 |
اقتباس |
 |
|
|
 |
عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة هدى نورالدين الخطيب |
 |
|
|
|
|
|
|
البدر يفرش نوره الحاني على الجميع بلا استثناء وقدر الطيبين أن يكونوا كالقمر في ليل تمامه
رجائي وضيائي الغالية..
بالأمس واليوم لم أجد دقيقة واحدة، فإما غارقة في الموت أو مجدفة بلا توقف في يمّ الحياة..
أشعر أحياناً أني أتنقل بين ضفتي الحياة والموت كما يتنقل الغزال بين الهضاب..!
في كل يوم ألف موت وألف نعش نحمل فوق كواهلنا وألف حياة نتكبد تبعاتها..
أستغرب مثلك وأتألم وأسأل متى تفهم الطفلة في داخلي هذا العالم الغريب؟!
لهذا ولكل هذا، سيكون حديثي اليوم عن الموت.. الموت الذي ما زلت تعيشين فصوله الموجعة..
ربما عن بعض جوانبه الإيجابية.. نعم يا صديقتي لكل شيء إيجابياته حتى الموت ولوعة الفقد والفراق ..
نتغير ونتطور وتزداد بصيرتنا وتكبر نافذتنا المطلة على عالم الروح، يوماً بعد يوم وكلما اقتطع جزء من مجتمع أنفسنا وبتر من يومياتنا..
فتحت عينيّ طفلة غريرة على الموت وهذا البتر المؤلم والمبهم لأعزاء، جدي ثم أبي ثم جدتي لأمي.. لم يتوقف ولكن انتعشت الخسائر مجدداً في السنوات العشر الأخيرة ، والتي بدأت بعمي يحيى ثم بطلعت فعمي صلاح فعمتي أم طلعت فابنتها رجاء وختمت بأغلى إنسانة بالوجود " أميّ"
ناهيك عن أقارب وأعزاء لهم مكانة في حياتي من فصول كاملة إلى صفحات تقل أو تكثر في كتاب روحي وكياني ومجتمع نفسي..!
الغريب في قصتي مع الموت ، والتي تشبه إلى حد ما سلسلتي القصصية " نافذة على العالم الآخر" أني عشت قريبة منه وبين بين ، وازداد اقترابي منه أكثر فأكثر منذ انتقال أمّي للضفة الأخرى ..
حبل السرّة لا ينقطع أبداً بين الأم وابنتها تحديداً، النفس التي انبثقت من نفس والروح التي خرجت من روح ، ويزداد هذا الانصهار أكثر إذا كان بينهما صداقة.. ولأني لم أعاشر أبي تقريباً ولم أعاصره سوى برهة قصيرة ، ولتأكيد الجميع أني أشبهه قلباً وقالباً في معظم التفاصيل - ربما - كنت أشعر أنّ روحه تستقرّ في روحي وأن الروح غادر جسداً كان به واستقر في داخلي.. أما أمّي فما بيني وبينها جعلني دائماً أحس وكأننا شخص واحد..
كنت أعاني فعلياً في تلك اللحظات المفجعة خروج الروح وحين غادرت ، رأيت الجسد المسجّى جسدي أنا..!
إحساسي بالأرواح من حولي يزداد ولا بدّ أن أحدثك عنها ، لكن بلا شك أن رسالتي اليوم نكأت جرحك النازف وأنك بحاجة لنزف رسالة بكل ما فيك من أوجاع الشعور بالفقد وشدة الحنين..
نعم يا صديقتي.. أخرجي ما في جعبتك وحدثيني عن والدتك (رحمها الله وأمي وأبي وجميع أمواتنا ) حدثيني عن الحب .. أواصر الصداقة .. أجمل ذكرياتك معها .. حديث الروح للروح بعد الفقد .. الإلهام ..
الأم ليست فصل في كتاب بل هي سيدة كل الفصول....
