عن 'ماتيسر من صورتها' للشاعرة ماجدة الظاهري -نصيرة تختوخ
آهِلَةً بالشِّعر والأنوثة وتونس تطل الشاعرة ماجدة الظاهري بديوانها الجديد '' ماتيسر من صورتها '' ، الصادر في فبراير 2015عن دار ميزوبوتاميا، لتسجل مُوَاصَلَةً جديدة لرحلة القصيدة العنيدة وصعودها من العمق إلى المقروء المحسوس.
يستقبل الديوان القارئ بأبواب وحبيبات وشرفة واحدة كقصيدة مُرْبِكَةٍ أولى بما فيها من جمال يحث على الاستمرار في استكشاف النصوص الأخرى لكنه يصيب بالرغبة في إعادة قراءة ذات القصيدة مرَّاتٍ ومرَّات لعلها تفصح عن أسرارها أكثر. تقول الشاعرة فيها:'' مرتبكة أنا/ وكأنّي أنا وأنت / تساقطت علينا الفواكه كلّها/ وبلّلتنا بالندى/ والندى يحسبه العشاق مثلنا / مسك الختام '' وتطلق في خاتمة القصيدة أمرًا ودليلاً ولغزًا:''واغسل/ نقوش الأولين/ تجد البريق مواليا/ لما تضمره الأبواب/ لشرفة واحدة.''
إنّها ماجدة الظاهري المنتمية لبيئتها التونسية المتوسطية بامتياز تعرف كيف تعفر سطورها بالإحساس وترشّها بالأصوات والكائنات والألوان لتحيا وتتناغم. لا يزعجها تفاوت جملها الشعرية في الطول لكن يبدو واضحًا أنّها اشتغلت على ملئ سلال نصوصها بما يكفي من رقّة ومعانٍ لاتقصر في حق جودة الشّعر.
في قصيدتها ''اعترافات' حيث الأنثى لاتهاب كشف تناقضاتها بين نقمة على التعلق ومحاولات للخلاص عكس شهية إرادتها ، تبوح بقوّة مؤلمةِ الرّقة:'' وجّهتُ بوصلة البوح إلى وجهةٍ/ لاتدلُّ عليك/ سيّجتها بصُبّار الأماني/ شيء ما يخِزُني/كلّما استدرجتني رياح النَّواحِ/ وأجبرتني على الالتلفات/ يلتوي عُنقي/ وأمضي أسترق الالتفات إليك.''
للوطن الذي أشعل البوعزيزي شرارة ثورته بما شهد من تقلبات وترقب وحسرة حضوره المعلن في العناوين وذلك المختبئ في نسق يشير إلى التباس واقعه بواقع ملامح الحياة فيه.
نجد الشاعرة تتنقل من سيدي بوزيد إلى الشاهد والشهيد إلى تعاطفها الإنساني مع ضحايا الحروب والمعاناة في العالم العربي كاشفة الاتصال لا الانفصال. وإن كان الانتماء العربي الجامع دخل دائرة الرّشق بالسكاكين عند البعض فهو عند الشاعرة مثير للتعاطف والإحساس بالقدر المتشابه.
في قصيدتها لنا هذه البلاد...فلتنتفض الكلمات تذكر البلدان التي عرفت ثورات '' الربيع العربي'' تغرس الشموخ وتعدل قامة الأمل في طريق القصيدة قائلة:'' إرحل إرحل إرحل / هنا تونس أيقونة في السّماء/ لا النيل استبدل زرقته بدم القرابين/ ولا شجرة دمِ الأخوين في سقطرة / كفّت عن نزف دمها / لتشي بالقاتل والمقتول في اليمن / ولا شامة الشام /سقطت من زند صبية/ استشهدت في شارعين/ شيعت جنازتها في مدينتين/ ما اتّسع لجثمانها قبر من القبرين ..... لا غزالةُ طرابلس كفّت عن تمزيقِ الرداءِ إرباً إربا/...ولا العراقُ انحنى نخلُهُ.../ولا مفاتيحُ بيوتِ القدسِ أصابَها الصدأ/...ولا دمعُ المبكى أزاحَ سيّدةَ المدائنِ عن عرشِها/......../ونعلن جهرًا لنا هذه البلاد/فلتنتفض الكلمات ''.
للإيجاز يناسب الشاعرة التي صدر لها في 2010 ديوان ''ترانيم الماء '' القول بأنها تتقدم باثني وثلاثين قصيدة في ''ماتيسر من صورتها'' بمهارة وثراء أسلوب ولغة شعرية متميزة تليق بمن أوتوا الموهبة والكفاءة . فغير منغلقة بضيق على ثيمة واحدة ومنفلتة من التكرار تكشف اتساع آفاقها وتؤثث صورها بتدرجات ألوان الإحساس و مفردات الطبيعة و حتى الأسطورة التي تشتغل عليها فتتقمص وظيفتها في النص الشعري بنجاح.
Nassira –22-3-2015
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|