل القصة ليرسم، على نحو سريالي تقريباً، صورة عالم غريب، يدور فيه صراع بين جنرال إسرائيلي، ترمز ملامحه وتصرفاته للقيادة الاسرائيلية السياسية والعسكرية معاً،وبين عرب فلسطين المحتلة الواقعين في القبضة الاحتلالية، لتلك القيادة العنصرية، والذين لا يرتفعون، في نظرها، عن مستوى الصراصير)..!!
والذي يقدح الشرارة المثيرة لخيال بطل القصة، كي يرسم تلك الصورة السريالية للصراع الفلسطيني -الإسرائيلي، تشبيه عنصري، يمر بخاطره، عبر سيالة ذكرياته مع حبيبته التي "بعد استماعها إلى تصريحات ذلك الجنرال الذي وصف العرب بالصراصير"عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ] شاءت أن تطرح عليه السؤال الغريب التالي: "ماذا لو صرت صرصاراً تنتقل بحرية حيثما تشاء لا يوقفك جندي، ولا يجوس في داخلك أنبوب مطاطي يقربك من الموت؟.عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ] فقد انطلق خيال بطل القصة من غرابة مضمون هذا السؤال، محلقاً في سماوات سخطه التي رفعتها رغبته في تحدي صائغ ذلك التشبيه العنصري -تشبيه العرب بالصراصير- ورغبته في ردّ كيده إلى نحره، ولو عبر الحلم الثائر... وهكذا، ومن خلال امتزاج السخط بالثورة وبرغبة الانتقام، راحت تتشكل على صفحة مخيلته الصورة السريالية التالية:
"رأى نفسه مع مئات آلاف العرب يتحولون إلى صراصير، وأخذت هذه المئات تتوالد بسرعة مذهلة حتى غدت، في وقت قصير، ملايين لا نهاية لتناسلها، وراحت تتسابق في اعتلاء بزة الجنرال، وتتجمع في حلقه مكتظة حتى بات من الصعب على الجنرال أن يحرك أي عضو من أعضائه، فلم يعد يرى شيئاً، وأخذ يصيح طالباً المساعدة، والصراصير ترقص فوق بزته العسكرية، وهو في حالة فزع لم يعرفها في حياته، حتى في أثناء وجوده في الجنوب اللبناني.عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]
حسب القرينة المكانية، الجنوب اللبناني)، الواردة في نهاية المقطع الآنف، ربما من الجائز التوهم بأن يكون الجنرال المعني في سياق هذا المقطع، هو رفائيل إيتان) الذي شغل منصب رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، أثناء اجتياح هذا الجيش للبنان، في حزيران 1982، والمتهم بكونه أحد أبرز المخططين لمذبحة صبرا وشاتيلا المريعة: ولعل مما يرفع هذا التوهم إلى مستوى اليقين، أن ايتان)، وبعيد تلك المذبحة بقليل، تقدم للحكومة الإسرائيلية باقتراح يدعو فيه إلى تقسيم الأراضي العربية المحتلة وتقطيعها، بالمستوطنات اليهودية؛ وعندها، يصبح العرب، في أراضيهم، "كالصراصير المخدرة في قنينة"، على حد تعبيره العنصري الذي صاغه في تصريح علني أذيع على لسانه، آنذاك... ومن الملفت للانتباه، أن ايتان) قد أطلق تصريحه الآنف، في فورة انفعال هستيرية، استولت عليه أثناء انتفاضة التضامن) -كما دعيت في حينه- التي قام بها السكان العرب في فلسطين المحتلة، استنكاراً واحتجاجاً على مجزرة صبرا وشاتيلا..وهكذا، وعبر تشابه الظروف والأحداث والتصريحات الإسرائيلية العنصرية ضد العرب، في زمني انتفاضة التضامن) عام 1982، والانتفاضة الحالية، شكّل خيال بطل القصة تلك الصورة السريالية لثورة المستضعفين المضطهدين، على من اضطهدهم، مستمداً معالمها وحركيتها الحديثة من معطيات واقع الصراع الدائر بين الطرفين على الأرض الفلسطينية المحتلة، ومؤكداً، من خلالها، يقينه بحتمية انتصار أولئك المستضعفين، في النهاية... وذلك، عبر رؤية نافذة لامكانيات القوة الكامنة في ضعفهم) الظاهري، والغائبة عن عدوهم، إلى تلك الدرجة التي جعلته لا يرى فيهم، أمام غروره بقوته العسكرية، سوى صراصير) ضعيفة، لا حول لها ولا قوة.
ومن هذه المفارقة بين القوة الكامنة للفلسطينيين وبين الضعف الذي توهمه فيهم عدوهم الإسرائيلي، حدثت صدمة المفاجأة التي أصيب بها هذا العدو، حين صحا يوم 9/12/1987، من الأوهام التي هيأتها له قوته الغرورة، ليجد من استضعفهم واستهان بهم يخرجون مصرين على تحديه وتحدي كل ما بحوزته من أسلحة وعسكر، وليشعر، وهو في ذروة مفاجأته، باحتمال انتصارهم عليه...
ومع استمرار التحدي وتصاعده، بدأ صراخ هذا العدو يعلو طالباً المساعدة، وداعياً إلى ضرروة التخلص من وجود الفلسطينيين المخيف، بترحيلهم جماعياً، خارج حدود أرضهم التي يحتلها... وذلك كحل أمثل) يضع -كما توهم- حداً لثورتهم عليه ولتحديهم له... خصوصاً، بعد أن فشلت كل الحلول والمحاولات القمعية الأخرى، التي جربها، في وضع حد لتلك الثورة ولذلك التحدي العنيد...
وعند هذه النقطة، "تخيلا معاً- بطل القصة وحبيبته- ملايين الملايين من هذه الصراصير، وهي تحمل في شاحنات لاعدّ لها، توزعها على كل محطات العالم، وفي كل الموانئ تحقيقاً لرغبة نائب وزير كبير، وجد أن الحل الأمثل لتزايد السكان العرب ترحليهم في شاحنات كبيرة...عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]
ولكن، حتى على المستوى التخييلي الذي ينطلق منه مؤلف القصة، في طرح افتراض نجاح العدو الإسرائيلي بتحقيق أهدافه الترانسفيرية، نراه يتجنب طرح احتمال أن يؤدي هذا النجاح المفترض، تخييلياً، إلى إنهاء قضية الإنسان الفلسطيني، إنهاءً كاملاً... ذلك أن المؤلف يعمد، وعلى المستوى التخييلي، أيضاً، إلى نقل هذه القضية من محلية إشكالياتها المحدودة، بوصفها قضية شرق أوسطية، ليجعل منها قضية دولية، تفرض نفسها على ساحة الاهتمام العالمي ككل: "قد يهتم بنا العالم يومها عندما يضايقهم وجودنا وتكاثرنا، فيعملون علىحل قضيتنا بإيجاد وطن مستقل لنا لا يقربنا فيه أحد.عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ] "... أو، وهذا احتمال آخر خطير، "قد يتفق الجميع على اختراع سلاح فتاك يقضي على وجودنا في هذا العالم، فيحلون بذلك القضية ويهدأ الجميع..."عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]
وطرح مؤلف القصة لهذا الاحتمال، هو صياغة إيحائية لاتهامه المجتمع الدولي كله، بالتآمر على مصير الشعب العربي الفلسطيني وقضيته، سواء تمظهر تآمره عليهما بمشاركته، مباشرة، في جريمة القضاء عليهما، أو بالسكوت على تنفيذها، وعدم محاولة منعها.
وواضح، من سياق القصة ومضمونها، أن الهدف من توجيه مؤلفها لهذا الاتهام، تحذير المجتمع الدولي من مغبة الصمت على جرائم العنصريين الإسرائيليين، وتنبيهه إلى خطورة استمراره في اتخاذ موقف المتفرج إزاء التطور الهمجي المتصاعد لتلك الجرائم... ذلك أن مثل هذا الموقف يشجع المجرم على التمادي في تطوير فعله الإجرامي، ليصل إلى حدوده القصوى، وحشية وعنفاً... وبالتالي، لا يعود مستبعداً إقدام هذا المجرم على ارتكاب مجازر إبادة جماعية، تستهدف القضاء على الشعب الفلسطيني قضاء مبرماً، إذا ما فشلت محاولات قيادته، في اقتلاع هذا الشعب من أرضه المحتلة، ونفيه خارجها، بأسلوب الترانسفير...
ولكي يؤكد مؤلف القصة أنه لا يرمي إلى إدانة المجتمع الدولي، بل إلى تحذيره، وتحريضه على المبادرة إلى الحيلولة دون إقدام القيادة العنصرية، في إسرائيل، على تنفيذ إحدى هاتين الجريمتين، نراه يحاول الايحاء بأن إمكانية إقدامها على تنفيذ إحداهما، لا تبدو احتمالاً مستحيلاً أو خيالياً .. وإذا كان لابد من مؤشر مادي ملموس على توقع صيرورة هذ الاحتمال ممكناً، فيكفي أن ينصت المرء إلى إيقاعات التهديد الإسرائيلي المنذرة بإبادة العرب أو ترحيلهم ترحيلاً جماعياً...
هذه الإيقاعات المتضمنة في تصريحات بعض كبار السياسيين، في إسرائيل، وهم يدلون بها جهاراً، على شاشة التلفزيون... ويضرب مؤلف القصة المثل على ذلك النمط من التصريحات، بإيراده بعضها:
"كان صوت المذيع يخرجه عن طوره، وهو ينقل تصريحات العديد من المسؤولين: إن العرب أصبحوا يشكلون قنبلة موقوته داخل البلاد تهدد بالانفجار واستنفزه صوت أحد المتكلمين* بأن الحل الوحيد لمشكلة العرب هو ترحيلهم أو القضاء عليهم..."عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]
وبعد، ثمة قصص أخرى تناول مؤلفوها موضوع الترانسفير كأحد الأسباب الهامة التي هيأت لانطلاقة الانتفاضة، إلا أن تناولهم له كان عرضياً، إلى حد كبير، الأمر الذي دفع إلى التركيز على قصة وتكون لنا راية)، دون غيرها، لأن موضوع الترانسفير كان أبرز محاورها الرئيسة.
(1) للاطلاع والتوسع، راجع مثلاً، كتاب الفكرة الصهيونية - النصوص الأساسية): الذي يضم حشداً من كتابات أوائل زعماء الصهيوينة ، أمثال موسى هس، ويهودا القالي، وزفي هيرش كاليشر، وهيرتزل،.. وغيرهم.. والكتاب من ترجمة لطفي العابد وموسى غنز، وقد اشرف عليه الدكتور أنيس صايغ ، وعرفه الدكتور د. أسعد رزوق وقام بمراجعته هلدا شعبان صايغ وابراهيم العابد. وقد صدر عن مركز الأبحاث في م.ت.ف، في بيروت ، في شهر حزيران عام 1970، ويحمل الرقم عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ] ضمن سلسلة " كتب فلسطينية".
(2) نشرت قصة وتكون لناراية) في صحيفة الاتحاد)، بعددها 212/44) الصادر بتاريخ عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ] كانون الثاني 1988، الصفحة (4) .
(3) قصة وتكون لناراية)، مصدر سبق ذكره..
(4) قصة وتكون لنارايه)، مصدر سبق ذكره.
(5) قصة وتكون لناراية)، مصدر سبق ذكره..
(6) قصة وتكون لناراية)، مصدر سبق ذكره..
(7) قصة وتكون لناراية)، مصدر سبق ذكره..
(8) قصة وتكون لناراية)، مصدر سبق ذكره..
*- على الأرجح، المتكلم المقصود هنا هو الجنرال رحبعام زئيفي) زعيم حركة موليدت العنصرية، ومؤسسها.. وهي حركة ترفع الترانسفير) شعاراً لها وهدفاً..
(9) قصة وتكون لنا راية)، مصدر سبق ذكره..
