مديرة الموقع المؤسس - إجازة في الأدب ودراسات عليا في التاريخ - القصة والمقالة والنثر، والبحث ومختلف أصناف الأدب - مهتمة بتنقيح التاريخ - ناشطة في مجال حقوق الإنسان
حين يورق العشق - الكتاب الفلسطيني - طلعت سقيرق
[align=justify]أجل .. وكما توقعتَ تماما يا صاحبي فأنا أعني بشكل حرفيّ البلد ليس إلا.. أذكر كلّ ما قلته لي عن ذكرياتك وخواطرك وأمنياتك، وكيف كنتَ ترسم الصور على شكل عصافير تطير إلى هناك وتحطّ فوق الدار .. أتذكر عندما أضحكني رسم لك عن شجرة البرتقال .. قلتُ لك يومها : " هذه الشجرة تشبه كل شيء إلا الشجر .. بإمكانك أن تكتب عليها شجرة حتى يعرف الناس أنها كذلك ".. نظرتَ في عينيّ مطولا وقلتَ لي :" لنفترض أنّ الرسم يا صاحبي غير واضح .. لكن عشقي للوطن ولكل بيت وشارع وشجرة فيه واضح .. ألا يكفي هذا؟؟..".. قلت لك :" هذا صحيح لكنه لن يغير في الأمر شيئا أقصد الموهبة ، فأنت يا صاحبي رسام فاشل ".. قلتَ لي :" ليكن لكن بإمكانك التأكد أنني أوصلت لك الرسالة"..وضحكنا معا ..
كنت تصر على أنّ العشق يورق حين يكون للوطن، وكان الجدل بيننا ومازال على أنّ قصائدي للبلد تحمل نكهة الروح والريحان والسحر الجميل ، بينما لا يكون ذلك في قصائد الغزل .. أذكر إصرارك على أن عشق البلد وكتابة الشعر له يعني توسّعا بينما الكتابة للحبيبة لا يعني إلا شخصا واحدا هو هذه الحبيبة .. وأجبتك أنّ كل كتابة في البداية تكون لفرد أو لشخص ما دامت في طور التأليف الأولي ، ثم تنتقل لتكون لكل قارئ عند نشر العمل أو إذاعته أو إيصاله .. كما شرحت لك أنّ الكتابة للوطن حبّ وعشق وأن الكتابة للحبيبة وطن أيضا من هذه الزاوية أو تلك .. أتذكر ؟؟..
هل ابتعدت السنوات بنا كثيرا ؟؟.. هل هبت ريح دوران الزمن في حمى التسارع ليصير ما قلناه في ذاكرة زمن بعيد ؟؟. لا أريد الآن استعادة ما كان .. لا أريد يا صاحبي وبصدق أن أستعيد حالة النقاش والحوار وهذا الحماس المنقطع النظير للفكرة .. لا أدري أين أنت الآن ، لكن مازالت الأفكار هي الأفكار ، وما زالت النقاشات هي النقاشات ، هي فلسفة العيش والنظر إلى ما يحيط بنا نظرة تأمل ترفض دائما الركون لأي رأي منجز ، حتى المثبت يحتاج أحيانا إلى تحريك فكري كي نحفظه ونحتفظ به على اقل تقدير،هذا شيء نهائي بالنسبة لنا ..
أعود إلى عشق البلد أي النقطة التي بدأت بها .. قد أرى من جديد أن الكتابة لا تتخلى عن معطيات البلد في أي إبداع ، طبعا لا أريد الادعاء أنّ كل شيء يمكن تسريبه أو جعله بشكل ما حالة وطنية .. هنا أشير إلى أنّ الكتابات التي تمضي نحو الوطن تكون مستندة على أرضية الكاتب الإبداعية الطويلة والمصرة بالتأكيد على التماهي مع كل ما هو وطني .. أنت تشم رائحة البلد في الكتابة حين يكون الكاتب مشتعلا بحب البلد.. من هنا القدرة على النظر إلى كل الأشياء بعين بصيرة لا يصعب عليها التمييز والاختيار واستخراج الحكم الصائب دون كثير عناء .. ولأن البلد عشق ، وحب كبير ، وأمل وعنفوان ودخول في الحروف حبا ، فإن الكتابة لا تذهب بعيدا عنه حيث هو المحيط الكبير الذي يضمّ كل شيء .. وبالتأكيد حين يورق العشق ، عشق البلد ، تكون كل دقات القلب منه إليه..