الكرامة والاستنزاف.. بطولات عسكرية عربية في زمن النكسة.
[frame="13 90"][align=justify]
الكرامة والاستنزاف.. بطولات عسكرية عربية في زمن النكسة. ج/1
كثيرة هي الحروب التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط في القرن العشرين ، إلا أن حرب 5 يونيو 1967 تظل هي الأسوأ بالنظر إلى تداعياتها الخطيرة التي مازال العالم العربي يئن تحت صدمتها ، ففي تلك الحرب وخلال ستة أيام فقط ، احتلت إسرائيل من الأراضي العربية ما فاق أحلامها ، ولذا فإن مصطلح النكسة الذي أطلق على هزيمة العرب لا يكفي للتعبير عن بشاعة ما حدث ، لولا ما خلفته من آثار في نفس كل مصري وعربي قادت فيما بعد لمعركة الكرامة وحرب الاستنزاف وأخيرا النصر المؤزر في السادس من أكتوبر 1973 .
شبكة الأخبار العربية "محيط" تفتح في الذكرى الحادية والأربعين للنكسة ملف تلك الفترة المظلمة في تاريخنا العربي لعلنا نتعلم من دروسها ما يحول دون وقوع المزيد منها مستقبلا .
إعداد - جهان مصطفى/ محيط أيام النكسة
في 5 يونيو 1967 ، كان العرب على موعد مع هزيمة أخرى مريرة بعد هزيمة عام 1948 ، أطلق عليها لشدة قسوتها مصطلح "النكسة " ، ويجب الإشارة هنا إلى أن إسرائيل كانت تخطط لعدوان 1967 منذ انتهاء العدوان الثلاثى على مصر في عام 1956 ، إلا أن مصر والدول العربية كانت مغيبة عن الوعى لأنها إما منهمكة فى صراعات داخلية أو في صراعات عربية عربية.فبعد فشل العدوان الثلاثى على مصر إثر الإدانة الدولية الواسعة والمقاومة الشعبية الباسلة له ، انسحبت إسرائيل من شبه جزيرة سيناء وقطاع غزة الذي كان خاضعا إداريا لمصر في 8 مارس 1957،
إسرائيل ارتكبت أبشع المجازر بحق الأسرى
واتفقت مصر وإسرائيل وقتها على دخول قوات دولية تابعة لـلأمم المتحدة إلى المناطق التي انسحبت منها إسرائيل لحماية وقف إطلاق النار، وفي تلك الأثناء أعلنت إسرائيل أنها ستعتبر إعادة إغلاق الممر المائي في تيران أمام سفن إسرائيلية سببا للحرب بعد أن أغلقته مصر إبان العدوان الثلاثى.
أحداث ما قبل العدوان
ورغم أنه في الفترة بين مارس 1957 وإبريل 1967 كانت الحدود بين إسرائيل ومصر هادئة نسبيا ، إلا أنه في عام 1964 تكثفت الاشتباكات بين إسرائيل وسوريا بشأن النزاع على استغلال مياه نهر الأردن.
كما انتهى في نوفمبر 1966 التفاهم بين الحكومتين الإسرائيلية والأردنية بشأن تهدئة الحدود الطويلة بين البلدين ، بعد حادث قرية السموعي بشمالي الضفة الغربية التى كانت خاضعة حينئذ للسيطرة الأردنية .
وكان 3 جنود إسرائيليين قد قتلوا بانفجار لغم في قرية السموعى ، فشن الجيش الإسرائيلي على الفور هجوما قاسيا على القرية هدمت خلاله بيوتا كثيرة وقتلت حوالى 50 أردنيا ، ما دفع عاهل الأردن السابق الملك حسين إلى إعلان التعبئة العامة في 20 نوفمبر 1966 .
وفي 7 إبريل 1967 حدثت معركة جوية بين طائرات حربية سورية وإسرائيلية أسقطت إسرائيل خلالها 6 طائرات سورية من طراز "ميج 21" ، وفي 13 مايو ، أبلغت المخابرات السوفيتية أنور السادات نائب الرئيس المصري في هذا الوقت أن إسرائيل تحشد قوات ضخمة في شمالها استعدادا لغزو سوريا ، ولذا سارعت مصر في 15 مايو إلى تكثيف قواتها في سيناء وفي 16 مايو طالبت مصر القوات الدولية بالخروج من أراضيها وفي 22 مايو أعلنت مصر إغلاق مضيق تيران أمام السفن إسرائيلية المتجهة إلى ميناء إيلات ، وهى الخطوة التى اعتبرتها إسرائيل إعلان حرب .
ساعات العدوان
وفى 5 يونيو 1967 ، شن الجيش الإسرائيلي عدوانا على القوات المصرية في سيناء وبدأت حرب 1967 بين إسرائيل من جهة وكل من مصر الأردن وسوريا تدعمهم قوات عراقية كانت مرابطة في الأردن من جهة أخرى.
وخلال تلك الحرب التى استمرت ستة أيام قامت القوات الجوية الإسرائيلية بضرب المطارات والقواعد الجوية العربية وتحطيم طائراتها ، كما قامت القوات الجوية الأمريكية والبريطانية المتمركزة في هذا الوقت بقاعدتى هويلز والعدم في ليبيا بتقديم المساعدة لإسرائيل عبر توجيه ضربات لسلاح الجو المصرى ما أدى إلى تدمير أكثر من 70 بالمائة من قدرات سلاح الجو الذي كان يعول عليه كثيرا لتقديم الدعم والغطاء الجوى للقوات المصرية أثناء العمليات العسكرية أو حتى أثناء الإنسحاب.
وجاء قرار الانسحاب العشوائي الذي أصدره القائد العام للقوات المسلحة المصرية في هذا الوقت المشير عبد الحكيم عامر ليكون بمثابة الضربة القاضية بالنظر إلى أنه أحدث ارتباكا كبيرا لدى القوات المصرية وساعد إسرائيل في اصطياد الجنود المصريين أثناء الانسحاب غير المنظم إما بالقتل أو بالأسر .
وبعد أن دمرت الضربة الجوية الإسرائيلية أغلبية المطارات المصرية ، سارعت إسرائيل إلى توسيع نطاق الحرب وشنت هجوماً بالدروع على الضفة الغربية التي كانت تابعة للأردن والجولان السورية وقطاع غزة الذي كان تابعاً لمصر وعلى شبه جزيرة سيناء واستعملت في هذا الهجوم الخاطف الأسلحة المحرمة دولياً كالنابالم وقذائف البازوكا.
وعندما قررت القوات السورية والأردنية إعادة تنظيم صفوفها للرد على الضربة الإسرائيلية الأولى حيث شارك الرئيس العراقي في هذا الوقت عبد الرحمن عارف بقوات عسكرية لدعم الجبهتين، سارع مجلس الأمن الدولى بايعاز من الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا إلى إصدار قرار بوقف إطلاق النار وهددت تلك الدول الكبرى بالتدخل في حال رد الدول العربية على العدوان وعدم الاستجابة لقرار وقف إطلاق النار ، ماأفشل خطط الهجوم المقابل العربية وجعل إسرائيل بواقع المنتصر.
