[د. رجاء بنحيدا]

في خضم التوترات التجارية المتصاعدة بين الولايات المتحدة والصين، تطفو على السطح "فضيحة" من نوع آخر، تتعلق بعالم العلامات التجارية الفاخرة وتكشف عن هشاشة الأسس التي تقوم عليها إمبراطورية "البراندات" العالمية… فبينما تتصاعد حدة التعريفات الجمركية والقيود التجارية، يبدو أن ساحة معركة جديدة قد فُتحت على منصات التواصل الاجتماعي، حيث يتم تقويض صورة الفخامة الحصرية وكشف النقاب عن سلاسل التوريد المعقدة التي تربط بين مصانع الشرق الأقصى ورفوف المتاجر الباهظة في الغرب.
المشهد الحالي يثير تساؤلات جوهرية حول قيمة المنتج الحقيقية مقابل القيمة المتصورة، ودور "الوهم" في صناعة تجارة غير متوازنة يستفيد منها قلة على حساب الكثيرين، فمقاطع الفيديو المنتشرة كالنار في الهشيم، والتي تدعي الكشف عن المصانع الصينية التي تقف خلف إنتاج سلع فاخرة بأسعار زهيدة، لا تهدد فقط أرباح الشركات العملاقة، بل تهز أيضاً الصورة النمطية للفخامة والجودة المرتبطة بأسماء تجارية لامعة.
الصين في قلب العاصفة: من "مصنع العالم" إلى لاعب استراتيجي؟
لعقود طويلة، لعبت الصين دور "مصنع العالم"، حيث أنتجت سلعاً استهلاكية بأسعار تنافسية للأسواق العالمية، بما في ذلك مكونات ومنتجات نهائية للعديد من العلامات التجارية الفاخرة. لم يكن هذا الدور محل تساؤل كبير طالما ظل المستهلك النهائي مقتنعاً بالقيمة التي يدفعها مقابل "الاسم" والجودة المزعومة.
لكن يبدو أن هذا الوضع بدأ يتغير، فمع تنامي قوة الصين الاقتصادية وتطور قدراتها التصنيعية، لم تعد راضية بدور المنتج الثانوي… الحملة الأخيرة على وسائل التواصل الاجتماعي، والتي تبدو منظمة وتستهدف كشف "أسرار" الصناعة الفاخرة، قد تكون جزءاً من استراتيجية أوسع. فمن خلال تسهيل الوصول المباشر إلى المصانع الصينية، ربما تسعى الصين إلى تحقيق عدة أهداف:
• الالتفاف على الرسوم الجمركية: من خلال البيع المباشر للمستهلكين، يمكن للمصانع الصينية تجاوز التعريفات التي تفرضها الولايات المتحدة على السلع المستوردة.
• تقويض قوة العلامات التجارية الغربية: كشف التباين الكبير بين تكلفة الإنتاج وسعر البيع بالتجزئة يقوض مصداقية هذه العلامات ويقلل من جاذبيتها.
• تمكين المستهلك الصيني: توفير بدائل أرخص بجودة مماثلة (حسب الادعاءات) يمكن أن يعزز الإنفاق المحلي ويدعم الصناعات الصينية.
• إعادة رسم خريطة التجارة العالمية: قد تكون هذه الخطوة بمثابة إعلان عن استعداد الصين للعب دور أكثر مركزية في تحديد أسعار السلع وتوزيعها عالمياً.
وهم الفخامة: فقاعة على وشك الانفجار؟
لطالما استندت صناعة العلامات التجارية الفاخرة إلى خلق "وهم" حول منتجاتها. هذا الوهم يتكون من عدة عناصر:
• الحصرية والندرة: يتم تسويق المنتجات الفاخرة على أنها نادرة ومتاحة لقلة مختارة، مما يخلق شعوراً بالتميز والتفرد لدى المستهلك.
• الجودة والحرفية: يتم التأكيد على استخدام مواد عالية الجودة وتقنيات تصنيع متقنة، حتى لو كان جزء كبير من الإنتاج يتم في مصانع خارجية.
• التاريخ والتراث: تستثمر العلامات التجارية الفاخرة في بناء قصص وتراث عريق لمنتجاتها، مما يضفي عليها قيمة عاطفية وتاريخية.
• التسويق والصورة: يتم إنفاق مبالغ طائلة على الحملات التسويقية المؤثرة وعرض المنتجات في مواقع مرموقة، مما يعزز صورتها الراقية.
الفيديوهات المنتشرة حالياً تهدد بتقويض هذا الوهم من خلال الكشف عن أن الكثير من هذه المنتجات قد تكون مصنوعة في نفس المصانع التي تنتج سلعاً أقل تكلفة، وأن الفرق في السعر يعود بشكل كبير إلى "قيمة العلامة التجارية" وتكاليف التسويق والتوزيع.
تجارة غير متوازنة: المستهلك يدفع الثمن
النتيجة النهائية لهذا "الوهم" هي تجارة غير متوازنة يستفيد منها عدد قليل من الشركات والعاملين في صناعة التسويق الفاخر، بينما يدفع المستهلك العادي أضعاف القيمة الحقيقية للمنتج…
فإذا كان بنطلون اليوغا الذي يكلف بضعة دولارات في تصنيعه يباع بمئات الدولارات، فإن هامش الربح الهائل يذهب لتمويل الحملات التسويقية الضخمة ورواتب المديرين التنفيذيين وأرباح المساهمين.
هذه "الفضيحة" قد تكون بمثابة دعوة للاستيقاظ للمستهلكين، وحافزاً لهم لإعادة تقييم القيمة الحقيقية للمنتجات التي يشترونها.
هل هم حقاً يدفعون مقابل جودة استثنائية وحرفية نادرة، أم أنهم يدفعون ببساطة مقابل علامة تجارية وصورة مصطنعة؟
مستقبل غامض: هل تتغير قواعد اللعبة؟
كما يبدو أن "الحرب الباردة" الجديدة تلقي بظلالها على مستقبل صناعة العلامات التجارية الفاخرة، ومن السابق لأوانه الجزم بالتأثيرات الكاملة، إلا أن المؤشرات الأولية تنبئ بتحولات جذرية محتملة.
فمن جهة، قد تجد العلامات التجارية الفاخرة نفسها تحت ضغط متزايد لتبني مستويات أعلى من الشفافية في عملياتها وسلاسل توريدها، حيث يصبح الكشف عن مواقع التصنيع وممارسات العمل أمراً ضرورياً لكسب ثقة المستهلكين الذين يزداد وعيهم وتدقيقهم. ومن جهة أخرى، قد نشهد تراجعاً في سلطة العلامة التجارية المطلقة، حيث يبدأ المستهلكون في إيلاء اهتمام أكبر للقيمة الجوهرية للمنتج، بما في ذلك جودته ومكوناته وعملية إنتاجه، بدلاً من الانجذاب الأعمى للشعار والاسم وحده.
هذا التحول قد يفتح الباب لظهور علامات تجارية بديلة تستطيع تقديم منتجات فاخرة بجودة مماثلة ولكن بأسعار أكثر منطقية وشفافية، مستفيدة من هذا التوجه الجديد لدى المستهلكين. أخيرًا، من المرجح أن تشهد سلاسل التوريد الخاصة بالعلامات التجارية الفاخرة إعادة هيكلة، حيث تسعى الشركات الغربية إلى تقليل اعتمادها الكبير على الصين وتنويع مصادر إنتاجها، حتى وإن كان ذلك سيؤدي إلى ارتفاع محتمل في التكاليف، وذلك في محاولة لتأمين سلاسل الإمداد وتقليل المخاطر الجيوسياسية.
ختاماً، ما يُطلق عليه زوراً "فضيحة" العلامات التجارية الفاخرة يتجاوز بكثير مجرد تسليع للوهم بأسعار فلكية. إنه تجلٍّ سافر لصراع محموم على النفوذ الاقتصادي والتجاري، حيث تستخدم الصين سلاح "كشف الزيف" لتقويض الهيمنة الغربية في هذا القطاع. وبين سندان التلاعب التسويقي ومطرقة الواقع الاقتصادي المتغير، يجد المستهلك نفسه أمام مفترق طرق حاسم: هل سيستمر في الانصياع لسلطة العلامة التجارية الزائفة، أم سينتهز هذه اللحظة لإعادة تقييم قيمه الاستهلاكية والبحث عن جوهر المنتج لا قشرته البراقة؟ وهل ستنجح هذه "الحرب الباردة" التجارية في زعزعة أسس صناعة الفخامة القائمة على التضليل والتسويق المفرط، أم أنها مجرد موجة عابرة ستعود بعدها المياه إلى مجاريها؟ يبقى السؤال مفتوحاً حول ما إذا كانت هذه "الفضيحة" ستكون الشرارة التي تُشعل ثورة المستهلك الواعي أم مجرد فقاعة أخرى في بحر التجارة العالمية المتلاطم.

