التكفير بين مدرستين
دريس الكنبوري
العدد :2564 - 26/12/2014
رمت* مؤسسة* الأزهر* في* الأسبوع* الماضي* حجرة* كبيرة* في* بركة* راكدة،* وذلك* بإصدارها* بيانا* ترفض* فيه* تكفير* ما* يسمى* *«الدولة* الإسلامية* في* سوريا* والعراق*»* وحركة* *«داعش*»،* وذلك* بمبرر* أنه* لو* قام* الأزهر* بتكفير* تلك* الجماعة* فإنه* سيسقط* في* فتنة* التكفير،* ويرد* على* تكفير* بآخر،* وهو* ما* لا* يتماشى* مع* المنهج* الوسطي* الذي* يسير* عليه،* حسب* البيان*.
هذا* التصريح* أوقع* الكثيرين* في* الحرج،* ودفعهم* إلى* طرح* تساؤلات* حول* ما* إن* كان* الأزهر* يتهرب* من* مواجهة* الوقائع،* وما* إن* كان* عدم* تكفيره* لحركة* *«داعش*»* سيزيد* في* إجرامها،* ويعتبر* بمثابة* *«تبرئة*»* لساحتها* من* عمليات* القتل* والذبح* وسفك* الدماء*.
موقف* الأزهر* في* هذا* التوقيت* يضع* حدودا* عقدية* بين* مدرستين* كثيرا* ما* تبادلتا* الضربات* تحت* الحزام،* وهما* الأشعرية* والحنبلية؛* فالمعروف* أن* أتباع* المدرستين* كثيرا* ما* واجهوا* بعضهم* البعض* عبر* التاريخ* الإسلامي،* بل* وصلت* المواجهة* حد* الاقتتال* بحد* السيف* وتبادل* النعوت* القدحية* والهجومات* اللفظية،* وذلك* في* إطار* الخصومات* بين* الفرق* الكلامية،* أو* الاعتقادية* بالأصح*. وقد* أحيى* الحنابلة* الجدد،* في* القرن* التاسع* عشر* مع* ظهور* الوهابية* في* شبه* الجزيرة* العربية،* هذه* النقاشات* الكلامية* بين* المدرستين،* ومعها* تم* تجديد* الخلافات* القديمة*. ويميل* السلفيون* الحنابلة* إلى* الحديث* عن* أشعريين* وليس* عن* أشعري* واحد،* فيتبنون* الأول* وينتقدون* الثاني،* بل* منهم* من* يبالغ* إلى* درجة* تكفيره*. أما* لماذا؟* فلأن* أبا* الحسن* الأشعري* كان* معتزليا* في* بداياته،* والمعتزلة* فرقة* ضالة* عند* السلفيين،* ثم* رجع* عن* الاعتزال* وأعلن* دخوله* في* زمرة* *«أهل* السنة* والجماعة*»،* وألف* كتبا،* من* بينها* كتابان* ضمنهما* أفكاره* واعتقاداته،* هما* *«اللمع* في* الرد* على* أهل* الزيغ* والبدع*»* و»الإبانة* عن* أصول* الديانة*»،* فتأسست* حوله* مدرسة* مخالفة* للاعتزال*. لكن* السلفيين* يرفضون* نسبة* الكتاب* الثاني* إلى* الأشعري،* ويقولون* إنه* منحول* ومنسوب* إليه* على* غير* تحقيق؛* وفي* أدنى* الحالات،* منهم* من* يقر* بهذه* النسبة* لكنه* يرى* أنه* كتب* في* مرحلة* التأثر* بالمعتزلة،* لأن* الأشعري* يحاول* فيه* التوفيق* بين* العقل* والنص،* بينما* يعتمدون* كتاب* *«الإبانة*»* لأن* الأشعري* يعترف* فيه* بمنهج* أحمد* بن* حنبل* وينتصر* لأهل* الحديث* الذين* يرفضون* العقل،* وكتب* في* مرحلة* متأخرة* ما* يعني* أن* صاحبه* نضج* وزال* عنه* تأثره* بالمعتزلة*. ولكن* الذين* درسوا* الأشعري،* ومنهم* الدكتور* محمد* الأمين* السماعيلي* الذي* أخرج* كتاب* *«اللمع*»* قبل* عامين،* يرون* أن* هذا* الأخير* أكثر* عمقا* من* الكتاب* الأول* وأكثر* تعبيرا* عن* المنهج* الأشعري*.