[/align]
|
|
|
|
14 / 07 / 2009, 11 : 10 AM
|
رقم المشاركة : [6]
|
أديب وناقد - باحث متخصص في السياسة والأدب الإسرائيليين- قاص وأديب وناقد -أستاذ مادة اللغة العبرية - عضو الهيئة الإدارية في نور الأدب
|
رابعاً : الاعتقال والسجن
[align=justify]
رابعاً : الاعتقال والسجن
يبدو للباحث في قصص الانتفاضة، أن العديدين من مؤلفيها -كما يستشف من استقراء مضامين ما تيسر العثور عليه من قصصهم- يعتقدون بأن عيش الفلسطينيين، في الوطن المحتل، وسط جو من الاحساس الكابوسي الدائم، باحتمال تعرض أي منهم، وفي أي وقت، للاعتقال والسجن، بسبب، وأحياناً بدون سبب البتة، كان بين أهم الأسباب التي عززت قناعتهم، بوجوب تصعيد وتائر مقاومتهم لاستمرارية الاحتلال الإسرائيلي، وعدم إيقافها حتى بلوغ هدف التحرير... ذلك أن التحرير هو الحل الوحيد الذي يضع حدّاً لما يعانونه، في ظل هذا الاحتلال، من ممارسات سلطاته القمعية؛ وهو الحل الوحيد أيضاً لفك طوق الحصار المضروب حول حرياتهم، في شتى مجالات الحياة، وعلى مختلف الصعد والمستويات...
وبداية، يمكن القول: إن معظم مؤلفي قصص الانتفاضة، في الوطن المحتل، قد عرجّوا على موضوعي الاعتقال والسجن، إما باشارة سريعة عابرة، وإما باتخاذهما محورين رئيسين لمضمون القصة... وذلك، على نحو ما فعل نبيه القاسم، في قصته وتكون لنا راية)، وسعيد نفاع، في قصته صباح بعد انحسار الغطاء) وأخيراً، ابراهيم جوهر، في قصته لأني أحمل حجراً).. وفيما يلي إطلالة سريعة على كيفية تناول كل مؤلف، من هؤلاء الثلاثة، لموضوعي الاعتقال والسجن، في قصته...
في قصته وتكون لنا راية)عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ] التي سبقت مناقشة جزء مهم منها، في الفقرة السابقة، من هذا الفصل، يطرح نبيه القاسم موضوعي الاعتقال والسجن على نحو متداخل مع موضوع الترانسفير، محاولاً توزيع اهتمامه وتركيزه على المواضيع الثلاثة بالتساوي، قدر الإمكان؛ ومحاولاً أيضاً، توفير حدًّ أدنى من الترابط العضوي /السببي بينهم، على نحو يؤمن الإنسجام لحركيتهم الحدثية، بوصفهم المحاور الثلاثة الرئيسة لمضمون قصته... وقد ساعده اعتماد أسلوب الاسترجاع الفلاش باك)، في السيطرة على تلك الحركية، وفي جعل القارئ لا يحس إلى حد ما، بالانقطاع، أثناء إنتقال الحركية الحدثية من هذا المحور إلى ذاك..
يبدأ القاسم قصته، بمحاولة زجّ قارئه، في خضم أحداث الانتفاضة، واشراكه، مباشرة، في معاناة الإنسان الفلسطيني، أثناء المواجهة اليومية لممارسات جنود الاحتلال... فنحن، ومنذ السطور الأولى، نشاهد بطل القصة، وهو يقذف بالحجارة والزجاجات الحارقة، أولئك الجنود المدججين بالإسلحة... ولكن، ما تكاد تميل كفة المعركة لصالح المحتلين، حتى يترك ذلك البطل ساحة المواجهة، مستجيباً لالحاح حبيبته التي ترجوه أن يذهب ويتركها حتى لا يمسكوا به، ويلفقوا له مختلف التهم... ويضيع كأنه لم يكن..."...عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ] وبالطبع، لا يوحي سياق الحدث القصصي بأن انسحاب بطل القصة، امتثالاً لرجاء حبيبته، كان هرباً وتعبيراً عن جبن، بل ثمة ما يؤكد العكس، في هذا السياق... أي ثمة ما يؤكد أن انسحابه كان مجرد انسحاب تكتيكي، هدفه الأول هو الحيلولة دون وقوع مناضل نشط وفاعل، في عطالة الاعتقال والسجن... "إذهب بسرعة قبل أن يصلوا... وجودك هناك يهمني أيضاً.. أن تكون هناك يعني أننا في كل مكان... إننا سنلتقي ثانية، ولن يستطيع أحد أن يفرق بيننا...عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]
وهكذا ينسحب البطل، ممتثلاً لأمر حبيبته التي تعد رمزاً واضح الدلالة على الأرض الفلسطينية، كما يستشف من قراءة المقطع الانف.. لكنه لا ينجو من الاعتقال.. ذلك أن الاحتلال في كل مكان على مساحة الوطن الفلسطيني.. وهذا بالضبط، ما أراده مؤلف القصة من سياقة أحداثها بهذا الاتجاه... لقد أراد أن يؤكد لقارئه وبشكل غير مباشر، أن الهرب من مركز دائرة الحصار إلى أي نقطة أخرى تقع في محيطها، لا يضمن نجاة محققة من الوقوع في الاعتقال والأسر... وبالتالي- وهذا هو جوهر القصة وهدفها الرئيس- فإن الشرط الوحيد لبلوغ النجاة هو اختراق هذه الدائرة، وتحطيمها...
هذا من جهة، ومن جهة أخرى، أراد المؤلف أن يؤكد لقارئه، أيضاً، عبر مشهد الاعتقال الذي رسمه، في القصة، متداخلاً مع مواصلة التحدي، أن نجاح قوة الاحتلال الهمجية في اعتقال المناضلين، لا يعني نجاح الاحتلال في اقتلاع بذرة التحدي من نفوسهم، أو القضاء على شعاع أملهم بالغد الذي يدفعون أرواحهم ودماءهم ثمناً لقدومه... بل العكس هو ما حصل ويحصل... فتصاعد وتائر القمع والوحشية يؤدي إلى زيادة الإصرار على التحدي، والإصرار على إكمال الدرب الصعب حتى نهايته...
ومن الممكن أن نلاحظ في بنية النسيج الفني لمشهد الاعتقال، مايؤكد صحة الاستنتاجين السابقين... فالبطل الذي انسحب بجسمه، فقط، من ساحة المواجهة، يظل فيها بروحه وعقله ومشاعره، يتابع مجريات أحداثها على شاشة التلفزيون، في منزله، منفعلاً متوتراً إلى أقصى حدود الانفعال والتوتر... ولشدة انفعاله بما يرى ويسمع، "لم ينتبه للقرع الذي أخذ يشتد على بابه"عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ] حتى تحول القرع إلى دفعة قويةاقتلعت الباب كله،واقتلع صوتُها البطل من استغراقه الشديد بما يعرضه التلفزيون، ليرى نفسه، وعلى نحو مباغت، يقف في مواجهة" ما يزيد على ستة رجال يشهرون سلاحهم ويطلبون منه أن يرفع يديه ويجلس.".عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]
وبدلاً من أن تشله المفاجأة، فينهار، إذا بانفعاله السابق يبرد كله، دفعة واحدة، متحولاً إلى رباطة جأش وتحدٍّ صلب... على نحو ما يحدث لقطعة الحديد المتوهجة حين ترمى في ماء بارد... وقد زاد من شحنه بالصلابة، ومن قد رته على التحدي، استمرار متابعته للشباب الذين كان التلفزيون ما يزال يواصل بث مشاهد من مواجهاتهم مع جنود الاحتلال.. فقد حافظت رؤيته لبطولاتهم وسماعه لهتافاتهم، على الأمل حياً نابضاً، في قلبه، وواعداً بقرب إشراقة الخلاص والنصر، حتى وهو في ذروة الإحساس بالحصار والتهديد وافتقاد القدرة على المقاومة... ولهذا، حين طلبوا منه أن يرفع يديه ويجلس، لم يضطرب، ولم يرتبك... وإنما، وبهدوء الواثق من نفسه، " لم يتكلم... رفع يديه وجلس على المقعد..."عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]
ولكن، وبنفس اللحظة التي توهم فيها مهاجموه أنه قد استسلم لارادتهم كان قد اكتمل ذلك التفاعل الفذّ، بين الأصوات الهادرة المنبعثة من التلفزيون، تنقل ما فعله الشباب في القدس"عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ] ، وبين صوت التحدي العنيد المنبعث من أعماق بطل القصة، يتحدى المحيطين به... وبهذا، تداخلت ساحتا المواجهة، في القدس، وداخل بيت البطل، لتصيرا في وعيه ساحة واحدة متماسكة، تمتد على مساحة الوطن المحتل كله... وما إن اكتملت تلك الصيرورة، حتى أحس بحنجرته تتوحد بحناجر أبناء شعبه الثائرين، في هتاف واحد، عنيد، قوي، مجلجل، هزّ مهاجميه وأدخلهم في الذهول بغتة، وهم يسمعونه يردد مع الشباب الذين ما زال التلفزيون بنقل أخبارهم: "بلادي بلادي... الله أكبر... ليسقط الاحتلال الفاشية لن تمر.."..عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]
وما كاد الذاهلون يفيقون من ذهولهم، حتى سارعوا يسكتون ذاك الهتاف المتحدي، المنبعث منه ومن التلفزيون، في آن واحد معاً... "وبينما كان أفراد الشرطة يدفعون به إلى الخارج، التفت ليرى كتبه التي بعثروها في كل مكان، وليرى على شاشة التلفزيون، قبل أن يخرسه الشرطي الأخير، الشباب الذين يرمون الحجارة ويشعلون النار في الإطارات ويقذفون الزجاجات المشتعلة ويهتفون للوطن... ويرفعون الراية"عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ] .
وما إن يُسدل الستار على مشهد الاعتقال، حتى يكون التداخل، بين الواقع والحلم، قد بلغ أقصاه، في وعي البطل، وهنا، تتلاشى الفواصل المكانية بينه وبين الثوار، في ساحة المواجهة، وتزول تماماً، ليعودا جميعاً كلاً ملتحماً، في وجه الاحتلال... والقرينه التي يسوقها المؤلف للإيحاء بحدوث هذا التلاشي، هي رؤية البطل لحبيبته، فيما كانوا يسوقونه معتقلاً، وهي "تسير إلى جانبه وتهتف بأعلى صوتها: بلادي بلادي.."عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]
وبهذه القدرة على نقل هواجس البطل، من مستواها التخييلي، إلى مستوى الحضور الحقيقي الذي يجتاز، في وعيه، هلامية الهاجس إلى ما يماثل المعطى الواقعي في صلابة حضوره المادي..، بهذه القدرة الفنية، ينهي المؤلف قصته، مفجراً، في نهايتها، لحظة التغيير المضيئة والحاسمة، في نفس الإنسان الفلسطيني ووجدانه، مجسداً بشخص البطل "وشعر للمرة الثانية هذا اليوم، أنه له راية وله نشيد وله ما يقاتل وما يعتقل من أجله."عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]
ففي هذه الجملة، وعبر تداعي منظومة كلماتها، يكثف المؤلف جوهر التغيير الذي أحدثته انطلاقة الانتفاضة واستمراريتها، على مستوى وعي الإنسان الفلسطيني... ويضيء، في نفس الوقت، كيف صار فعل هذا الإنسان وظيفياً، وكذلك معاناته للإعتقال والسجن... فقد صار "له ما يقاتل وما يعتقل من أجله."عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ] وذلك على خلفية قناعته التي يشف عنها مضمون القصة ككل، والتي يؤكد مفادها أن ما يعانيه الآن من آلام شتى، ما هي إلا آلام المخاض الصعب لميلاد فجر الخلاص.. الفجر المأمول أن تشرق شمسه على الأرض الفلسطينية وإنسانها معاً...
القصة القصيرة الثانية التي تمحور جزء كبير من مضمونها، حول موضوعي الاعتقال والسجن، هي قصة صباح.. بعد انحسار الغطاء)عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ] ... وقد عرض مؤلفها سعيد نفاع هذين الموضوعين، على نحو متداخل مع موضوع الترانسيفر، كما فعل نبيه القاسم، في قصته السابقة الذكر وتكون لنا راية).. لكن تركيز نفاع على الموضوعين الأولين كان أكبر من تركيزه على موضوع الترانسفير..