[محمد الصالح الجزائري]

كما هو معروف الصين اثبتت انها قوة اقتصادية كبيرة..حتى ان منتجاتها غزت الاسواق الامريكية..الصين لا يمكن توقيفها صناعيا او تكنولوجيا او اقتصاديا او حتى في مجال التسليح..الصين قوة مهيمنة قادمة تقضي على زيف الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة الظالمة والمساعدة لاسرائيل..
شكرا لك سيدة الحرف على تقرير هام جدا ..ننتظر معك الى ما ستنتهي اليه هذه الحرب الباردة الجديدة والتي هي من نوع اخر..

[خولة السعيد]

جميل الخوض في هذا المجال أيضا والإفادة منه..
أتابعك أستاذتي

[د. رجاء بنحيدا]

اقتباس  عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ] المشاركة الأصلية كتبت بواسطة خولة السعيد جميل الخوض في هذا المجال أيضا والإفادة منه.. أتابعك أستاذتي

شكرا لك ياغالية

[د. رجاء بنحيدا]

اقتباس  عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ] المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد الصالح الجزائري كما هو معروف الصين اثبتت انها قوة اقتصادية كبيرة..حتى ان منتجاتها غزت الاسواق الامريكية..الصين لا يمكن توقيفها صناعيا او تكنولوجيا او اقتصاديا او حتى في مجال التسليح..الصين قوة مهيمنة قادمة تقضي على زيف الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة الظالمة والمساعدة لاسرائيل.. شكرا لك سيدة الحرف على تقرير هام جدا ..ننتظر معك الى ما ستنتهي اليه هذه الحرب الباردة الجديدة والتي هي من نوع اخر..

دام حضورك شاعرنا الفاضل ومعك انتظر آخر فصول هذه الحرب المختلفة ..