التسجيل قائمة الأعضاء اجعل كافة الأقسام مقروءة



 
القدس لنا - سننتصر
عدد مرات النقر : 136,960
عدد  مرات الظهور : 128,704,169

اهداءات نور الأدب

العودة   منتديات نور الأدب > مـرافئ الأدب > قال الراوي > الـقصـة القصيرة وق.ق.ج.
إضافة رد
 
أدوات الموضوع
قديم 11 / 08 / 2008, 31 : 12 PM   رقم المشاركة : [1]
الضيف حمراوي
كاتب نور أدبي
 




الضيف حمراوي is on a distinguished road

عودة السايب سعدان.

عودة السايب سعدان

المرة الوحيدة التي دخل فيها السايب سعدان إلى المدينة مضى على انقضائها خمسون عاما، كان يومها الناس أنواعا وأجناسا .تسمع منهم لغات ولهجات حسب الملامح والهيئات ، ورغم اختلافهم كانت تجمعهم محبة وود وتواصل ؛ يختلفون عن أهل هذا الزمان اختلافا تاما ، حتى بدا له أن لا جامع بينهم إلا هو فقط ،هو لأنه مازال يعيش ، لم يشأ القدر أن يموت رغم انه لم يعد يشبه أهل هذا الزمان ، ولو مات لانقطعت الحلقة الأخيرة التي تجمع بين عصرين : عصر مضى وعصر يأبى أن يأتي.


عاد جسد السايب سعدان المنهك أدراجه نحو حضن الجبل بعد أن اقترب من المدينة للمرة الثانية فتحقق لديه أنها وحش نهم أعمى يلتهم كل شيء ، ويدمر كل جميل ، ويلوث كل طاهر ،يحمل في جسده جميع الأمراض والأوبئة.


وحش غريب ، رأسه قوانينها وأعرافها ، و بطنه- كما وصفه العائدون الذين كتبت لهم السلامة- تتداخل أمعاؤه وتتلوى ، تضيق وتتسع ، تغسل ألاف المرات ولكن بقايا ضحاياه يعيد إليها عفنها ، وأذرعه ومخالبه وأنيابه أهلها ، زنابير متأهبة ، لصوص ومشردون وسماسرة ، لا يستحون ولا يرحمون ، يفعلون ما يشاؤون ، يغطون حقيقتهم البشعة بالمساحيق والأزياء الزاهية ، ويرشون أجسادهم بعطر الريف والبادية ، وتبقى حقيقتهم بادية ، فمنذ اقترابه من الضاحية لم يعد أحد يلقي عليه السلام أو يبادله التحية، أو يتبسم في وجهه ، بل الكل يجري ، يهرول ، يدفع أو يدفع ، يطأ أو يوطأ ، يصرخ أو يستصرخ ولم يفكر أحد منهم أن يطيب خاطره برد تحيته ، نظراتهم إليه فيها استغراب يلابسه استهجان جعله يستشعر الخطر



والسايب سعدان كان دائما يمقت المدينة و يخشاها و يفقد توازنه بمجرد سماع اسمها ، و في نيته إن يعود بحماره إلى ريفه الهادئ اللطيف النظيف من أطرافها ، ودون أن يوغل في جوفها الرهيب


ربط السايب سعدان حماره على عجل إلى معلاق حديدي ناتئ من جدار أحدى البنايات وراح يبحث عن مدخلها ليشتري بعض ما جاء من أجله وهو يمسك على جيبه بقوة متيقظا ، وقبل أن يهتدي إلى مبتغاه هدر المحرك في طرف البناية ، لكن سعدان لم يهتم كثيرا بذلك ، لكي لا يفقد تركيزه، فهو يتحفز حذرا من أن يهاجمه أحدهم فيسلبه دريهماته ، ونظرات أهل المدينة ، الملأى بالاحتقار تنبئ عن نواياهم السيئة المبيتة وبعد هنيهة أحس أن الأرض تهتز تحت رجليه وتموج .