يبدأ نفاع قصته برسم الديكور المناسب لمشهد الاعتقال... وما يكاد يضع خطوطه العريضة، حتى يفاجئنا بحدوثه المباغت: "الليل مدلهم، الريح تعوي، تجأر، تصفر، المخيم نائم بعد يوم شاق، وفي الخارج قطط وكلاب وجنود، جعير سيارات، وخبط على الباب لم يقو على تحمله فانشق..."عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ] وفيما نحن نتابع، لاهثين، هذا الإيقاع السريع لسيرورة الحدث، متلهفين لمعرفة المزيد، إذا بالمؤلف ينقلنا فوراً إلى مشهد جديد متصل بسابقه.. لقد دخل الجنود البيت، وضبطوا من جاؤوا لاعتقاله... ولم يمنعهم وجود زوجته الحامل من ممارسة وحشيتهم ضده، أمام ناظريها..."...وقبل أن يتململ هاشم كانت الهراوات وأعقاب البنادق تتناوشه. لا تعرف صباح كيف انتصب بين تلك الأشباح. لم يتأوه ولم يتكلم، فالصمت أحياناً أكبر تحد... واقتيد بلباس النوم. لم يلتفت إلى صباح التي كانت جالسة مكانها تقاوم ألم ظهرها وخاصرتيها..عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]
واضح، في صياغة هذا المشهد، قصد المؤلف إلى إبراز وحشية الاحتلال وهو يقوم باعتقال الفلسطينيين... فهو يداهم بيوتهم بغتة، كما لو كانوا مجرمين... ثم بعد ذلك لا يتورع عن الشروع في ممارسة وحشيته ضدهم وهم مايزالون بعد بين ذويهم ... وبهذا لاتطالهم وحشيته وحدهم، بل تطال معهم كل من يكون حاضراً من أفراد أسرهم، بغض النظر عما إذا كان بين أولئك الأفراد أطفال أو نساء أو شيوخ، أبناء أو آباء، وعما إذا كان بينهم مريض أو حامل أو مقعد...
ومن مشهد الاعتقال، ينقلنا المؤلف فجأة، وبأسلوب الاسترجاع، إلى بداية العلاقة، بين بطلي قصته، ليضعنا في دائرة جديدة من الاستغراب، حين نعرف أن السجن كان بداية هذه العلاقة، كما كان بداية التحدي.. وبين هاتين البدايتين وتطوراتهما، أي بين سجن وتحدٍّ، ترك نفاع لشخصيات قصته أن تتحرك ضمن دائرة الحصار الاحتلالي.
فصباح العمري، بطلة القصة تخطب لهاشم وهو في السجن... "كل شيء غريب في حياة صباح، هل كان يجب أن تحب هاشماً، وهل كان يجب أن يجرها حبها إلى السجن وراءه، والأغرب، خطبتها لهاشم وهو خلف القضبان.".عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]
ومن غرابة هذه الخطبة، يحاول نفاع النفاذ إلى وعي قارئه، ليهمس له، بشكل غير مباشر، أن أحد أهم أسباب انطلاقه الانتفاضة، هو الرغبة في تحطيم سجن الاحتلال وسجانه معاً... لقد احتاجت صباح إلى عشر سنوات حتى استطاعت أن تعي كمون هذه الرغبة في أعماقها كفلسطينية... هذه الرغبة التي دفعتها للزواج من سجين... "فتاة تخطب لسجين، ما الذي حدا بها؟! أهو حب مراهق؟ أم هو الإيمان القوي بحتمية زوال السجن، وزوال السجان أمام إرادة الحياة؟!"عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]
نعم، لقد كان هذا الإيمان هو السبب الذي أدى، في النهاية، إلى التحام الإنسان الفلسطيني بثورته، والتحامهما معاً بالأرض المحتلة... وهنا ينهض السجن، بكل قسوته ولا إنسانيته، عاملاً مهماً من عوامل صنع حتمية الانتفاضة... السجن بمعناه الواسع الذي يرادف، واقعياً، حالة الحصار التي عاشها الشعب الفلسطيني، وما يزال، داخل حدود وطنه المحتل... السجن الذي يستوي فيه وضع من يقف وراء القضبان مع وضع من يقف قبالته، أمامها... فكلاهما سجين، مع اختلاف الوضع... وما دام الأمر كذلك، فأين الغرابة في أن يخطب أحدهما للآخر...؟ إن الغرابة، كما يوحي سياق القصة، هو في عدم اقترابهما، أو عدم محاولتهما الاندماج والذوبان ببعضهما محطمين القضبان التي تعيق هذه المحاولة...
ولهذا، حين صدر أمر الابعاد الظالم بحق هاشم، بعد اعتقاله الأخير، خاطرت صباح بالذهاب إليه، في سجنه الصغير..، متجشمة عناء احتمال الألم المتزايد، كونها حاملاً، لترجوه" أن يرفع استئنافاً للجنة العسكرية"عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ] لأنها "أرادت أن يبقى هاشم وهذا هو، ولم يتعد حديثهما هذا الموضوع وانتهى اللقاء"عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ] لقد أرادته أن يبقى، ليخرج من سجنه الصغير، ويحطمان معاً سجن الاحتلال الكبير.. يخترقان معاً حالة الحصار المقيتة المزمنة... وذلك على خلفية وعيها الجديد -القديم، بأنها وهي في السجن الكبير، ليست أقل معاناة وتعرضاً للاعتداء والإهانة، منه وهو في السجن الصغير... وهذا ما يؤكده الذي لاقته، هي في طريقها إلى البيت، عائدة من زيارتها لهاشم...
"غادرت غير آبهة بالمطر المتساقط، شاقة طريقها عائدة؛ بين بقايا الإطارات المحروقة والحجارة المتناثرة. وعند مدخل المخيم وجوه كالحة لم ترها لولا أن استوقفها أصحابها المقصود جنود الاحتلال) ليمطورها بوابل أسئلة محشوة بأقذع الكلمات، كيف خرجت ولماذا خرجت وأين كانت وأين تسكن؟! أجابت على كل هذه الأسئلة باقتضاب... كل ماتذكره اليوم أن زنار الألم اشتد، وما كادت تطوق خاصرتيها بكفيها حتى تراءت لها رجل ترتفع لتصيب أسفل بطنها..."عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ] ترى، أيمكن أن تتعرض حامل، داخل السجن، لوحشية أكثر مما تعرضت له صباح خارج السجن؟ أليست كفة معاناتها تعادل، إلى حد كبير، كفة معاناة زوجها؟ وهل من تفسير لهذا الوضع سوى أن الاحتلال الإسرائيلي، قد حول فلسطين المحتلة، كلها، إلى سجن كبير لأهلها؟
وإذا كان نبيه القاسم وسعيد نفاع قد تناولا موضوعي الاعتقال والسجن، من زاوية النظر إليهما بوصفهما من الأسباب التي قوت عوامل الرفض الفلسطيني لاستمرارية الاحتلال الإسرائيلي وممارساته كافة، وهيأت، بالتالي، لإنطلاقة الانتفاضة، كتعبير عملي عن بلوغ هذا الرفض ذروته، فقد تناول القاص ابراهيم جوهر هذين الموضوعين، في قصته القصيرة لأني أحمل حجراً)،عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ] من زاوية رؤية مختلفة، تتيح للناظر منها أن يرصد بعض إيقاعات التأثير النفسي الذي يمكن أن تحدثه ممارستا الاعتقال والسجن، في البنية النفسية للطفل الفلسطيني...
بتعبير آخر، وعلى خلفية افتراض الصحة في السماح لدارس أي عمل أدبي أن يستنتج من قراءته وتحليله له، أكثر مما أراد مؤلف هذا العمل إيصاله لقارئه، ربما ليس خطأ ما يمكن أن يتهيأ لقارئ قصة لأني أحمل حجراً)، من أن مؤلفها لم يقصد معالجة موضوعي السجن والاعتقال، كسببين من أسباب انطلاقة الانتفاضة، بقدر ما كان قصده النفاذ، من خلال طرحه لهما، إلى محاولة ما يشبه السبر لنتائج تأثيرهما في نفسية الطفل الفلسطيني... وذلك عبر قراءة المنعكس النفسي للمعطى الحدثي الذي يمس حياة هذا الطفل مباشرة؛ وعبر ما يمكن أن تفضي إليه هذه القراءة من استشفاف لتمظهرات ردود الفعل الناجمة عن ذلك المنعكس، في التطبيق، سواء على صعيد نوعية التفكير الحاصل، أو على صعيد صورة التصرف المحتمل الذي تستجيب نتائجه، في حال صيرورته فعلاً ممكناً، لتطلعات الرغبة المتكونة من المحصلة النهائية لذاك التفكير... ولعل ما تحكيه القصة، في سياقها، من أحداث ومواقف، يجيز للباحث، إلى حد ما، افتراض الصواب في ما ذهب إليه، أثناء توصيفه الآنف لقصدية مؤلفها من طرح موضوعي الاعتقال والسجن، في قصته على نحو ما فعل...
فأول تأثير يحدثه اعتقال والد الطفلة الصغيرة روان) في نفسيتها، هو إحساسها المفاجئ والحاد بافتقاد أبيها إلى جانبها، لسبب غامض يصعب على مداركها أن تعيه تماماً.. وحين تسأل أمها أن توضح لها السبب، وتجلو غموضه، لا تجد تلك الأم الحزينة الوسيلة التعبيرية التي تساعدها على تلبية رغبة ابنتها ولذا، نراها ترد على سؤال الصغيرة لها " لماذا أخذ الجيش بابا؟عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ] بالجواب التهربي التالي: سيعود عما قريب يا حبيبتي، لا تقلقي، نامي."عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]
لكن روان، وبفضول الطفل الملحاح، لا تنام، بل تواصل طرح تساؤلاتها المستفهمة، باحثة عن مسكن لما يقلق تفكيرها ويحيره، مكوّنة عبرحوارية السؤال والجواب، بينها وبين أمها، من جهة، ثم بينها وبين نفسها من جهة أخرى، أفقاً لوعي جديد قابل للتطور باتجاه الصيرورة أكثر استعداداً للفهم والإدراك... وسرعان ما تتضح أولى معالم هذا التطور، في صورة الإدراك البسيطة التي شكلها خيالها الطفل للسجن، ولعلاقته السببية باختفاء أبيها... " لم تكن تعرف ما هو السجن قبل اعتقال أبيها، واليوم تعرف أن السجن مكان يمنع الآباء من رؤية أبنائهم فصارت تكره السجن بقدرما تحب أبيها..."عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]
وهكذا، يتحول السجن في وعيها إلى تجسيد مادي للظلم، ورمز للحرمان من حنان الأب... وعلى ضوء هذا الوعي الجديد المتشكل على خلفية عاطفية، تتكون مشاعر الصغيرة تجاه السجن، ويبدأ موقفها منه بالتبلور كراهية له.. ثم بعد ذلك، وعبر استمرار حوارية الاستفهام، يتطور هذا الوعي إلى إحساس بالثورة، والى رغبة في المشاركة بفعل التحدي لبناة السجن وحراسه والعاملين على بقائه، والذين يتجسد مجموعهم، في وجدانها وخيالها، بصورة جنود الاحتلال الذين اعتقلوا أبيها، وأودعوه السجن، وحرموها من التمتع بفيض حنانه..
ولأن لغة التحدي التي تعايشها، في واقعها الراهن، صباح مساء، والتي كانت، أصلاً، سبب اعتقال أبيها وسجنه، هي قذف الحجارة على المحتلين، ترى الصغيرة نفسها، في حلم يقظة، وهي تمسك حجراً .. وسرعان ما يستجيب الواقع ) المتخيل، على مسرح أحلامها، وكذلك شخوصه، لتطلعات رغبتها المتولدة من موقفها الكاره لجنود الاحتلال، فإذا بها تراهم، على صفحة مخيلتها، وهم يفرون خوفاً من حجرها.. لنتأمل صورة هذا التطور في وعيها ومواقفها، عبر الحوار التالي بينها وبين أبيها، عقب خروجه من السجن:
"أين كنت يا بابا؟
أجابها:
-في السجن يا بابا.
-لأنك ضربت على الجيش بالحجر؟!
-سايرها وهو يبتسم وقال:
-نعم، لأني ضربت على الجيش بالحجر.
سرحت روان مع خيالها الصغير قليلاً، وكأنها تستذكر شيئاً كادت تنساه، وقالت:
-بابا، امبارح هرب العسكر مني.