من* هنا* يظهر* أن* الأزهر* أراد،* من* خلال* ذلك* الموقف،* التأكيد* على* المنهج* الأشعري* في* العقيدة،* المخالف* لمنهج* السلفيين* الحنابلة* الذين* ارتبطت* بهم* فتنة* التكفير* في* العصر* الحديث،* علما* بأن* الأشاعرة* لا* يميزون* بين* الكتابين* المذكورين،* بل* يرون* أن* لكل* واحد* منطقه* وأنهما* يمثلان* مرحلتين* في* فكر* الأشعري،* وما* ورد* في* كتاب* *«الإبانة*»* عن* ابن* حنبل* لا* يعني* تبعية* الأشعري* له* وعدم* استقلاليته* بمنهجه*. وإذا* لاحظنا* أن* مفتي* المملكة* العربية* السعودية،* مهد* الوهابية،* تناغم* مع* موقف* الأزهر* ولم* يكفر* حركة* *«داعش*»،* واكتفى* بوصفها* بالضلال* وبكونها* *«شرا* وبلاء*»،* نكون* أمام* تحول* جنيني* داخل* الوهابية* تجاه* ظاهرة* التكفير،* التي* أصبحت* وباء* يحصد* الأخضر* واليابس* باسم* الدين*.
بيد* أن* المشكلة* تتجاوز* مجرد* اختلاف* بين* مدرستين* اليوم،* فالتكفير* أصبح* ثقافة* خطيرة* منتشرة* بسبب* توالي* عقود* من* الزمن* على* تداولها،* حتى* داخل* التيار* الإسلامي* الحركي،* لأن* عمق* هذا* التيار* يظل* سلفيا* متأثرا* بالسلفية* الوهابية* بشكل* واضح،* وذلك* لأن* التيار* الإخواني* في* العالم* العربي* أشعري* من* حيث* المنهج،* سلفي* من* حيث* العقيدة؛* ويكفي* إلقاء* نظرة* على* كتاب* *«فقه* السنة*»* فحسب* للسيد* سابق* لكي* يتم* تلمس* هذا* العمق* السلفي،* بالرغم* من* أن* محمد* ناصر* الدين* الألباني* ألف* كتابا* في* الرد* عليه،* والأول* أشعري* بينما* الثاني* سلفي* حنبلي*.
إن* القضية* الرئيسية* في* هذا* الصراع* كله* هي* قضية* عقدية* بامتياز،* تمتد* بجذورها* إلى* قرون* مضت* وتم* إحياؤها* في* العصر* الحديث،* ثم* تطورت* مع* الزمن* الحالي* بعد* ظهور* هذه* الجماعات* الدينية* المتكاثرة،* والتي* أعادت* استهلاك* الخلافات* القديمة* في* ثوب* جديد،* وكأنها* فرق* اعتقادية،* أو* كلامية،* جديدة،* سوى* أنها* لا* تمارس* الكلام*. ويرجع* العطب* إلى* أن* التجديد* لم* يمس* الجوانب* العقدية* من* أجل* تطهيرها* من* النتوءات* التي* كان* لها* زمنها*. وقد* يكون* التصحيح* اليوم* مرتبطا* بإجراء* عملية* تقريب* بين* الأشعرية* والحنبلية،* وهي* عملية* صعبة* بسبب* تراكم* الخلافات* ووجود* أطنان* من* الكتب* السلفية* التي* تهاجم* الأشعرية،* وتشبه* عملية* جراحية* لزرع* قلب* جديد،* لكنها* ليست* مستحيلة* لو* توفرت* الإرادة* من* الجانبين*. وفي* ظل* التحولات* الكبرى* اليوم،* ربما* بدأت* تظهر* أهمية* المنهج* الأشعري* في* نشر* ثقافة* الاعتدال* ورفض* التكفير،* وقد* يكون* الإقبال* على* التجربة* المغربية* في* الإصلاح* الديني،* إذا* لاحظنا* تزايد* البلدان* التي* تسعى* إلى* نقل* التجربة،* راجعا* بدرجة* أساسية* إلى* المنهج* الأشعري*.
عن جريدة المساء المغربية
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|