خسائر فادحة
وشكلت نتائج تلك الحرب مرارة ما بعدها مرارة للعرب خاصة وأنها جاءت في وقت كانت تقود فيه مصر دعوات الوحدة العربية ، فالنسبة لخسائر الجند والعتاد ، أشارت بعض الإحصائيات إلى أن مصر خسرت 80 بالمائة من معداتها العسكرية وحوالي 11 الف جندي (أي ما يعادل حوالي 7 بالمائة من كل تعداد الجيش المصري) وخسرت كذلك 1500 ضابط، وتم أسر 5000 جندي و500 ضابط مصري، وجرح 20 ألف جندي مصري، وخسر الأردن سبعة آلاف جندي، وجرح 20 ألف من جنوده، وخسرت سوريا 2500 جندي، وجرح 5000 من جنودها، وفقدت نصف معداتها من دبابات وآليات ومدفعية وغيرها في هضبة الجولان، حيث غنمتها القوات الإسرائيلية، كما تم تدمير كل مواقعها في الهضبة المشار إليها، بينما كانت خسائر العراق الذي شارك بشكل رمزي (مثل لبنان حينها) عشرة قتلى و30 جريحا.
وبلغ مجموع خسائر الدول العربية (الأردن مصر وسوريا) 400 طائرة وأكثر من مليار دولار من الأسلحة التي دمرت مع الساعات الأولى للمعارك (في بعض المصادر ملياري دولار) بينما خسرت إسرائيل 338 جنديا على الجبهة المصرية، 300 على الجبهة الأردنية، و141 على الجبهة السورية .
ورغم قسوة ما سبق إلا أن الخسارة الأفدح كانت على الأرض، حيث ضاعفت إسرائيل من مساحتها ثلاثة أضعاف ماكانت عليه يوم الرابع من يونيو 1967، واحتلت الضفة الغربية لنهر الأردن، وقطاع غزة التابع حينها لمصر، وشبه جزيرة سيناء المصرية وهضبة الجولان السورية ، إضافة الى عدد من المناطق المتفرقة مثل منطقة مزارع شبعا فى لبنان .
واقع مرير في مصر
وبالنظر إلى أن تلك الخسائر الفادحة ، جاءت بعد فترة من صعود المد القومى والتحرر الوطنى ، فقد وصف المراقبون هزيمة 1967 بأنها "انكسار الروح" للعالم العربى بصفة عامة وللمصريين بصفة خاصة .
ففجأة استيقظ المصريون على واقع مرير ، وما ضاعف من هول الصدمة هو التعتيم الذى فرضه النظام منذ بدء العدوان الاسرائيلى ، فالمتابع لوسائل الإعلام الرسمية كان يشعر أن مصر سحقت إسرائيل من الوجود ، بينما المتابع لوسائل الإعلام الأجنبية كان يعرف جيدا أن مصر ذاقت مرارة الهزيمة .
فالراديو الحكومى يذيع أنباء مفادها " قواتنا تصد هجمات للعدو على سيناء وتبدأ هجمات مضادة .. قواتنا تسقط للعدو أربعين طائرة .. على الفور الناس تكبر وتهتف في الشوارع إحنا بننتصر مصر بتكسب الحرب ".
وفى 8 يونيو ، بدأ الراديو يذيع أنباء غريبة مفادها "إحنا تراجعنا لخط الهجوم الثاني .. معارك شرسة في العريش "، الأمر الذى أثار ذهول المصريين لأن تلك الأنباء جاءت بعد لحظات من إعلان وسائل الإعلام الرسمية أن القوات المسلحة المصرية أصبحت على بعد خطوات من تل أبيب .
وتأكد المصريون من الهزيمة عندما أصدر المشير عبد الحكيم عامر في 8 يونيو قرارا بسحب الجيش المصري كله على مسئوليته الشخصية ، قائلا :" كل عسكري مالهوش غير نفسه وبندقيته " ، وهو القرار الذي اعتبره البعض بمثابة نكسة ثانية بعد أن تسبب بوقوع آلاف الجنود المصريين في الأسر كما قتل الآلاف منهم بسبب العطش والحر أو بسبب رصاص الغدر الإسرائيلى بل وأقدمت إسرائيل أيضا فى هذا الوقت على قتل مئات الأسرى بعد تعذيبهم ، بل وهناك تقارير أشارت أيضا إلى أن حوالى ثلاثين ألف جندى مصرى قتلوا في صحراء سيناء وليس 11 ألفا كما توضح كثير من الإحصائيات.
تنحي عبد الناصر
وبالنظر إلى هول ما سبق ، ظهر الرئيس جمال عبد الناصر في التليفزيون فى 9 يونيو 1967 يعلن مسئوليته عما حدث وتنحيه عن الرئاسة ، إلا أن الجماهير خرجت في مظاهرات حاشدة تطالبه بالبقاء والاستعداد للحرب ، وكان من أبرز الهتافات في تلك المظاهرات " نريد ناصر لننتصر " ، وبالفعل رضخ عبد الناصر لرغبة الجماهير واستمر في منصبه .
وعلى الفور ، شرع في إجراء تغييرات في القيادات العسكرية ، حيث أقال المشير عبد الحكيم عامر من قيادة الجيش وعينه نائبا له ، كما قام بتعيين الفريق أول محمد فوزى قائد عاما للقوات المسلحة بدلا من عامر والفريق عبد المنعم رياض رئيسا للأركان فى 11 يونيو 1967 .
وفى 21 يونيو 1967 ، لجأ عبد الناصر للاتحاد السوفيتى لإعادة تسليحه ، ووقعت بالفعل صفقات السلاح بين البلدين ووصل خبراء سوفييت لتدريب الجيش المصرى على السلاح الروسى.
وفي مارس 1969 انطلقت حرب الاستنزاف ، وفى 22 يناير 1970 سافر عبد الناصر إلى موسكو لطلب معدات دفاع جوى للسيطرة على الطائرات الإسرائيلية وتم بناء حائط الصواريخ .
تحرير سيناء
إلا أنه فى 28 سبتمبر 1970 ، فوجىء المصريون بوفاة الزعيم جمال عبد الناصر ، وانتشرت المخاوف حينها من عدم وجود بديل له ، إلا أنه سرعان ما تلاشت هذه المخاوف بعد أن تولى الرئيس أنور السادات الحكم وأكد أنه متمسك بمبدأ عبد الناصر ( ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة ).
لقد بدأ السادات حكمه بثورة التصحيح أو الحرب الداخلية لتصفية الفساد أو ما عرف بمراكز القوى فى يوم 15 مايو 1970 ، كما بدأ محاولات استرجاع سيناء وكانت هناك أعوام اعتبرها حاسمة لمعركة التحرير وطرد الاحتلال الإسرائيلي.
عام الحسم الأول كان في 1971 ، إلا أن الاتحاد السوفيتى لم يف بوعوده بإرسال أسلحة روسية لمصر ، وهذا الموقف السوفيتي تكرر مجددا مما أدى إلى فشل عام الحسم الثانى في 1972 ، ولذا أنهى السادات خدمة الخبراء السوفييت فى مصر يوم 8 يوليو1972 .
كما شرع في تغيير القايدات العسكرية استعدادا للحرب ، حيث أقال وزير الحربية فريق أول محمد صادق وعين بدلا منه فريق أول أحمد إسماعيل فى أكتوبر 1972 ، وبدأت الحرب بالفعل لاستعادة سيناء في 6 أكتوبر 1973 ، وكان النصر المؤزر الذى أعاد الكرامة للمصريين والعرب بعد سنوات النكسة .
ورغم استعادة مصر لسيناء بعد نصر أكتوبر ، إلا أن بقية الأراضى العربية التى احتلت في حرب الأيام الست مازالت تعانى من قسوة الاحتلال في ظل رفض إسرائيل تنفيذ القرار 242 الذي يطالبها بالانسحاب من الأراضي التي احتلتها في يونيو 1967 وبعودة اللاجئين إلى ديارهم.
[/align][/frame]
رد: الكرامة والاستنزاف.. بطولات عسكرية عربية في زمن النكسة.