سألها باهتمام:
-لماذا يا بابا؟
أجابت:
-لأني كنت أحمل حجراً."عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]
على هذا النحو، راح يتكون وعي الطفل الفلسطيني، وينمو في زمن الانتفاضة، محدداً مسار تطوره المستقبلي "السجن مفجرّاً للكراهية، ثم الكراهية محرضة على الثورة، ضد السجن وبانيه" ثم الرغبة في نقل هذه الثورة من مستوى تخيّل فعلها، إلى مستوى ممارسة هذا الفعل، على أرض الواقع، كما توحي خاتمة القصة... وبهذا يكون المحتل الإسرائيلي قد استدعى، بممارساته القمعية، ضده الفلسطيني، الراهن والمستقبلي، في آن معاً... هذا الضد الذي تعد كينونته الجديدة ووعيه الذي نضج، بامكانية استمرار الانتفاضة، ثورة حتى النصر والتحرير...
(1) قصة وتكون لنا راية)، مصدر سبق ذكره...
(2) قصة وتكون لنا راية)، مصدر سبق ذكره..
(3) قصة وتكون لنا راية)، مصدر سبق ذكره..
(4) قصة وتكون لنا راية)، مصدر سبق ذكره..
(5) قصة وتكون لنا راية)، مصدر سبق ذكره..
(6) قصة وتكون لنا راية)، مصدر سبق ذكره..
(7) قصة وتكون لنا راية)، مصدر سبق ذكره..
(8) قصة وتكون لنا قصة)، مصدر سبق ذكره..
(9) قصة وتكون لنا راية)، مصدر سبق ذكره..
(10) قصة وتكون لنا راية)، مصدر سبق ذكره..
(11) قصة وتكون لنا راية)، مصدر سبق ذكره..
(12) قصة وتكون لنا راية)، مصدر سبق ذكره..
(13) قصة صباح.. بعد انحسار الغطاء)، لسعيد نفاع.. نشرت في صحيفة الاتحاد)، بعددها 278/44) الصادر بتاريخ /15/نيسان1988) الصفحة (4)
(14) من قصة صباح بعد انحسار الغطاء) لسعيد نفاع...، الصفحة (4)
(15) من قصة صباح.. بعد انحسار الغطاء) لسعيد نفاع.. الصفحة (4) .
(16) قصة صباح.. بعد انحسار الغطاء) مصدر سبق ذكره.
(17) قصة صباح انحسار الغطاء)، مصدر سبق ذكره..
(18) قصة صباح.. بعد انحسار الغطاء)، مصدر سبق ذكره..
(19) قصة صباح.. بعد انحسار الغطاء)، مصدر سبق ذكره..
(20) قصة صباح.. بعد انحسار الغطاء) مصدر سبق ذكره..
(21) قصة لأني أحمل حجراً)، لابراهيم جوهر... نشرت في صحيفة الاتحاد) بعددها 259/45) الصادر بتاريخ /17/آذار 1989، الصفحة (5) .
(22) قصة لأني أحمل حجراً)، لابراهيم جوهر..المصدر السابق.
(23) قصة لأني أحمل حجراً)، لابراهيم جوهر...المصدر السابق .
(24) قصة لأني أحمل حجراً)، مصدر سبق ذكره..
(25) قصة لأني أحمل حجراً)، مصدر سبق ذكره..
[/align]
|
|
|
|
14 / 07 / 2009, 14 : 10 AM
|
رقم المشاركة : [7]
|
أديب وناقد - باحث متخصص في السياسة والأدب الإسرائيليين- قاص وأديب وناقد -أستاذ مادة اللغة العبرية - عضو الهيئة الإدارية في نور الأدب
|
خامساً : كي لا يصير قتل الفلسطيني... روتيناً، ومجانياً..
[align=justify]
خامساً : كي لا يصير قتل الفلسطيني... روتيناً، ومجانياً..
من خلال ادراك عميق لجملة العوامل التي هيّأ تضافرها لنضوج وعي الإنسان الفلسطيني، ولإقداره، وبالتالي، على التحول في موقفه، تجاه مستقبله ومستقبل قضيته ووطنه، ذلك التحول النوعي الكبير الذي انتقل، وهو يمارس طقوسه بوعي وشجاعة، من سكونية القنوط والاحباط واليأس إلى حركية التمرد الثوري المفعم بالأمل والتحدي، في آن معاً؛ من خلال هذا الإدراك، وعلى خلفيته، حاول بعض مؤلفي قصص الانتفاضة، طرح واحد مما عدّوه، محقين، بين أهم الأسباب التي صنعت حتمية انطلاقة الانتفاضة، إن لم نقل أهم تلك الأسباب، على الاطلاق... والمقصود بهذه الأهمية، في هذا السياق، هو تعرض الفلسطيني، في أي لحظة، وغالباً، دونما أي مسوغ جرمي واضح أو معقول، إلى احتمال اهدار دمه، دون أن يلقى المجرم الفاعل أي عقاب رادع على ما اقترفته يداه...
فمما لا ريب فيه، أن هذه الممارسة الاحتلالية، ذات الدوافع العدوانية الحاقدة، والمنشأ العنصري المتطرف في لا إنسانيته، تعدّ من أقسى ما كابده الإنسان الفلسطيني، وما يزال، في تاريخ معاناته الصعبة، لكابوس الاحتلال الإسرائيلي العنصري الجاثم على صدر هذا الإنسان وأرضه، منذ أكثر من عشرين سنة... وبالتالي، من البدهي، أن تعدّ هذه الممارسة الإرهابية الباهظة من أقوى الأسباب المؤكدة لضرورة التخلص من ذلك الجو الكابوسي، بأي وسيلة وبأي ثمن... الأمر الذي يجعل منها المحرض الأهم لكوامن الثورة في نفس الفلسطيني على استمرارية ذلك الاحتلال وممارساته الإرهابية جميعاً..
ومن الرجوع إلى ما أمكن الحصول عليه من قصص الانتفاضة، يتبين أن عديدين من مؤلفيها قد أثار اهتمامهم موضوع تعرض الفلسطيني للقتل العنصري، على أيدي سلطات الاحتلال والمستوطنين... لكن أكثر من شغل هذا الموضوع المساحة الأكبر من اهتمامه، اثنان: نبيل عودة، في قصته الحاجز)، ومحمد نفاع، في قصته الجنرال)..
في قصته الحاجز) عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ] التي سبقت معالجة جوانب من مضمونها، في الفقرة الأولى من هذا الفصل، يطرح نبيل عودة هذا الموضوع، من زاوية رصده للحظة التحول التاريخية الحاسمة التي مرّ بها وعي الإنسان الفلسطيني، قبل أن ينطلق ثائراً، معلناً رفضه القاطع لاستمرارية العيش في كابوس الاحتلال العنصري... فبعد سنوات طويلة مرهقة من معاناة هذا الإنسان لشتى ضروب العسف والقمع والإرهاب، محتملاً ما يحل به من ويلات، على أمل أن يأتيه الفرج ذات يوم من خارج الحدود، يدرك، متأخراً، عبثية استمراره في موقف المنتظر لذلك الفرج... ثم يبدأ بمراجعة حصاد انتظاره خلال السنوات الطويلة الماضية، فإذا بالنتائج فادحة مرعبة... فانتظاره الطويل لم يمكنه، بعد عشرين سنة، إلا من قبض الريح،... والاستهانة بحياته وعذاباته ومستقبله، إلى درجة تكاد لاتصدق... فقد أضحى قتله، مجرد حادث عادي، لا يهز ضميراً ولا يثير عصباً، في كيان أحد... أما عذاباته وآلامه الكثيرة، فما أهونها على الناس، وكذلك مستقبله ومستقبل أجياله القادمة... وهنا، أدرك الفلسطيني، بوضوح فاجع، أن مايعنيه ويعانيه لا يهم أحداً غيره... وبالتالي، لن يغيّر أحد غيره، أيّ وضع من أوضاعه المأساوية، أو من واقعة المتخم بالخوف والقلق، جراء عيشه في مناخ احتمالات التعرض لشتى ممارسات الارهاب والقمع والإذلال، وبشكل خاص، احتمال التعرض للقتل، في أي لحظة، برصاصة حاقدة يطلقها أي عنصري إسرائيلي، جندياً كان أو مستوطناً عادياً...
بتعبير آخر محدد الدلالة أكثر، أدرك الفلسطيني، داخل الوطن المحتل، أن انتقاله من موقف المتوقع لاحتمال أن يقتل مجاناً، وسط إذلالات الترقب والخوف من غدر القاتل العنصري، إلى موقف الإقدام الإرادي على الموت، ليس انتقالاً ضرورياً، من أجل غد أفضل فحسب، وإنما هو ضروري أكثر للحيلولة دون استمرار هزلية القتل المجاني، بالنسبة للأجيال الفلسطينية القادمة... تلك الهزلية التي صار قتل الفلسطيني، حسب معاييرها، مجرد حادث عادي، لا يعبأ به أو يهتز له أحد... وهذا ما قصد إليه بطل قصة الحاجز)، حين قال، في معرض تعليله لحتمية انطلاقة الانتفاضة، ولضرورة استمرارها: "يجب أن لا نسمح بتحويل قتلنا إلى عادة... إلى روتين يومي.."عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]
وبالطبع، ليس المقصود بانتقال الفلسطيني إلى موقف الإقدام الارادي على الموت، أن يمارس الانتحار، بل أن يضع حداً لمجانية موته... أي أن يتحول الموت، في وعيه، من كونه تلك النهاية المرعبة لحياته، إلى التصيّر بداية لحياة جديدة... وهذا يعني أن يصير موته وظيفياً، أي فعلاً إرادياً هادفاً إلى تحقيق غاية نبيلة، أي استشهاداً... ذلك أن حيوات الشهداء الذين يقضون على دروب الوصول إلى شمس الحرية، تتحول إلى رصيد ثمين، ينمو وينمو، في خزانة المستقبل الفلسطيني، ليبزغ، في النهاية، فجر خلاص تضيئه تلك الشمس، في سماء وطن جديد، تعيش فيه الأجيال الفلسطينية القادمة، بحرية وأمن واطمئنان...
وهكذا، وأدراكاً من ثوار الانتفاضة لوظيفية موتهم الاستشهادي نراهم "يواصلون التحدي في الشوارع رغم الجند المدججين بالسلاح.."عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ] "، أي على الرغم من عدم التكافؤ المذهل، بين حجارة وطنهم المحتل، وأحدث آلات القتل والتدمير التي يقارعهم بها عدوهم العنصري... وهم، في خضم هذا التحدي الصعب، يرفضون أن يقبضوا ثمن صمودهم... بل يدفعون دمهم ثمناً..."عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ] للغد المأمول... لخلاص الإنسان الفلطسيني القادم... لميلاد الوطن الحر..
القاص الثاني الذي شغل موضوع تعرض الفلسطيني للقتل المجاني، على يد المحتل العنصري، مساحة واسعة من اهتمامه، هو محمد نفاع... وقد بلغ اهتمام نفاع بهذا الموضوع درجة اتخاذه محوراً وحيداً لأحداث قصته القصيرة الجنرال)عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ] وإذا كان ثمة ما يميز هذه القصة عن قصة الحاجز) لنبيل عودة، في مجال احتفال كلتيهما بالموضوع نفسه، فهو، ولا شك، اختلاف زاوية التناول، إضافة إلى اختلاف أسلوب الطرح والمعالجة... أما الهدف الذي سعى إليه مؤلفاهما، فيبدو، إلى حد ما، واحداً في القصتين.. ويمكن توصيفه.. وهذه وجهة نظر خاصة... بأنه السعي إلى إثارة القارئ وتثويره، إلى أقصى حد ممكن، ضد همجية الاحتلال الإسرائيلي وممارساته العنصرية، بحق الإنسان الفلسطيني، داخل الوطن المحتل...
لقد أطل نفاع على موضوع مجانية قتل الفلسطيني بدوافع عنصرية، من زاوية الرغبة في فضح وحشية القاتل ودوافعه، عبر رسم أبشع صورة ممكنة لتمظهرات هذه الوحشية، في واقع الممارسة... ولكي يستطيع المؤلف أن يوفر أكبر قدر من النجاح لايصال قصته إلى هدفها، اختار، للقيام بدور الجلاد العنصري فيها، جنرالاً إسرائيلياً، في موقع المسؤولية... أي شخصية قيادية رفيعة المستوى) في المؤسسة العسكرية الصهيونية يمكن أن ترمز ممارستها إلى همجية هذه المؤسسة وعنصريتها، ككل... ولزيادة عاملي الإثارة والتأثير بمحتوى القصة وأحداثها، اختار مقابل هذا الجنرال الواعي لجريمته، والقاصد لنتائجها عن عمد، عشرة أطفال فلسطينيين رضعاً، ليكونوا في موضع الضحية البريئة؛ براءة مطلقة من أي ذنب يمكن أن يفتريه ذلك الجنرال، وينسبه إليهم، ليسوغ به جريمته اللاإنسانية التي أودت بحياتهم...
