النسر
[frame="10 98"]
[align=justify]
وحده العلم كان يرفرف عالياً في الفضاء .. كان عدد البالونات التي حملته غير محدد.. بدت الصورة مثل لوحة خيالية تعبر في ذهن الإنسان عند الحلم .. ضحكات الأطفال رنت وانبعثت في كل مكان .. راهن جنود الاحتلال على إصابة الهدف وإنزال العلم .. انفتحت جبهة من الطلقات .. وكان العلم يرتفع أعلى وأعلى في الفضاء.
ما عاد الأمر يحتمل المزاح.. ضحكات الأطفال مثل السكاكين .. أو هكذا هيئ لجنود الاحتلال .. سكتت الطلقات وارتفع الصراخ " يا أولاد الـ …اصمتوا لا نريد أن نسمع ضحكة واحدة " .. صاح أحد الأطفال " حتى الضحك أصبح ملاحقاً ..مطارداً" كان الجواب رشقة من الطلقات جعلت الأطفال يتبعثرون .. صاح أحد الجنود " الضحك ممنوع .. نريد أن ننزل العلم .. إنه يرتفع ويرتفع و يرتفع" قال طفل بشيء من السخرية "العلم لن ينزل ..لن تطاله طلقاتكم" . رشقة أخرى .. تماسك الأطفال وحاولوا أن يقفوا بثبات .. الجنود حركوا رؤوسهم نحو السماء، ثم وجهوا أسلحتهم لتنفتح الجبهة من جديد.. كانت الطلقات تطارد البالونات وتصر على تفجيرها.
الأطفال لم يطب لهم أن يصمتوا .. عدة بالونات انفجرت وتدلت معلقة بخيوطها .. التصقت عيونهم بالبالونات الباقية وأخذوا ـ هكذا دون تخطيط ـ يتراجعون ..شكلوا جبهة أو ما يشبه الجبهة ..حملوا الحجارة .. ارتفعت الأيدي ..انطلقت الحجارة..فوجئ الجنود عندما عضت الحجارة وجوههم ..ضاعوا بين الصور : العلم والحجارة والأطفال ..كان عليهم أن ينزلوا العلم بعد تفجير البالونات …وكان عليهم أن يتصدوا بكل وحشية ـ كالعادة ـ لهؤلاء الأطفال الشياطين.. كما كان عليهم أن ينتبهوا لخط سير الحجر، كل حجر ..وكانت البالونات تضحك وهي ترتفع هازئة في الجو ..وكان الأطفال يضحكون وهم يتحركون ..وكانت الحجارة تضحك وهي تفرد جناحين من نار.
فجأة لم تعد الصورة كما كانت ..جنود الاحتلال شكلوا جبهتين : واحدة لتمزيق لحم الأطفال وثانية لتفجير ما تبقى من بالونات ..الرصاص عوى .الدم تفجر ..مع كل خطوة كان أحد الأطفال يتعثر، أو يسقط ..كانت مساحة الدم تكبر ..الأطفال يتحركون رغم كل ذلك ويطلقون الحجارة ..أما البالونات الملونة تلك التي بقيت مليئة منتفخة، فقد بدأت بالالتواء شيئاً فشيئاً وكانت تتدلى معلقة بالخيوط ..عواء الرصاص انتشر..وكانت ابتسامات الجنود تتسع وهم يؤكدون قدرتهم الفذة على سحق البالونات والانتصار عليها …لا أحد يدري كيف ارتفع الصمت وساد لأول مرة في هذا اليوم الساخن ..الأطفال وقفوا جامدين وأخذوا يحدقون ..جنود الاحتلال تراخوا ذاهلين وأخذوا يفركون عيونهم بدهشة ..وكان الذي جرى غريباً خارقاً للمألوف ..فجنود الاحتلال بعد أن أطلقوا الرصاص بغزارة على البالونات ـ وعلى الأطفال بطبيعة الحال ـ أصابوا عدداً كبيراً من هذه البالونات ثم وفي لحظة من اللحظات التي لا تنسى كانت كل البالونات مطفأة ومعلقة بخيوطها في الجو بعد أن أصيبت ..وفي مثل هذه الحالة كان من المفروض أن يقع العلم ويهوي ..لكن هذا لم يحدث .. وما حدث كان محيراً ..فالعلم كان يرتفع ويرتفع ساحباً معه الخيوط والبالونات المطفأة ..لم يصدق الجنود عيونهم فأخذوا يفركونها بذهول ..ولم يصدق الأطفال عيونهم فوقفوا حائرين ..وفي الأعالي كان العلم كما روى الذين استطاعوا أن يروا الصورة بوضوح، نسراً بجناحين قويين يضربان الهواء بشموخ.
[/align]
[/frame]
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|