لا تحدثيني عنها ألماً ، أشعر بآلامك جيداً.. الحديث عن الأحبّة طاقة بهجة أيضاً .. حدثيني عنها فرحاً ومآثر.. هل كنت في طفولتك مثلي، تنظرين لوجهها بعشق ووله وبقناعة تامّة ترين أنّ أمك أجمل امرأة في الوجود وأن ابتسامتها أكثر إشراقاً من الشمس وجبهتها أشدّ ضياءً من البدر في ليل تمامه؟!
كنت أبحث اليوم عن نفسي بين طيات كتاب غربتي الطويل.. أراجع الذكريات ووجوه الناس في طرابلس ، وكنت آنس بأطيافهم واسترجاع مفرداتهم ومواقفهم.. كنت أعد الأشجار هناك في شارع الحنين على صفحات ذاكرتي، فأضحك وأبكي ..!
لماذا؟
بالأمس زارنا جيران لنا منذ أيام الطفولة في لبنان ،لوصول أحدهم وهو طبيب أسنان متخصص ناجح جداً وله اسم وصيت ممتاز في طرابلس ، لكن ككل من يعيش في لبنان في أسوأ كوابيس هذا البلد ، يحاول جارنا الهجرة الآن ثم السير في رحلة تعديل شهاداته والبدء هنا من جديد..!
ثمانية أشقاء وشقيقات، أكبرهم بعمري وأصغرهم بعمر ابني شادي، ولأن حديث الذكريات كان مادتنا الدسمة في هذا اللقاء وجدت نفسي عالقة في أجواء الذكريات ، أسير في شوارعها وأتفيأ من برد الغربة الذي يهاجمني أحياناً بدفء شمسها..
جميلة وعزيزة طرابلس حتى في أشدّ ليل معاناتها حلكة..!
ليتنا نستطيع يا صديقتي أن نتنقل في الزمكان بين الأزمنة والأمكنة كما نحتاج وكيفما نشاء كلما عصف بنا الحنين إلى المدينة الفاضلة..
صديقتي بزغت شمس صباحك فأشرقي على هذا المتصفح وانسجي من الأحرف فصل جديد سيغدو حين نسترجعه بعد حين شجرة ياسمين من أشجار المدينة الفاضلة..
احبك جداً
هدى
مونتريال 8 أيار / ماي 2022
2.20 صباحاً
|
|
 |
|
 |
|
صديقتي أنت وهداي ..
بيني وبينك حديقة محبة صافية بيضاء .. يانعة مزهرة متوهجة ببتلات بوح صادق مشرق!
صديقتي
حين كتبت لك في آخر مرة ، أسألك عن حالك كالعادة ،وكما استأنست مني ومنك ،حين لا أتلقى ردا ، يطرق بالي ألف سؤال ، خوفا عليك من الرجوع إلى شرنقتك الحريرية الشائكة ، فأقول مع نفسي ، أرجو أن تكون صديقتي بخير
أرجو ذلك وأنا التي تعلم مدى حساسيتك المختلفة ، مدى عمق عروبتك ، مدى صدق وطنيتك ..فأخاف عليك من المواجع ومن نفسك
صبرا ومهلا يا صديقتي ، فطريق العودة بدأت تتضح معالمها ، مهما طال الظلم والاعتداء والإساءة سيعود الحق وسينتصر ..
صديقتي.. الذكريات التي نحبها ونبحث عنها، أو نحتاج الحديث عنها في كل مرة مع من نحب
تفتح علينا باب الفقد والاشتياق ،، لكن ..
هو هروب فقط من الحديث عن فراق الأحبة ، حديث يجعلنا ننزعج لعارض العلة وكل محطات الوداع فنخشى سماع مثل هذه الكلمات لكن نطمئن حين نتذكر القضاء والحق والقدر ..
تصوري يا صديقتي لحد الساعة أرفض تصديق حقيقة أن أمي غادرت وتركتني ، ما زلت أنتظر رجوعها وأن تطرق بابي أو تتصل بي كعادتها حين أطيل غيابي عنها بيوم أو نصف يوم ..