وكنوع من التمهيد لأحداث التراجيديا القادمة... أو كمحاولة لتهيئة القارئ نفسياً، ولتمكينه، بالتالي من التفاعل، إلى أقصى حد ممكن، مع تلك الأحداث الرهيبة، والشخوص الصانعة لها، بدأ نفاع قصته بحشد عدد كبير من الصور القاتمة، المقبضة للنفس والقلب معاً، ثم ألف من مجموعها ما يمكن أن يعد معادلاً موضوعياً، للبيئة الكابوسية الرهيبة التي صنعها الاحتلال الإسرائيلي، بممارساته العنصرية الوحشية، ضد الأرض الفلسطينية وإنسانها معاً.. لنتأمل هذه اللوحات المنتقاة من مواقع مختلفة، في بداية القصة:
"انتقى الجنرال المنتشي المرهق منزلاً من طابقين وشرفة وحديقة، وحوّله إلى مركز عسكري للمنطقة، بعد أن خلت البيوت من الناس وبدت مستكينة متألمة مصابة بنوبة من الإغماء والصرع..."عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]
"حول المكان وعلى بعد مئات الأمتار، بيوت مفغورة السقوف مبقورة الجدران، وألواح تنك مبعدة مشرمة وقضبان حديد مطعوجة مشربكة كالمصارين المقطعة، وقصف أشجار يابسة وأخرى مقطوعة مقلوعة كيفما اتفق، انقبعت جذورها عنوة على إثر خضات قاتلة فترنحت منكسرة مخذولة كصبية شهمة أذلت فوقفت مهزومة خافضة النظر والجبين إلى الأرض حياء وحرقة على شرف مُهان!"عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]
"والأولاد يطلون من أفواه الأزقة وبطون الركام وضلوع الأشجار بفضول حذر، في نظراتهم ذهول عنيف وخواء سحيق كدر...عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]
"عندما فلشت الشمس ضوءها المخملي المحمر على التلال المبقعة بحرائق خامدة مرمدة، وشجر مشفوط وحشائش وزرع مخبص مهمل مكوي بأنفاس نارية..."عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]
"من خلال النافذة يبدو المخيم بعيداً كالحاً يلفه سكون موجع كالمتسمم أو المصاب بالربو.عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]
على مسرح هذه البيئة، وفي مناخها الكابوسي العابق برائحة الحرائق والوجع الإنساني، نفذ الجنرال الإسرائيلي -رمز الاحتلال في القصة- جريمته العنصرية النكراء... وبأسلوب فني يعتمد الإيحاء بدل المباشرة، والتراكيب الشعرية ذات الإيقاع المتوتر بالانفعال، راح نفاع يعرض أمام عيني قارئه، وأمام ضميره الإنساني، فصول هذه الجريمة التي نفذها ذلك الوحش العنصري، بأعصاب باردة!!لقد عضّ الجوع معداً حديثة الولادة، لأطفال رضع، أيبس الاحتلال أثداء أمهاتهم، وغيض منها الحليب، حين قتل، ظلماً وعسفاً وعنصرية، أزواج بعضهن، وسجن أزواج الباقيات... وبهذه الممارسة اللاإنسانية، فقدت الأمهات وأطفالهن معاً، الرجال المعيلين... وحين فاض كأس الصبر على احتمال الجوع، وفقدان الوسيلة لتأمين ما يسد الرمق، والأمل في العثور عليها، توجهن بالرضع الجياع إلى مقر الجنرال الجديد، رمز السلطة التي اختارته حاكماً بأمرها وشرعتها، في مظاهرة احتجاجية، وهن يصرخن فيها بإطلاق سراح الرجال المسجونين:
"- قتلتم رجالنا وأزواجنا"!
-"سجنتموهم لا نعرف أين- في سجونكم ذائعة الصيت... أطفالنا هنا حتى تطلقوا سراح الرجال المعيلين"."عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]
ولكن صراخ الجوع هذا، ومظهره البادي على الوجوه، لم يثر في المحتل العنصري سوى لسانه المتصل بقلبه الحاقد، فأرسله يكيل به الشتائم والسباب البذيء لتلك الأمهات ولأطفالهن الرضع الجياع... وإزاء هذا الرد، وكان الانفعال والتحدي واليأس قد لعبوا، في آن معاً، برؤوس النسوة المسكينات، قررن ذلك القرار اليائس. ربما خطر في بالهن، مجتمعات، أن ما قررن فعله سيكون أشبه بالصدمة الكهربائية لبقايا إنسانية توهمن أنها ما تزال في ضميره، لبقايا رحمة ظنن أنها ما تزال تنبض حية في قلبه ووجدانه.. ولكن هيهات...
فبعد أن تركن أطفالهن، في ساحة المقر العسكري، ومضين ساخطات مكسورات، آملات أن يثير مرأى الرضع الجياع بعضاً من حجرية القلب العنصري، للجنرال الإسرائيلي، وأن يبعث صراخهم الجائع، في نفسه، مامات من حسه كإنسان، ما كدن يبتعدن، حتى حدث ما فاق كل ما توقعنه، وخاب أملهن الضعيف... وكيف لا، والذي قصدنه متوهمات أن يجد حلاً لجوع أطفالهن، لا قلب له أصلاً ولا ضمير...؟!!
لقد ثارت ثائرة ذلك الجنرال المتغطرس، واستشاط غضباً وغيظاً، لتصرف الأمهات الذي لم ير منه غير جانبه الأسود، حين عدّه، من وجهة نظره كحاكم عسكري يمثل الاحتلال، تحدياً لسلطته، بأسلوب جديد..." هكذا هم.. كل يوم أسلوب جديد!!"عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ] وفي حمى غضبه المتفجر من حقده العنصري وغطرسته، وجنون عظمته) كمحتل، لم يملك رداً على ماتوهمه اسلوباً جديداً في التحدي، سوى اتخاذ ذلك القرار الرهيب الذي حمّله لأحد جنوده كي يبلغه للباقين.." إذا أبقوهن هنا اصعدوا عليهم بالدبابة، امعسوهم..."عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ] ولكم كانت لقطة بارعة، من محمد نفاع، لما اعترى ذلك الجندي من ذهول واستغراب واستنكار لما سمعته اذناه فعلى الرغم من كينونته جندي احتلال، من المفترض أنه كقائده لا قلب له ولا ضمير، لم يملك نفسه، أمام ذلك القرار الذي فاق في وحشيته حدود أي تطرف، من شهقة رعب واستنكار: "شهق الجندي الأنمش ومط بوزه ورقبته الحمراء مستديراً تاركاً المكان- وهو يتخيل الجنزير الفولاذي واللحم والباكي..."عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ] وفي طريقه لإبلاغ القرار الرهيب" طار بقلبه إلى بيته وطفله ابن الثلاثة شهور ببسمته الجانبية الرخوة ويديه الخافقتين، ورائحة جسمه الصغير، وملابسه المغرقة بالبول..."عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ] وكان ذاك أقصى ما تستطيعه بقية إنسانيته التي وأدها بملابسه العسكرية وحذائه الثقيل، كجندي في جيش احتلال عنصري... وبالطبع، سرعان ما احتضرت هذه البقية وانطفأت، وهو يبلغ أمثاله ما كلفه قائده إبلاغهم به...
ولكن الجريمة العنصرية، لم تنفذ كما رسمها الجنرال الإسرائيلي، بل اتخذت مساراً آخر أكثر وحشية... فقد "أجروا اتصالاً مع المؤسسة الدولية المفككة المضروبة، -يقصد الصليب الأحمر- فجاءت سيارتان ملأوهما بالأطفال وسجلوا محضراً. وظل على الأرض عشرة أطفال في إحدى زوايا الساحة...عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ] ربما لم يجدوا لهم مكاناً في السيارتين... وبهؤلاء العشرة نفذ الجنرال الحاقد جريمته المنكرة...
بالطبع، لم يخطر في باله مجرد التفكير بمحاولة اسكات صراخ الجوع المنبعث من حناجرهم الغضة، بإطلاق سراح من يؤمن الحليب لهم، بل فكر بوسيلة أسهل وأسرع مفعولاً في إسكات صراخ الجوع الحليبي، مرة واحدة، وإلى الأبد... وكان ذلك، حين" وضعوا الأطفال كيفما اتفق في أرض السيارة، وسافر بهم الجنرال مع بعض الجنود..."...عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ] لا ليرميهم خارج مقره، ويرتاح من صراخهم ومسؤوليتهم، وليته فعل... بل ليبلغ بهم مكاناً بعيداً عن الأعين، يتاح له أن يمارس ساديته العنصرية ضد العرب، كما يشتهي...
وفي البعيد، أنزلهم الجنود وابتعدوا، كما أمرهم الجنرال.... "ومع صدمات الريح أنصت الجنود الراكضون إلى طلقات النار... واحدة، اثنتان/ خمس، عشر طلقات صماء خرساء مكتومة بالتمام" عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ] أطلقها الجنرال المجرم، على جماجم الرضع الرخوة، "فاندلعت أحشاؤها. دماء ودماغ وكسرات عظام مغموسة بسائل أحمر وخصلات شعر شفطتها النار، معسها الرصاص معاً."عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ] وبهذه الطريقة المروعة التي لا يجيدها غير جنرال في الجيش العنصري الإسرائيلي، سكت الصراخ الحليبي... صراخ الجوع في المعد الحديثة الولادة... سكت إلى الأبد..
وفي ذات اللحظة التي كان يخفت فيها صراخهم متلاشياً، ظلت الريح تهب، وهي في طريقها إلى كل الجهات، تحمل معها هذا الخليط من الدخان والبكاء الأخير والحليب المقتول المسفوك، إلى صدور الأمهات والعذارى في بقاع الأرض... والمياه الآتية العابرة من هنا تصل إلى البحر الكبير، إلى قلب الأرض، الأرض الأم...عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ] ومن قلب تلك الأرض /الأم التي انساح دم أبنائها الرضع الجياع، على صدرها المغتصب المقهور، خرج المارد الفلسطيني... خرج من أجسادهم الطرية التي مزق جماجمها المحتل العنصري برصاصاته الغادرة... خرج طفلاً كبر، ويكبر، في ساحة الثورة الممتدة بين مقتله وانبعاثه .. خرج يحمل بيده حجراً عبأه بإرادة صلبة، معلناً نهاية قتله المجاني.. خرج ليكوّر ذلك الحجر شمس حرية وخلاص، لا بد أن تشرق يوماً في سماء وطنه الذي يتعاطى الحب معه، شهيداً و ثائراً.. وكانت الانتفاضة...
صحيح أن قصة محمد نفاع لم تشر إلى الانتفاضة بعبارة صريحة مباشرة، إلا أن سياق أحداثها، وتراكم الصور المروعة لممارسات الاحتلال الإسرائيلي فيها، ضد الأرض الفلسطينية وإنسانها معاً، كانا رمزاً ودلالة على حتمية انطلاقة الانتفاضة... لا بوصفها رد فعل عفوي على حوادث القتل المجاني التي ساقت القصة مثالاً صارخاً على عنصريتها الصارخة ووحشية ممارستها فحسب، بل بوصفها أيضاً، وهذا هو الأهم، مخرج النجاة الوحيد، والممكن، من كابوس الاحتلال العنصري المرهق الذي نجح نفاع، بأسلوبه التصويري غير المباشر، في إدخال قارئه إلى أجوائه، وفي جعله يرتجف حنقاً، ويتميز غيظاً، ويمتلئ ثورة، على هذا الاحتلال، وعلى ممارساته، وخصوصاً ممارسة القتل العنصري وطقوسه المرعبة المروعة، وكذلك ممارسة تدمير الوطن واحراقه...
