لبيك اللهم لبيك: نفحات من فيض الجلال /د. رجاء بنحيدا
لبيك اللهم لبيك... ما الكلمات إلا وريقات تتساقط خجلى أمام جلال النداء.
أهو صوت يخرق حجب الأثير، أم صدى يتردد في فؤاد اهتز شوقًا، وتفتحت له أبواب الغيب؟ إنها ليست مجرد أحرف تنطق، بل هي عهد يقطعه العبد، وروح تتجرد لتحلق في فضاء الملكوت.
أتسمع النبض في جنبات الكون؟ كل ذرة تسبح، ونجم يتهادى، وكائن يخر ساجدا في محراب العبودية.
فما بالك بقلب بشري ألقي فيه نداء، وما بالك بروح أشعلت فيها جذوة الشوق؟ إنها لحظات تتجاوز الزمان والمكان، يتجلى فيها سر الوجود، وينكشف فيها حجاب الغيب.
لبيك اللهم لبيك... كأنما الأرض تتهادى، والسماوات تتفتح، والملائكة تنصت في خشوع، وشمس الحق تشرق على الكون أجمع.
أليست هي الإجابة التي يترقبها كل قلب ظمآن؟ أليست هي الصرخة التي تشق صمت الليل لتصل إلى عرش الجلال؟ إنها لحظة يرتعش لها الوجود، وتتوقف عندها الأنفاس، وتفتح لها أبواب الرحمة.
ما عساها أن تكون هذه الكلمات إلا قطرات من بحر المعاني، وومضات من نور الحقيقة؟ إنها ليست مجرد ترديد، بل هي استجابة عميقة، وتلبية صادقة، وتفويض كامل.
لبيك اللهم لبيك... لا شريك لك لبيك... إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك.
هو اعتراف بالوحدانية المطلقة، وتجرد من كل ما سوى الحق، وانصهار في بحر التوحيد.
فكلما انبلج فجر هذا النداء في أفق الروح، أزهرت جنان الإيمان، وتفتحت أكمام المحبة، وتجلى سر العبودية في أبهى صوره.
إنه نداء يحمل في طياته كل معاني التسليم والرضا، وأبعاد الافتقار والتوكل.
لبيك... حينما يدرك القلب أن كل ما في الكون لا قيمة له إلا باتصاله بالحق المطلق، وحينما يستشعر العبد أن كل عزة وكرامة هي في التواضع لجلال الخالق.
هذه الكلمات، ليست أقل من كشف عن حقيقة الروح، ومرآة تظهر نقاء الفطرة، وبرهان على صدق الإيمان.
إنها ليست مجرد إقرار لفظي، بل هي تجل لمعنى العبودية الحقة، التي تحول كل حركة وسكون إلى تسبيح، وكل نفس إلى ذكر.
لبيك اللهم لبيك... لا شريك لك لبيك... إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك. هو اعتراف لا يغادر منه القلب أدنى ذرة شرك، وتجرد لا يبقي للذات شيئًا، وانصهار في وحدانية الحق، يرتفع بالعبد عن كل ما يدنس، ويقربه من كل ما يقدس.
فسبحان من أودع في قلوب عباده سر الشوق، ونفح فيها من روح الإيمان، حتى إذا نادى، لبت له الأرواح بصادق العبودية، وهامت له النفوس بخالص المحبة!
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|