مرتضى بابكر الفاضلابي . استاذ مساعد بجامعة وادي النيل . كلية العلوم الاسلامية والعربية
أجراس الواقع
بعض المداد
اجراس الواقع
حدثتني جدتي ذات مساء كيف هاجم الغول تلك القرية التي كانت ترقد بسلام وكيف روع اهلها واستولى على منزل العمدة وأعلن سطوته وتربع على عرشها فانضم إليه الكثير من الأهالي رغبة ورهبة فصاروا اتباعه المبجلين فستذئبوا وغرسوا أنيابهم في أجساد المساكين وامتصوا دمائهم في شغف جنوني ، دمرت المنازل وهجر الناس أرضهم ، نفقت الماشية فحمل ما تبقى من أهل تلك القرية عصا الترحال واختفوا خلف الجبال والتلال يراقبون من طرف خفي وقد امتلك الخوف زمامهم خوف من المصير الذي ظنوه محتوما أن هم تعرضوا له .
إلى أن جاء ذلك الحطاب البسيط الذي يحمل فاسه صباحا ويعودا مساءا يصحبه كلب يلازمه كظله ليجد اخته في إنتظاره ، حباه الله بشجاعة وقوة فاستطاع بدهائه أن يهزم ذلك الغول ويقضي عليه بعد أن شهدت تلك القصة اكبر تأمر في تاريخ الأخوة فقد تامرت اخته مع الغول ضده .
نامت جدتي واستيقظ على أجراس الواقع بداخلي صوتها ، عذرا جدتي فالأن قد فهمت قصتك وفهمت ما ترمين له فالغول مازال جاثما على صدر امتنا العربية بعد أن تفرق الجميع وتخلوا عن وحدة كانت سر قوتهم منهم من هرب ومنهم من دفن رأسه في الرمل ومنهم من سار مع التيار خوفا وطمعا ومنهم من آثر الهجرة بحثا عن واقع اجمل دون أن يدركوا أن سطوة الغول قد إمتدت خارج حدود الوطن وأن يد الغول ستطالهم اينما نزلوا ، وفهمت ما ترمين له بخيانة الأخت لاخيها فمازالت الخيانة تاتي من أقرب الناس لنا ومن إخوة يجمعنا بهم رابط الدم والدين واللسان .
عذرا جدتي فمازال الكلب رمزا للوفاء .
لله درك جدتي فقد كنتت تقصين لنا الكثير وتقولين الكثير في بضع جمل كنا حينها ننظر من منظور آحادي التفكير نتخيل الغول ونرسم بفرشاة الخيال ما تقصين لم نكن ندرك تلك النظرة البعيدة ولم نفهم فحو تلك الرسالة المغلقة والتي كانت تحوي الكثير من القيم الروحية الجميلة التي فقدناها بفقدك والتي كانت تعلمنا معنى الشجاعة ومعنى الانتماء الى الوطن معنى أن نكون جزء من المجتمع معنى التعاون والاخاء معنى الوفاء رسالة صاغتها بعناية فائق وسيناريو ربما عجز عنه ابرع الادباء والكتاب .
عذرا جدتي ان تنكرت لك الاجيال وتخطاك الزمن فاودعوك في دار للعجزة والمسنين عذرا جدتي أن احتل التلفاز مكاننا كنتي تتربعين عليه . نامي بسلام جدتي فالجرح مازال ينزف .