إختزلت جفرا معاني الوطن و اللجوء، الآلم و المحبة، في راحتها.. تغنت بها حروف الشعراء
والزجالون…
جفرا… ومن لا يعرف جفرا؟
ومن لم يعشق جفرا؟
استيقظنا ذات يوم لنعرف بأن عشاق جفرا لا يعرفونها…
بأنها كغيرها وقعت فريسة فخ الشعراء…
ضاعت بين أوراق السياسة والقرارت الدولية …وتاهت في أروقة مجلس الأمن …
جفرا…إحدى الأرقام في صفحة اللجوء القديمة…فلم يعرفها أحد…ومات عاشقها!
قصة الـ"جفرا"، هي حكاية من عشرات الحكايات التي صنعت وبلورت التراث الفلسطيني, والتي
تركت بصمتها في الحياة الثقافية الفلسطينية. هذه القصة التي بقيت طي الكتمان منذ عشرات السنين
ستكشف فصولها لأول مرة، في رحلة بحث امتدت من الخليج إلى بيروت إلى دمشق
إلى اسكتلندا إلى الدنمارك, لعلها تحفظ قبل أن تضيع كغيرها من صفحات التراث الفلسطيني.
تعود بداية هذه الحكاية إلى أربعينات القرن الماضي ، وقد كان مسرحها بيادر وطرق قرية فلسطينيّة وادعة من قضاء عكّا تدعى "الكويكات" ، وبطلها شاب مفتول العضلات والشوارب يحترف قول العتابا والزجل يدعى "أحمد عبد العزيز علي الحسن" ، ويعرف بالقرية بإسم أحمد عزيز ، وقد أعجب هذا الشاب بفتاة من القرية أسمها "رفيقة نايف نمر الحسن" ، وهام بها أيّما هيام ، ولقبّها بالجفره تشبيها لها بإبنة الشاة الممتلئة الجسم ، وبدأ بالتشبيب بها بقصائده وعتاباه ، وملاحقتها من مكان لآخر ، ولكن هي لم تبادله نفس الشعور على الإطلاق ، ورفضته حين تقدّم لخطبتها ، ولكن أشعاره بها كانت قد صارت على كل لسان ، وطارت بها الركبان في القرى والبلدات المجاورة ، ومنها:
جفرا وهي يالرّبع= ريتك تقبريني
وتدعسي على قبري = يطلع نهر "ميّهِ"
التي حوّرها القوّالون بعده إلى ميرميّه
ولدت الـ"جفرا" في قرية "كويكات" في الجزء الشرقي من سهل عكا، وهي إحدى قرى
قضاء عكا في لواء الجليل الأعلى، وتقع إلى الشمال الشرقي منها وتبعد عنها حوالي 9كم.
وتبلغ مساحة قرية "كويكات" 4723 دونما، وقد اشتغل أهلها في الفلاحة والرعي كباقي
قرى الجليل الأعلى.
كانت الـ"جفرا" وحيدة أبويها فلا إخوة ولا أخوات، ولم تتلق التعليم، في حين كان أولاد القرية الذكور
يتلقون التعليم في مدرسة (كفر ياسيف) القريبة من قريتهم. وتقول الإحصاءات بأن عدد
سكان القرية كان يقارب الـ 1050 في عام 1945، ومكون من 163 بيتاً.
كانت جفرا سمراء اللون، ذات ملامح ناعمة، وكانت أمها خياطة تهتم بابنتها الوحيدة وتحرص عليها وتعززها وتكرمها وتظهرها بأجمل حلة. وكان "أحمد
عزيز" مفتول العضلات ويحترف قول العتابا والزجل ،تقدم لخطبتها وتمت الموافقة وتزوجوا فعلا وهي في سن الـ16 تقريبا. أما " أحمد عزيز" فكان في حوالي الـ20 من عمره.
لم تشأ القسمة و النصيب أن يتفقا في زواجهما، وأرادت أمها ان يتم الطلاق وطلقت فعلا. ولم يستمر زواجهما سوى أسبوع واحد، ولم يكن الطلاق أمرا سهلا فقد قامت بالهرب، وهو قام بملاحقتها حتى استقرت في بيت أهلها. وتمت محاولات لإرجاع الجفرا لبيت زوجها إلا أنها رفضت ذلك.