[frame="13 90"] [align=justify]
الكرامة والاستنزاف.. بطولات عسكرية عربية في زمن النكسة ج/2.
إعداد - جهان مصطفى/ محيط
أسرار واعترافات
دخلت إسرائيل حرب يونيو 1967 وهى تركز على هدف واحد هو تثبيت ركائز الكيان الصهيوني الحديث النشأة ، ولذا وضعت من الخطط ما يضمن تنفيذ هذا الهدف ، وبالطبع كانت هناك عوامل قصور وضعف في العالم العربي سهلت لها المهمة ومن أبرزها :
انشغال الدول العربية بأزمات داخلية كالصراع بين نظام حكم عبد الناصر والإخوان المسلمين ، وانشغال العرب بصراعات عربية عربية ، ففى هذا الوقت لم يكن الجيش المصرى كله موجودا داخل حدود الوطن ، لأن عبد الناصر كان قد أرسل بالفعل قوات مصرية إلى اليمن لمساندة المعارضين لنظام الإمام الذي كانت تسانده السعودية ،
الأمر الذى سبب توترا في العلاقات المصرية السعودية وأضعف جهود تحقيق الوحدة العربية ، كما استنزف قدرات الجيش المصرى في حرب أهلية لا طائل منها.
وهناك أيضا قرار عبد الناصر بإغلاق مضيق تيران الذى يفصل خليج العقبة عن البحر الأحمر أمام الملاحة الإسرائيلية والذي كان بحسب البعض قرارا خاطئا لأنه أعطى الذريعة لإسرائيل لشن العدوان في وقت لم يستعد فيه عبد الناصر للتداعيات المحتملة لمثل هذا القرار.
هذا بالإضافة إلى إخفاق القائد العام للقوات المسلحة المصرية المشير عبد الحكيم عامر بوضع الخطط وتنفيذها بالشكل الصحيح ومنها خطط الانسحاب العشوائي ، وأيضا انتشار الفساد ليس في مؤسسات الدولة فحسب وإنما بين قيادات الجيش ، حيث ترددت في تلك الفترة أقاويل عن علاقات مشبوهة بين كبار المسئولين والفنانات .
ويبقى السبب الجوهري ألا وهو نقص التدريب الجيد والأسلحة المتطورة فى صفوف الجيوش العربية ، ففى هذا الوقت كانت مصر تعتقد ومعها العرب أن إسرائيل هزمت في عام 1956 بعد فشل العدوان الثلاثى ولذا فإنها لن تجرؤ مجددا على الدخول في حروب جديدة ، إلا أن هناك حقيقة كانت غائبة عن العرب في هذا الوقت وهى أن العدوان الثلاثى فشل سياسيا وليس عسكريا بعد أن عارضته الولايات المتحدة لأنه تم دون علمها ، بالإضافة إلى تهديد الاتحاد السوفيتى السابق بالتدخل لدعم مصر ، وفي ضوء الاعتقاد الخاطيء السابق ، فإن الدول العربية وخاصة المجاورة لإسرائيل لم تهتم كثيرا بتطوير جيوشها وأصبحت إسرائيل أكثر تطورا بعد أن كانت القوات العربية متفوقة تسليحيا حتى عام 1965.
وبجانب ما سبق ، هناك أمور أخرى رجحت كفة إسرائيل في عدوان 5 يونيو 1967 ، منها أنها كانت قد استفادت جيدا من فشل عدوان 1956 ، كما استفادت أيضا من الظروف الدولية التي كانت سائدة في هذا الوقت .
ففي إطار محاولتها علاج مشكلة قلة حجم جيشها مقارنة بالعرب ، لجأت للدول الكبرى وعقدت معها معاهدات عسكرية ، مستغلة تأثيرات الجاليات اليهودية في تلك الدول واضطهاد نظام هتلر لليهود بما يسمى "محارق الهولوكوست" .
وبالفعل كان دور الدول الكبرى حاسما فى ترجمة نتائج العدوان إلى مكاسب على الأرض لصالح إسرائيل من خلال عدم إفساح المجال أو إعطاء فرصة للقوات العربية بتنظيم صفوفها لصد الهجوم الإسرائيلى أو القيام بهجوم مقابل ، حيث سارعت الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا إلى الضغط على مجلس الأمن لإصدار قرار وقف إطلاق النار ، كما كان من أهم أسباب هزيمة الجبهة المصرية الهجمات التى قامت بها القوات الجوية الأمريكية والبريطانية المتمركزة بقاعدتى هويلز والعدم في ليبيا وذلك قبل الإنقلاب على الحكم الملكى هناك.
ومن أسباب تفوق إسرائيل أيضا هو استخدامها لعنصر المفاجأة في ضرب القوات العربية حيث لم يتوقع العرب هجوما عند الفجر لكن إسرائيل نفذت الهجوم في هذا الوقت ، مما أفقد العرب توازنهم وسبب خسائر فادحة في صفوف القوات العربية ، هذا بجانب اعتماد إسرائيل على مبدأ التفوق الجوي في ساحة المعركة لوهن الجندي الإسرائيلي في المعارك البرية ، وبالفعل حسم سلاح الطيران الأمر مبكرا لصالح إسرائيل وهذا ما أدركت أهميته القيادة المصرية وهى تخطط لحرب أكتوبر.
شاهد على النكسة
ولكى نقترب أكثر وأكثر من حقيقة ما حدث في 1967 ، كان لابد وأن نعرض شهادات بعض ممن توفرت لهم الفرصة للاقتراب من صانعى القرار في تلك الفترة .
شهادة اللواء طيار متقاعد محمد زكي عكاشة
في حوار أدلى به لموقع المؤرخ الإلكتروني مؤخرا ، كشف اللواء طيار متقاعد محمد زكي عكاشة الذى شارك في حروب عام 67 وحرب الاستنزاف وحرب أكتوبر 73 ، أنه فى عام 67 تعرضت القوات المسلحة ومصر كلها لنكسة بالغة لكن القوات الجوية كانت أكثر فروع القوات المسلحة تأثرا بها .
وقال في هذا الصدد :" وجود قيادة عسكرية هي المشير عبد الحكيم عامر على رأس القوات المسلحة ، إضافة إلى التسيب وعدم الانضباط كلها سلبيات ساهمت بنسب متفاوتة في وقوع النكسة.. فعامر لم يكن مؤهل، كان معدوم الخبرة لقيادة قوات مسلحة بحجم القوات المسلحة المصرية فهو ترقى من رائد إلى لواء إلى مشير في خلال سنة أو سنتين!، وبالتالي لم يكن الشخصية أو العيار الثقيل الذي يمكن أن يقود القوات المسلحة".
واستطرد يقول :" إننا قبل 67 لم نعتبر بدرس 56، لم نتعلم من أخطائنا فنعالجها ونطورها ، بل اعتبرنا أننا انتصرنا في 56 وهو لم يكن نصر بكل المقاييس، عسكريا لم ننتصر، إنما نظرا لأن العدوان لم يحقق أهدافه اعتبروا أننا انتصرنا" . فما حدث أننا في 56 ارتكنا إلى أننا انتصرنا فلم نقم بأي نوع من الدراسة للحرب ، بل العكس كان هو الصحيح تماما عند اليهود فقد تعلموا من 56 وأصبحت بداية لدراسة أخطائهم فيها وما كسبوه وما خسروه ".
وبحسب عكاشة فقد كان أحد نتائج هذه الدراسات التى قام بها اليهود هو أنهم لم يحققوا مكاسب لأنهم انضموا إلى انجلترا وفرنسا في هذه الحرب فأصبح العدوان أمام العالم كله أن 3 دول مجتمعة تهاجم دولة واحدة، فالعالم كله انضم إلى مصر والأمم المتحدة والشعوب شكلت رأي عام ضاغط.
