هناك أشياء لا يمكن أن تبرد / طلعت سقيرق
أخي توفيق..
فوق أرصفة دمشق تركتُ خطواتي إلى جانب خطواتك على الأرصفة ذهاباً أو إياباً ..
هناك أشياء لا يمكن أن تبرد.. مهما مضى من الزمن تبقى حارة ساخنة طازجة وما بيني وبينك رحلة عمر..
ما بيننا اغتسل بضوء الشمس.. لأنها - ولأنك ولأني - رحلة الصداقة والوفاء..
هل ألقيتُ عليك السلام وهل سألتك عن فضة الوقت؟؟
12 آذار كان عيد ميلادك و18 منه عيد ميلادي.. أردت أن أقول لك أيضاً كل عام وأنت بألف خير
لأن جسدي نام هناك تحت سنديانة عتيقة وتركني؛ لم أجد بداً من استعارة أصابع من لحمي وشراييني أكتب بها لك.. ومن غيرها ابنة الخال وشقيقة الروح هدى ترحب بالفكرة ؟..
اتفقت معها دون أن نحدد موعداً.. الليلة تركتها نائمة وتسللت إلى أصابعها أخط لك رسالتي..
كيف حالك يا أخي وصديقي؟
حين غادرتُ جسدي، رأيتُ العالم كله واقفاً عند لحظة جامدة في مكان ما ..
تركت وردة حمراء بلون الدم لكل حبيب.. وردة لا تفنى.. تركت شعري ونثري .. قصصي وكلماتي وصدى ضحكاتي ووقع خطواتي.. وقع خطواتنا معاً .. تركتُ وردة لكل حبيب..
فجيعة أمي التي سرعان ما لحقت بي.. صرخات الأسرة والأهل والأولاد بقيت معلقة في فضاء روحي .. حي الشيخ محي الدين بن عربي وعينا تراث عريق ..
كان المساء الأخير داخل قميص جسدي أصعب المساءات .. حقل من الشوك ملأ حلقي.. سنوات طويلة مرت بلحظة مع فوران حالة الحنين لأيامنا وذكرياتنا وأحلامنا..
وأنت يا صديقي الصدوق أكثر من صديق وأقرب .. أنت أخي توفيق
غدا ستطلّ علينا وعلى ما تركناه خلفنا وجوه بشر ما عرفناهم ولا عرفونا.. سيأتون من رحم الأيام القادمة ليدققوا النظر في بصماتنا، وليقولوا عنا أشياء كثيرة تفرضها عليهم صفحات المحبة التي تركناها هنا وهناك .. ستكون كل كلمة هوية ، وسيكون كل حرف بطاقة مرور إلى داخل كل واحد منا .. ربما يكونون أحفادنا أو أحفاد أحفادنا !!..لا ندري بالتحديد.. لكن ما ندريه ونعرفه أنهم سينصبون لنا محكمة يحاكمون فيها حركاتنا وسكناتنا وكلماتنا.. ربما ننجو .. أو ربما نقع في مطب أشياء سيرونها بوضوح ما كان لنا أن نعرفها كما سيعرفونها....لكن هل يعني هذا أن نخشاهم وهم من لحمنا ودمنا ؟؟..
من يريد أن يترك شيئا للتاريخ ، شيئا يعرف أنه سيبقى وسيكون له أثره ، عليه أن يدقق في جوانب هذا الشيء كما فعلنا .. ومن لا يهمه التاريخ ولا يعنيه، فليفعل ما شاء .. لأن الساقط من التاريخ ، سيكون ساقطا في عصره بالتأكيد.. وإذا كان العصر ينسى أحيانا ، فالتاريخ شديد التذكر ، لا يمكن أن ينسى !!..
أخي توفيق
بعد فراق جسدي وقفت حائراً فرحاً أمام هذا الشكل الجديد في كتاباتك يا صديقي.. ومحرك الحيرة أنك لم تمهد للأمر ولا قدمت له، فوجئت أنّ صديقي وأخي شاعر يصر على أن يخبئ قصائده باسم " نوفل عيسى" ويتركها تختمر بهدوء وروية قبل أن يقدمها..
أما آن الأوان يا أخي أن تُنشر باسمك ويعرف الجميع أن هذا الشاعر هو الأديب القاص والباحث المبدع محمد توفيق الصواف؟؟
في ختام هذه الرسالة أترك لك بعض روحي ووردة محبة لا تفنى وياسمينة حنين دمشقية متجذرة في عمق التراب ..
طلعت سقيرق
في 30 آذار / مارس 2022