يوسف باشا ابن سيف)
يوسف باشا الذي تجاوز عمره المائة عام وله أعداد كبيرة من الأولاد والأحفاد مرعشي تركماني غادر موطنه الأصلي وجال كثيرا من البلدان، فعمل جمّالا فترة طويلة ثم عسكريا من قوات التحرك السريع وأخيرا توطن في ديار عكا القريبة من طرابلس الشام وقد اشتهرت ببساتينها وحدائقها ووفرة مياهها. ثم جاءت به تقلبات الرياح إلى طرابلس ليعمل مشرفا على الأسطول والأمراء المتعاقدين على المجاذيف في السفن. ثم عين على طرابلس على أن تحول إلى ولاية ويكون واليا عليها. لكنه دخل في قتال مع ابن جانبولاد فانكسر ، واعتصم بقلعة الشام، فأنقذه من هذا الحصار ابراهيم افندي ابن فاضل علي بكزاده، فخاصم هذه المرة ابن معن ولم يخل يوما عن منازعته. كان يوسف باشا أبيض اللحية اسود البشرة تشوب وجهه بثرات الجدري، وقد غلب عليه المكر والدهاء، فكان يقتل الناس ويرميهم في البئر، ولم يكن بوسع أحد أن يقول إن الباشا قتل فلانا ورماه او غيبه في البئر. ويقال أن خوف الناس بلغ منه مبلغا بحيث أنشا العديد من الخزائن من الأموال التي نهبها ودفنها في حفر بأماكن خربة ودفن مع هذه الأموال من قام بحفرها حتى لا يفشى أحد ذلك لغيره . وفي حادثة السلطان عثمان طرد الانكشارية من تلك المنطقة واستقل بها بواسطه عساكره التابعين له . وعندما جيئ بمصطفى باشا اللفكوي إلى الصدارة عين عمر باشا الكتنجي واليا على طرابلس، فلما وصل إلى طرابلس غادر ابن معن مقر امارته في بيروت متوجها إلى طرابلس، في الوقت الذي غادرها ابن سيف متوجها إلى عكا. فتحالف عمر باشا مع ابن معن وبدأ بالتحضير للهجوم على ابن سيف ولكن حدث تغيير في مقام الصدارة فجيء بحسين باشا ليكون الصدر الأعظم وليعين ابن سيف مساعدا له وكتخدا بابه في العاصمة ، فأخذ أحد أصدقائه صورة القرار هذا وسافر على عجل إلى هناك، فلما كشف ابن سيف صورة القرار غضب عمر باشا ومعه ابن معن فلم يعمل بموجب هذا القرار، وصمما على مهاجمة عكا، لكن عمر باشا أخذ بنصيحة علي افندي قاضي طرابلس فعاد، فكان الطريق مفتوحا لابن سيف فتقلد المنصب مرة أخرى. ومن حيل ابن سيف ومكره أنه عندما عزل من منصبه وضع صناديق خزائن في برج كبير مقفل بداخل البحر، ثم أرسل من رجاله من يخبر عمر باشا بذلك فاصطحب عمر باشا القاضي علي أفندي إلى حيث يوجد البرج وقد قفلت صناديقه بأقفال قوية ومحكمة فلما كسرت اقفال وجدوا بداخل بعض الصناديق رملا وحجارة وفي أحدها شمع وكافور وفي الثالثة سنجات قبان ولم يكن فيها أي أثر للمال عندها استشاط عمر باشا غضبا فقطع رأس من أخبره بذلك، فلما بلغت هذه القضية مقر الدولة شاع بين الناس أن ابن سيف معروف بالثروة والغنى وأن عمر باشا وضع يده على خزائنه، وأنه قتل من دله على ذلك كيلا يكون هناك اي دليل على سطوه هذا، وذهبت جهود عمر باشا لإقناعهم بالحقيقة أدراج الرياح، فحزن حزنا شديدا. ومن حيل ابن سيف أن سفينتين شراعيتين تابعتين لتجار البندقية وقد حملتا ببضائع وفيرة ونقود وأجواخ تقدر وفي كل سفينة أربعون من الفرنجة، فلما رستا قبالة طرابلس وضع ابن سيف يده عليها وأخذ الكفار إلى المحكمة وأسرّ في اذن الترجمان كي يقول على لسان بحارة السفنتين " إننا مالطيون خرجنا للقرصنة فدفعتنا الرياح إلى هذه البلاد. ولما سألهم علي أفندي حين المرافعة" من أنتم؟ " فأجابوا" نحن مستأمنون" لكن الترجمان قال على لسانهم" نحن مالطيون " فكان للباشا ما أراد فلم يترك فرصة لأحد لن يتفحص الأمر، وتمكن من تسجيل ذلك وأخذ الحجة وقبض الأموال وباع السفن، ثم أخذ الفرنجة الثمانين إلى عرض البحر فطقع رؤوسهم جميعا ورماهم في البحر، ثم أرسل من هذه الأموال إلى الآستانة ثلاثين ألف فلوري أحمر على أنها التي استولى عليها، وأخفى الباقي، فلما وصل الذي اشترى احدى السفينتين إلى إزمير، رآها الشهبندر المقيم في ازمير عرفها فقبض عليها، وأخبر الآستانة بذلك وتمكن من الحصول على أوامر عليه لاستردادها وإحقاق الحق ، ولما وصل إلى طرابلس لجأ ابن سيف إلى حيله كعادته فأرسل رجاله لاستقبال الشهبندر وتظاهر بتكريمه وأنزله منزلا، وجهز المنزل بكل ما يحتاجه ثم أرسل إليه الترجمان سرا ليقول له أنه إذا أصر على القول بأن السفينة كانت مستأمنة، وأخرجت تلك الأوامر للعلن فساقتلك وأقتل من معك من المباشرين والكفار، ولن يكون هناك من ينطق بكلمة واحدة ، فلما جاء الشهبندر للقائه سأله الباشا ما الأمر يا شهبندر؟ فأجابه الشهبندر بعد أن أدرك الخطر الذي يواجهه " لقد جئت لزيارة سيدي"، ثم عاد من حيث أتى، فأرسل الباشا فرقته الموسيقية العسكرية، فأقاموا حفلة موسيقيه في منزل الشهبندر، كما حصلوا على مكافأة منه تقدر بمئة قرش، وبذلك تمكن الباشا من إخفاء ما بقي لديه من هذه السرقة، وهناك الكثير من الحيل التي لجأ إليها ابن سيف. اما عمر باشا الذي عزل من منصبه فقد أرسل احماله عبر بعلبك ثم توجه إلى قبرص، وفي الطريق إلى هناك استولت ست سفن تابعة للدوق على الأموال التي حمّلها في السفن إلى هناك، وفي فترة لاحقة أصبح باشا أنطاكية وقتل الإمام ومحافظ القلعة اللذين قتلا قضاتها.
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|