ولذا وصل اليهود إلى قناعة بأن استفادتهم من انجلترا وفرنسا كانت في قيامهم بضرب القوات الجوية المصرية على الأرض، ففكروا لو أنهم قاموا بذلك بأنفسهم في الحرب المقبلة دون الحاجة لانجلترا وفرنسا، وهو ما تم بالفعل فبدأوا في التخطيط وتجهيز قوات جوية قادرة على ضرب القوات المصرية على الأرض ونجحوا في ذلك.
وأضاف عكاشة أيضا " في الوقت ذاته كان الجيش المصري مغيب عن دراسة ما يحدث حوله ، كان اليهود يخططوا ويتدربوا بشكل جيد جدا ، الحقيقة أن نكسة 67 كانت بدايتها عام 56 وليس في يونيو 67 ، اليهود استعدوا جيدا فيما كنا نحن لا نتطور بل بالعكس كنا في منحنى هابط، كان لدينا كفاءات فردية كطيارين لكن في إطار العمل الجماعي لاشئ . لم يكن لدينا خطط أو تجهيز أو عمل جماعي ، في الوقت الذي كان فيه اليهود على العكس تماما وكان هذا أهم أسباب نكسة 67 " .
فنكسة القوات الجوية في 67 والحديث للواء عكاشة حملت مسئوليتها كلها للقوات الجوية والناس كلها قالت إن القوات الجوية المصرية هي السبب في الهزيمة وهي السبب في أن الجيش اندحر واندبح في سيناء ، لكن القوات الجوية ظلمت في الحالتين في 56 وفي 67 ، حقيقة كان هناك أخطاء لكننا ظلمنا ، ففي المرتين ضُربنا على الأرض نتيجة ليس تقصير منا ولكن لسوء إدارة القيادة السياسية، مذكور في كل المراجع الخاصة بهذه الفترة أن الرئيس جمال عبدالناصر قال قبل النكسة أننا هنتلقى الضربة الأولى معتقدا أن الضربة الأولى سيكون أثرها تدمير 10 او 15% من القوات الجوية، لكن ماحدث أن الضربة الأولى قضت على حوالي 75 أو 80% من القوات الجوية ، كان ذلك بالتأكيد نتيجة لنقص المعلومات ونقص الاستطلاع ونقص المعدات وأشياء أخرى كثيرة.
وفى رده على سؤال عما إذا كانت الخسارة في المعدات أم في الأفراد ، أجاب اللواء عكاشة ، قائلا :" في المعدات أكثر بكثير، وهذا من حظنا لأن الطيارين اللذين استشهدوا في 67 كانوا حوالي 20 أو 25 طيار ، بينما خسرنا نحو 180 طائرة وبالتالي عندما استقدمنا الطائرات انطلقنا بها على الفور ، فالطيار أهم من الطيارة، لقد حصلنا على طائرات من الجزائر يوم 8 يونيو حاربنا بها، فلو كانت الخسائر في الطيارين لكانت كارثة وكنا سنحتاج عامين أو ثلاثة لإعداد طيار قادر على التحليق والاشتباك بالطائرة" .
وعن شعوره بعد الهزيمة ، قال :" النكسة سببت لي صدمة كبيرة ، لقد اعتبرنا كأفراد أن الضربة الإسرائيلية موجهة لنا شخصيا ، اعتبرناها إهانة شخصية.. فكيف استطاع الطيار اليهودي أن يضربني وأنا على الأرض؟ ، صحيح هو حصل على كل المميزات وأنا لم أتمكن حتى من الصعود للاشتباك معه ، لكننا كنا نشعر بمرارة شخصية شديدة ، فضلا عن أن الناس لم يقدروا حالتنا هذه بل حملونا ضغوطا إضافية ، إخواننا وأهلنا وأصحابنا ، الكل كان يدعي أننا كقوات جوية بالذات السبب في هذه الهزيمة ، لدرجة أننا كنا نخجل من مقابلة أهلنا لأننا كنا نعلم ما سيقال".
وفي رده على سؤال حول كيفية إعادة بناء القوات المسلحة في 6 سنوات فقط بعد النكسة ، أجاب اللواء عكاشة ، قائلا :" لقد خرجنا من 67 مهزومين هزيمة تبعا للعلم العسكري ، لم يكن من الممكن أن نخرج منها قبل 20 سنة لأن الهزيمة كانت بشعة بالفعل، فحتى موشيه دايان وزير الدفاع الإسرائيلي وقتها كان له تعبير شهير بعد الحرب ، فقد خرج بكل الزهو والغرور ليقول أنه ينتظر بجوار الهاتف اتصالات العرب لكي يحددوا شروط الاستسلام ، لكن العسكري المصري والضابط المصري كان له رأي آخر يرد به على دايان ، فبالضبط بعد شهر من النكسة حاربنا اليهود في موقعة رأس العش وهي موقعة لابد من التركيز عليها فهذه المنطقة كان يعسكر بها وحدة صاعقة من القوات المسلحة المصرية حاولت المدرعات الإسرائيلية لمدة يوم ونصف تقريبا اختراقها وفشلت، وكان هذا شئ فوق حدود المعقول أن تتمكن وحدة صاعقة بمفردها ، خصوصا بعد النصر الفظيع للإسرائيليين في النكسة ، من صد المدرعات لهذه المدة الطويلة ".
وأضاف أيضا :" بعد وقف إطلاق النار وتحديدا في 14 يونيو ، قامت القوات الجوية المصرية بقصف مواقع إسرائيل على قناة السويس بالطائرات بعد أن زعمت إسرائيل أنها دمرت القوات الجوية المصرية وأنه لن تقم لها قائمة أبدا، القوات الجوية تقريبا بالكامل شاركت في هذا اليوم لدرجة أن موشيه دايان أعطى أوامر أيامها لليهود بالاستعداد للانسحاب 30 كيلو شرق القناة، لكن لأننا لم نكن مستعدين بعد فقد كانت ضربة الغرض منها إثبات وجودنا كطيارين وكقوات جوية وأن المصري لايزال يحلق في السماء وأن يعرف المواطن العادي أن قواته المسلحة لاتزال تحارب".
وأنهى اللواء عكاشة شهادته ، قائلا :" خلال حرب الاستنزاف استفدنا كثيرا من الهجمات التي قمنا بها وهو ما ظهر بعد ذلك في التخطيط للضربة الجوية عام 73، وقد استهلك الاعداد لهذه الضربة مجهود غير طبيعي من الطيارين لتنسيق هذا العدد الضخم من الطائرات المتنوعة من مطارات متعددة في بني سويف والمنصورة وأنشاص والغردقة وطنطا للإقلاع في أوقات مختلفة بحيث نلتقي جميعا في وقت واحد في مكان واحد لتنفيذ مهام متعددة بين الضرب أو الحماية. الخطة كانت تنص على أن حوالي 200 طائرة ستلقع معا لتنفيذ الضربة الأولى ثم العودة للتموين والإقلاع للضربة الثانية ، لكن الضربة الثانية ألغيت لأن نتائج الضربة الأولى حققت نتائج ممتازة فتم الاكتفاء بها".
شهادة سامى شرف
سامي شرف مدير مكتب الرئيس عبد الناصر لشئون المعلومات كشف أيضا في مذكراته التي نشرها تباعا بصحيفة "الخليج" الاماراتية، عن وقائع الأيام الأخيرة من حياة المشير عبد الحكيم عامر والعديد من أسرار الأزمة التي بدأت تشتد عقب نكسة يونيو.
