رد: أهديك نصاً ( مشاركة عامة )
كلّ هذا الورق
خيري حمدان
أخشى أحياناً حرمة الورق الأبيض .. لكنّه يتحدّاني، يرفع في وجهي عذريته، لا يقبل سوى وهج الكلام. يغامر بقلع أظافري، ويفرح كحسناء ترفد على ناقة .. حافية القدمين. تركض في عتمة الليل لتلقى نهارك الآخر.
أخشى الورق الأبيض المنمّق الذي يوحي دائماً بالبراءة.
أركض بين الأسطر دون توقف. كالعادة، أخطف قبلة من شفتيك قبل أن تدركي معنى الرفض. تبتلعك الدهشة وعندها تطلبين المزيد.
أحتاج كلّ هذه التفاصيل .. فنجان القهوة عند الصباح وزعيق الأطفال من حولي ، تبدو ابتسامتك رسالة واعدة. ضعي أحمر الشفاه، لا تضنّي عليّ ببعض الجمال.
أحتاج كلّ هذه التفاصيل. أدرس تضاريس نظراتك .. لا دمع اليوم على وجنتيك. أخذت تتقنين فنون الفرح، هذا أمر لم أكن أتوقعه. ربّما تاه الحزن عن بيتك بعض الوقت.
ما أجمل المهمازين على وجنتيك حين تنفرج شفتاك وترتفع يدك نحوي. لا تصمتي الآن سيدتي، دعِ الياسمين ينهال من فيك.
أعشق تفاصيل نهارك. يأخذك الحديث فجأة ، تلوّحين بيديك وتضحكين .. شاهدتك كيف تمتطين السحاب وترتفعين بعيداً عن مجال هموم اللحظة.
أنت امرأة أحجية! كيف اختزلت كلّ هذه الأنوثة في ذاك الثوب؟.
قلبي من يستمع اليوم إليك .. تتسارع نبضاته، تتباطأ وفقاً لخلجاتك.
أعشق تفاصيل امسياتك .. وكأنك تتابعين أحداث مسلسل دراماتيكيّ. لكن نظراتك تلاحقني .. أكاد أسمع صوت الهواء الصاعد الى رئتيك. تأتين دون دعوة، تمسكين كفّي ، تضعيها فوق خدّك .. تذوبين في مِرْجل الجسد الملتهب شوقاً.
أنت من يحسن ارتداء أيامي.
أخشى كلّ هذا الورق الأبيض!.
يرسمني القلم .. يخذلني، يسلّمني لأول عابر طريق يقرأني ويستبيح ذاكرتي.
يرسمني القلم .. يهرب فوق الورق الأبيض تاركاً بصمات روحي .. يناجي تعاريج القدر، يتركني عرضةً لبائعات الهوى القابعات عند مفترق الطرق.
يذبحني الناي حين يرنو فوق الرؤوس.
يتوافد المدعوون صامتين إجلالاً.
وأنت لم تتوقفي لحظة واحدة عن سفك جسدي في انتظار لحظة انعتاق.
أضرمي بعض النار .. أوقدي الحطب تعبت من وقع حبّات المطر.
أكملي الحكاية فكلّ هذا الورق في انتظارك ..
أكملي حكاية توحدّي واجذابي نحو جنونك قبل أن تطفئي الأضواء .. قبل أن تزيلي ما تراكم من بقايا شموع.
|