انين الطبشور.... د.نوال بكيز
في زاوية من قسم مكتظ، تجلس أستاذة عتيقة، لم تعد كما كانت، شابة مليئة بالحيوية، تدرس بشغف و حب و أمل، اليوم وقد أصبحت خمسينية أنهكها الزمن، تدرس بالواجب و ما تبقى من تعب السنين الطويلة.
أستاذة قضت عمرها بين الدفاتر و الوجوه.
أستاذة بات صوتها يخبو في ضجيج تلاميذ لا يصغون، لا يبالون، لا يهدؤون.
في كل صباح تتجه إلى الثانوية بخطى متثاقلة، ليس لأن الشغف قد مات، بل لأن الجسد لم يعد يقوى على ماكان، حرارة الفصل تخنق الأنفاس، و المكتب لم يعد ملاذا تحن اليه، و القسم أصبح مسرحا للفوضى اكثر منه لطلب العلم.
وسط الضجيج تراها واقفة، تسكت الصخب بحزم و روية التجربة الطويلة، و تبتلع التعب لتشرح و تعيد، لتتحمل وتصبر..
عزاؤها الوحيد، هو تلك الفئة القليلة التي مازالت تتطلع إليها بعيون مهتمة، تمسك قلمها بحب، لتدون بشغف ما تقوله الأستاذة. تسأل و تجيب ، تصغي و تحاول..
هي نفس الفئة التي تاتي لتسال عن الأستاذة، وتقبل راسها، بعيون تفيض تقديرا و احتراما و محبة : "اشتقنا لك استاذة و لدرسك القديم... تمنينا ان تدرسي لنا هذه السنة ايضا و كل سنة..."
مثل هذه الكلمات الصادقة، كانت كفيلة لتغمرها بدفء لاينتهي، وتبعث في نفسها فخرا واعتزازا لا يوصف.
وحدها هذه الفئة تجعل الأستاذة تتشبث ببقايا الأمل، ربما لتزرع شيئا لن تراه!!؟
فمثل هذه العيون التي كانت تتابعها بشغف، و مثل هذه الأرواح التي لا زالت تؤمن بالعلم، هم البقية الباقية من حلم لم يمت تماما وان بدا باهتا محتشما، هم وحدهم من يمدونها بالقوة لتكمل رساليتها و لو بظل منهك و نبض متعب، ولسان حالها يقول: "خلف كل جيل صاخب لا بد و ان هناك عقولا صغيرة تنتظر ان تضاء. فالتعليم رسالة قبل أن يكون وظيفة لانه يصنع العقول و يشكل الأجيال." و فجاة عادت الابتسامة الى محياها، بعد ان اطمانت الى ان ما زرعته لن ينتهي، بل سيضل شعلة تضئ دروب مستقبل شاركت هي و امثالها في صنعه.
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|