ما زال في جعبتي الكثير أحتفظ لها به وما زلت أنتظر ، ما زلت أجلس في مكاني المعتاد وهي بقربي ، وكم كان يحلو لي كثيرا أن أقوم بدلك رجليها ،وكم كانت تبدو في غاية الفرح وهي تنهال علي بعبارات الرضا وكل الدعوات الجميلة ، كم كان لسانها طيبا عطرا ، وكم كان كلامها شهدا عسلا ،،، آه آه يا أمي كم كنت بلسما ..رحمك الله
أمي ، حبيبتي ، صديقتي ، سندي ، روحي ، كتاب حياتي كله ، ركيزتي التي أستند عليها فتحضنني بكل حب ، بلسمٌ كلامها ، لبق حديثها، جوهرتي الثمينة ، بلورة حياتي ، معلمتي وسيدتي وطبيبة روحي ، كيف لي يا صديقتي أن أستمر ب لا " روح " ولماذا سأستمر وكيف وأنا هنا أموت شوقا وأحترق فقدا ..
ومن سيصغي إلي بحب ومع من أتحدث وهي المجيدة الماجدة في السياسة والأدب والثقافة ..
مختلفة أنت يا أمي عن كل النساء ، مختلفة بصبرك الجميل ، وهدوئك ، وحكمتك ، ولباقة حديثك ، وتواضعك ، وحسن تصرفك ..
مميزة أنت يا أمي وأنت الحريصة على أن يتابع أبناؤك دراستهم وبتفوق..
كم كانت تفرحك نتائجنا وكم كنت تفتخرين بذلك كافتخارك بابنيك الأكبرين الآخرين ( عمي وأخوك) وخاصة - حبيبي الغالي - رحمه الله الرجل الطيب اللبق المثقف المشبع بالأدب الأندلسي والثقافة الإسبانية ..
كم كان يحلو الإنصات إليكما وأنتما متعاهدان منسجما تتحدثان بكل حب وبكل احترام
كنت أرى وميضا مشعا في عينيك ، حين تلتقي به ، وهويطيل الحديث وأنت تبتسمين مرة وتضحكين في كل حديث ومع كل نبرة .. آه كم كنتما اوفياء لبعضكما وكم كان رائعا مختلفا مميزا ذاك العهد الذي جمع بينكما .
آه آه يا صديقتي..
ماأوحش الأمكنة حين تعلن حزنها خاصة على من كان ينصت لصدى أوجاعها ، هكذا هو البيت " طوبوغرافية لوجود أمي الحميم "لكنه الآن كظيم، كئيب ، حزين ..مثلنا
يا صديقتي .. في كل ركن تتراءى لي أمي حاضرة موجودة بيننا ، روحها تحلق في المكان الذي ألفته وأحببته ، مكان يحتفظ بحنوها وهدوئها وصمتها وتأملها ،هكذا يبدو لي المكان، يحتفظ بأزمنة وأحداث مكثفة ،ففي كل زاوية أجد ملامح أمي لحبيبة.. رحمها الله
يا صديقتي برحيل أمي لحبيبة ، توقفت أنفاسي ، وتوقف إحساسي ، وغابت كل المعاني الجميلة الي اكتشفتها معها وبحضورها وبحنوها ..
لهذا أسألك يا صديقتي كما أسأل نفسي
كيف لي أن أستمر وهي غائبة عن مقلتي التي غابت عنهما لمعة البصيرة و الفرحة
كيف لي أن أرتب نفسي من جديد ، وبداخلي فوضى عارمة ، وضجيج صاخب ، وفراغ قاتل .. وقلب مخرز مثقل
كيف لي وقد ارتبكت تفاصيل حياتي كلها ..
كيف لي ذلك وأنا الآن في ظلام دامس .. خارج السِّرب ، خارج الحياة ؟!
دليني يا هداي يا صديقتي الأحب
وكوني بجواري دائما
وبجوار جدول صداقتنا ،، حتى تنبثق ينابيع محبة ممتدة امتداد العمر
مكناسة الزيتون
9 ماي 2022
الخامسة مساء