أنا لستُ جسدي! د. رجاء بنحيدا
"أنا لستُ جسدي!"
عبارة صادمة، أليس كذلك؟ لكنها تعكس حقيقة مُرة، لطالما تجاهلناها. نحنُ أسرى لأجسادنا، نقدسها، ونجعلها محور وجودنا. لكن، هل هذا صحيح؟
هل أنا حقاً هذا الجسد الذي يحملني؟ هل أنا مجرد مجموعة من الخلايا والأعضاء؟ أم أن هناك شيئاً أعمق، شيئاً يتجاوز هذا الوجود المادي؟
أنا أرفض أن أكون مُجرد جسد. أنا أرفض أن أكون سجينة لهذه القوالب الجاهزة التي يفرضها المجتمع. أنا أختار أن أكون حرة، أن أتحرر من قيود الجسد، وأن أكتشف حقيقة ذاتي.
فلأكن حذرة من هذا الجسد، ولأعتني به، ولكن دون أن أجعله معبدي.
أنا أرفض أن أكون أسيرة لجسدي، بل أختار أن أكون حرة، وأن أعيش حياتي بكل ما فيها من تحديات وصعاب.
أليس هذا الجسد هو نفسه الذي يحملنا على أكتافه في رحلة الحياة، بكل ما فيها من تحديات وصعاب؟
بلى، ولكنه أيضاً هو نفسه الذي يشيخ ويضعف، ويمرض ويموت. فلماذا نجعله محور حياتنا، وننسى أننا مجرد عابرين في هذه الدنيا؟
أليس هو الذي يعبر عن مشاعرنا، فيبدو على محياه الفرح، وينعكس في عينيه الحزن؟
صحيح، ولكن المشاعر ليست كل شيء. نحن بشر، لدينا عقل وإرادة، وقادرون على التحكم في مشاعرنا، وتوجيهها نحو ما هو أفضل لنا.
إنّ هذا الجسد هو سفينة الروح، تبحر بنا في بحر الحياة، ومهما كانت الأمواج عاتية، يبقى هو صامداً، يقودنا إلى بر الأمان.
ولكن، أليس من الأفضل أن نكون نحن قادة هذه السفينة؟ أليس من الأجدر أن نتحكم في مصيرنا، وأن نختار الطريق الذي نسلكه؟ فلنستمع إلى هذا الجسد، ولنصغي إلى همساته، ولكن دون أن نجعله هو المرشد والدليل.
إنّ جسدنا ليس مجرد أداة نستخدمها، بل هو شريك في رحلة الحياة، يتأثر بما نمر به من أحداث وتجارب.
فلنعترف بهذا، ولكن دون أن نجعله هو المتحكم في حياتنا.
فلنعتني بهذا الجسد، ولنحبه، ولنقدره حق قدره.
نعم، ولكن دون أن نجعله هو الهدف الأسمى في حياتنا.
فلنجعله صديقاً لنا، ولنستمع إليه، ولنحترمه.
ولكن، هل الصداقة تعني التبعية؟ أليس من الأجدر أن نكون أصدقاء لأنفسنا أولاً، وأن نختار بحرية من نصادق؟
فلنتذكر دائماً أنّ هذا الجسد هو هبة من الله، فلنحافظ عليه، ولنصنه، ولنستثمره في فعل الخير.
صحيح، ولكن هل فعل الخير يقتصر على الاهتمام بأجسادنا؟ أليس هناك جوانب أخرى لحياتنا تستحق أن نوليها اهتمامنا؟ فلنجعل حياتنا متوازنة، ولننظر إلى أجسادنا كجزء منها، وليس ككلها.
أنا لستُ جسدي، بل هو رفيقي في هذه الرحلة. سأعتني به، ولكن دون أن أجعله سجني.
ولكن، لحظة! ماذا عن تلك اللحظات التي يخذلنا فيها هذا الجسد؟ لحظات الضعف والمرض، لحظات العجز والهزال؟ أليس هو نفسه الذي يجعلنا نشعر بالوحدة والعزلة؟ أليس هو الذي يفضح هشاشتنا وضعفنا؟
في تلك اللحظات، يصبح الجسد عبئاً ثقيلاً، سجناً خانقاً، يصبح هو العدو الذي يمنعنا من تحقيق أحلامنا، ويقيدنا بقيود لا نملك لها فكاكا.
فلماذا نقدس هذا الجسد، ونجعله محور حياتنا، وهو الذي يحمل في طياته بذور فنائه؟
أليس من الأجدر أن نتحرر من هذه العبودية، وأن ننظر إلى ما هو أبعد من الجسد، إلى الروح، إلى العقل، إلى القيم والمبادئ التي نؤمن بها؟
فلنجعل حياتنا أكثر توازنا، ولننظر إلى أجسادنا كجزء منها، وليس ككلها.
فلنعتني بأجسادنا، ولكن دون أن نجعلها هي الهدف الأسمى في حياتنا.
فلنجعل حياتنا رحلة استكشاف لذاتنا، وللعالم من حولنا، ولنجعل أجسادنا هي الوسيلة التي تساعدنا على تحقيق ذلك، وليس الغاية التي نسعى إليها.
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|