- سبحان الله، ماذا حدث لي حتى أصابني هذا الدوار، هل أنا الذي يتحرك أم البناية ؟ !! حتما أنا...
ودفع يده نحو الأرض يهتدي بها إلى مكان الجلوس ويرتكز بالأخرى على عصاه كي لا يسقط.
و بعد أن استوى في جلوسه ، لمس الأرض ليتحقق من أنها ليست هي التي تجري ، ثم ركز ليتأكد مما يحدث حوله ، وتبين يقينا أنه سليم وأن البناية التي كان يطوف بها بحثا عن باب يدخلها منه هي التي تسير ، ونظر إليها تجر حماره وراءها بعنف، وقد انكشفت أسنانه الكبيرة البيضاء وتدلى لسانه ، فمد يده ليمسك به وهو يصرخ : يا ويلي ، يا صاحبي.. وبعد أمتار ازدادت سرعة البناية وبدا الحمار المفجوع المرعوب الذي كان يتكور على ظهره ثم على جنبه فبطنه يتفتت وجرت سوائله تاركة أثرا على بقايا حياة ، و وراءه جرى صاحبه يصرخ ، ولكن البناية كانت تزداد سرعة وهي تبتعد ، وتبتعد ، وعاين السايب سعدان - بحزن ما أحس مثله منذ ولد- ؛ حماره مبعثرا على قارعة الطريق . فخذا في رصيف ورأسا في الأخر والريح تلعب بحبل الرصن الملوح بالوداع ، كان كأهل المدينة قليل الوفاء ففضل أن يتبع حاويات الشاحنة الضخمة مقادا مسحوبا عوض أن ينفصل عنها ويبقى قائدا للحمار.

أطل السايب سعدان من "فج النبعين" على عالمه السحري البريء الذي غادره مع الفجر فتلقته نسمات منعشات متضمخات بشذى النباتات المختلفة، فتح رئتيه إلى أقصى حدود اتساعهما وجذبا نفسا عميقا كأنه يريد استيعاب عالمه السحري كله داخل صدره خوفا من أن تسطو عليه المدينة فتفسده ، وانتبه إلى أنه ضمآن ، وأن عطشه لم يعد يحتمل ، هم بأن ينحني على أولى النبعين ليشرب ولكنه أحجم نافرا لأن النبع وحوضه كانا مبنين بالحجارة والاسمنت ؛ واحتمل ألم العطش حتى وصل النبع الثاني كان ماؤه ينبجس من فلقة بين صخرتين تحنو عليهما أشجار الصنوبر و يعرش عليهما نسيج متشابك من التوت البري ، يعرض ثماره السوداء اللذيذة هدية للشاربين،فانكب على الكوثر يشرب ويغتسل.

[/align]

[align=left]الضيف حمراوي 30/07/2008[/align]

نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
الضيف حمراوي غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 11 / 08 / 2008, 33 : 07 PM   رقم المشاركة : [2]
رشيد الميموني
أديب وقاص ومترجم أدبي ويعمل في هيئة التدريس -عضو الهيئة الإدارية / مشرف عام على المنتديات والأقسام / نائب رئيس رابطة نور الأدب


 الصورة الرمزية رشيد الميموني
 





رشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond repute

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: المغرب

رد: عودة السايب سعدان.

أجل أخي حمراوي .. هكذا هو حال جل المدن إن لم اقل كلها .. غول يبتلع بنهم ووحش يتربص لكل قسوة ..
استمتعت أخي بهذه المقطوعة الجميلة .. شكرا لك و أنا في انتظار المزيد من إبداعاتك .
رشيد الميموني غير متصل   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
إلى السادة المشرفين الأفاضل.. محمد الصالح الجزائري أجمل نصوص الشهر 15 22 / 02 / 2025 17 : 04 AM
البن السادة عبداللطيف أحمد فؤاد اعرض نصك للتصحيح اللغوي والإملائي 1 02 / 05 / 2018 38 : 09 PM
السادة علماء الأزهر أين أنتم؟‏ ناهد شما المقــالـة الأدبية 6 31 / 01 / 2011 44 : 09 PM
بين فتح وحماس إلى أين ستذهب الساحة الفلسطينية؟.. مازن شما الملتقى الفلسطيني للحوار 1 01 / 08 / 2008 33 : 11 AM
سعداء 2005 ميساء البشيتي الـقصـة القصيرة وق.ق.ج. 0 30 / 01 / 2008 38 : 06 PM


الساعة الآن 24 : 10 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر
Ads Organizer 3.0.3 by Analytics - Distance Education

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية

خدمة Rss ||  خدمة Rss2 || أرشيف المنتدى "خريطة المنتدى" || خريطة المنتدى للمواضيع || أقسام المنتدى

|