بعبارة أخرى، نجح محمد نفاع، في قصته الجنرال) بتوظيف أحداثها في إثارة قارئه، وفي تثويره، إلى حد كبير... محرضاً، في نفس هذا القارئ، الرغبة الدافعة إلى المشاركة في الانتفاضة، بأي وسيلة يمكن أن تتاح له، وبأي أسلوب... إن لم يكن بدوافع وطنية وقومية، فبدوافع إنسانية، على الأقل... وقد ساعده على تحقيق هذا النجاح، جملة عوامل، ربما من أبرزها اعتماده ذلك الأسلوب التصويري الموحي في رسم الملامح الوحشية للاحتلال العنصري، وممارساته ضد الأرض الفلسطينية وإنسانها... كما ساعده اعتماد هذا الأسلوب، في توصيل الشحنة الانفعالية التي ثارت براكينها في أعماق نفسه، إلى قارئ قصته أياً كان، وهي ما تزال محتفظة بعد، بقدر كبير من حرارتها...
(1) قصة الحاجز)، مصدر سبق ذكره..
(2) قصة الحاجز)، مصدر سبق ذكره...
(3) قصة الحاجز)، مصدر سبق ذكره...
(4) قصة الحاجز)، مصدر سبق ذكره..
(5) الجنرال) قصة محمد نفاع... نشرت في صحيفة الاتحاد)، بعددها 36/45) الصادر بتاريخ /24/ حزيران 1988، الصفحة /4/.
(6) قصة الجنرال) مصدر سبق ذكره...
(7) قصة الجنرال)، مصدر سبق ذكره..
(8) قصة الجنرال)، مصدر سبق ذكره..
(9) قصة الجنرال)، مصدر سبق ذكره...
(10) قصة الجنرال)، مصدر سبق ذكره..
(11) قصة الجنرال)، مصدر سبق ذكره..
(12) قصة الجنرال)، مصدر سبق ذكره ...
(13) قصة الجنرال)، مصدر سبق ذكره..
(14) قصة الجنرال)، مصدر سبق ذكره...
(15) قصة الجنرال)، مصدر سبق ذكره...
(16) قصة الجنرال)، مصدر سبق ذكره..
(17) قصة الجنرال)، مصدر سبق ذكره...
(18) قصة الجنرال)، مصدر سبق ذكره..
(19) قصة الجنرال)، مصدر سبق ذكره...
(20) قصة الجنرال)، مصدر سبق ذكره..
[/align]
|
|
|
|
14 / 07 / 2009, 16 : 10 AM
|
رقم المشاركة : [8]
|
أديب وناقد - باحث متخصص في السياسة والأدب الإسرائيليين- قاص وأديب وناقد -أستاذ مادة اللغة العبرية - عضو الهيئة الإدارية في نور الأدب
|
حزمة ضوء أخيرة
[align=justify]
حزمة ضوء أخيرة
لا شك أن ما سبقت الاشارة إليه، وهو غيض من فيض الأسباب التي تضافر مجموعها ليصنع، في النهاية، حتمية حدوث الانتفاضة وانطلاقتها، لم يكن بين أهم تلك الأسباب فحسب، وإنما كان من أكثرها امتلاكاً للقدرة على الإيحاء بأن هذه الثورة العظيمة لم تنطلق من فراغ، ولم تكن مجرد رد فعل، كما أنها، وبالتأكيد، لا تسعى إلى السباحة في فراغ... فهي ثورة ذات أبعاد وأهداف واضحة ومحددة، وأبعادها وأهدافها موصولة بعلاقة عضوية وثيقة وقوية بأسبابها...
لقد انطلقت هذه الثورة، كما تؤكد مضامين جميع القصص الفلسطينية التي استلهمتها موضوعاً وتمحورت حولها، من صميم الرفض الفلسطيني الثابت للاحتلال الإسرائيلي... هذا الرفض الذي تكون، حياً وحاراً وعنيفاً، منذ اللحظة الأولى التي وطئت فيها قدم الاحتلال الإسرائيلي أرض فلسطين... وعلى هذا، فليست الممارسات الوحشية للاحتلال العنصري، هي صانعة هذا الرفض بل هي مذكيته... هي الوجع المر الذي عاناه الفلسطيني على مدى سنين طويلة.الوجع الذي ساعد استمراره على تصاعد رفض الفلسطيني للاحتلال وهيأ لبلورة هذا الرفض ثورة شعبية شاملة، هدفها الغائي هو التحرر الكامل...
ومن نزيف هذا الوجع المر، وفيه، كان القاص والشاعر الفلسطيني يغمس ريشة إبداعه، ويكتب... يبسط الألم صفحة، ويكتب واصلاً الألم بالأمل... واصلاً ليل الواقع بإشراقة الغد المأمول... يكتب، وعلى صفحة إبداعه الحارة أبداً، تنتشر مأساته، في شرايين الكلمات، تقريراً لحقائق سوداء مرعبة، ووعداً واثقاً مضوءاً بإرهاصات الخلاص القادم...
وحين بدأت تلك الإرهاصات تتحول وقائع لثورة يومية عارمة، استمر القاص الفلسطيني، في الوطن المحتل، باستلهام ممارسات الاحتلال العنصري ضد شعبه، القديمة التي ساهمت في صنع حتمية الثورة على هذا الاحتلال، والراهنة التي يحاولها، يائساً، لاخماد هذه الثورة والقضاء عليها. كما استمر في توظيف تلك الممارسات جميعاً، قديمها وراهنها، لينقطها حقائق، حامضية التركيب، في العيون الرخامية التي أماتتها اللامبالاة، عساها تحقق تفاعلاً فذاً بين حامضها والرخام الميت، ينتج عنه انبعاث متمرد وبشرى... فالأمل ما زال ينبض، على الرغم من كل محاولات اغتياله... ما زال يخفق وهجاً واعداً تحت رماد الواقع... ما زال زهرة قادرة على الفوح وبعث البهجة، على الرغم من كونها زهرة نبتت في أرض التناقض والضياع والسواد... ذلك أن القناعة ما تزال راسخة، بأنه بين النقيض والنقيض... بين الرماد والورد، لا بد أن تولد المعجزة يوماً... ولا بد أن يراها الجميع...فإن لم يؤمنوا بها، وهذا احتمال، فلن يكون بوسعهم نكرانها أو دحضها، أو حتى عدم الإحساس بالمفاجأة حيالها، على الأقل...
[/align]
|
|
|
|
14 / 07 / 2009, 19 : 10 AM
|
رقم المشاركة : [9]
|
أديب وناقد - باحث متخصص في السياسة والأدب الإسرائيليين- قاص وأديب وناقد -أستاذ مادة اللغة العبرية - عضو الهيئة الإدارية في نور الأدب
|
رد: الانتـفاضــــة فــي الفصل الثاني ((رسالة الانتفاضة))
الفصل الثاني "رسالة الانتفاضة" "قراءة في مبادئ الثورة وأهدافها"
تمهيد...
لا شك أن تصور عدم وجود رسالة محددة لثورة في حجم الانتفاضة وشموليتها وزخمها وقدرتها الفذة على الاستمرار والتغيير، هو تصور يفتقر إلى المصداقية، افتقاراً واضحاً ... وذلك لتعارضه مع الكثير من معطيات الواقع، ولعدم توفر حدّ أدنى من الانسجام بين مضمونه وبين النتائج التي تقود إليها أي محاكمة موضوعية لتلك المعطيات... وتوصيفه على هذا النحو، يقود، بداهة، إلى الشك في احتمال كونه تصوراً ساذجاً، يعبر عن قصور في قدرة صاحبه على قراءة المعطى الحدثي، وعلى تحليل أبعاده ونتائجه، تحليلاً صحيحاً معافى...
والشك في احتمال كون هذا التصور ساذجاً، هو تأكيد، غير مباشر لقصدية تخيله وإنشائه من جهة، ولقصدية السعي إلى إشاعته وتسويقه، من جهة ثانية... كما يعني اتهاماً لدلالات مضمونه بعدم براءة مراميها، أي بكونها مغرضة، من جهة ثالثة... ومصدر اتهامه باللابراءة هو التطابق، إلى حد كبير، بين مايمكن أن تدخله تلك الدلالات، في روح متلقيها وفكره، من قناعات خاطئة، وبين ما تبثه أجهزة الإعلام الإسرائيلية، عبر أبواقها الدعائية المختلفة، من توصيفات تبسيطية لفعاليات الانتفاضة ونشاطاتها، من مثل:
"أعمال شغب، اضطرابات، أعمال فوضى..." وما شابه من توصيفات هدفها الحط من عظمة هذه الثورة، والتهوين من قيمة نتائجها، ومحاولة إفراغ هذه النتائج من أي دلالة إيجابية... بتعبير آخر أكثر تحديداً ووضوحاً، يبدو هدف التوصيفات الإٍسرائيلية لفعاليات الانتفاضة، محاولة قصدية لنفي أي رسالة ناظمة، تصدر تلك الفعاليات عنها أو تسعى إلى تحقيقها هدفاً، على أرض الواقع... أي محاولة للإيهام بأن هذه الفعاليات لا تعدو كونها مجرد (فوضى غوغاء) غير واعين، وذلك وصولاً إلى الإيهام أيضاً، بأن لا خطر حقيقياً يمكن أن يترتب أو ينجم عن فوضاهم، هذه، لا على المدى القريب، ولا على المدى البعيد... وبالتالي، فإن قمع تلك (الفوضى الغوغائية)، هو مسألة وقت لا أكثر، حسب أجهزة الإعلام الإسرائيلي... وهذا كله، كما هو معروف، نقيض معطيات الواقع وحقائقه الملموسة والثابتة...
إذن، وعلى عكس ما يزعمه مضمون التصور السابق، للانتفاضة رسالة.. وهي، لمن يبحث عنها بموضوعية، تبدو رسالة واضحة المعالم والبنود، عظيمة، عظمة الثورة التي تتبناها وعن هذه الرسالة - كما يستطيع الباحث أن يلاحظ دون كبير عناء -يصدر صانعو الأحداث التاريخية العظيمة، في الوطن المحتل، وإياها يتبنون دستوراً ومنهجاً، في ممارسة فعلهم النضالي، وإلى ما تدعو إليه، من أهداف نبيلة وسامية ومشروعة، يسعون مضحين بكل ما لديهم، بالنفس والمال والولد، علىأمل التمكن من تجسيد تلك الأهداف واقعاً مغايراً لذلك الذي انطلقوا منه بالأمس القريب، منفلتين من إساره، ومن مناخاته المضببة بالاضطهاد وممارسات القمع والقهر والاستعلاء العنصري...
ربما يكون صحيحاً أن تبلور هذه الرسالة واكتمالها قد جاء تالياً لانطلاقة الانتفاضة، وتشكل قياداتها وكوادرها التنظيمية، وأن تطورها، طروحات وأهدافاً، كان مرافقاً لتطور تلك الثورة، لكن هذا لا يعني أن بذور تلك الرسالة لم يكن لها وجود أصلاً قبل انطلاقة الانتفاضة... بل كانت موجودة، وعنها ومن أجلها انفجر الحدث... إلا أنها لم تكن على مثل ما آلت إليه من تبلور ووضوح، بعد انفجاره...
وبعد، فهذه الرسالة التي لها قامة الإرادة الفلسطينية الثائرة والمصممة على تكوير شمس المستقبل الفلسطيني، خلاصاً وحباً وأمناً؛ قد استقطبت جزءاً كبيراً من اهتمام عديدين بين مؤلفي قصص الانتفاضة، داخل الوطن المحتل، فتناولوا البارز والأهم من معالمها وبنودها وأهدافها، وسلطوا الضوء عليه، إما بشكل سريع وعابر، وإما باتخاذه موضوعاً محورياً، لهذا الجزء أو ذاك، من مضامين قصصهم القصيرة...
|
|
|
|
14 / 07 / 2009, 22 : 10 AM
|
رقم المشاركة : [10]
|
أديب وناقد - باحث متخصص في السياسة والأدب الإسرائيليين- قاص وأديب وناقد -أستاذ مادة اللغة العبرية - عضو الهيئة الإدارية في نور الأدب
|
التعايش السلمي.. كاحتمال مستحيل..
[align=justify]
التعايش السلمي.. كاحتمال مستحيل..
ثمة من يتصور، ويروج ما يتصوره مؤكداً، أن الدافع الأساسي والجوهري لانطلاقه الانتفاضة الفلسطينية، كان رغبة أبناء الشعب العربي الفلسطيني، داخل الوطن المحتل، في التعبير عن احتجاجهم علىواقع التمييز العنصري الذي يعيشونه، منذ أن احتلت أراضيهم، وعلى ما يقاسونه، في مناخ هذا الواقع، من ممارسات القمع والاضطهاد والقهر، على أيدي المحتلين الإسرائيليين، قيادة ومستوطنين، معاً.