وبداية أكد سامى شرف أن عبد الحكيم عامر هو المسئول عن الهزيمة العسكرية في 5 يونيو ، قائلا :" العلاقة بين الرئيس جمال عبد الناصر والمشير عبد الحكيم عامر فسدت علي نحو درامي وسريع عقب فجيعة نكسة يونيو المدوية، التي أصدر الرئيس عبد الناصر بعدها قرارا بتنحية عبد الحكيم عامر عن قيادة الجيش وتعيينه نائبا للرئيس، وهو القرار الذي رفضه المشير بشدة، وحزم حقائبة واتجه إلي بلدته في الصعيد ليقضي بها بعض الوقت، غير أنه سرعان ما عاد إلي القاهرة بعد أيام وتحديدا في أول يوليو 1967، واستقر في منزله بالجيزة ".
واستطرد يقول :" نية الرئيس عبد الناصر كانت قد استقرت حينذاك ودون تراجع علي تنحية عبد الحكيم عامر ومعه وزير الحربية شمس بدران ، المشير كان ينظر إلي الجيش علي أنه إقطاعية تابعة له ولا يريد التنازل عنها تحت أية ظروف، بل إنه كان يري أيضا في استرداده سلطاته في الجيش بمثابة رد اعتبار له في ضوء مسئوليته الكبري عن وقوع الهزيمة العسكرية، في نفس الوقت الذي كان يسعي فيه الرئيس عبدالناصر إلي إعادة بناء قوات مسلحة جديدة محترفة ووفقا لمعايير تختلف تماما عما كان سائدا قبل النكسة، والعمل علي إبعادها عن الصراعات السياسية وتفرغها الكامل للمعركة القادمة من أجل استرداد الأرض المحتلة" .
شهادة الجمسى
فى مذكراته عن حرب أكتوبر ، تطرق اللواء محمد عبد الغنى الجمسى رئيس هيئة العمليات بحرب أكتوبر إلى فترة النكسة ، قائلا :" بينما كنت أجلس مع اللواء أحمد إسماعيل ليلا فى جبهة القناة نراجع كالمعتاد يوميا نشاط العدو فى سيناء وكذا نتائج أعمال قواتنا ، قبل أن يتوجه كل منا إلى خندق النوم المخصص له ، دق التليفون وكان المتحدث هو الفريق أول محمد فوزى من القاهرة ، كان هدف المكالمة هو إخطارنا بانتحار المشير عامر فى منزله بمادة سامة شديدة المفعول كان يخيفها ملاصقة لجسمه تحت الملابس الداخلية " .
وتابع الجمسى " أخذ اللواء أحمد إسماعيل يناقشنى فى رد الفعل المنتظر لهذا الحادث بين القوات فى الجبهة ، ووصلنا إلى نتيجة مؤكدة هى أن انتحار المشير عامر لن يكون له تأثير عام ، فما زالت حرب يونيو بأحداثها ونتائجها المريرة تترك أثرها العميق فى نفوس كل العسكريين بعد أن فقدنا سيناء ، واستشهد لنا الآلاف من رجال القوات المسلحة ، ولم يكن أحد قد نسى دور عبد الحكيم عامر فى الهزيمة كقائد عام للقوات المسلحة ، واستعدنا معا الحالة السيئة التى وصلت إليها القوات المسلحة فى ظل قيادته ، وكان ذلك سببا رئيسيا من أسباب الهزيمة ".
وخلاصة ما سبق ، أن هناك ما يشبه الإجماع بين أبرز من عاصروا فترة النكسة على أن المشير عبد الحكيم عامر يتحمل الجانب الأكبر عما حدث في 5 يونيو 1967 .
[/align][/frame]
رد: الكرامة والاستنزاف.. بطولات عسكرية عربية في زمن النكسة.
[frame="13 90"][align=justify]
الكرامة والاستنزاف.. بطولات عسكرية عربية في زمن النكسة. ج/3
نكسة 5 يونيو رغم بشاعتها إلا أنها أدت إلى إعادة تنظيم الخطط العسكرية العربية ، وبعد قرابة العام وتحديدا فى 21 مارس 1968 ، قامت معركة الكرامة التي صد خلالها الجيش الأردني والفدائيين الفلسطينيين عدوانا إسرائيليا جديدا على الضفة الشرقية لنهر الأردن وسجل خلالها ما اعتبر أول نصر عربي على الجيش الإسرائيلي ، كما نجحت القوات المصرية في إلحاق خسائر فادحة بالاحتلال عبر معركة رأس العش وتدمير المدمرة إيلات والتى كانت بدايات لحرب الاستنزاف.
معركة الكرامة
قوبل احتلال إسرائيل للضفة الغربية من نهر الأردن عام 1967 والتي كانت خاضعة حينذاك لحكم المملكة الأردنية الهاشمية بردود فعل تمثلت في صدامات عسكرية متكررة بين وحدات صغيرة من الجانبين على طول نهر الأردن، بالإضافة إلى تزايد هجمات الفدائيين الفلسطينيين الذين تمركزوا في الضفة الشرقية لنهر الأردن.
وفي مطلع عام 1968 صدرت عدة تصريحات رسمية عن إسرائيل تعلن أنه إذا استمرت نشاطات الفدائيين الفلسطينيين عبر النهر فإنها ستقرر إجراء عمل مضاد مناسب وفي الفترة من 15-18 مارس 1968 تزايدت طلعات الاستكشاف الجوية الإسرائيلية فوق نهر الأردن كما تسللت دوريات إسرائيلية عبر النهر باتجاه الضفة الشرقية.
معركة الكرامة
وفي 21 مارس 1968 ، بدأت معركة الكرامة ، التي سميت بهذا الاسم نسبة إلى أن المعارك التي دارت بين الفدائيين والجيش الأردني من ناحية والقوات الإسرائيلية المهاجمة من ناحية أخرى كانت في رقعة جغرافية مركزها منطقة الكرامة بتلالها المطلة على نهر الأردن ، حيث قدر عدد الفدائيين في المنطقة بحوالي 300 مقاتل فلسطيني، وكان بجانبهم عدد من المواقع للجيش الأردني ومدفعيته الثقيلة والتي لعبت دوراً كبيراً في تكبيد إسرائيل خسائر فادحة .
ورغم أن إسرائيل ادعت أن الهجوم الواسع الذي بدأته على الضفة الشرقية لنهر الأردن في منطقة الكرامة كان بحجة تدمير قوة الفدائيين ، إلا أنها كانت تخطط إلى احتلال مرتفعات البلقاء والاقتراب من العاصمة عمان للضغط على القيادة الأردنية لقبول شروط الاستسلام التي تفرضها، ومحاولة إيجاد ولو موضع قدم على أرض شرقي نهر الأردن بقصد المساومة عليها لتحقيق أهدافها وتوسيع حدودها ، وضمان الأمن والهدوء على خط وقف إطلاق النار مع الأردن ، وتوجيه ضربات قوية ومؤثرة إلى الجيش الأردنى ، وأخيرا ، زعزعة الروح المعنوية والصمود عند السكان المدنيين وإرغامهم على النزوح من أراضيهم ليشكلوا أعباء جديدة، وحرمان المقاومة من وجود قواعد لها بين السكان وبالتالي المحافظة على الروح المعنوية للجيش الإسرائيلي بعد المكاسب التي حققها على الجبهات العربية في عدوان 5 يونيو .
