[align=center][table1="width:100%;background-image:url('http://www.nooreladab.com/vb/mwaextraedit2/backgrounds/92.gif');border:7px groove green;"][cell="filter:;"][align=center]
[align=right]
طلعت.. يا أخي وصديقي
يا ابن عمتي وبعض نفسي ودمي..
مرّ وقت طويل لم أكتب لك واترك فوق الورق بعض نفسي وبعض همّي
تعودت أن أكتب لك وأترك على صفحات شارع عمري بعض نفسي وبعض ألمي وكل ما يمكن أن يزيح عني..
في الذكرى الستين لاغتصاب وطننا و وطن أجدادنا يملؤني الشعور بالغربة وصقيع الروح، أتمنى أن أبكي.. أن أصرخ.. أن أمارس كل أنواع الرفض لهذا الظلم الذي جعلني لاجئة بلا ذنب ولاجريرة ، عارية من الوطن ودفء الوطن واجتماع الأهل والأقارب.. في الأعياد والأفراح وحتى المآتم.. حتى من جبانة تضمنا في نهاية المطاف وينهال فوقنا تراب الوطن والأجداد.
أقف اليوم على أحد مفارق الغربة الطويلة..
أقف في شارع غربتي تدميني الأشواك وتصفعني الرياح ، أشعر بحرقة القهر ومرارة الظلم الذي امتدّ على طول العمر..
أشعر بروح أبي وهو في السادسة عشر تنتزع منه أرضه ووطنه ومدرسته.. رفاق طفولته وصباه بين ضحية لمجازر الصهاينة ومشرد في أرض الله .. ذكرياته كلها .. عنفوانه.. حتى سريره وصور طفولته وحصالة نقوده وأشياء صغيرة قد يكون جمعها في علبة داخل أحد الأدراج في غرفته.. المرآة التي كان يطالع فيها وجهه كل يوم والجدار الذي كان يقيس بخط قلم رصاص فوقه طول قامته، حديقة الدار ودالية العنب والياسمينة العتيقة..
مسجد جدي حين كان يصليّ خلف والده مطمئناً وبسطه وقاعاته وشهر رمضان والحارات والمآذن وصحن طعام يحمله من والدته لخالته، تكبير العيد وفرح اجتماع الأهل والأقارب..
كيف كان يمكن أن يغتصب ويسلخ كل هذا وأي جرح كان يدمي قلبه وقلوب كل أبناء فلسطين؟!!!!
آآآآآآآآآآآآآه..
نكبة فلسطين بركان في صدري وشوقي لحيفا سياط تلسعني والزمن عقارب تنهش عمري والاحساس بالظلم والقهر والغدر مرير جداً لا يترك بين الضلوع مساحة كافية حتى للفرح..
حرّموا علينا حتى الفرح وأمان الوطن الذي لا يضاهيه أمان!
يا صديقي لوكنا الآن في حيفا كيف كان سيكون شكل الدنيا وكم كان قلّ حجم الدموع ومرارة الحياة!!
لو كنا في حيفا نسير في دروبها يملؤنا الأمان والسلام، نعيش وطننا ونتنفس هواءه ونشرب من مياهه!!
لوكنت تكتب قصائدك فرحاً على جدران حيفا!!
ماذا يعني أن يجمعوا الناس من شتى أقطار الأرض ويحرموننا وطننا ويعطونهم أرض ليس لهم فيها جذور بدلاً عن أوطانهم الحقيقية؟؟!!
أي جنون هذا وأي قدر من الحقد والشر؟!!
آه يا طلعت كم أحتاج أن أتنسم هواء حيفا وتطأ أقدامي أرضها وامرغ وجهي في ترابها ، أدخل بيت جدي وأغرس نفسي هناك حيث جذوري حتى يستقيم العمر وأرتاح من نيران هذا البركان الثائر في صدري..
مثلي مثلك ومثل كل فلسطيني مشتت مبعد عن جذوره..
في كل يوم حيفا تناديني.. أسمعها تناديني وتأخذ روحي إليها تطوف في أرجاءها وتنزف وجد الشوق والحرمان المرير في أحضانها..
إنه العشق الفطري ومن لم يتذوق مرارة الظلم والحرمان من وطنه لا يمكنه أبداً أن يدرك عمق جراحنا
طلعت يا صديقي
هل سنعود يوماً إلى حيفانا ونكتب قصيدة العودة محفورة على صخورها ونطالع ضوء القمر على صفحات بحرها ونعانق الشجر فوق كرملها ويبتسم وجه جدي في ذاكرتنا ويستقيم العمر قبل أن تسقط كل أوراقه عن أشجار حياتنا؟؟؟!!
hifa 1.jpg
[/align][/align][/cell][/table1]
[/align]