وتأسيساً على هذا التصور، وانطلاقاً منه، يروّج أصحابه زاعمين، أن ما تهدف الانتفاضة إلى تحقيقه هو، وبالدرجة الأولى، دفع الإسرائيليين، إلى التحول عن سياسة التمييز العنصري، وممارساتها الوحشية التي يسوطون بها حياة الفلسطينيين، في وطنهم المحتل ... وذلك بكسر جوزة العنصرية الصهيونية القاسية، وتوفير نوع من المساواة بين العرب واليهود، يمكنها أن تمهد، تدريجياً، إلى خلق وضع جديد يستطيع فيه الطرفان، الضدان، أن يتعايشا مع بعضهما، فوق الأرض التي يتنازعان عليها، تعايشاً سلمياً)، لا يضطر أحدهما، في حال تحققه واقعاً، إلى ازاحة الآخر عن تلك الأرض، ونفيه بعيداً عنها...
لا شك أن تصوراً كهذا، إذا أحسنّا الظن بأصحابه، وتجنبنا اتهامهم بسوء النية والقصد، هو تصور قاصر من جهة، وخاطئ من جهة أخرى، أو هو الصفتان، في آن معاً، من جهة ثالثة... فأما كونه قاصراً، فلأنه يتوهم، عبثاً، امكانية تعايش الجلاد ومن اختاره ضحية له، في سلام... هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية، هو قاصر لأن من تصوره، قد غاب عنه، إن لم نقل أنه يتجاهل، تناقض مفهوم التعايش السلمي، تناقضاً صارخاً، في الجوهر والهدف، على السواء، مع مفهوم الاستعمار الاستيطاني الاحلالي الذي يتميز به المشروع الصهيوني، أيديولوجيا وتطبيقاً، كما يتناقض، تناقضاً صارخاً أيضاً، مع طبيعة الدور الوظيفي لليكان الصهيوني، في المنطقة... أي مع دوره كمولد للصراع، ومخفر حراسة متقدم لمصالح قوى الإمبريالية العالمية التي زرعته، في قلب الوطن العربي، ورسمت له دوره الوظيفي، قبل أن تجسده كياناً مادياً، على أرض فلسطين العربية..
وتصوره الآنف، يؤكد القناعة بأن ما يتوهمه أصحابه ومروجوه، هدفاً/ غائياً خطأ محض، فضلاً عن كونه تقزيماً مرفوضاً لهذه الثورة العظيمة... ذلك أنه يحولها من كونها ثورة تحرير شعبية شاملة، إلى مجرد حركة تمرد، أو عصيان، الهمُّ المحرك للقائمين به، ليس إزالة الاحتلال، ككيان مادي يجثم فوق أراضيهم؛ وإنما، فقط، دفع سلطات ذلك الاحتلال، إلى تغيير نهجهم السياسي ضد أبناء الأرض التي احتلوها... وهذا، ما لا ينسجم، بحال، مع المعلن وغير المعلن، من أهداف الانتفاضة التي ما انفك ثوارها يؤكدون أن الدافع الأساس، لثورتهم هو رفض استمرارية الوجود الاحتلالي، فوق أرض وطنهم، بأي شكل وبأي صيغة، وليس الاحتجاج فقط، على ممارسات سياسته العنصرية ضدهم، بغية دفعه إلى العدول عنها... أي أن الهدف /الغاية لانتفاضتهم هو تحرير أرضهم وشعبهم، تحريراً كاملاً..
وبقدرته على استشعار حقيقة التوجهات والأهداف التي يناضل شعبه من أجل تحقيقها، انبرى الأديب الفلسطيني يفند هذا التصور الخاطئ الذي يروجه البعض، لدوافع الانتفاضة وأهدافها، ويؤكد أن ما يسمى." تعايشاً سلمياً" بين العرب واليهود، تحت مظلة الاحتلال ما هو إلا مجرد وهم. وإذا كان ثمة من يشكك في كونه وهماً، أو في طبيعته السرابية، فما عليه سوى أن يراجع، محللاً، ثوابت العلاقة التناقضية السائدة بين الطرفين، منذ الأيام الأولى للاحتلال الإسرائيلي... هذه العلاقة التي تحكمها وتميزها معايير التفرقة العنصرية، وطبيعة الاستيطان الاحلالي للمشروع الصهيوني، والدور الوظيفي لإسرائيل في المنطقة... وغير ذلك من المعايير التي فرضت حتمية وقوف الفلسطيني موقف الضحية، ووقوف عدوه الإسرائيلي موقف الجلاد... أي فرضت حتمية استحالة تعايشهما بسلام فوق الأرض الواحدة التي يتنازعان عليها...
وبين ما أمكن الإطلاع عليه من قصص الانتفاضة، داخل الوطن المحتل، هناك قصة قصيرة واحدة عرض مؤلفها لموضوع التعايش السلمي)، مؤكداً استحالة تجسده واقعاً.. وهذه القصة هي الحاجز) لنبيل عودة، التي سبقت دراسة بعض محاورها، في الفصل الأول من هذه الدراسة...
فمن متابعة تطور أحداث القصة، وتحليل محتوى مضمونها، وحتى نماذج الشخصيات الرئيسة فيها، يتبين أن مؤلفها قد قصد قصداً، إلى محاولة نفي مقولة التعايش السلمي) التي يروج لها البعض، من عرب ويهود... مؤكداً عبر النهاية التراجيدية التي ختم بها قصته، أن نفي هذه المقولة يمكن أن يُعد بين أبرز بنود رسالة الانتفاضة، لأنه المرادف الوحيد والمطلق لهدف هذه الثورة العظيمة، هدفها/الغاية المتمثل بالسعي إلى التحرير الكامل للأرض الفلسطينية وشعبها...
ولعل من المثير للإهتمام والإعجاب، في آن، محاولة نبيل عودة اقناع قارئه بموضوعية نفي تلك المقولة ومصداقيته، بأسلوب يعتمد الإيحاء بدل المباشرة، وذلك من خلال عرض الموقف الهاملتي) المتردد لبطل قصته / الطبيب الشاب أحمد الذي وجد نفسه، فجأة، أسير حيرة قاسية، بين رغبته في تلبية نداء واجبه الإنساني، كطبيب، أمام حالة اسعافية يعانيها عدوه، وبين الاصغاء والإنصياع لصوت واجبه الوطني والقومي، كفلسطيني، في حالة حرب مع ذلك العدو المحتاج لنجدته الإسعافية... فقد عمد عودة إلى عرض هذا الموقف الصعب والحساس، في إطار حوارية، تدور بين بطل القصة ونفسه، في تلك اللحظة الحرجة.... لننصت إلى صوت هذا الحوار الصراعي الذي أداره المؤلف، على مسرح وعي بطله أحمد؛ بين نداءي واجبين، كلاهما جليل ومقدس...
"...التفت بشيء من الخوف نحو العساكر، فشاهد الكابوي* منبطحاً في منتصف الشارع ينزف دماً، ويكاد يكون بلا حراك... احتار بين أن ينطلق بسيارته مبتعداً أم يقدم مساعدة ما لهذا الملقى بلا حول ينزف دماً... واستمر أحمد في حيرته...
-هل أسعف ذلك الكابوي الثخين؟!
تردد مرة أخرى هذا السؤال. ورد على نفسه:
-إنه عدو حاقد..
-إنه مجرد إنسان ينزف.
-أنت ضعيف أمام منظر الدم البشري؟
-أكرهه كعدو... لا جدال في ذلك، ولكنه ينزف؟
-ليذهب إلى الجحيم.
-ليس ذنبه أنه وحش!!..مساعدة إنسانية قد تغيره.
-وهل يتحول الذئب إلى شاة؟
-لا تخلط..
-التلاميذ الجرحى بالشوارع... الدم المسفوك في المخيمات. أحذيتهم التي تدوس كرامتنا كل يوم... أطفالنا المقتولون بلا رحمة...
-الوقت لا يسمح بالجدال... أسعفه وبعد ذلك نرى..
-هل كانوا هم يسعفونني، لو كنت أنا المصاب؟
-أنت طبيب... والطب مهنة إنسانية!
-ولكنني فلسطيني، والحديث هنا عن عدو... وليس مجرد عدو... أربعون سنة ونحن نعاني مرارة الضياع والتشرد، وما زلنا!!
-كفى، كفى!!سنعالج قضية فلسطين فيما يعد. إنه ينزف ولا ننسَ أنه بشر مثلنا "إنسان!
-إنسان..؟ كم يضحكني هذا الوصف.
-الوقت لا يسمح للسخرية.. انقذ الإنسان الذي فيه..
-لوكان فيه بقية إنسان، لرفض الاحتلال. لرفض أن يمارس العنف ضد شعب مشرد أعزل.
-ليس ذنبه..
-وهل ذنبنا أننا نطالب بحقنا؟
-لا تفقد إنسانيتك. تذكر أن قوتنا في إنسانيتنا.
-أعرف... ولكني لا أستطيع أن أنسى أنه عدو شرس، لا يرحمنا... وما يحدث الان يثبت ما أقول..
-أنت طبيب، وهو مجرد جندي مأمور..
-بأي حق أساعد جندياً عدواً... ليقف مجدداً ويوجه سلاحه نحو شعبي؟!
-لو كان حل المأساة يتعلق بهذا الملقى ينزف دماً، لقلت لك ساعد على أن يموت، ولكن لا تنسَ الإنسان الذي فيه؟
-بأي وجه سألتقي زوجتي، بأي يدين سأرفع ابني... ماذا أقول لجيراني... ماذا أقول لمن ثكلوا عزيزاً عليهم..؟
-إنسانيتنا هي قوتنا، إذ فقدناها... فقدنا مبرر وجودنا، فقدنا مبرر دولتنا.
-وهل يصح لهم ما لا يصح لنا؟!
لا تأخذ القطيع بجريرة الراعي.
-الإنسانية الزائدة تتحول إلى هبل!
-نتجادل فيما بعد... أنت طبيب، وهو ملقى ينزف دماً. لدمه نفس اللون، لجراحه نفس الآلام.
-أعرف ذلك، وأعرف أكثر أنه عدو لا يرحم يضحكه لون دمي، جراحي تزيد شراسته، وعذابي يثيره هزأ، وفلسطينيتي تثير أدنى مشاعر السادية في نفسه.
-الجدال الآن عقيم... تبقى حقيقة واحدة كبيرة. لن نسمح لأحد بأن يسرق منا إنسانيتنا، وأثبت ذلك الآن... أسعفه!عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]
وينتصر نداء الواجب الإنساني، في القصة، فيسعف بطلها عدوه المصاب وينقذه من الموت... ولكن ماذا يكون جزاؤه على هذا الصنيع النبيل، هل حفظه له عدوه جميلاً، راح يتحين الفرص ليرده له بمثله أو بأحسن منه، أم كان جزاؤه، مماثلاً لما لقيه مجير أم عامر الضبع) في التراث العربي؟
قبل الإجابة عن جملة هذه التساؤلات، لا بد من الإشارة إلى أن ثمة مسوغين أباحا، في نظر الباحث، إيراد الحوارية السابقة، بنصها الكامل، على طوله... وأول هذين المسوغين: كون تلك الحوارية وحدة عضوية متماسكة، من الناحية الفنية، بمعنى أنها، بنيوياً، تبدو غير قابلة للتجزيء أو الحذف أو الاختصار. أما المسوغ الثاني، فيتمثل بكون مضمونها زاخراً بالعديد مما يمكن أن يضيء جانباً من فحوى رسالة الانتفاضة، على أكثر من مستوى... فهي إضافة إلى قدرتها الإيحائية الرائعة على إضاءة موقف الإنسان الفلسطيني من العدو الإسرائيلي العنصري، على المستويين الوطني والقومي، تمتلك، مضمونياً، قدرة مماثلة على إضاءة الموقف الإنساني لبطل الإنتفاضة... وهو الموقف الذي يعد واحداً من أبرز خصوصيات رسالة هذه الثورة، ومن أوضح السمات المميزة لفعالياتها كافة، على نحو ما سنلمسه، مفصلاً، في الفقرة التالية من هذا الفصل...
وعودة إلى وصل ما انقطع... إلى الإجابة المؤجلة عن التساؤلات الآنفة... عن الجزاء الذي ناله الطبيب الفلسطيني أحمد لقاء صنيعه الإنساني بعدوه..