إحباط مخططات إسرائيل
إسرائيل فشلت في تحقيق أي من الأهداف السابقة ، حيث لعب سلاح المدفعية الأردني وقناصو الدروع دوراً كبيراً في معركة الكرامة وعلى طول الجبهة وخاصة في السيطرة على جسور العبور ما منع الجيش الإسرائيلي من دفع أية قوات جديدة لإسناد هجومه الذي بدأه وذلك نظراً لعدم قدرته على السيطرة على الجسور خلال ساعات المعركة وقد أدى ذلك إلى فقدان القوات الإسرائيلية المهاجمة لعنصر المفاجأة وساهم ذلك بشكل كبير في تخفيف زخم الهجوم وعزل القوات المهاجمة شرقي النهر وبشكل سهل التعامل معها واستيعابها وتدميرها .
وما يؤكد هزيمة إسرائيل في تلك المعركة أن القوات الإسرائيلية التي نجحت في عبور جسر الملك حسين إلى الضفة الشرقية لنهر الأردن كانت بحجم فرقة وهي القوات التي عبرت في الساعة الأولى من الهجوم وبعدها لم تتمكن القوات المهاجمة من زج أية قوات جديدة شرقى النهر بالرغم من محاولتها المستميتة للبناء على الجسور التي دمرت .
لقد كسب الجيش الأردنى بحسب المحللين العسكريين مفاجأة إطلاق النار الكثيف عند بدء الهجوم من القوات الإسرائيلية ولو تأخر في ذلك لأتاح للقوات المهاجمة الوصول إلى أهدافها .
انتصار عسكري أردني
ولعل إلقاء نظرة على خسائر الجانبين من شأنها أن توضح أكثر وأكثر حجم الهزيمة الموجعة التي تلقتها إسرائيل ، حيث بلغ عدد القتلى في صفوف قواتها المهاجمة 250 جندياً ، و450 جريحاً ، بالإضافة إلى تدمير 88 آلية وهي عبارة عن 27 دبابة و 18 ناقلة و 24 سيارة مسلحة و 19 سيارة شحن ، أما بالنسبة لخسائر القوات المسلحة الأردنية ، فكان عدد القتلى 61 جندياً ، و108 جرحى ، وتدمير 39 آلية مختلفة .
وأمام تلك الخسائر المحدودة في صفوف القوات الأردنية ، سجلت معركة الكرامة بأحرف من نور في إنجازات العسكرية العربية بل واعتبرت أول نصر عسكري عربي على إسرائيل منذ نكبة 1948 ، وترتب عليها أيضا استرجاع الأردن لآلاف الأراضي التي احتلت في حرب 1967 ، كما رفعت من معنويات الجبهات العربية الأخرى ، وأكدت بما لايدع مجالا للشك أن الإرادة والتصميم يمثلان جزءا لا يتجزأ من النصر على الأعداء.
ويرى الكاتب الفلسطيني زياد أبو شاويش أن الملمح الرئيس في تلك المعركة كان هو الشراكة الفلسطينية الأردنية الصادقة والحقيقية في مواجهة عدو واحد للطرفين، قائلا :" هذا الملمح وهذه الظاهرة أرست في حينه أهمية العمل الفدائي والمساندة النظامية في نفس الوقت وأظهرت كم هو مفيد وضروري للانتصار تجميع كل قوانا سواء من قوات مغاوير أو جيش نظامي بمدفعيته ودباباته وأسلحته الثقيلة وقتاله الكلاسيكي مع مجموعات فدائيين منتشرة بشكل مجموعات صغيرة وتستخدم تكتيكات الدفاع المتحرك والمواقع غير الثابتة، هذا المظهر الذي كان الأكثر إشراقاً ولا يزال في عنوان التضامن والتعاون بين المقاومة والجيش النظامي لم يتكرر بنفس الطريقة للآن برغم أهميته ونجاعته في مواجهة عدو متفوق".
واستطرد يقول :" من يتصور معركة تتلاقى فيها القوات الإسرائيلية التي تم إنزالها في المنطقة والمقاتلين الفلسطينيين المتحصنين في الجبال والخنادق التي توفرها طبيعة المنطقة مع قيام المدفعية الأردنية بالقصف المتواصل على القوات الزاحفة من الغرب وكذلك على المواقع المتمركزة غرب النهر كقوات مساندة ، يستطيع أن يفهم لماذا كان دور الجيش الأردني ضروري ولاغنى عنه كما دور المقاومة التي تصدت بشكل مباشر للعدوان وأوقعت خسائر فادحة بقوات العدو ودحضت الدعاية الصهيونية في تلك الفترة حول الأسطورة التي لا تلحق بها الخسارة والتي نجحت في احتلال أراضي ثلاث دول عربية في أقل من 6 أيام ".
لقد كانت معركة الكرامة نصراً مزدوجاً، في وجهه الأول كان انتصار للتضامن والتعاون بين الجيش والمقاومة، وهو الدرس الذي لازال العرب في حاجة ماسة لترسيخه والاستفادة منه في أية معارك قادمة مع العدو الإسرائيلي ، وفي وجهه الآخر كان انتهاء الأسطورة القائلة باستحالة هزيمة العدو بجيشه الذي لا يقهر حسب زعم قادته ، وبالتالي فقد فتحت معركة الكرامة الطريق أمام دول الطوق لخوض معركتها الأهم بعد ذلك والمقصود هنا حرب أكتوبر المجيدة .
حرب الاستنزاف
انتهت حرب 5 يونيو أو حرب الأيام الستة كما سمتها إسرائيل بنهاية مأساوية كشفت عن كثير من أوجه القصور في القوات المسلحة المصرية بشكل عام وفي القوات التي تتولى مهام الدفاع الجوي بشكل خاص ولذا وضعت القيادة السياسية جملة من الأهداف لتجاوز النكسة تتمثل فى : إعادة بناء القوات المسلحة ، إعادة الثقة للجنود في أنفسهم وفي قادتهم ، إعادة الضبط والربط ، إعادة تدريب القوات ، وتنظيم الوحدات ، ومن هنا بدأت مرحلة الصمود وحرب الاستنزاف.
مرحلة الصمود
فبعد النكسة حاول الإسرائيليون الدخول واحتلال مساحات أوسع من أرض سيناء حيث تحركت قوات العدو من القنطرة في اتجاه بور فؤاد ولكن بعض قوات الصاعقة المصرية قامت ببث الألغام في طريقهم وعندما تقدم العدو انفجرت هذه الألغام فمنعت العدو من التقدم في 1 يوليو 67 وهى المعركة التى أطلق عليها " معركة رأس العش " .
وفي 2 يوليو 67 ، حاولت إسرائيل الاستيلاء علي بور فؤاد ولكن أفراد القوات المصرية تصدوا لهم بالأسلحة الخفيفة ودمرت عربات المدرعات المتقدمة واضطر العدو أن ينسحب بقواته وسميت هذه المعركة بمعركة راس العين .
وفى 14و 15 يوليو 67 ، قامت القوات المصرية بإطلاق مدفعية عنيفة علي طول الجبهة وذلك بعد اشتباكات مع العدو في الجنوب في اتجاه السويس والفردان وقد كان ذلك تمهيدا لطلعة طيران قوية حيث خرجت القوات الجوية باكملها وهى تضرب في الجنوب فتحول العدو بقواته الي الجنوب وترك الشمال بغير غطاء فانطلق الطيران المصري الي الشمال وأوقع خسائر كبيرة فى صفوف القوات الاسرائيلية .
وقامت القيادة الإسرائيلية علي إثر هذه الضربة الجوية المصرية الصائبة بطلب وقف إطلاق النار من أمريكا التي كلفت الأمين العام للأمم المتحدة بإبلاغ الرئيس جمال عبد الناصر عبر التليفون بهذا الطلب الإسرائيلي وكان قائد الطيران المصري في هذا الوقت هو الفريق مدكور أبو العز.