بعد ذلك بفترة تزوجت الجفرا من إبن خالتها " محمد إبراهيم العبدالله " .وعندما قطع "أحمد عزيز " أي أمل في رجوع جفرا إليه شعر بمرارة شديدة لحبه الشديد لها.
وكان أهالي القرية يمرون امام بيت الجفرا لأنه يطل على الطريق المؤدية لعين الماء، وكانت هي
\أيضا تخرج مع الأهالي متوجهة للعين، فكان يقول فيها شعرا كلما رآها وهي في طريقها للسقاية
من عين الماء، حاملة جرة من فخار :
جفرا يا هالربع نزلت على العين جرتها فضة وذهب وحملتها للزين
جفرا يا هالربع ريتك تقبرينــي وتدعسي على قبري يطلع نهر ميّهِ
وقد رزقت الجفرا في فلسطين بعد زواجها من ابن خالتها بابن اسمه "سامي" وبنت
اسمها "معلا".
أما "أحمد عزيز" فقد استمر بالتشبيب بالجفرا في قصائده وعتاباه ، وجمعها في كتاب أسماه
كتاب "الجفرا".
وقد لقب الشاعر نفسه بـ"راعي الجفرا"، وذكر الشاعر عز الدين مناصرة بأن الأغنية ولدت
حوالي عام 1939، وأصبحت نمطا غنائيا مستقلا في الأربعينات، وانتشرت في كافة انحاء فلسطين
ثم وصلت بعد عام 1948 إلى الأردن ولبنان وسوريا.
وقد عرف الشاعر الشعبي "أحمد عزيز" بصوته الشجي الحنون، ومن أغانيه (على دلعونا):
ست الجفاري يا ام الصـنارة وأخدت الشهرة عاكل الحارة
لوفُت السـجن مع النظـارة عن كل اوصالك ما يمنعونـا
إجا لعنّا حبــي بــالسهرة راكب عَ كحيلة ووراها مهرة
واسمعت إنو صارت له شهرة بقول الغناني وشعر الفنونـا
ويقول الحاج عبدالمجيد العلي في كتابه عن قرية كويكات : كان موقع "أبوعلي" (أحمد عزيز)
في أول الصف روّاسا على تقسيمات الشبابة ونقتطف من بستانه جفرا ويا هالربع بعض المقاطع:
جفرا ويـا هالربـــع بتصيح يـا اعمـامي
ماباخـــذ بنيّكــم لو تطحـنوا عظامي
وان كان الجيزه غصب بالشـرع الإسلامـي
لرمي حالي في البـحر للسمـك في المــيه
تمنيت حـالي أكــون ضابـط بالوظــيفة
لاعمل عليـها حـرس مع وقـف الدوريـه
وقعد لــها خــدام حتى تـظل نظيـفـه
يظلوا يخــدموا فيها في الصبح وعشـية
والقارئ للأبيات الأخيرة يلحظ بأن الشاعر "أحمد عزيز" يغني على لسان الجفرا التي رفضته
زوجا، ثم لسانه وهو يصف حبه لها.
المعروف أنّ الشاعر ، والفتاه ، لجئا مع أهلهما إلى لبنان بعد النكبة ، وربّما يكون هو قد أقام في عين الحلوة، ولكن الجفرا أقامت مع أهلها في مخيّمات بيروت ، ومن ثمّ في حارة حريك.
يقال أن الجفرا توفيت في شباط من عام 2007، وقد أفاد عارفوها أنّها ظلّت تحتفظ بقدر عال من الجمال حتّى آخر عمرها ، ناهيكم عن الأدب وقوّة الشخصيّة والأناقة الشديدة ، رحمها الله.
