الدفء الداخلي
[align=justify]
تلك الحروف التي ننثرها على الورق ونراها تكبر يوما بعد يوم لتصير على هذا الشكل أو ذاك من العطاء ، هل هي لمجرد الاستهلاك اليومي السريع أم أنّ الواحد منـّا يعطيها عن قصد وإصرار الكثير من مشاعره وأحاسيسه وعواطفه لتكون معبّرة عن دفئه الداخلي بامتياز ؟؟..
يفترض أن نكتب من خلال التوازن والامتلاء دون التلفت كثيرا ومراقبة الآخرين وإبداعاتهم إلا مراقبة القارئ المستفيد من زملاء يعطون ويبدعون ، أي مراقبة الحب التي تبعد بالتأكيد أي نوع من أنواع الإساءة أو النظر بشكل فيه شيء من الحسد أو الغيرة التي لا معنى لها .. لأن الكتابة النابعة من الدفء الداخلي تعي وتعرف أن هناك الأجود والأقل جودة دون توقف .. فهناك من هم أمامنا في الكتابة ، وهناك من هم خلفنا قيمة ووزنا في الكتابة .. والكاتب يستفيد من الجميع ويعطي قدر استطاعته ويبذل جهده ويتنافس بحب كي يتميز .. وهناك شيء أكيد على الكاتب أن يعرفه ويعيه ويضعه ملء يقينه ويسير على هديه دون نسيانه ، بل يجعله الضوء الذي يستنير به ، وهو أن كل كاتب متميز بالضرورة لأن الكتـّاب كنز الوطن والزمن والتاريخ في كل حين .. لذلك فليؤمن الكاتب أنّه في ساحة عطاء ورفد وإضافة .. وليعمل على أن يكون الأجود رغم وجود الأفضل دائما لأننا لا يمكن أن نغلق الباب في وجه تدفق الإبداع بأشكال كثيرة تسبقنا أو تتبعنا وهذا لا ضير فيه لأنه قانون كل شيء ، كما هو قانون الكتابة والإبداع .. ومن يصرّ على إلغاء الآخرين أو نفيهم كي يثبت أنه الأفضل يكون بالتأكيد بعيدا عن الدفء الداخلي في الكتابة والإبداع والعطاء ..
إنّ الكتابة تصوّف والتفاف رائع حول الكلمة حتى تشعر بالامتلاء والضوء الذي ينير بصيرتك حتى يفيض بنوره على السطور فيكون علما يشعر المتلقي بحبك أولا واحترامك للحرف ثانيا ولمن يتعامل مع الحرف ثالثا والشعور بالجمال الذي يقدمه غيرك وتقديره رابعا .. هذه الأقانيم البسيطة هي التي تجعل من عالم الكتابة عالما سامقا جميلا مضيئا في كل حين .. أما الإصرار على التقوقع حول الذات والظن أن العالم كله مرتبط بهذه الذات وأنه لا أفضل مما تبدع هذه الذات ، فتلك مشكلة المشاكل والسكين التي تنحر كل مبدع .. وإذا قلنا من قبل بأن شيئا من حب الذات والغرور الإيجابي مطلوبان ، فإن ذلك لا يتنافى أبدا مع ما أوردناه من حب ودفء وصوفية وترابط بل تشابك جميل مع كل عطاء متميز .. ولنا أن نعي أنّ المبدعين الكبار كالمتنبي مثلا كانوا ممتلئين برؤية الذات والنظر إلى مرآة إبداعهم بالكثير من الفخر ، لكن ذلك لا يلغي أبدا حبهم للآخرين بل استفادتهم من عطاء كل مبدع مهما قلت أو علت قيمة إبداعه ولولا ذلك لما كان الواحد منهم متفوقا كبيرا قادرا على البقاء في رحم الزمن .. ولنا أن نثق بأن المبدع الكبير لا يمكن أن يتخلـّى عن الدفء الداخلي الذي يحرك فيه القدرة الفذة على العطاء مع انتباهه الشديد لكل ما حوله دون التفكير طويلا بأن هذا سبق ذاك أو هذا تخلف عن ذاك ، فالمبدع الحقيقي يفكر برفد عطائه والسير به إلى الأمام قدر جهده عارفا واثقا من أن دفأه الداخلي يحميه من أي خلل يمكن أن يحدث..
[/align]
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|