وفي 21 أكتوبر67 ، قامت البحرية المصرية بتدمير المدمرة الإسرائيلية إيلات ، ويروي اللواء محمد عبد الغنى الجمسى رئيس هيئة العمليات بحرب أكتوبر فى مذكراته تفاصيل ما حدث في هذا اليوم ، قائلا :" جاء يوم 21 أكتوبر 1967 وقد وصلت إلى مركز قيادة الجبهة بعد راحة ميدانية ، فوجدت اللواء أحمد إسماعيل ومعه العميد حسن الجريدلى رئيس عمليات الجبهة ، وقد كنت أنا وقتها رئيس أركان للجبهة ، يتابعان تحركات المدمرة الإسرائيلية إيلات بالقرب من المياه الإقليمية لمصر فى المنطقة شمال بورسعيد . كانت المعلومات تصلنا أولا بأول من قيادة بورسعيد البحرية التى كانت تتابع تحركات المدمرة ، وقد استعدت قوات القاعدة لمهاجمة المدمرة عندما تصدر الأوامر من قيادة القوات البحرية بالتنفيذ . وظلت المدمرة المعادية تدخل المياه الإقليمية لفترة ما ثم تبتعد إلى عرض البحر ، وتكرر ذلك عدة مرات بطريقة استفزازية وفى تحرش واضح ، لإظهار عجز قواتنا البحرية عن التصدى لها ".
واستطرد يقول :" وبمجرد أن صدرت أوامر قائد القوات البحرية بتدمير هذه المدمرة عند دخولها المياه الإقليمية ، خرج لنشان صاروخيان من قاعدة بورسعيد لتنفيذ المهمة . هاجم اللنش الأول بإطلاق صاروخ أصاب المدمرة إصابة مباشرة فأخذت تميل على جانبها ، وبعد إطلاق الصاروخ الثانى تم إغراق المدمرة الإسرائيلية " إيلات " شمال شرق بورسعيد بعد الخامسة مساء يوم 21 أكتوبر 1967 وعليها طاقمها ،
وقد غرقت المدمرة داخل المياه الإقليمية المصرية بحوالى ميل بحرى، وعاد اللنشان إلى القاعدة لتلتهب مشاعر كل قوات جبهة القناة وكل القوات المسلحة لهذا العمل الذى تم بسرعة وكفاءة وحقق تلك النتيجة الباهرة".
لقد كان إغراق المدمرة إيلات بواسطة الصواريخ البحرية التي استخدمت لأول مرة بحسب الجمسي بداية مرحلة جديدة من مراحل تطوير الأسلحة البحرية والقتال البحرى فى العالم وأصبح هذا اليوم ـ بجدارة ـ هو يوم البحرية المصرية ، مؤكدا أن هذه الضربة كانت هي حديث العالم كله في هذا الوقت .
انطلاق حرب الاستنزاف
وبعد ذلك انطلقت حرب الاستنزاف وهو التعبير الذى أطلقه الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر على العمليات العسكرية التي دارت بين القوات المصرية والاحتلال الإسرائيلى شرق قناة السويس والتى نقلت مصر خلالها المعركة إلى مواقع العدو بعد أن نجحت في مرحلة الصمود ومنع العدو من احتلال أراض جديدة وكان الهدف الأساسى من تلك الحرب هو إسقاط أكبر عدد ممكن من القتلى والجرحى والآليات في صفوف العدو وتدريب الجنود المصريين على عمليات قتالية في شرق القناة تمهيدا للحظة العبور.
وقد شرح جمال عبد الناصر فلسفته في هذة الحرب في حوار مع الكاتب الصحفى محمد حسنين هيكل ، قائلا :" أن يستطيع العدو أن يقتل 50 ألفا منا فإننا نستطيع الاستمرار لأننا نمتلك لاحتياطي الكافي و لكن أن يفقد العدو 10 آلاف فسوف يجد نفسه مضطر إلى أن يوقف القتال فهو لا يمتلك الاحتياطي البشري الكافي ".
وبدأت تلك الحرب في مارس 1969 وانتهت بموافقة عبد الناصر على مبادرة وزير الخارجية الأمريكى حينئذ روجرز لوقف إطلاق النار فى الثامن من أغسطس 1970 .
وفي كتاب " أسرار جديدة عن حرب الاستنزاف" الذى صدر عن الهيئة المصرية للكتاب في 2005 ، واعتمد في محتوياته على شهادة شخصيتين كان كل منهما قريبا جدا من أسرار حرب الاستنزاف وعملياتها ، هما: عبده مباشر رئيس القسم العسكري الأسبق في الأهرام، وعميد بحري سابق إسلام توفيق ، جاء أن اللواء محمد صادق مدير المخابرات الحربية في هذا الوقت أقنع الرئيس عبد الناصر أن صورة القائد والضابط والجندي الإسرائيلي في مخيلة القوات المصرية على ضوء نتيجة يونيو 1967 هي صورة المقاتل السوبر (المقاتل الذي لا يقهر)، ولو تم ترك هذه الصورة لتترسخ لأصبح من المتعذر على القوات المصرية أن تواجه جيش الاحتلال الإسرائيلي في أي صراع عسكري مقبل .
ووفقا للواء محمد صادق أيضا ، فإنه إذا كانت مصر ستخوض معركة مقبلة لتحرير أرضها واستعادة كبريائها ، فإن الخطوة الأولى هي تحطيم صورة المقاتل الإسرائيلي السوبر قبل أن تترسخ في عقول المقاتلين المصريين ، ولتحقيق هذا الهدف فإنه من الضروري أن تبدأ عمليات فدائية ضد قوات الاحتلال الإسرائيلي في شرق قناة السويس ، مؤكدا أن سقوط قتلى وجرح وأسرى فى صفوف العدو سيؤدي إلى استنزافه ونزع هذه الهالة التي اكتسبها في يونيو 1967.
وبالفعل وعلى أساس تلك الرؤية العسكرية ، انطلقت حرب الاستنزاف في مارس 1969 وتضمنت هجمات متعددة ضد الاحتلال في سيناء وحتى فى مناطق خارج منطقة الصراع تماما مثل عملية تفجير حفار إسرائيلي في المحيط الأطلنطي .
وكان من أهم إنجازات تلك الحرب عملية إيلات التي تم خلالها الهجوم على ميناء أم الرشراش المصري الذي أسمته إسرائيل إيلات بعد احتلاله ، حيث تم تلغيم الميناء وقتل عدد من العسكريين وإغراق بارجة إسرائيلية ، وذلك من قبل رجال الضفادع البشرية المصريين بالتعاون مع القوات الأردنية والعراقية ومنظمة التحرير الفلسطينية.
كما سطر أبطال "المجموعة 39 قتال" التي كان يقودها العميد إبراهيم الرفاعي الذى استشهد فيما بعد بحرب أكتوبر بأسمائهم في سجل التاريخ بالنظر إلى المهام الخطيرة التى أوكلت إليهم وتم تنفيذها بنجاح خلال تلك الحرب ، وكانت تلك المجموعة تضم خيرة مقاتلي الصاعقة والضفادع البشرية والصاعقة البحرية وأذاقت جيش الاحتلال الإسرائيلي الويل والأهوال وسببت لجنوده حالة هيستيريا دائمة حتى أنهم كانوا يحاولون الوصول بأية وسيلة إلي معلومات عن تلك المجموعة وأساليب عملها ، بل أنهم حددوا أسماء ثلاثة من رجال المجموعة للوصول إليهم أحياء أو أموات وهم الشهيد إبراهيم الرفاعي والقائد الثاني للمجموعة الدكتور علي نصر ثم المقاتل الفذ علي أبو الحسن الذي شارك في 44 عملية خلف خطوط العدو في حرب الاستنزاف وحرب أكتوبر .