والذي يهمّنا في هذا الموضوع ، أن الجفرا وأغانيها أصبحت جزءاً من التراث الفلسطيني الذي ألهم الشعراء ، مثل عز الدين المناصرة الذي له ديوان بهذا الإسم ، وقصيدة مشهورة غنّاها مارسيل خليفة ، منها:
للشعر المكتوب على أرصفة الشياح أغني
وبيروت الطلقة أغني
"جفرا" أمي، إن غابت أمي
جفرا الوطن المسبي
الزهرة والطلقة
والعاصفة الحمراء
جفرا إن لم يعرف من لم يعرف
غابة زيتون ورفيق حمام
وقصائد للفقراء
جفرا من لم يعشق جفرا
فليدفن رأساً في الرمضاء
أرخيت سهامي قلت يموت القائل
من لم يقتل وجه الفول الأصفر
تبلعه الصحراء
جفرا كانت في قصر الإقطاعي تنوح
جفرا كانت تحمل طلقتها في الجبهة وتبوح
بالسر المدفون على شاطئ عكا وتغني
وأنا لعيونك يا جفرا سأغني.
*****
مديرة وصاحبة مدرسة أطفال / أمينة سر الموسوعة الفلسطينية (رئيسة مجلس الحكماء ) رئيسة القسم الفلسطيني
رد: جفرا الفلسطينية
الأخ العزيز الأستاذ عبد الله الخطيب
أشكرك جزيل الشكر على هذا الموضوع الرائع جفرا الفلسطينية
وهو هام جداً ليعرفه من لا يعرفه , فهذا تراثنا الفلسطيني الذي لن
يضيع طالما هنالك أمثالكم من الشباب الفلسطيني الذي سيظل يحافظ
على هذا التراث العظيم .
واسمح لي بهذه الإضافة البسيطة على موضوع جفرا الفلسطينية :
جفرا أو جفره كلاهما تؤدي إلى حكايتها الفلسطينية :
إن كلمة جفره تعني الغزالة الصغيرة ، أي أنثى الغزال التي لا يتجاوز عمرها سنة ، ويُحكى أنه كان هناك شاباً يحب فتاة فتقدم لخطبتها ، ولكن أهلها لم يقبلوه لإبنتهم ، فساح في هواها وصار يصفها بالجفره كي لا يذكر اسمها صراحة وراح يغني لجفرته هذه .و يتألف هذا القالب اللحني من أربع شطرات تتماثل قوافي الثلاثة الأولى ، بينما تنتهي قافية الرابعة بالألف الممدودة .
و إليكم هذا النمط من من أغاني الجفرا :
جفرا ويا هالربع بين كروم التيني
غابت عليَّ الشمس يا مهيرتي طيري
وان كان ما في ورق لكتب ع منديلي
وان كان ما في حبر من دمع عينيَّــا
* * *
جفرا وياها الربع بتصيح دلوني
غشيم نوم الحظن يا عالم دلوني
وان كان حبي زلل في البير دلوني
واقطعوا فيَّ الحبل ما هو جزا لـيَّـــا
* * *
وتقول صابوني وتقول صابوني
مرّروا عليَّا العدا بالعين صابوني
لو قطعوني شقف والواح صابوني
ما حيد عن عشرتك يا نور عينيّـا
* * *
وقد تألفت فرقة موسيقية باسم جفرا خرجت
الى الحياة من رحم المهجر - مدينة حمص السورية التي تعتز بهذه الفرقة وتفتخر بها - تزخر جفرا بالمواهب الشابة بقيادة الأستاذ الشاب عامر شناتي ، تقدم هذه الفرقة الأغاني التراثية الفلسطينية كأغنية " يا ظريف الطول " اضافة الى اغاني مستقاة من قصائد الشاعر محمود درويش ، وقد قدمت هذه الفرقة حفلتين ضمن فعاليات مهرجان حمص السنوي على مسرح الكيندي الأولى كانت يوم الاثنين الموافق 18 اكتوبر وقد حضر الحفل رئيس مجلس مدينة حمص وأعضاء من مجلس مدينة حمص وأمين سر المهرجان وحشد من أهالي مخيم حمص ومدينة حمص وقد أثارت الحفلة اعجاب الحضور . أما الحفلة الثانية كانت لأطفال جفرا يوم الخميس الموافق 21 اكتوبر .
أشكرك مرةأخرى أخي عبدالله وتقبل فائق تقديري .