في الواقع نجح نبيل عودة في بناء المفارقة الصارخة بين إنسانية الإنسان الفلسطيني، وبين عنصرية عدوه الإسرائيلي، وكان نجاحه في بنائها بطاقة عبور قناعته التي انطلق منها، كأديب، إلى قناعة قارئه وعقله... فعن طريق هذه المفارقة، ابتعد عن المباشرة في طرح قناعته باستحالة التعايش السلمي بين العنصري والإنساني، وبابتعاده هذا، ترك لقارئه حرية محاكمة الفكرة، وحرية الحكم عليها أيضاً... وذلك حين وضع أمام باصرته حدثاً مختاراً من صميم واقع الحياة التي يحياها الفلسطيني، في جو الاحتلال الإسرائيلي، وكابوسه العنصري المستمر...
فعلى الرغم من كل ما لاقاه الإنسان الفلسطيني، من عنت التمييز العنصري، على يد المحتل الإسرائيلي، بل في ذروة تعرض هذا الإنسان لممارسة القمع بحقه، ولاذلال كرامته، لم يملك، حين رأى مضطهده، ملقى على الأرض ينزف دماً، إلا أن يتخلى، ولو مؤقتاً، عن كراهيته لهذا العدو، والتعامل معه كإنسان، "لدمه نفس اللون، لجراحه نفس الآلام"عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ] ومن هذه الزاوية الدقيقة، في الرؤية، مدّ من كان قبل دقائق عرضة للإذلال والإهانة، مدّ يده لينقذ الإنسان الكامن في كيان عدوه..." أنقذ الإنسان الذي فيه"عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]
وبانقاذه، أتم نبيل عودة الطرف الأول من معادلة المفارقة التي صمم بناءها باتقان...ثم جاء دور الطرف الثاني... دور رسم صورة ردّ الفعل الإسرائيلي، على نبالة الفعل افلسطيني وإنسانيته... كيما يضع القارئ أمام الحقيقة، وجهاً لوجه، دون أن يقولها له بصياغة مباشرة...
ففي نهاية القصة، يجمع واقع الاحتلال واستمرارية ممارساته العدوانية، بين الطبيب الفلسطيني وعدوه الذي أنقذه هذا الطبيب بالأمس القريب، في موقف مشابه.. أي أمام حاجز عسكري أقامه ذلك العدو للإيقاع بأبناء الأرض التي اغتصبها... ومن أعماقه الإنسانية الصافية، تهيأ للطبيب أحمد الذي كان يقود سيارته برفقة زوجته التي يحبها، أن الكابوي) الإسرائيلي قد أمر جنوده بالسماح لسيارة الطبيب أن تعبر الحاجز دون تفتيش، كنوع من رد الجميل... وفي ذات الوقت الذي راح عقل الطبيب يحاكم هذا الرد على ضوء قناعاته الوطنية والقومية، ويرفضه ثمناً لصنيعه الإنساني السابق مع عدوه، "يرفض هذا الشكر والإعتراف بالجميل"،عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ] لأنه يتنافى مع الدافع الإنساني الذي كان وراء انقاذه لحياة عدوه، عدوه الذي "لم ينقذه لأنه ضابط، بل لأنه إنسان"،عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ] في ذات الوقت، ومن خلال الينبوع الإنساني الصافي المتدفق في أعماقه، لمح النقيض... عبر وجدانه كبرق خاطف مثير، أيقظه من سباحته في أوهام الطيبة والنقاء، ورده إلى قناعته التي كوّنها بتجربته المرة في معاناة الاحتلال، قناعته التي صاغها وعيه الوطني والقومي، في الحوارية السابقة سؤالاً حاداً، طرحه على ضميره الإنساني" وهل يتحول الذئب إلى شاه"؟عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]
للوهلة الأولى، رفض ما خطر له، رفض تصديق ملامح الذئب الذي يتهيأ للإنقضاض على منقذ حياته، والتي رآها في وجه الضابط الإسرائيلي... رفضها متسائلاً بدهشة: "هل يعقل أن يكون الإعتراف بالجميل بمثل هذا الشكل الحاقد؟ عقله يعجز أن يتصور ذلك."عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ] لكن التصرف الوحشي الحاقد سرعان ما اضطر عقل الطبيب إلى التخلي عن عجزه، والصيرورة إلى القناعة بالبرهان الحسي، عما كان عاجزاً عن تصوره... كان ذلك، حين اخترقت سمعه " أصوات طلقات تخترق زجاج سيارته"عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ] وفي لحظة رهيبة، تنتاب الإنسان الحائر بين التصديق والتكذيب لما يظنه، في تلك اللحظة التي تفصل بين التصور والحقيقة بإدراك الواقع الملموس، التفت الطبيب، لا إرادياً إلى الوراء، مستطلعاً مصدر النار، فإذا به يرى "الضابط إياه يقف أمام الحاجز، شاهراً مسدسه ومنظره يوحي بالوحشية "عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ] ولكي يكمل نبيل عودة إحساس قارئه بالصدمة الفاجعة، وإثارته بها، يضع إحدى تلك الرصاصات العنصرية الحاقدة، في رأس الزوجة المسكينة... "أثار انتباهه عدم رد فعل زوجته لما حدث، توسعت حدقتي* عينيه وصعق لمرأى الدم المتفجر من رأس زوجته.".عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]
وهنا، في هذه اللحظة، تداعت كل الأوهام دفعة واحدة، في رأس الزوج المفجوع، الزوج الإنسان الذي أنقذ بالأمس حياة قاتل زوجته اليوم.. ومع تداعي الأوهام التي هيأت له بالأمس إمكانية صيرورة الذئب شاة، عبر معالجة ذئبيته بصنيع إنساني، انطلق خياله في رحلة مرهقة من التصورات التراجيدية، "فرأى طفله يركض وراء النعش ينادي بأقوى صوته "ماما"..
لغم ينفجر بالصغير فيرتفع عمود دخان. وحين يأخذ صوت الانفجار والدخان بالتلاشي، يبحث عن طفله فلا يجد إلا بقية رجل بحذاء طفولي ممزق.".عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]
وهربا من هذا التصور وأمثاله، وإيماناً قوياً بضرورة منع صيرورته واقعاً، بأي ثمن، يقرر أن يدق بنفسه، أول المسامير في نعش ذلك الذئب العنصري، وأن يسدل بيديه اللتين أنقذتاه يوماً، الستار على استمرارية هزلية قتل الفلسطيني مجاناً ... ففي واقع تسوده شرعة الغاب وقوانينه، لا مجال للتسامح، أو الطيبة، أو الإنسانية الزائدة مع الذئاب... لأن "الإنسانية الزائدة تتحول إلى هبل"عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ] أحياناً..
ومن منظر زوجته المغدورة، وحيلولة دون أن يلقى ابنهما نفس المصير يوماً، نراه "يشغل موتور السيارة، ويأخذ المقود إلى أقصى اليسار، وينطلق بالسيارة مبعثر الذهن، دمه يسح على وجهه، نحو الحاجز، والألم يكاد يمزقه من الداخل، والضابط الكابوي أمامه.."عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ] وإلى أين، ولماذا؟ عقله مشلول، عاجز عن الإجابة... الإجابة تصوغها الآن مشاعره المهتاجة، وألمه الفاجع، وترسمها على صفحة مخيلته المضطربة صوراً مرعبة... "طفله يضحك، ومع ضحكه يتدفق الدم... تعابير عقيمة تتصارع في ذهنه، زوجته لا تزال تبتسم... وكأنما تقول له هذا ما جنيته علي..."عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ] ومحاولة يائسة منه لنفي هذه الخطيئة عن نفسه، لنفي الإحساس الرهيب بأنه السبب في قتل زوجته، ولجعل القاتل العنصري يدفع ما لا يتوقع دفعه من ثمن لجريمته" يضغط بقدمه على دواسة الوقود حتى يجعلها تلامس أرضية السيارة... يديه** تتسمران فوق المقود، ونظراته تتمغنط فوق صلعة الضابط .. الكابوي الذي يلوك سجائره ... النظرات التي تحمل الكراهية خلقة..."عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ] ويحصل اللقاء الوحيد المعقول والمنطقي بين الضدين... بين الإنسان الفلسطيني وعدوه العنصري..
وبهذه النهاية التراجيدية، يكون نبيل قد وضع أمام بصيرة قارئه وعقله، الطرف الثاني من المفارقة... ودون أن يقول له ما حدث بعد انطلاق بطله بالسيارة تجاه الضابط القاتل، يتركه، وكأنما عجز عن متابعة القص، لشدة حزنه وتأثره وانفعاله، يتركه ليحكم بحرية على ما يتوهمه البعض من إمكانية تعايش الذئب الإسرائيلي العنصري مع الإنسان الفلسطيني، تعايشاً سلمياً، ليصل -أي القارئ- بنفسه إلى القناعة باستحالة تجسد هذا الوهم واقعاً.
بتعبير آخر، نجح نبيل عودة، من خلال عرض الموقف الإنساني لبطل قصته، ومن خلال عرض رد الفعل الإسرائيلي النقيض على هذا الموقف، ومن توظيف العرضين في سياق حدثي معقول ومتماسك، نجح في تفجير مقولة التعايش السلمي) كاحتمال ممكن، وفي دفعها إلى حدود المستحيل، مهما يكن الإطار السياسي المقترح لتطبيقها.
وعلى خلفية افتراض صحة القناعة باستحالتها، يمكن قراءة عنوان القصة، على مستويين: ظاهري ورمزي... على المستوى الظاهري، البسيط والمباشر، لا تتعدى دلالة العنوان الحاجز العسكري الإسرائيلي الموصوف، في القصة، شكلاً وأهدافاً... أما على المستوى الرمزي، فيصبح ذا دلالة أبعد وأعمق... إنه الحد الفاصل والثابت بين المعتدي والمعتدى عليه، بين العنصري والإنساني... وبالتالي فهو حاجز قوي بين ضدين... حاجز مادي ومعنوي في آن معاً..
وبالطبع، سيظل هذا الحاجز قائماً بينهما، ما دام وجود أحدهما يشكل عدواناً مادياً مستمراً على وجود الثاني، وهضماً لحقوقه المشروعة، ونكراناً ونفياً لحريته وإنسانيته... وبالتالي، فإن الحالة الوحيدة التي تسمح بزوال هذا الحاجز، هي زوال حالة العدوان أولاً... أي تحرير الأرض الفلسطينية من غاصبها... أما لقاء الضدين تحت مظلة استمرارية العدوان، فلا يمكن أن يتمظهر على شكل تعايش سلمي، وإنما على شكل صراع عنيف، وهو ما انتهى نبيل عودة إلى تأكيده في خاتمة قصته، ليؤكد من خلاله لا معقولية السلام بين الذئب العنصري والإنسان...
* - المقصود بالكابوي، في القصة، هو الضابط الإسرائيلي المسؤول عن الحاجز الذي اعترض الطبيب أحمد لتفتيشه. والمؤلف يشبهه بـ كابوي أمريكي) متغطرس، في اكثر من موضع عبر سياق القصة... وهو، ولا شك، تشبيه مقصود، من السهل فك الدلالة الرمزية لشيفرته...
(1) قصة الحاجز)، مصدر سبق ذكره.
(2) قصة الحاجز)، مصدر سبق ذكره..
(3) قصة الحاجز) مصدر سبق ذكره..
(4) قصة الحاجز)، مصدر سبق ذكره..
(5) قصة الحاجز)، مصدر سبق ذكره..
(6) قصة الحاجز)، مصدر سبق ذكره..
(7) قصة الحاجز)، مصدر سبق ذكره..
(8) قصة الحاجز)، مصدر سبق ذكره...
(9) قصة الحاجز)، مصدر سبق ذكره..
* - هكذا في النص، والصواب حدقتا).
(10) قصة الحاجز)، مصدر سبق ذكره..
(11) قصة الحاجز)، مصدر سبق ذكره..
(12) قصة الحاجز)، مصدر سبق ذكره..
(13) قصة الحاجز)، مصدر سبق ذكره..
(14) قصة الحاجز)، مصدر سبق ذكره..
** - الصواب يداه).
(15) قصة الحاجز)، مصدر سبق ذكره..
[/align]
|
|
|
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
|
|
تعليمات المشاركة
|
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك
كود HTML معطلة
|
|
|
الساعة الآن 45 : 09 AM
|