قالوا عن حرب الاستنزاف
ويؤكد الخبراء العسكريون أن حرب الاستنزاف هى التى مهدت الطريق لنصر 6 أكتوبر ، ففى تقرير نشرته جريدة "العربى الناصرى " فى 5 أكتوبر 2003 ، قال اللواء صلاح المناوي رئيس عمليات القوات الجوية المصرية خلال حرب أكتوبر :" إن حرب الاستنزاف كانت المدرسة التي أعدت القوات المسلحة المصرية لحرب أكتوبر المجيدة فقد كشفت لنا حرب الاستنزاف كل تجمعات العدو وطريقة اقترابه في الهجوم والشكل القتالي الذي يتواجد به كما كشفت لنا أيضا عدد طائرات العدو المستخدمة في الجو والأخري بالمظلات مما ساعدنا علي إعداد خطة أكتوبر ونجاح القوات المسلحة الباسلة في تدمير طائرات العدو وهي علي الأرض".
وفي السياق ذاته ، أكد اللواء أحمد حجازى أحد أبطال نصر أكتوبر أن التاريخ لن ينسي الانتصارات المصرية خلال حرب الاستنزاف لأنها غيرت وجهة النظر الحربية خاصة في القوات البحرية ، فبعد نجاح القوات البحرية المصرية في تدمير ميناء إيلات ، استبدلت جيوش العالم كله المدمرات والقطع الكبيرة بالزوارق واللنشات الخفيفة ، قائلا :" حرب الاستنزاف كانت نصرا لمصر ولذا سارعت أمريكا لإنقاذ إسرائيل عبر مبادرة روجرز لوقف إطلاق النار ".
وفي ضوء ما سبق ، يمكن القول إن حرب الاستنزاف دحضت المزاعم الإسرائيلية حول أن الجيش المصرى تحول إلى جثة هامدة بعد نكسة 1967 .
[/align][/frame]
رد: الكرامة والاستنزاف.. بطولات عسكرية عربية في زمن النكسة.
[frame="13 90"] [align=justify]
الكرامة والاستنزاف..
بطولات عسكرية عربية في زمن النكسة. ج/4 والأخير
من مذكرات النكسة..
عبد الناصر رفض صفقة بيع العرب وخدع دايان
في 5 يونيو 2008 ، تحل الذكرى الـ 41 لنكسة 1967 ، والتي تعتبر من أسوأ الفترات في التاريخ العربي الحديث ، إلا أنه نظرا لأهمية التاريخ في الوصول للمستقبل ، كان لابد من إعادة تقييم اللحظات الحرجة التي مرت بها مصر بعد احتلال إسرائيل لسيناء وكيفية مواجهة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر لمحاولات أمريكا وإسرائيل تركيع وابتزاز مصر .
محيط - جهان مصطفى
فمعروف أن السياسة الأمريكية تجاه مصر وصلت إلى حد العداء الكامل في أواسط الستينات وكانت حرب 1967 ذروة التصعيد الأمريكي ضدها، حيث ساهمت واشنطن عسكرياً في دعم العدوان الإسرائيلي بعد أن فشلت في ضغوطها السياسية والاقتصادية على عبد الناصر في مرحلة ما قبل العدوان ، إلا أنه رغم ذلك فإن الهدف الذي كانت تصبو إليه إدارة الرئيس الأمريكي وقتئذ جونسون بتركيع نظام عبد الناصر لم يتحقق .
وكتب وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق موشيه دايان في مذكراته أنه كان ينتظر عقب هزيمة 1967 اتصالاً هاتفياً من جمال عبد الناصر يبلغه فيه استعداده للاستسلام الكامل ولتوقيع معاهدة مع إسرائيل ، وهو ما لم يحدث ، كما كشف أن إسرائيل وبدعمٍ أمريكي عرضت على عبد الناصر إمكان الانسحاب الكامل من سيناء مقابل شرط واحد هو عدم تدخله في مصير الجبهات العربية الأخرى وكان القصد واضحاً من هذا العرض ، عزل مصر عن محيطها العربي وعن جوهر الصراع أي القضية الفلسطينية ، وهو ما لم يحدث أيضا .
فقد سارع عبد الناصر بعد ساعات قليلة من النكسة لإعادة بناء القوات المسلحة المصرية ، كما حرص على إرساء التضامن العربي في قمة الخرطوم عام 1967 حيث دخلت المنطقة العربية كلها في مرحلة جديدة أطلق عليها تضامن النفط والمدفع وذلك بهدف تحرير الأراضي العربية المحتلة ورفض تحقيق الشروط الإسرائيلية للسلام مع العرب.
وخلال فترة زمنية قصيرة جداً (أقل من ثلاث سنوات) قاد عبد الناصر مصر والأمة العربية إلى وضعٍ مختلف تماماً عما كان عليه قبل حرب 1967، خاصة لجهة أولوية المعركة مع العدو الإسرائيلي، ووقف الصراعات العربية كلها بما في ذلك سحب الجيش المصري من اليمن ورفض التدخل في الشئون الداخلية العربية ومباشرة حرب الاستنزاف ضد إسرائيل مع دعم انطلاقة المقاومة الفلسطينية وتوفير كل أنواع المساندة لها ، لكن القدر لم يسمح لجمال عبد الناصر أن يعش طويلاً وأن يحصد ثمرة سياسات الفترة من 67 - 1970 حيث وافت المنية جمال عبد الناصر بعد أن أرهق نفسه لأيامٍ طويلة من أجل وقف الحرب المدمرة التي حدثت بين الجيش الأردني والمنظمات الفلسطينية في شهر سبتمبر 1970 .
تقارب بين نيكسون وعبد الناصر
ويجب الإشارة هنا إلى أن إنجازات عبد الناصر خلال تلك الفترة القصيرة لم تقتصر فقط على الاستعداد لمعركة التحرير وتوحيد العالم العربي وإنما توجت أيضا بإحداث تغيير في السياسة الأمريكية ، حيث جاء الرئيس الأمريكي الجديد في هذا الوقت نيكسون محاولاً بناء علاقات جيدة مع مصر بعد أسوأ حقبة في تاريخ العلاقات الأمريكية المصرية في عهد جونسون ، وأسفرت تلك المحاولة في صيف عام 1970 عن قبول عبد الناصر بمبادرة روجرز الأمريكية من أجل وقف إطلاق النار على جبهة قناة السويس، التي شهدت على مدار سنتين سابقتين حرب استنزاف قاسية للاحتلال الإسرائيلي على الضفة الشرقية للقناة .
ثم جاءت مرحلة الرئيس المصري الراحل أنور السادات الذي أشرف على استكمال الخطط كلها التي بدأها عبد الناصر من أجل عبور القناة وخوض حرب عسكرية مدعومة بتضامنٍ عربي واسع خاصة من الدول العربية النفطية ، وكانت حرب أكتوبر 1973 التي أعادت العزة والكرامة للعرب وقضت على أسطورة الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر .
ويمكن القول إن من أهم دروس هزيمة 5 يونيو عام 1967 هو إعادة عبد الناصر ومن بعده السادات النظر في السياسة الداخلية والعربية لمصر بعد أن أدركا أن التحرر من الاحتلال يقتضي أقصى درجات الوحدة الوطنية في الداخل، وأعلى درجات التضامن والتنسيق بين الدول العربية ، ولذا عندما توحد العرب خلف مصر في حرب أكتوبر تحقق النصر ، وما أحوجنا اليوم بالفعل لموقف مماثل.
[/align][/frame]